من طريق الحرير إلى طريق التنمية: العلاقات الصينية الكويتية نحو آفاق أوسع

شؤون آسيوية – ديما دعبول  –

في عالم يشهد تغيرات سريعة على الأصعدة الجيوسياسية والاقتصادية، تتجه الدول الصغيرة والمتوسطة إلى بناء شراكات استراتيجية تعزز من حضورها الإقليمي والدولي، وتُعد العلاقة بين دولة الكويت وجمهورية الصين الشعبية مثالاً حياً على هذا النهج الذكي، حيث استطاع البلدان، رغم اختلاف الحجم والنظام السياسي والتاريخ الثقافي، بناء علاقات قوية ومتعددة الأبعاد.

أولاً: الجذور التاريخية للعلاقات الثنائية

تعود جذور العلاقات بين الكويت والصين إلى بدايات السبعينيات من القرن العشرين، عندما كانت ملامح النظام الدولي تتشكل من جديد بعد الحرب الباردة، ففي عام 1971 أصبحت الكويت أول دولة خليجية تعترف رسمياً بجمهورية الصين الشعبية، وهو قرار عكس استقلالية السياسة الكويتية ورؤيتها المستقبلية للوزن الدولي المتصاعد للصين.

لم تكن هذه الخطوة دبلوماسية فقط، بل حملت في طياتها نوايا استراتيجية لبناء علاقات اقتصادية وثقافية مع قوة آسيوية ناشئة، وقد بدأ البلدان منذ تلك المرحلة في إقامة قنوات للتواصل، وتوقيع اتفاقيات تمهيدية شملت مجالات التعاون التجاري والدبلوماسي.

ثانياً: العلاقات الاقتصادية والتجارية

  1. التجارة البينية: تصاعد وتنوع

تشهد العلاقات الاقتصادية بين الصين والكويت نمواً ملحوظاً، حيث أصبحت الصين في السنوات الأخيرة أحد أكبر الشركاء التجاريين للكويت، وتُعد الكويت من أهم مورّدي النفط الخام للصين، بينما تستورد الكويت من الصين العديد من المنتجات الصناعية والإلكترونية، والمواد الاستهلاكية.

تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، مع مؤشرات واضحة على النمو المستمر، هذا التوسع لم يقتصر فقط على الصادرات والواردات، بل شمل أيضاً مشاريع استثمارية ضخمة.

  1. مبادرة الحزام والطريق: فرصة استراتيجية للكويت

من أبرز محاور التعاون هو انضمام الكويت إلى مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، وهي خطة ضخمة تسعى الصين من خلالها إلى تعزيز الربط التجاري والبنية التحتية عبر آسيا وأفريقيا وأوروبا.

تسعى الكويت من خلال هذه المبادرة إلى لعب دور محوري كمركز لوجستي في الخليج العربي، عبر تطوير ميناء مبارك الكبير، ومشروع “مدينة الحرير”، وربطها بشبكات النقل الآسيوية. وتمثل هذه المشاريع جزءاً من رؤية الكويت 2035، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط.

  1. قطاع الطاقة: من التصدير إلى الشراكة الصناعية

تُعد الطاقة ركيزة محورية في التعاون بين الصين والكويت. فالصين تمثل واحدة من أكبر مستوردي النفط الكويتي، غير أن الشراكة توسعت لتشمل استثمارات مشتركة في مصافي التكرير، وتعاوناً في مشاريع البتروكيماويات، وقد ساهمت شركات النفط الصينية والكويتية في تطوير منشآت صناعية داخل الصين وخارجها.

ثالثاً: التعاون السياسي والدبلوماسي

  1. الثوابت المشتركة في السياسة الخارجية

تشترك الكويت والصين في عدد من المبادئ السياسية، أبرزها احترام السيادة الوطنية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والسعي إلى الحل السلمي للنزاعات، هذه المبادئ أسهمت في تعزيز الثقة السياسية بين البلدين، وجعلت العلاقة أكثر استقراراً مقارنة بعلاقات أخرى في الإقليم.

  1. الموقف من القضايا الإقليمية والدولية

دعمت الصين دائماً موقف الكويت في مواجهة التهديدات الإقليمية، بما في ذلك تأييدها للشرعية الكويتية خلال الغزو العراقي عام 1990، كما تساند الصين الجهود الكويتية في الوساطة الإقليمية، خاصة في النزاعات الخليجية.

وفي المقابل، تلتزم الكويت بمبدأ “الصين الواحدة”، وتؤكد دعمها للسيادة الصينية على تايوان وهونغ كونغ، وقد تجلّى هذا التناغم في عدة محافل دولية مثل الأمم المتحدة، حيث تبادل البلدان الدعم في قضايا حساسة للطرفين.

  1. التعاون الأمني والعسكري

رغم أن التعاون الأمني بين الصين والكويت ما زال محدوداً نسبياً مقارنة بالمجال الاقتصادي، إلا أن هناك خطوات تدريجية في هذا الجانب، تشمل تبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب، وتكنولوجيا الاتصالات، والمراقبة الحدودية.

رابعاً: العلاقات الثقافية والتعليمية

  1. التبادل الثقافي والتعليمي

تزايد الاهتمام في السنوات الأخيرة بتعزيز التبادل الثقافي بين البلدين، وقد أنشأت الصين “معهد كونفوشيوس” في الكويت لتعليم اللغة الصينية ونشر الثقافة الصينية، وهو ما لاقى إقبالاً من الطلبة الكويتيين.

في المقابل، ترسل الكويت طلاباً للدراسة في الجامعات الصينية، خاصة في مجالات مثل الطب، والهندسة، والعلوم وتُمنح سنوياً عدد من المنح الدراسية من الحكومة الصينية للطلبة الكويتيين ضمن برامج التبادل الأكاديمي.

  1. الفعاليات الثقافية والفنية

نظّمت السفارة الصينية في الكويت العديد من الفعاليات الثقافية التي تعرّف الشعب الكويتي على الفنون الصينية، مثل عروض الأوبرا الصينية، ومعارض الخط والرسم، وأسابيع السينما. كما شهدت الصين فعاليات تعريفية بالثقافة الخليجية والكويتية، الأمر الذي أسهم في بناء جسور من التفاهم الشعبي بين البلدين.

خامساً: التحديات التي تواجه العلاقات الثنائية

  1. اختلال الميزان التجاري

رغم تنامي التجارة، فإن الميزان التجاري يميل لصالح الصين، بسبب اعتماد الكويت على الاستيراد من الصين دون مقابل صناعي كويتي مماثل ويشكل هذا تحدياً يجب التعامل معه عبر تحفيز الصادرات غير النفطية وتطوير الصناعات الوطنية.

  1. تأثيرات التنافس الدولي في الخليج

التصاعد في التنافس الدولي بين الولايات المتحدة والصين قد يضع الدول الخليجية ومنها الكويت في مواقف حساسة فعلى الرغم من علاقات الكويت الوثيقة مع الغرب، فإنها تسعى إلى الحفاظ على توازن في علاقتها مع الصين، ما يتطلب دبلوماسية دقيقة.

  1. التكنولوجيا والتأثير الرقمي

تثير بعض مشروعات التعاون في المجال التكنولوجي، خصوصاً في شبكات الاتصال، أسئلة حول الأمن السيبراني والاعتماد على أنظمة صينية وهذا يستلزم وضع أطر قانونية وتنظيمية تضمن الأمن الوطني مع استمرار الاستفادة من الخبرات الصينية.

سادساً: آفاق المستقبل

من المتوقع أن تشهد العلاقات الصينية الكويتية تطوراً أعمق في السنوات القادمة، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، والطاقة المتجددة، والتعليم الرقمي، والسياحة.

كما أن تطور دور الصين في الخليج، كوسيط سلام ومورّد للتكنولوجيا، قد يفتح آفاقاً جديدة أمام الكويت لتوسيع شراكتها مع آسيا بعيداً عن الاعتماد التقليدي على الغرب.

ولا شك أن الرؤية الكويتية 2035، التي تركز على تحويل الكويت إلى مركز اقتصادي وتجاري عالمي، تتلاقى مع التوجه الصيني نحو توسيع النفوذ التجاري عبر مبادرة الحزام والطريق.

 

العلاقات الصينية الكويتية ليست مجرد تبادل تجاري أو دبلوماسي، بل تمثل نموذجاً متطوراً لتفاعل حضاري بين دولتين مختلفتين في كل شيء تقريباً، إلا أنهما نجحتا في بناء علاقة ناضجة وواقعية، تحترم الخصوصيات وتسعى إلى المصالح المشتركة.

وبينما تمضي الصين في طريقها نحو تعزيز مكانتها كقوة عالمية، تعمل الكويت على توظيف هذه الشراكة بما يخدم تطلعاتها الوطنية ورؤيتها المستقبلية وستظل هذه العلاقة، إذا أُديرت بحكمة ومرونة، واحدة من أبرز قصص النجاح في العلاقات العربية الآسيوية.

 

*صحافية سورية

**ينشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *