ولدان يستظلان كنف أُمّهما التي احتضنت ورمَها الخبيث، معلقي الرّجاء أن تنتهي الحرب
بيروت – تحقيق: هبة الكل/
تحت كنف الحروب تصبح الحياة على حافتي الأمل والقلق أنه “وبعدين”.
والكلام عن تجربة الحرب مع الكيان الصهيوني المحتل لا يُجيده إلا من ذاقه، فما الحرب إلا ما ذقتم وعرفتم.
كلنا أبناء للوطن
وإن كان “تذكار سولفرينو” بذاكرة “دونان” شرارة لإطلاق جمعيات الإغاثة والدّعم الإنساني إن حرباً وقعت أو شدّة خطرت، فلدى اللبنانيين ذاكرة دامية رمت أهليهم بحرب قاتمة، ليفنوها اليوم ويحملوا على أكتافهم وبين أيديهم “كلنا للوطن”.
” كل شيء مؤمن، واللجان هنا لم تقصر أبداً، واستقبلونا أحسن استقبال على كافة المستويات”.
هكذا يخبرنا “أحمد الجنبين” بعد أن وجد نفسه وزوجته وابنه ذا الأربع سنوات مضطراً لاتخاذ قرار النزوح من الضّاحية الجنوبية منذ شهرين ليكون ضيفاً كريماً على جبل لبنان “عاليه” في بيت أحد أقربائه.
يحمل أحمد معه بقدر ما يستطيع من بيت الزوجية، تاركاً وراءه ذاكرة مثقلة بقصص وطرقات حفظت تاريخه، وبفقدان مرير مع كل شظية تتطاير وصاروخ يتفرق فوق الأبنية والأحياء والأسواق.
لم يشعر “الجنبين” بأيّ تمييز تجاهه: ” للأمانة هنا لا يحدث تمييز ومن يسجل استمارة بشكل رسمي يأخذ حصته وحقه من الدعم”.
الازدحام والحمام المشترك من معاناة النزوح
وسط جِدّة الحرب، يلازم “سارة” الشابة الثلاثينية بعد أن تبين إصابة غدتها “البنكرياس” بورم خبيث، أنينٌ من أن تفقد القدرة على العلاج بشكل كليّ.
فمنذ نزوحها من البقاع إلى مجدل ترشيش، بات علاجها بالكيمائي متقطّعاً، يخضع لرحمة أمن الطريق والأوضاع المادية القابعة على أعتاب الفقر خاصة بعد توقف عمل زوجها في الزّراعة وذهاب موسمه نتيجة الحرب لهذا العام: “ما ضل عنا شي نعيش منه”.
قلق سارة يتزايد كل يوم نتيجة الاكتظاظ المحيط بها في بيت يستضيف ثلاث عوائل موزعة على ثلاث غرف. تقول: “بسبب الزحمة مناعتي تضعف، وأسوأ شيء عندي الحمام لأنه بسبب العلاج يصير عندي إسهال”.
قلبها يلهف على ولديها ليس فقط من أصوات الغارات وإنذارات الإخلاء وإنّما، من كثرة الضجر الذي أصابهما في منزل مزدحم بأكثر من 15 فرداً، ومع مجيء الشتاء وانعدام النزهات كأبسط مقوّم من مقوّمات الترفيه لدى الأطفال.
بالإضافة إلى ترنحهما بين التعلّم الأون لاين والأوف لاين نتيجة الدّمار الذي لحق بمدرستهما.
وعلى النّقيض من “أحمد”، فإن سارة تعاني من شحّ المساعدات، ولولا أهلها لبقيت في بيتها، فإيجارات الغرف في زحلة تجاوزت اﻠ1200$ وفق قولها.
تحدّيات الحرب وسط غياب حكومي
بالرّغم من بلوغ عدد مراكز الإيواء 1177 مركزاً، منها مدارس بنسبة جاوزت اﻠ61% موزّعة بين الرّسمية والخاصّة وفقاً لآخر تقرير صادر عن الوكالة الوطنية للإعلام. إلا أنّ قدرتها الاستيعابية قد فاقت أعداد المهجرين، ومعاناتهم فيها إلى ارتفاع.
وعندما تغيب الدّولة عن أزمة النّازحين بعد سنوات مضين عانت فيه في انهيار اقتصادي وأزمات مالية، يصبح وقت الحرب عصيّاً على المرور بسرعة في ظل ازدياد الأزمة الإنسانية التي يتعرض لها لبنان.
