الرئيسية بلوق

مكالمة قد تغير التاريخ: لحظة ترامب وبيزشكيان لإحلال السلام

شؤون آسيوية – بقلم سيد حسين موسويان*/

أعربت إدارة ترامب القادمة عن دعمها لحل تفاوضي مع إيران بشأن جميع القضايا العالقة. وعسندما سُئل عن رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، قال الرئيس المنتخب ترامب ببساطة: “أتمنى له التوفيق”.
أثناء حملته الرئاسية لعام 2024، أشار ترامب إلى أن سياسته تجاه إيران في ولايته الثانية ستكون “مختلفة جدًا” عن سياسته في ولايته الأولى. فقد رفض سياسة “تغيير النظام” وأكد أنه يريد لإيران النجاح، لكنه يعارض أيضًا امتلاك البلاد للأسلحة النووية.
في سبتمبر/أيلول 2024، أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أن طهران مستعدة للحوار “البناء” و”مستعدة للانخراط” مع الغرب بشأن الطاقة النووية، والاستعداد لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك، سيكون من الصعب سد الفجوات بين واشنطن وطهران. وإذا رغب ترامب في كسر الجمود من خلال التفاوض مع إيران، فسوف يواجه معارضة شرسة داخل الولايات المتحدة، وفي إيران، وفي المنطقة. وفي الشهر الماضي، دعا عضو مجلس الوزراء الإسرائيلي السابق بيني غانتس إلى استهداف إيران “بشكل مباشر”.
وإذا افترضنا أن ترامب يريد بديلاً لصراع آخر لا نهاية له، فإن الخطوة الأولى يجب أن تكون اتفاقًا نوويًا جديدًا مع إيران. ومن المرجح أن ترغب إسرائيل في تفكيك قدرات التخصيب الإيرانية. ولكن عندما كنت المتحدث باسم الفريق النووي الإيراني (2003-2005)، في اجتماع خاص، قال آية الله خامنئي لروحاني – كبير المفاوضين النوويين الإيرانيين آنذاك – “إذا تخلت إيران عن حقها في التخصيب، فسيتعين علي إما أن يحدث ذلك بعد وفاتي، أو سأضطر إلى الاستقالة من القيادة”. وبالتالي فإن فرض هذا الخيار من المرجح أن يعني فشل المفاوضات، تمامًا كما فشلت في الفترة من 2003 إلى 2013.
ولكن إذا كان الهدف الرئيسي لترامب هو ضمان عدم حصول إيران على قنبلة نووية، فهو يحتاج إلى خطة من شأنها أن تمنع بشكل دائم الحصول على القنابل النووية ليس فقط من قبل إيران ولكن أيضًا من قبل دول طموحة أخرى في المنطقة. وكما حذر الرئيس بايدن، “إذا حصلت إيران على القنبلة، فإن المملكة العربية السعودية وتركيا ومصر ستتبعها”.
فيما يلي عناصر هذه الخطة:
أولاً، كما في الاتفاق النووي مع إيران الذي أبرمته إدارة أوباما، توافق إيران على الشفافية الكاملة لبرامجها النووية وأعلى مستوى من إجراءات التحقق من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ثانياً، المبادئ الأساسية للاتفاق هي أنه ينطبق على جميع البلدان في المنطقة، مما يجعل من الممكن جعل القيود الرئيسية على منع الانتشار النووي في الاتفاق دائمة، بما في ذلك الحد من تخصيب اليورانيوم إلى أقل من 5٪ وعدم فصل البلوتونيوم عن الوقود المستنفد.
ثالثًا، بعد تنفيذ اتفاق نووي جديد، ستحتاج واشنطن وطهران إلى الانخراط في مناقشات حول الأمن الإقليمي. يجب على البلدين تعليق جميع التهديدات والأعمال العدائية مؤقتًا كخطوة أولى وبادرة حسن نية.
قبل بضع سنوات، أخبرني روبرت إينهورن، المفاوض النووي الأمريكي آنذاك، أنه “عندما نثير ضرورة المحادثات الإقليمية، يعتقد بعض الإيرانيين خطأً أننا نعني تفكيك قدرات الصواريخ والدفاع الإيرانية. “إن كل الدول بما في ذلك إيران لها الحق في القدرات الدفاعية التي تحتاجها. ونحن ندرك أن إيران، مثلنا، لديها مخاوفها الأمنية الخاصة. لذلك يجب على الجانبين الانخراط في حوار جاد وعادل لمعالجة المخاوف المشروعة والقانونية لكل منهما وإيجاد حل متوازن”.
آية الله خامنئي هو صانع القرار النهائي فيما يتعلق بعلاقات إيران مع الولايات المتحدة. في 8 يناير 2024، قال إن الولايات المتحدة معادية بشكل أساسي للأمة الإيرانية والجمهورية الإسلامية، وتتمنى تدمير إيران. وبناءً على العقود العديدة من الفهم الذي لدي لآرائه، أعتقد أن جوهر مخاوفه بشأن العلاقات مع الولايات المتحدة يمكن تلخيصه في ثلاث نقاط رئيسية: التهديد لاستقلال إيران من خلال التدخل في الشؤون الداخلية، وسياسة “تغيير النظام” وعدم احترام المصالح الوطنية الإيرانية والاعتراف بها.
من ناحية أخرى، خلال خمسة عشر عامًا من البحث في جامعة برينستون حول العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، أعتقد أن “تحدي وتهديد المصالح الأمريكية في المنطقة” هو الشاغل الأكثر أهمية للولايات المتحدة فيما يتعلق بسياسات إيران بعد ثورة 1979.
إذا كان من المقرر أن يكون هناك اتفاق عادل ومتوازن، فيجب على كل من العاصمتين الاعتراف بالمصالح الإقليمية المشروعة لكل منهما والالتزام بعدم تهديد تلك المصالح. وهذا يتطلب إعادة تنظيم استراتيجياتهما الأمنية والدبلوماسية الإقليمية، وخاصة مع حلفائهما الرئيسيين.
علاوة على ذلك، فإن الاتفاق يتطلب نموذجاً موثوقاً ومستداماً للاستقرار والسلام الإقليميين. ويمكن لإيران والعراق والمملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى في الخليج الفارسي تحقيق مثل هذا الترتيب من خلال إطار أمني واقتصادي جماعي جديد على غرار منظمة الأمن والتعاون في أوروبا.
ومن شأن هذا الترتيب أن يسهل إقامة علاقات متوازنة وطبيعية مع الكتلتين الغربية والشرقية؛ وترتيبات ضبط الأسلحة الإقليمية بما في ذلك منطقة خالية من الأسلحة النووية وخفض القوات العسكرية الأميركية والنفقات في المنطقة.
ويمكن للاتفاق أيضاً أن يربط بين وقف الصراع العسكري بين إيران وإسرائيل وحل عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين كما تقتضي قرارات الأمم المتحدة المتعددة.
وأخيراً، يمكن أن يشمل الاتفاق أيضاً تعاوناً اقتصادياً كبيراً بين الولايات المتحدة وإيران، والذي قد يشمل مشاريع تبلغ قيمتها مئات المليارات من الدولارات في قطاعات مثل البتروكيماويات والطيران والطاقة النظيفة. وهذا من شأنه أن يخلق مصالح اقتصادية كبرى في الاتفاق داخل البلدين، مما يجعل الترتيبات الجديدة أكثر قوة.
في أول يوم له في منصبه في البيت الأبيض، قد يتفق الرئيس ترامب في محادثة هاتفية مع نظيره الإيراني، الرئيس بيزيشكيان، على أن يبادر مبعوثون خاصون من كلا البلدين إلى البدء في محادثات مباشرة من أجل التوصل إلى مثل هذا الاتفاق العادل والمستدام والتاريخي.

