خاص شؤون آسيوية – بقلم: هدى علي
تعد العلاقات الصينية الإماراتية نموذجًا مثاليًا للتعاون الدولي المثمر والمتعدد الأبعاد في المنطقة. منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1984، شهدت هذه العلاقات تطورًا سريعًا في مختلف المجالات، بما في ذلك التجارة، والطاقة، والاستثمار، والثقافة.
في السنوات الأخيرة، تحولت الإمارات إلى شريك استراتيجي رئيسي للصين في منطقة الشرق الأوسط، فيما تعتبر الصين أكبر شريك تجاري للإمارات على مستوى العالم.
يُعزى هذا النمو في العلاقات إلى العديد من العوامل، أبرزها التعاون الاقتصادي المتبادل، خاصة في مجالات الطاقة والبنية التحتية، بالإضافة إلى المشاريع المشتركة في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تهدف إلى تعزيز الروابط التجارية بين الصين ودول العالم.
كذلك، تسهم الإمارات بفضل موقعها الجغرافي كمركز تجاري عالمي في ربط الأسواق الصينية بمنطقة الخليج والعالم العربي.
العلاقات الصينية الإماراتية تتميز أيضًا بالانفتاح الثقافي والتبادل العلمي، حيث يشهد التعاون بين البلدين في مجالات التعليم، التكنولوجيا، والابتكار تطورًا ملحوظًا، ما يعكس حرص البلدين على تعزيز فهم متبادل وتعميق التعاون في المستقبل. في الوقت نفسه، تلتزم الإمارات والصين بتعزيز الحوار السياسي والمواقف المشتركة في القضايا الإقليمية والدولية، مما يعزز من استقرار المنطقة ويوفر فرصًا جديدة للنمو المشترك.
إجمالًا، تمثل العلاقات الصينية الإماراتية نموذجًا متميزًا للتعاون الثنائي الذي يحقق مصالح مشتركة ويعزز من دور البلدين على الساحة العالمية.
العلاقات السياسية:
- تتسم العلاقات بين الصين والإمارات العربية المتحدة بالاستقرار والتعاون المستمر، حيث بدأت هذه العلاقات بالتطور بشكل ملحوظ منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في عام 1984.
- هناك تطابق في المواقف السياسية في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وقد عملت الإمارات والصين على تعزيز التنسيق في المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة.
- في الآونة الأخيرة، عملت الإمارات على تعزيز علاقتها مع الصين في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، التي تهدف إلى تطوير البنية التحتية وزيادة التعاون بين الدول الآسيوية والدول الأخرى.
التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق:
تمثل مبادرة الحزام والطريق مجالًا حيويًا للتعاون بين الصين والإمارات العربية المتحدة. وتعتبر الإمارات لاعبًا رئيسيًا في المسار البري لهذه المبادرة، التي تهدف إلى ربط الصين بأوروبا عبر آسيا الوسطى.
إن الموقع الاستراتيجي للإمارات وبنيتها التحتية اللوجستية المتطورة يجعلها نقطة وصل أساسية في شبكة التجارة العالمية الخاصة بمبادرة الحزام والطريق، مما يفتح آفاقًا جديدة للتجارة ويسهل حركة البضائع بين هذه المناطق.
توجد العديد من المشاريع التي تم تنفيذها في هذا السياق؛ على طول 170 كيلومترًا من دبي إلى أبوظبي، يمكن ملاحظة مشاريع التعاون الكبرى المرتبطة بالمبادرة في كل مكان، مثل الحديقة النموذجية للتعاون في القدرات الصناعية الصينية الإماراتية، والمرحلة الثانية من محطة الحاويات في ميناء خليفة، ومحطة دبي للطاقة الكهروضوئية والحرارية، كما تم إنجاز عدد من المشاريع الكبيرة والمبتكرة بنجاح، بما في ذلك محطة حصيان لإنتاج الطاقة ومشاريع السكك الحديدية.
أصبحت المنطقة الحرة بجبل علي (JAFZ) في دبي مستفيدًا رئيسيًا من مبادرة الحزام والطريق، حيث تقوم الشركات الصينية بإنشاء عملياتها هناك.
التعاون الاقتصادي:
حجم التبادل التجاري الإجمالي:
- في عام 2022، بلغ حجم التبادل التجاري بين الإمارات والصين حوالي 72.5 مليار دولار أمريكي.
- يمثل هذا التبادل التجاري زيادة كبيرة مقارنة بالسنوات السابقة، ويُتوقع أن يستمر في النمو بسبب زيادة التعاون الاقتصادي في مجالات مثل الطاقة، التكنولوجيا، والبنية التحتية.
الصادرات والواردات:
- صادرات الإمارات إلى الصين: تركز بشكل رئيس على النفط الخام، حيث تُعد الإمارات واحدة من أكبر الموردين للنفط الخام إلى الصين. كما تشمل الصادرات الإماراتية المعادن، المواد الكيميائية، ومنتجات أخرى.
- واردات الإمارات من الصين: تركز على السلع المصنعة مثل الإلكترونيات، الآلات، المعدات الصناعية، والمركبات، وكذلك المنتجات الاستهلاكية مثل الملابس والأدوات المنزلية.
الاتفاقيات التجارية:
- أبرم البلدان عدة اتفاقيات في السنوات الأخيرة لتعزيز التعاون التجاري، أبرزها اتفاقيات في مجالات الطاقة، التجارة الإلكترونية، النقل، والبنية التحتية.
- كما أن الإمارات تعد من أكبر الشركاء التجاريين للصين في منطقة الشرق الأوسط، مما يعكس موقعها الاستراتيجي كحلقة وصل بين الصين والأسواق في المنطقة.
التبادل الثقافي والتعليمي:
التعاون الإماراتي الصيني في مجال التعليم يشهد تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، خصوصًا في مجال تدريس اللغة الصينية في المدارس الإماراتية، هذا التعاون يعكس اهتمام البلدين بتعزيز العلاقات الثقافية والتعليمية بينهما، ويعكس أيضًا رغبة الإمارات في تحسين تعليم اللغات الأجنبية وتطوير مهارات الطلبة لمواكبة العصر.
أبرز جوانب التعاون:
- إدخال اللغة الصينية في المناهج الدراسية: بدأت الإمارات في إدخال اللغة الصينية ضمن المناهج الدراسية في بعض المدارس الحكومية والخاصة، لتوفير فرصة للطلاب لتعلم لغة ذات أهمية اقتصادية وثقافية متزايدة في العالم، خاصة مع تعزيز التعاون الاقتصادي بين الإمارات والصين.
- إرسال مدرسين صينيين إلى الإمارات: في إطار هذا التعاون، تقوم الصين بإرسال معلمين متخصصين في تدريس اللغة الصينية إلى المدارس الإماراتية، مما يعزز من مستوى تعليم اللغة ويوفر للطلاب فرصة للتفاعل مع الناطقين الأصليين.
- التدريب وتأهيل المعلمين: كما يتم تنظيم برامج تدريبية للمعلمين الإماراتيين لتعليم اللغة الصينية بشكل فعال، تشمل هذه البرامج أساليب تدريس متقدمة ومواد تعليمية حديثة تتناسب مع احتياجات الطلاب.
- تعزيز العلاقات الثقافية والتبادلات الطلابية: تُنظم فعاليات ثقافية وبرامج تبادل بين الإمارات والصين، مما يساعد على زيادة الفهم المتبادل والتعرف على ثقافات البلدين. تشمل هذه الفعاليات زيارات طلابية، ورش عمل، ومؤتمرات تعليمية.
الأهداف المستقبلية:
تهدف الإمارات من خلال هذا التعاون إلى تزويد الطلاب بالمهارات اللازمة للتعامل مع تحديات العصر الجديد في مجالات التجارة الدولية، والابتكار التكنولوجي، والعلاقات الدولية. كما تسعى إلى تعزيز مكانتها كداعم رئيس للتعليم متعدد اللغات والثقافات.
إجمالًا، التعاون الإماراتي الصيني في التعليم لا يقتصر فقط على تعلم اللغة الصينية، بل يشمل أيضًا تبادل الخبرات التعليمية والثقافية مما يعزز من النمو المشترك بين البلدين.
التعاون في مجال التكنولوجيا:
مع توجه الصين نحو الابتكار التكنولوجي، أصبح هناك اهتمام مشترك في تعزيز التعليم في مجالات مثل التكنولوجيا والعلوم، حيث يتم التعاون بين الإمارات والصين في نقل الخبرات التعليمية في هذه المجالات.
- تطور التعاون في مجال التكنولوجيا والتقنيات الحديثة، خاصة في مجالات الذكاء الاصطناعي، 5G، والمدن الذكية.
- تقوم الشركات الصينية مثل “هواوي” و”زد تي إي” بإنشاء شراكات مع شركات إماراتية لتطوير مشروعات البنية التحتية الرقمية في الإمارات.
التعاون في مجال السياحة:
- الإمارات تُعتبر وجهة سياحية رئيسة للسياح الصينيين، حيث توفر الإمارات تسهيلات وتأشيرات للسياح الصينيين لتعزيز التعاون السياحي بين البلدين.
- كما يسهم التعاون السياحي في زيادة التبادل الثقافي وتعزيز العلاقات الإنسانية بين الشعبين.
التحديات والفرص المستقبلية:
- بالرغم من التعاون المثمر، تواجه العلاقات بين الصين والإمارات تحديات مثل التنافس مع قوى اقتصادية أخرى في المنطقة والضغوط السياسية على المستوى الدولي.
- من جهة أخرى، تتوفر العديد من الفرص المستقبلية، مثل تطوير التعاون في مجال الابتكار، التصنيع، البنية التحتية، والاستثمارات المتبادلة.
ترتكز سياسة دولة الإمارات على مبادئ السلم والتسامح والانفتاح والحوار مع الثقافات الأخرى من خلال مد جسور التواصل والتعاون مع المجتمع الدولي وذلك لتعزيز الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة على مستوى العالم.
وتعد علاقاتها مع جمهورية الصين الشعبية نموذجاً متميزاً للعلاقات الثنائية الطيبة القائمة على الاحترام والثقة المتبادلين والتي تنسجم مع هذه المبادئ، حيث تدعم الصين السياسات والإجراءات التي تتخذها دولة الإمارات من أجل احترام سيادتها وسلامة أراضيها، كما تدعم دولة الإمارات سياسة الصين الواحدة، ويؤكد كلا البلدين على مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وحل القضايا بالطرق السلمية.