تطلعنا النّاشطة الاجتماعية والسّياسية “تانيا برو” من لبنان حول حقيقة ما يجري في مراكز الإيواء:
“ما يجري في المراكز هو بتنظيم من قبل بعض مدرائها، فلا يوجد تنظيم ولا حتى توزيع صحيح وعادل للمساعدات”.
وتضيف: “المساعدات التي تأتينا من قبل أفراد وجمعيات خاصّة أقرب ما تكون جمعيات أهلية من كونها جمعيات قطاع ثالث (إن جي أوز NGO). وبسبب الانقسامات السياسية الأمر الذي سبّب في توزيع المساعدات لمناطق معينة على حساب أخرى، والتي بقيت في غياب شبه تام عن الدعم كالبقاع الذي لم تصله مساعدات إلا منذ أيام ولأول مرة”.
وبالرّغم من أنّ أعداد النازحين قد وصل إلى مليون و237 ألفاً و892 نازحاً داخل مراكز الإيواء وخارجها وفقاً لآخر الإحصائيات، إلا أنّ المتطوعين يقدّمون مساعداتهم وفقاً لما يجمعونه من تبرعات، وإمكانياتهم تبقى محدودة وفقاً ﻠلناشطة برو.
ولكونها موظفة سابقة في وزارة الشؤون الاجتماعية تحدثنا برو عن أبرز التّحدّيات التي تواجه النّازحين: “البعض يُسمّع النّازحين بأنّهم “أكل ومرعى وقلة صنعة” وأن لا شيء وراءهم فالمساعدات تأتيهم وهم قعود هذا من جهة، ومن جهة أخرى وبالرّغم من المساعدات التي تأتي إلى الدولة وخصوصاً وزارة الشؤون الاجتماعية. ولكن كفاعلين لا تشعرين بأنّ أداءهم على المستوى المطلوب، وكلّ واحد يعمل من مكانه من دون أن يكون هناك تنسيق مع نقص في الإدارة”.
تبدو الأزمات التي يعيشها النّازحون اللبنانيون أكبر مما نتصور وأقدر علينا من حصرها للعلن، فمن اضطر أن يستأجر فُرض عليه أن يدفع لستة أشهر إلى سنة سلفاً، وإن أراد الخروج لا تعاد له أمواله، ومنهم من لم يقبلوا تأجيرهم لأنّ معهم نساء محجبات على حدّ قول تانيا.
يظهر بوضوح غياب التخطيط الممنهج من قبل الحكومة والقائمين عليها، خصوصاً في ظل غياب خطة طوارئ مستقبلية لحظة إعلان حزب الله عن جبهة إسناد غزة العام الماضي الأمر الذي ينعكس على الوضع الحياتي للنازحين.
يقول الباحث والمحلل السياسي حسان عليان في هذا الصّدد: “الواقع السّياسي المُنقسم وتركيبة الفساد في البلد لا بد وأن تنسحب حسابياً على المستوى الإنساني. في لبنان تشعرين وكأنك في بلد العجائب، عندما تذهبين إلى المناطق الآمنة تلمسين حياة طبيعية ولا كأن هناك حرب. طبعاً هذا أمر إيجابي لاحتواء النازحين ولكن بمكان ما يكون سلبياً عندما نشاهد عدم مراعاة على المستوى التعليمي مثلاً”.
ويتابع: “إلى حدّ اللحظة لم نشهد جلسة طوارئ مفتوحة للحكومة لمتابعة المستجدات في المسائل المصيرية، والدّولة بوضعها الحالي كعادتها لم تخرج عن التّهرب من مسؤولياتها وعن الشّفافية واستثمار أيّة ملفات للضّغط السّياسي”. والمطلوب من الدّولة أن تترفّع عن مسألة التناقضات والحسابات السّياسية وتنزل إلى واقع النّزوح وتحدّياته، فالعدو يبقى عدواً علينا كلّنا”، وفقاً لعليان.
ومع استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان، ارتفعت أعداد الشّهداء إلى 3 آلاف و754 شهيداً و15 ألفاً و626 جريحاً حتى يوم الأحد الماضي.
هبة الكل/ صحافية سورية
*ينشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان