شؤون آسيوية – ديما دعبول –
تشهد العاصمة الصينية بكين خلال الأيام الأخيرة نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً بين روسيا والصين يعكس عمق التحول الجاري في العلاقات بين البلدين.
فقد عقدت سلسلة لقاءات رفيعة المستوى بين الرئيس الصيني شي جينبينغ ورئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشودستين إلى جانب اجتماعات ضمت وزيري الخارجية ومسؤولين حكوميين واقتصاديين.
الهدف المعلن هو توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز التنسيق السياسي والأمني في ظل بيئة دولية يصفها الطرفان بأنها غير مستقرة وغير متوازنة.
ملفات اقتصادية تتقدم على جدول الأعمال
المحادثات ركزت على تطوير آليات التبادل التجاري خارج المنظومة الغربية وتوسيع التعامل بالعملات المحلية وتقليص الاعتماد على الدولار.
كما تم الاتفاق على تسريع مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود بما في ذلك تطوير الممرات البرية والسككية وتحسين قدرات النقل بين الشرق الأقصى الروسي والأقاليم الصينية الشمالية.
وتناول الجانبان ملفات الطاقة وعلى رأسها مشروع “قوة سيبيريا 2” الذي يُتوقع أن يعزز إمدادات الغاز الروسي إلى الصين في السنوات المقبلة، كما شملت المباحثات التعاون في مجالات الفضاء والتكنولوجيا العالية والاستثمار الصناعي المشترك.
تنسيق سياسي وأمني متزايد
الجانبان أكدا التزامهما بتكثيف التنسيق في المواقف الدولية. فقد أوضح شي جينبينغ أن الصين تعتبر الشراكة مع روسيا خياراً استراتيجياً ثابتاً وتركز على حماية المصالح المشتركة في مواجهة الضغوط الخارجية.
بينما شدد ميشودستين على أن روسيا ترى في التعاون مع الصين ضماناً للاستقرار في عالم يشهد تحولات سريعة مؤكداً أن موسكو وبكين تتعاملان بثقة وتكافؤ كاملين.
هذا الخطاب يعكس رغبة متبادلة في تثبيت موقع البلدين كقوة موازنة للنفوذ الغربي دون إعلان تحالف عسكري رسمي.
تصريحات رسمية تؤكد عمق التفاهم
وزارة الخارجية الروسية وصفت المحادثات بأنها بناءة وفعالة مشيرة إلى إطلاق مشاريع جديدة في مجالات الصناعة والطاقة والبحث العلمي، في المقابل أكدت وزارة الخارجية الصينية أن التعاون الشامل بين البلدين أصبح عنصراً أساسياً في استقرار العلاقات الدولية.
كما تناول لقاء وزيري الخارجية سيرغي لافروف ووانغ يي القضايا الإقليمية الحساسة خصوصاً الملف الأوكراني وتطورات شرق آسيا مع التأكيد على استمرار التنسيق في المنظمات الدولية لتوحيد المواقف.
دوافع ومصالح متبادلة
تقارير وجدت أن موسكو تسعى عبر هذا التقارب إلى تعويض خسائرها في الأسواق الأوروبية والعقوبات الغربية من خلال تعميق التعاون مع الصين التي تمثل شريكاً اقتصادياً محورياً، في المقابل تستفيد بكين من تأمين مصادر طاقة مستقرة ومن نقل خبرات صناعية وتكنولوجية روسية مع الحفاظ على توازنها في علاقاتها مع الغرب.
وتشير المخرجات إلى أن الشراكة الروسية الصينية تتجه نحو ترسيخ قاعدة اقتصادية واسعة مدعومة بإطار سياسي متين.
خاتمة
يمكن القول إن المحادثات الأخيرة في بكين لم تكن بروتوكولية بل تمثل مرحلة جديدة من التفاهم العميق بين موسكو وبكين، فالمؤشرات جميعها تدل على أن البلدين يمضيان نحو بناء منظومة تعاون طويلة الأمد تجمع بين المصالح الاقتصادية والتنسيق السياسي دون تحالف رسمي.
ومع استمرار التحولات الدولية يُتوقع أن تشهد الأشهر المقبلة مزيداً من الاتفاقات التفصيلية خاصة في مجالات الطاقة والتجارة والتكنولوجيا ما يجعل هذا التقارب أحد أبرز التحولات الجيوسياسية في آسيا عام 2025.