*سيد حسين موسويان هو متخصص في الأمن والسياسة النووية في الشرق الأوسط في جامعة برينستون.

المصدر: صحيفة ذا هيل

هل يُخيّب ترامب آمال نتنياهو؟

0

د. هيثم مزاحم **

يقول الكاتب الإسرائيلي إيتان غلبواع في مقالة في صحيفة معاريف العبرية إن اليمين المتطرف في الكيان الإسرائيلي قد فرح عندما فاز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية في انتخابات 2024؛ حيث اعتقد هذا اليمين المتطرف أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل ستكون أكثر قربًا وأفضل مما كانت عليه في فترة إدارة الرئيس جو بايدن.

وأوضح غلبواع أن المسؤولين في حكومة نتنياهو قد ألمحوا إلى أن ترامب يمكن أن يأمر بعملية عسكرية مشتركة بين إسرائيل والولايات المتحدة ضد المنشآت النووية في إيران، أو على الأقل لن يعارض، مثل بايدن، هجومًا إسرائيليًا. كما إن وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش قد أعلن أن سنة 2025 ستكون سنة بدء فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة؛ أي ضم الضفة إلى الكيان، كما جرى ضم الجولان السوري والقدس، ونالا اعتراف ترامب بالضم خلال ولايته الأولى.

ويرى هذا الكاتب الإسرائيلي أن “تأثير ترامب في اتفاق وقف الحرب في غزة وإطلاق الأسرى هو مؤشر على ما سيأتي، ويمكن أن يخيب أمل مَن ينتظر إطلاق حرّية اليد الإسرائيلية في المنطقة”.

فمنذ فوزه في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، طلب ترامب من نتنياهو إنهاء مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة قبل حفل تنصيبه ودخوله البيت الأبيض يوم 20 يناير، لكن نتنياهو اعتقد أنه من الأفضل تأجيل الاتفاق إلى ما بعد حفل التنصيب كي يعطي ترامب الفضل في ذلك، إلّا أنه لم يفهم أن لدى ترامب أولويات مُغايِرة. فعندما اقترب موعد التنصيب ولم يتحقق تقدّم كافٍ في مفاوضات الدوحة، استخدم ترامب ورجاله مجموعة ضغوط على كل الأطراف المعنية، وضِمنهم نتنياهو، من أجل الوفاء بالموعد المحدد.

ترامب يعرف نتنياهو جيدًا، ويعلم أنه لا يمكن الثقة به ولا الاعتماد عليه، لذلك أرسل إلى الكيان موفده الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف وايتكوف، وهو تاجر عقارات يهودي، كي يشرح لنتنياهو أن ترامب قصد ما قاله، ولن يقبل أي حيلة لإفشال الاتفاق. وبعد هذه الزيارة فقط، أرسل نتنياهو رئيس الموساد، ورئيس الشاباك، ومستشاره للأمن القومي نيتسان آلون إلى الدوحة لإنهاء الاتفاق. وشرح نتنياهو لبن غفير وسموتريتش أنه لا يوجد مفر، وأنه يجب الموافقة على ما يريده ترامب من أجل الحصول منه على مواقف مؤيدة إزاء موضوعات أُخرى، كإيران والضفة الغربية. “لكن حتى هذا الأمل يجب التعامل معه بحذر”، بحسب غلبواع.

اللافت أن اتفاق وقف إطلاق النار الحالي الذي بدأ سريانه، يشبه كثيرًا الاتفاق الذي اقترحه نتنياهو على بايدن في مايو 2024، لكنه تراجع عنه بسبب تهديدات بن غفير وسموتريتش بإسقاط حكومته. وتبرز في الاتفاق تنازلات تعهد نتنياهو بألّا يقدّمها. فقط الفارق الأساسي بين مايو 2024 ويناير 2025 هو ترامب.

لقد رغب نتنياهو واليمين الإسرائيلي في فوز ترامب لأنهم افترضوا أن العلاقات الإسرائيلية- الأمريكية في ولايته الثانية ستكون مشابهة للعلاقات في ولايته الأولى (2017- 2021). ويُشكك الكثير من الخبراء الإسرائيليين والأمريكيين في أن يكون هذا الافتراض صحيحًا. ففي الولاية الثانية، يصوغ الرؤساء نظام أولويات مختلفًا تمامًا، ويعملون بصورة مختلفة من أجل تحقيقه، وهذا ينطبق على ترامب. ففي الولاية الثانية، يحرص الرؤساء على إرثهم التاريخي. وترامب بدوره يريد أن يترك وراءه إرثًا إيجابيًا، فهو يريد حلولًا في المسائل الخارجية، والحصول على جائزة نوبل للسلام، وقد اعتقد أنه سيحصل عليها بعد “اتفاقات إبراهام”.

يعمل ترامب للظهور كرجل سلام؛ فهو يريد إنهاء الحروب، ولا يريد حروبًا جديدة، كما يريد التركيز على القضايا الداخلية الأمريكية والقيام بإصلاحات مهمة في الهجرة، والأمن، والحدود، والصناعة، والضرائب، والصحة، والتعليم. وفي القضايا الخارجية، يريد ترامب التركيز على الصراع مع الصين، ويتطلع إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط لتحقيق مخططات أكثر أهمية في الداخل والخارج. لذلك، طلب من نتنياهو إنهاء الحرب في غزة، والمحافظة على وقف إطلاق النار في لبنان.

في الشرق الأوسط، هناك قضايا ثلاثة ستشغل ترامب وإسرائيل في الأشهر المقبلة: “اليوم التالي” في غزة، وانضمام السعودية إلى “اتفاقات إبراهام”، وصوغ استراتيجية لوقف القنبلة النووية الإيرانية، بحسب زعمهم. وتحقيق الاستقرار في غزة مطلوب من أجل منع تجدُّد الحرب، ومسؤولو إدارة ترامب، كمسؤولي إدارة بايدن، يتحدثون عن القضاء على حُكم “حماس” عن طريق تمكين السلطة الفلسطينية.

وترامب مُهتم جدًا بانضمام السعودية إلى “اتفاقات إبراهام”؛ أولًا لأن هذا هو السبيل من أجل حصوله على جائزة نوبل للسلام، وثانيًا من أجل الأعمال التجارية مع المملكة الفائقة الثراء، وثالثًا لاستكمال بناء المحور المعادي لإيران. السعودية، من جانبها، تطالب في مقابل التطبيع مع إسرائيل، بإعلان إسرائيلي يتضمن أفقًا سياسيًا للفلسطينيين كحل الدولتين، والحصول على شراكة استراتيجية أمنية واقتصادية مع الولايات المتحدة. لكن إسرائيل ونتنياهو وحكومته المتطرفة ليس لديهم أي استعداد للموافقة على قيام دولة فلسطينية ويطالبون بتغييرات كبيرة في سلوك السلطة الفلسطينية لأعوام طويلة كذريعة للرفض. لكن مطالبة الرياض بأفق سياسي للفلسطينيين وبامتناع إسرائيل عن ضم الضفة الغربية أو عن توسيع كبير للمستوطنات في الضفة، مسائل مقبولة لدى ترامب إذا كان هذا هو الثمن الذي ستُصِر عليه السعودية في مقابل التطبيع. وهذه ستكون نقطة خلاف كبيرة بين ترامب ونتنياهو.

وإذ تخشى إيران من أن يقوم ترامب بفرض عقوبات جديدة عليها أو يعود إلى سياسة “الضغط الأقصى” و”تصفير تصديرها للنفط”، أو أن يقوم بمنح إسرائيل ضوءًا أخضر لمهاجمة منشآتها النووية أو أن يساعدها بذلك، وهي لذلك أعربت عن استعدادها لدخول مفاوضات بشأن اتفاق نووي جديد مع إدارة ترامب. وقد كان هذا موضوع نقاش بين السفير الإيراني في الأمم المتحدة وإيلون ماسك، الذي يرى بعض المراقبين أنه سيكون المسؤول الأكثر تأثيرًا في ترامب داخل إدارته. وقال ترامب إنه ربما يكون مُهتمًا بمفاوضات كهذه، ورغم أنه قد يُلوِّح بالخيار العسكري ضد إيران، لكن ذلك سيكون من أجل الحصول على تنازلات كبيرة من إيران. وبعكس الماضي، أصبحت إيران الآن ضعيفة جدًا بسبب الضربات التي تعرضت لها في أراضيها وفي لبنان وسوريا، وخسارة المحور الشيعي الذي طورته طوال عقود.

وثمة هدف استراتيجي آخر لترامب، وهو تخفيف العلاقات الاستراتيجية بين إيران وروسيا والصين، ويمكن تحقيق ذلك عبر اتفاق نووي. وهو يريد كذلك إنهاء الحرب الأوكرانية من أجل إبعاد روسيا عن الصين، والاستفراد بها، في تكرار معاكس لسيناريو الرئيس ريتشارد نيكسون عندما تحالف مع الصين لإضعاف الاتحاد السوفييتي في سبعينيات القرن العشرين.

ويراهن الصهاينة على أن ترامب يشعر بتعاطف كبير مع إسرائيل، ويتوقعون أن يساعدها في رفع بعض القيود الأمريكية على تسلُّحها، وفي معاركها في الأمم المتحدة، وضد الوكالات والمحاكم الدولية، وضد المتظاهرين المعادين للإبادة في الجامعات الأمريكية.

وقد يقوم ترامب بتنفيذ بعض هذه المطالب الإسرائيلية، لكنه سيطالب أيضًا بتحقيق المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، ومنها ترتيبات واتفاقات سلام. لكن حكومة نتنياهو الحالية غير قادرة على التعاون مع ترامب في ذلك، ويمكن أن يجد نتنياهو نفسه بين مطرقة ترامب وسندان اليمين الإسرائيلي؛ فترامب لا تهمه الحسابات الائتلافية لنتنياهو، الذي سيضطر مرغمًا إلى مواجهتها، وإلّا فسيجد نفسه على مسار تصادمي مع ترامب، الذي وصفه نتنياهو بأنه “أعظم صديق لإسرائيل في البيت الأبيض”.

** رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية- لبنان

المصدر:جريدة الرؤية العمانية

عيد الربيع الصيني.. رمز للفرح والتقاليد

شؤون آسيوية –

بقلم تشو شيوان **

مع اقتراب موعد عيد الربيع الصيني، المعروف أيضًا باسم “السنة القمرية الصينية الجديدة”، تتجدد الأجواء الاحتفالية التي تعكس روح هذا العيد المُميز. يعتبر عيد الربيع أحد أهم الأعياد التقليدية في الصين، وله طابع خاص يميزه عن بقية المناسبات. فهو ليس مجرد مناسبة للاحتفال برأس السنة وفقًا للتقويم القمري الصيني، بل هو فرصة للتأمل والتطلع إلى حياة مليئة بالأمل والسعادة، تجمع الناس مع عائلاتهم وأحبائهم في أجواء مليئة بالدفء والفرح.

