شؤون آسيوية – الفيوم، مصر –
في سكون الصحراء بوادي الحيتان في محافظة الفيوم المصرية، افترشت مجموعة من هواة مراقبة النجوم الرمال الناعمة التي بدأت تبرد مع حلول المساء، بينما شق شعاع ليزر أخضر أطلقه محمد حسن سواد الليل الحالك، ليشير إلى قرص كوكب المشتري المتوهج في كبد السماء.
ويقع “وادي الحيتان” بمحافظة الفيوم جنوب غرب القاهرة، واكتسب شهرته العالمية كونه متحفاً مفتوحاً يضم حفريات حيتان تعود إلى 40 مليون عام، لكن بمجرد غروب الشمس، يتحول الانتباه من الأرض المرصعة بالحفريات إلى آفاق السماء الرحبة.
ويقضي حسن، وهو منظم المعسكر وخبير فلك، لياليه في إلقاء محاضرات موجزة عن الكواكب والنجوم، مستخدماً مؤشره الضوئي لتوجيه أعين السياح المبهورين نحو عجائب الكون.
ويقول حسن في تصريحات لوكالة أنباء ((شينخوا)) بينما يجهز تلسكوباً ضخماً للمجموعة “الأقبال على هذه التجربة يزداد عاماً بعد عام، مصريون وأجانب يتدفقون إلى هنا، خاصة في الصيف، وإن سياحة الفلك هي اتجاه جديد ومتنامٍ”.
وكشف حسن أن آلاف السياح يزورون هذا الموقع المسجل ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو سنوياً، لأن سماءه “تُعد من الأصفى في العالم”، مؤكداً أن الأعداد تتزايد بشكل ملحوظ أسبوعياً.
ويعزو حسن هذا الإقبال إلى الدعم الحكومي للسياحة البيئية، حيث تمنح الدولة التصاريح اللازمة لهذه المخيمات وتوفر التواجد الأمني لحماية الموقع.
وأطلقت وزارة البيئة المصرية في عام 2020 حملة “Eco Egypt” كأول حملة للترويج للسياحة البيئية بمصر، ورفع الوعى البيئى لدى المواطنين بأهمية المحميات الطبيعية وثرواتها.
وتعتبر الحملة خطوة مهمة ليس فقط لحماية المحميات الطبيعية فحسب، بل تدعم قطاع السياحة الذي يدر على مصر العملة الصعبة.
ومن بين الحضور، اختار العروسان مصطفى عبد الفتاح ومنى محمد هذه البقعة من الصحراء لتكون رحلتهما الأولى معاً، وتقول منى إنه بعد قضاء يوم في السير فوق قاع بحر قديم بين هياكل عظمية لحيتان عمرها ملايين السنين، فإن النظر إلى ضوء النجوم التي سافرت في الفضاء لملايين السنين يجعلها تشعر وكأن تاريخ الأرض والكون يلتقيان معاً.
وتضيف منى وهي تتأمل فوهات القمر الحادة وحلقات كوكب زحل عبر عدسة التلسكوب، إن رؤية الفضاء “غريب وجميل” ويعتبر تجربة فريدة من نوعها.
أما زوجها مصطفى، وهو مهندس ميكانيكي، فقال إنه اكتشف سحر وادي الحيتان عبر منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، موضحاً أن خلفيته المهنية تمنحه تقديراً فريداً لـ “ميكانيكا الأجرام السماوية”.
لم تكن التجربة مجرد نزهة لمصطفى، بل تركت أثراً جعله يخطط للعودة مجدداً، موضحا “يمكنك القراءة عن النجوم في الكتب، لكن لمس رياح الصحراء وأنت تشاهد الكون وجهاً لوجه هو أمر مختلف تماماً، إنه شغف أريد مواصلة استكشافه”.
وعلى مقربة من الزوجين، نجح الطبيب الشاب مصطفى دياب، في زيارته الثالثة للموقع، في إقناع مجموعة من أصدقائه بمشاركته التجربة.
ويراقب دياب بابتسامة أصدقاءه الذين اعتادوا “الالتصاق بشاشات هواتفهم”، وهم يكتشفون فجأة انقطاع تغطية شبكات الاتصال.
وقال دياب في تصريحات لوكالة أنباء ((شينخوا)) “أخبرتهم أنه بمجرد الدخول في أعماق صحراء الفيوم، يصبح هاتفك مجرد لعبة.. لا توجد إشارة هنا، وهذا هو الجزء الأفضل”.
وأضاف أنه أراد أن يثبت لهم أنهم لا يحتاجون إلى فندق خمس نجوم ليشعروا بأنهم أثرياء، فكل ما يحتاجونه هو “سماء صافية وصحبة طيبة”.
وفي المخيم، تظل الحياة بسيطة وأصيلة، لا مباني فاخرة، فقط مرافق أساسية ومقهى صغير، ومع برودة جو الصحراء، يلتف السياح حول نار مشتعلة، يعدون الشاي على لهب الخشب، حيث تفوح رائحة الدخان وتتعالى أصوات الموسيقى البدوية، تحت ضوء “درب التبانة”.
وأكد دياب بنبرة تعتريها سعادة غامرة “لا يوجد شيء أفضل من هذه الليلة.. الرمل فراشي، والسماء غطائي”.
المصدر: شينخوا