ما يُميِّز هذا العيد أنَّه أكثر من مجرد احتفال، بل هو تجسيد حي لثقافة عريقة تعود لآلاف السنين. إنه حدث يربط الماضي بالحاضر، ويمنح الفرصة لتوريث القيم والتقاليد للأجيال القادمة. لا يقتصر العيد على الصينيين وحدهم، بل بات يمثل رمزًا عالميًا للتسامح الثقافي والانفتاح على حضارات مُختلفة.

وفي ديسمبر الماضي، جاء اعتراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) بهذا العيد التقليدي كجزء من التراث الثقافي غير المادي للبشرية، ليؤكد على أهميته وقيمته الثقافية. إدراجه على هذه القائمة التمثيلية ليس مجرد تكريم للصين؛ بل هو تكريم للحضارة الإنسانية بأسرها؛ فالثقافة الصينية، بتاريخها الطويل وتنوعها الغني، كانت دائمًا جزءًا لا يتجزأ من الإرث الثقافي العالمي، ومصدر إلهام للمُجتمعات المختلفة.

الاحتفال بعيد الربيع الصيني يذكرنا بأنَّ التقاليد ليست مجرد عادات موروثة، بل هي وسيلة لتعزيز الروابط بين الأفراد والمجتمعات. في زمن أصبحت فيه الحياة سريعة وتفتقد إلى التواصل الحقيقي، يوفر هذا العيد مساحة للتوقف والتأمل، للاجتماع مع العائلة ومشاركة الفرح. كما أنه يجسد الأمل بمستقبل مشرق ويعزز الشعور بالانتماء، ليس فقط للأمة الصينية، بل للإنسانية جمعاء.

علينا أن ننظر إلى الأعياد التقليدية مثل عيد الربيع الصيني، ليس فقط كفرصة للاحتفال، بل كنافذة نطل منها على ثقافة غنية تحمل في طياتها دروسًا في التواصل الإنساني والقيم المشتركة التي تجمعنا. إنه تذكير بأنَّ الفرح والسعادة ليسا مجرد مشاعر عابرة، بل هما نتيجة للتواصل الحقيقي مع من حولنا ومع تراثنا الثقافي.

‏يمثل عيد الربيع الصيني العطلة التقليدية الأهم في الصين ويرمز إلى أمل الشعب الصيني في مستقبل أفضل للحياة والأسرة والبلاد. وتم انتقال عيد الربيع عبر الأجيال منذ تاريخ طويل، ويوفر قوة روحية دائمة للشعب الصيني، كما يلعب دورًا مهما في تعزيز التناغم الأسري والاجتماعي، وبين الطبيعة والإنسان. فإن إدراج عيد الربيع على قائمة اليونسكو سيساعد في تعزيز القيم العالمية للسلام والتناغم وإظهار الدور المهم للتراث الثقافي غير المادي في التنمية المستدامة.

‏وخلال السنوات الماضية، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرة الحضارة العالمية، ويدعو إلى التبادلات والتعلم المتبادل بين الحضارات والثقافات والشعوب المختلفة، فأعتقد أن عيد الربيع الصيني هو وسيلة ممتازة لتنفيذ مبادرة الحضارة العالمية والمساعدة على انتشار الثقافة الصينية التقليدية، حيث نعرف أن عيد الربيع إرث للمفاهيم الثقافية الصينية المتمثلة في السلام والوئام والتناغم، ومن خلال المشاركة في أنشطة عيد الربيع المختلفة، يمكن للشعوب في جميع أنحاء العالم فهم الصين بشكل أوسع وأعمق، وإدراك التسامح والتناغم .

ومع حلول عام 2025، يكتسب عيد الربيع الصيني أهمية خاصة، فهو أول عام يُحتفل به بعد إدراجه على قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية من قبل منظمة اليونسكو. هذه الخطوة تعكس الاعتراف العالمي بالقيمة الثقافية والتاريخية لهذا العيد، الذي يمثل أحد أعمق تقاليد الشعب الصيني وأكثرها جمالًا.

لطالما اعتبرت سهرة عيد الربيع الصيني نافذة فريدة تطل منها على روح هذا العيد وثقافته. ومن وجهة نظري، تعد هذه السهرة فرصة مثالية لأصدقائي العرب للتعرف على أجواء الاحتفال بهذا العيد المميز. فمنذ انطلاقها عام 1983، أصبحت السهرة جزءًا لا يتجزأ من احتفالات الصينيين، ليس فقط داخل الصين؛ بل في جميع أنحاء العالم.

هذه السهرة ليست مجرد برنامج تلفزيوني عادي؛ بل هي ظاهرة ثقافية مدهشة.. إنها تجمع ملايين الأسر الصينية عشية عيد الربيع للاحتفال بقدوم العام الجديد، وتمثل جسرًا يربط بين الأجيال المختلفة. ما يميزها هو قدرتها على المزج بين التقاليد الصينية القديمة والعروض الحديثة، مما يجعلها قريبة من قلوب الجميع.

ومن المدهش أن سهرة عيد الربيع تحطم أرقامًا قياسية كل عام في نسب المشاهدة. فكونها واحدة من أضخم الفعاليات التلفزيونية على مستوى العالم، تصل مشاهداتها إلى مليارات الأشخاص عبر الشاشات ومنصات الإنترنت. هذا النجاح الباهر ليس مجرد صدفة، بل يعكس الجهد الهائل المبذول في إعدادها، بدءًا من العروض الفنية التقليدية إلى الفقرات الموسيقية الحديثة والكوميديا.

من وجهة نظري، أن أهم ما يجعل هذه السهرة مميزة هو قدرتها على خلق شعور بالتواصل والدفء. إنها ليست مجرد عرض فني؛ بل تجمع بين الملايين في لحظة احتفالية واحدة، حتى وإن كانوا على بُعد آلاف الأميال. إنها ترسخ فكرة أن الاحتفالات والتقاليد لها القدرة على توحيد الناس، بغض النظر عن اختلاف الثقافات واللغات.

بالنسبة لي، أرى أن مشاهدة سهرة عيد الربيع الصيني تجربة غنية يمكن أن يستمتع بها الجميع، خاصةً أصدقائي العرب الذين يرغبون في استكشاف الحضارة الصينية. فهذه السهرة تمنح فرصة للتعرف على الجوانب الثقافية والفنية لهذا العيد بشكل عميق وممتع. كما أنها تتيح للمشاهدين الشعور بجزء من هذا الاحتفال العالمي المبهج، الذي يجمع بين الأمل، الفرح، والقيم العائلية.

وتشمل السهرة العروض الفنية المتنوعة وتستغرق أربع ساعات ونصف تقريبا، حيث يقدم فنانون بارزون من مختلف أنحاء الصين والعالم أغاني وطنية وشعبية تعكس الروح الاحتفالي؛ وتعرض رقصات تقليدية وحديثة تمثل ثقافات القوميات المختلفة في الصين والعالم، إضافة إلى الدراما الكوميدية حيث يتابع المشاهدون بفارغ الصبر فقرات كوميدية مليئة بالمرح والسخرية، والتي غالبًا ما تتناول قضايا اجتماعية بأسلوب طريف؛ وهناك بعض عروض الألعاب البهلوانية المذهلة التي تسلط الضوء على مهارات الأداء الحركي. وخلال السنوات الماضية، تم استخدام مزيد من التكنولوجيات المتقدمة مثل تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي، لخلق تجربة مشاهدة استثنائية.

في النهاية.. يمثل عيد الربيع الصيني أكثر من مجرد مناسبة قومية؛ إنه رمز عالمي يعبر عن الأمل والسلام والمحبة. إنه مناسبة تذكرنا بأن التقاليد ليست حكرًا على زمن أو مكان معين؛ بل هي إرث إنساني عابر للحدود، يساهم في صنع عالم أكثر تنوعًا وانسجامًا.

** صحافي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

ترامب مهتم بزيارة الصين والهند قريباً

شؤون آسيوية – واشنطن – أبلغ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مستشاريه بشكل خاص أنه يريد زيارة الصين بعد أن يؤدي اليمين الدستورية في البيت الأبيض، وفقًا لما ذكرته ثلاثة مصادر مطلعة على المحادثات لشبكة CNN، سعيًا لتسهيل حوار مفتوح مع بكين مع متابعة سياسة متشددة ضد البلاد.
وأعرب ترامب عن اهتمامه بزيارة العديد من البلدان بمجرد توليه الرئاسة، وفقًا لما ذكره مصدران، بما في ذلك إخبار مستشاريه أنه يرغب في السفر إلى الهند بمجرد توليه منصبه والاجتماع مع رئيس وزراء البلاد، ناريندرا مودي، الذي تربطه به علاقة وثيقة منذ فترة طويلة.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال أول من أورد أن ترامب أخبر مستشاره أنه يريد السفر إلى الصين.
وتحدث ترامب، الذي ترشح لاستهداف الصين بقوة من خلال التعريفات الجمركية وغيرها من التدابير، هاتفيًا مع الرئيس الصيني شي جين بينغ، الجمعة. وقال الرئيس المنتخب إنه ناقش معه التجارة والفنتانيل وتيك توك، من بين قضايا أخرى. كما دعا ترامب شي لحضور حفل تنصيبه، غداً الاثنين، لكن الصين سترسل بدلاً من ذلك نائب الرئيس هان تشنغ لحضور الحفل كممثل خاص لشي.
ولطالما قال ترامب إن رؤساء الولايات المتحدة يجب أن يتحدثوا مباشرة مع خصومهم الأجانب، وكثيرًا ما كان يتباهى خلال حملته الانتخابية بأنه كان يتمتع بعلاقات رائعة مع زعماء أجانب مثل شي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وقال مستشار ترامب لشبكة CNN، السبت: “أحد الأشياء التي قام بها الرئيس ترامب بفعالية كبيرة في السنوات الأربع الأولى من ولايته هو أنه يعرف أنه إذا كنت تريد تغيير شيء ما في البلاد، سواء كان خصمًا أو منافسًا، أو في حالة الصين… يجب أن تكون قادرًا على التحدث معهم والقول، هذا ما نريد القيام به”.
وأضاف أحد مستشاري ترامب للسياسة الخارجية لشبكة CNN، عن أهداف الرئيس القادم: “يريد ترامب عقد صفقات مع شي”.
وكان شي جين بينغ قد أعرب عن نهج أكثر انفتاحًا تجاه ترامب، بما في ذلك تهنئة الرئيس المنتخب بعد فوزه في نوفمبر الماضي، قائلاً إن الولايات المتحدة والصين يجب أن “تجدا الطريق الصحيح للتوافق في العصر الجديد، من أجل إفادة البلدين والعالم الأوسع”، وفقًا لوكالة أنباء شينخوا الرسمية الصينية.

المصدر: سي إن إن

من الرماد ….. ما مستقبل غزة؟

0

خاص شؤون آسيوية، مقالة: أوليفر ماك تيرنن، ترجمة: معهد بيت الحكمة – غزة

أساليب الإقناع

شؤون آسيوية

كتاب “أساليب الإقناع” لنيك كوليندا يقدم استراتيجيات عملية لتحسين القدرة على الإقناع والتأثير بفعالية في الحياة اليومية. يعتمد الكتاب على نماذج وأمثلة واقعية تُظهر كيفية تطبيق هذه الأساليب في مواقف وسياقات متنوعة.

الأفكار الرئيسية:

1. فهم الآخرين: لتغيير تفكير الناس، لا تحاول إقناعهم برأيك مباشرة، بل افهم وجهة نظرهم الحالية.

2. الانسجام مع الآخرين: يعتمد الإقناع الحقيقي على خلق شعور بالتمازج والتفاهم.

3. الثقة بالنفس: الثقة عامل أساسي، إذ لا يمكنك إقناع الآخرين إذا لم تكن مقتنعًا بما تقول.

4. التأثير في السلوك: الإقناع لا يقتصر على تغيير الآراء بل يشمل تغيير التصرفات.

5. اختيار الكلمات: صياغة الرسالة بعناية تُحدد مدى تقبل الآخرين لها.

6. الاستماع الفعّال: لفهم احتياجات ومخاوف الآخرين، عليك الإصغاء جيدًا قبل محاولة الإقناع.

7. الإقناع كاختيار: لا تُجبر أحدًا على شيء؛ اجعلهم يرون فكرتك كخيار منطقي وجيد.

8. قوة السرد: استخدام الأمثلة والحكايات الشخصية يُضفي قوة وتأثيرًا على الرسالة.

9. لغة الجسد: تعزز تعبيرات الوجه وحركات الجسم الفعّالة رسالة الإقناع وتجذب الانتباه.

10. بناء العلاقات: العلاقات المبنية على الثقة والاحترام هي المفتاح لإقناع الآخرين بنجاح.

هذه الأفكار توضح أن الإقناع ليس مجرد مهارة، بل هو عملية تتطلب فهمًا عميقًا للآخرين، وثقة بالنفس، واستخدامًا دقيقًا للأدوات والتقنيات المناسبة.

 

هكذا تواجه شركات اليابان انخفاض السكان وزيادة الشيخوخة

شؤون آسيوية – طوكيو – أظهر استطلاع نشر الخميس أن ثلثي شركات اليابان تشهد تأثيرا سلبيا جديا على عملياتها من نقص العمالة، مع استمرار عدد سكان البلاد في التناقص، ومع الارتفاع السريع في عدد كبار السن.

وقالت الحكومة من قبل إن نقص العمالة -خاصة بين الشركات غير التصنيعية والصغيرة- يصل إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، مما أثار مخاوف من أن هذا قد يؤدي لتقييد النمو الاقتصادي.

وأشار حوالي 66% من المشاركين في الاستطلاع -الذي أجرته رويترز- إلى خطورة نقص العمالة أو يؤثر بشكل خطير إلى حد ما على عمليات شركاتهم، بينما قال 32% إن التأثير ليس بالغ الخطورة.

تكاليف الموظفين
وكتب مدير في شركة تشغيل سكك حديدية في الاستطلاع “بالطبع هذا يرفع تكاليف التوظيف، لكنه قد يشكل أيضا خطرا على استمرارية الأعمال”.

وذكرت شركة تيكوكو داتا بنك لأبحاث الائتمان أن عدد حالات الإفلاس الناجمة عن نقص العمالة عام 2024 ارتفع بنسبة 32% -عن العام السابق عليه- إلى رقم قياسي بلغ 342 حالة.

وقال ما يقرب من ثلث المشاركين في الاستطلاع إن نقص العمالة يزداد سوءا، وذكر 4% فقط أن الوضع تحسن بينما قال 56% إن الوضع لا يتحسن ولا يسوء.

وقد أجرت شركة نيكي ريسيرش هذا الاستطلاع لصالح رويترز خلال الفترة ما بين 24 ديسمبر/كانون الأول و10 يناير/كانون الثاني.

وتواصلت نيكي ريسيرش مع 505 شركات، واستجابت 235 شركة وطلبت عدم ذكر الاسم.

وفي سؤال للشركات سمح باختيار عدة إجابات عن إجراءات بعينها تتخذها لمعالجة نقص العمالة، قالت 69% من الشركات إنها تزيد من توظيف الخريجين الجدد و59% تنفذ إجراءات مثل تمديد سن التقاعد وإعادة توظيف الموظفين المتقاعدين.

وأظهر الاستطلاع أيضا أن ارتفاع الأجور والرواتب بسبب نقص العمالة وارتفاع تكاليف الاستيراد بسبب ضعف الين دفع 44% من الشركات اليابانية لاعتزام رفع أسعار سلعها وخدماتها هذا العام، بينما تعتزم 17% من الشركات إبقاء أسعارها دون تغيير، وتخطط 26% لرفع بعض الأسعار وخفض أخرى.

المصدر : رويترز

الصين تتوقع 9 مليارات رحلة خلال ذروة موسم السفر في عطلة عيد الربيع

0

شؤون آسيوية

انطلقت في الصين أكبر موجة هجرة بشرية، وذلك قبل 15 يوما من عيد الربيع، أو السنة الصينية التقليدية الجديدة.
وتمثل ذروة موسم السفر لعام 2025، والتي تُعرف أيضا باسم “تشونيون، أول ذروة موسم سفر سنوي لعيد الربيع بعد إدراج هذا العيد التقليدي الصيني على قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو في ديسمبر العام الماضي.
ومن المتوقع أن يبلغ عدد رحلات الركاب تسعة مليارات خلال موسم السفر لعيد الربيع الذي سينتهي في 22 فبراير القادم، وأن تصل رحلات الركاب عبر السكك الحديدية والخطوط الجوية إلى مستويات قياسية.
وخلال موسم السفر هذا العام، سيتم إجراء 7.2 مليار رحلة عبر الطرق البرية وأكثر من 90 مليون رحلة عبر خطوط الطيران المدني. وستتعامل السكك الحديدية في البلاد مع أكثر من 510 ملايين رحلة ركاب، بمتوسط 12.75 مليون رحلة يوميا، ما يمثل زيادة قدرها 5.5 في المائة عن العام السابق.
وستشهد الصين خلال ذروة موسم السفر التي تستمر 40 يوما عودة مئات الملايين من السكان إلى مدنهم وبلداتهم الأصلية من أجل لم شمل الأسرة.

ما بعد وقف اطلاق النار في غزة

شؤون آسيوية – بقلم عبير بسام*
شهرين من المواجهة ما بين المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان والعدو الصهيوني لم يكن فيها “الإسرائيلي” قادراً على تحقيق أية أهداف من الأهداف التي وضعها عند بدء العدوان على لبنان. وإن استطاع التقدم في بعض قرى الحافة الأمامية، فلم يكن قادراً على تثبيت احتلال الأماكن التي تقدم إليها ولو لساعة واحدة. وشهدت مناطق الجنوب قتالاً بطولياً أسطورياً من قبل مقاتلي حزب الله، وهذا أقل ما يمكن أن يقال عنه. ولكن، وللأسف لقد استطاع هذا العدو ومن يدعم عدوانه على الجنوب، سراً أو علانية، تحقيق أهداف في وقت وقف إطلاق النار، لم يكن ليحلم في تحقيقها في وقت الحرب.
هل يمكننا قول ذلك؟ جزئياً نعم!
دخلت الهدنة حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، هدنة قامت “إسرائيل” بعد ثلاثة أيام من وضعها حيز التنفيذ بانتهاكها أكثر من 700 مرة. وحتى البارحة سقط نحو 60 شهيداً استهدفهم الجيش الصهيوني في قراهم وبيوتهم.
كانت هناك اقتحامات لقرى ونسف لمنازل لم تكن مدمرة خلال الحرب، وتجريف لأراضي وأشجار السنديان المعمرة في تلة يارين، قصف لقرى في البقاع والنبطية، وهما منطقتان تقعان شمال نهر الليطاني، كما جرى تدمير محطة تكرير المياه في بلدة الطيبة. ولبنان بجيشه ومقاومته وحكومته وشعبه، يكتفون بالإعترض السلمي، أي بالتصريحات، على هذه الخروقات.
هذا الأمر يطرح علامات استفهام حول جدوى هذه الهدنة، التي كلّفت جنوب لبنان وأهله خسائر بالممتلكات كبيرة جداً لن تتمكن الإدارات والقوى المحلية من تقديرها قبل مرور وقت طويل، خاصة وأن اليوم وبعد مرور أكثر من أربعين يوماً على الهدنة لم تقدر القيمة النهائية للخسائر في الضاحية الجنوبية لبيروت وحدها، وإن كانت بعض التقديرات تتحدث عن خسائر بنحو 25 مليار دولار.
بالتأكيد على المستوى السياسي، لم يكن الأمر أفضل بالنسبة للخيارات على مستوى جبهة المقاومة في لبنان، حتى الساعة، وما سيتظهر في ما بعد. فعلينا أن ننتظر بعض الوقت قبل تحديد النتائج النهائية. وإذا كنا نتحدث عن لبنان بداية، فمن أجل القياس على المرحلة المقبلة في قطاع غزة، والتي صمد مقاوموها منذ وقف الحرب على الجبهة الجنوبية في لبنان صموداً أسطورياً، منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ اكتوبر 2023. من المؤكد أن عدد الشهداء في القطاع قد تجاوز الخمسين ألفاً، حوالي الخمسة وأربعين ألفاً أحصتهم حتى اليوم وزارة الصحة الفلسطينية، ولكن من خلال المقارنة بالتجربة اللبنانية، فإنه مع إزالة الأنقاض سيتضح أن عدد الشهداء سيتجاوز بكثير ما تم إحصاؤه، وهذا على مستوى الأرواح، من مدنيين ومقاومين على حد سواء.
لكن ما تختلف عنه مسألة وقف إطلاق النار في قطاع غزة اليوم، مختلف عن الهدنة مع لبنان، ففي لبنان هو وقف إطلاق نار مؤقت أي هدنة، ويفترض أن المقاومة في غزة قد استفادت من التجربة اللبنانية ومساوئها وتبعاتها على أمن القطاع وسلامة أهاليه. ولكن وبحسب ما تمر به المنطقة وهنا نتحدث عن سورية والضفة الغربية بشكل أكثر تحديداً كنتائج لإتفاقيات وقف إطلاق النار في هذه المرحلة، فلا يمكننا القول أنها قد تعود بالخير على الجبهة المقاومة للعدو الصهيوني في بلاد الشام والعراق. فبعد وقف إطلاق النار في لبنان، أطلق رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، كلمة السر: “إن الأسد يلعب بالنار”، بعدها حصل الإنقلاب المفاجئ، أهم ما يمكن قوله في هذا أن جبهة المقاومة فقدت واسطة العقد التي تربطها ببعضها البعض، وبات خط الإمداد للمقاومات في لبنان وفلسطين تحت نظر ومرمى العدو الصهيوني، خاصة بعد أن استغل الأخير “التغيرات الجديدة” على الساحة السورية ليقوم بإحتلال ما تبقى من هضبة الجولان والوصول إلى مشارف دمشق، على بعد 20 كيلومتراً من العاصمة السورية.
وأما على المقلب اللبناني السوري المشترك فقد تم احتلال قمة حرمون التي لا تشرف فقط على الحدود العراقية السورية بل حتى على داخل العراق، مما سيكشف خطوط الإمداد، مبدئياً على الأقل، وهو الأمر الذي أوقف الدعم العراقي للساحة الفلسطينية منذ أن سيطر أبو محمد الجولاني، أحمد الشرع، على الحكم في دمشق. وتبعات هذا الأمر كبيرة جداً على أكثر من مستوى، حتى أن هناك مصادر تؤكد طلب جهات رسمية عراقية من الأميركيين تأجيل انسحابهم من العراق بسبب التهديدات التركية بعد احتلال حلب، وخطر ذلك على العراق. والمطامع التركية في الموصل تساوي المطامع التركية في حلب.
وبالعودة إلى احتلال قمة حرمون في جبل الشيخ، فقد أعلن وزير الحرب الصهيوني، في تغريدة له على منصة اكس، في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2024، “أن جبل الشيخ عاد للسيطرة الإسرائيلية بعد 51 عاماً في لحظة تاريخية مؤثرة”. وبحساب الزمن فقد تحرر جبل الشيخ في حرب تشرين/ أكتوبر 1973، التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد على الجبهة السورية. وهنا أكثر من دليل على حجم الخسارة التي منيت بها الجبهة. وبعد هذا قام العدو الصهيوني بوضع حقل ألغام قبل انسحابه من لبنان في مزارع شبعا المحتلة وأعلن أنها جزء من هضبة الجولان.
لذلك يأتي وقف إطلاق النار في غزة ليطرح الكثير من الأسئلة حول مصير الدولة الفلسطينية وشكلها وحجمها، خاصة وأن “إسرائيل” ستحتفظ بمنطقة عازلة في القطاع، وهذا معناه أننا دخلنا في عصر “إسرائيل الكبرى” ولم يعد الاحتلال يقتصر على فلسطين وحدها، وسندخل قريباً في عصر التقسيم وتطبيق توصيات برنارد لويس، وهذا سيطال الجميع بما فيها الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية والعراق وإيران، وحتى تركيا، التي تحاول مسابقة الزمن قبل ذهاب رئيسها، رجب طيب أردوغان، للصلاة في المسجد الأموي.
اتفاق غزة، في جزء منه هو محاولة فرض إرادة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الذي وعد بعهد خالٍ من الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا. ترامب وبكل بساطة سيقوم بأمرين اثنين، الأول الإعتراف بجميع الأراضي، التي ستبقى بها إسرائيل حتى العشرين من هذا الشهر كجزء من “إسرائيل الكبرى”، ولذلك لا أمل بدولة فلسطينية. وهذا ما يؤكده كلام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بأن وقف إطلاق النار في غزة لا يجبر إسرائيل على الإعتراف بدولة فلسطينية على أراض فلسطين التاريخية، والمقصود بالنسبة للديمقراطي العتيد بلينكن الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن المرجح أن ترامب سيعترف بضم بعض أجزاء من الضفة كجزء من “إسرائيل”.
الأمر الآخر الذي سيتم في منطقتنا هو الإستمرار في حصار إيران، هذا إذا لم تتعرض إيران أكبر خاسرين جبهة المقاومة بسقوط النظام السوري، لهجوم اسرائيلي آخر، وحصار إيران هذا لن يكون من خلال التمدد إلى العراق، لأن أميركا أساساً موجودة في العراق، ولكن حصار العراق سيتضاعف مع دعم الدولتين الكرديتين في العراق وسورية، والتي يدعمها الصهاينة، وذلك من خلال تصريحات مسؤوليهم، ومن وزير خارجية الكيان جدعون ساعر بإيجاد تحالف ما بين “إسرائيل” والأكراد خلال حفل تنصيبه في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، والذي قال فيه: “إن الأكراد ضحايا للقمع الإيراني والتركي”، وإن “إسرائيل يجب أن تمد يدها وتعزز العلاقة معهم… إن هذا له جوانب سياسية وأمنية”. وهذه العلاقة كانت قائمة بشكل مباشر منذ العام 2011، حيث كانت الزيارات تجري بشكل مباشر عبر قاعدة التنف الأميركية أو بالمرور بالأراضي التي كانت تحتلها داعش. ومنها يمكننا أن نفهم سبب مهاجمة “إسرائيل” للقوى التي تحكم دمشق اليوم والاستمرار نعتها بالإرهاب، وذلك بسبب مهاجمتهم للأكراد في الشمال والشمال الشرقي السوري.
وقف إطلاق النار في غزة بالتأكيد سيوقف الجبهة اليمنية بشكل تلقائي، وسيعيد تدفق البضائع والسفن إلى ميناء إيلات، أم الرشراش، في فلسطين، وسيعيد تدفق الرحلات التجارية عبر البحر الأحمر، وبذا سينتهي التهديد اليمني في المرحلة الحالية.
وهكذا سيكون العدو القادم المستهدف هو إيران تحديداً. كيف يمكن لروسيا وإيران اللتين دعمتا تركيا اقتصادياً وسياسياً من خلال محادثات آستانة والإستثمارات التجارية معها، الإغفال عن أهمية سورية في دعم جبهات المقاومة، والتي لن تكون في هذه المرحلة قادرة على دعم إيران عبر مهاجمة المواقع الصهيونية في فلسطين. آستانة كانت الفخ، الذي وقع فيه حلفاء سورية، لأن سورية لم تكن شريكاً في هذه المحادثات.بعدها سيتفرغ ترامب لصراع الجبابرة مع الصين.
ومع ذلك يبقى هناك أمل، والأمل الوحيد المتبقي هو بنشوء مقاومة قوية في سورية ضد الاحتلال الأميركي والإسرائيلي وربما التركي أيضاً، وهذه حرب استنزاف طويلة وقد تستغرق سنوات.

*باحثة لبنانية.

وقف إطلاق النار وإطلاق الأسرى في غزة … بشروط

0

شؤون آسيوية

تشير المعلومات إلى أنّ مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة قد اقتربت من التوقيع على اتفاق شامل يتضمّن أبرز النقاط التالية وفقاً لوكالة رويترز:

إطلاق سراح 33 أسيراً إسرائيليا في غزة منهم أطفال ونساء ومجندات ورجال فوق الـ50 وجرحى ومرضى.

وإذا سارت الأمور على النحو المخطط لها، ستبدأ مفاوضات بشأن مرحلة ثانية في اليوم السادس عشر من دخول الاتفاق حيز التنفيذ.

وخلال المرحلة الثانية، سيُطلق سراح باقي الأسرى الأحياء، ومنهم الجنود والرجال في سن الخدمة العسكرية، فضلا عن إعادة جثث القتلى منهم.

وفي مقابل إطلاق سراح كل أسير إسرائيلي، ستفرج إسرائيل عن عدد من الأسرى الفلسطينيين من بينهم أصحاب أحكام طويلة.

من جانب آخر، ينص الاتفاق على انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي على مراحل مع بقائها قرب الحدود “للدفاع عن المدن والبلدات الإسرائيلية”.

وبالإضافة إلى ذلك، ستكون هناك ترتيبات أمنية فيما يتعلق بمحور فيلادلفيا (صلاح الدين) جنوبي قطاع غزة، مع انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من أجزاء منه بعد الأيام الأولى من الاتفاق.

السماح لسكان شمال غزة بالعودة إلى مناطقهم مع وضع آلية لضمان عدم نقل الأسلحة إلى هناك. كما ستنسحب القوات الإسرائيلية من معبر نتساريم في وسط غزة، مع زيادة كمية المساعدات الإنسانية المرسلة إلى قطاع غزة.

فيما خصّ الجهة التي ستحكم قطاع غزة بعد الحرب، فلم يتمّ التوصّل لها حتى الآن.

رويترز