د. غادة كمال
أستاذ العلاقات الدولية- جامعة القاهرة
خبير سياسي بمركز معلومات مجلس الوزراء المصري
مقدمة
تُعد منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) من أبرز التكتلات الجيوسياسية الصاعدة في القرن الحادي والعشرين، وتُجسّد توجهًا دوليًا متزايدًا نحو إعادة تشكيل موازين القوى وبناء نظام دولي متعدد الأقطاب. ومع انعقاد قمة عام 2025 في مدينة تيانجين الصينية، تتزايد التساؤلات بشأن مستقبل المنظمة ودورها في صياغة معادلات جديدة في السياسة الدولية. وفي هذا الإطار، يكتسب الحضور المصري أهمية خاصة، لا سيما أن القاهرة انضمت إلى المنظمة بصفة “شريك حوار” منذ عام 2015، وهو ما يُعد تحوّلًا استراتيجيًا في توجهات السياسة الخارجية المصرية، يعكس سعيها إلى تنويع شراكاتها الدولية وتعزيز وجودها داخل تكتلات إقليمية ودولية جديدة تتماشى مع مصالحها الوطنية في بيئة عالمية تتسم بالتغير والتعددية. ويهدف هذا المقال إلى تقديم قراءة تحليلية للعلاقات الصينية–المصرية في إطار منظمة شنغهاي للتعاون، مع تسليط الضوء على مسارات التعاون المحتملة، وأبرز التحديات التي قد تواجه هذا المسار.
دلالات انعقاد قمة شنغهاي 2025
تنعقد القمة الخامسة والعشرين لمنظمة شنغهاي للتعاون بمدينة تيانجين الصينية في الفترة من 31 أغسطس إلى 1 سبتمبر 2025، بحضور قادة أكثر من 20 دولة ورؤساء 10 منظمات دولية، في ظل نظام عالمي يشهد تغيرًا جذريًا، في حدث يحمل دلالات استراتيجية بالغة، ليس فقط لدول آسيا الوسطى، بل أيضًا لشركاء المنظمة من خارج الإقليم، وعلى رأسهم مصر، كما تأتي هذه القمة في ظل تحولات عميقة يشهدها الشرق الأوسط، وتبرز أهميتها من كونها إطارًا استراتيجيًا لرسم ملامح العمل المشترك خلال السنوات العشر القادمة، مع التركيز على تعزيز الأمن الجماعي، ودفع عجلة التنمية الاقتصادية، وترسيخ نظام عالمي متعدد الأقطاب في مواجهة التحديات والانقسامات الدولية المتصاعدة.”
تنعقد قمة منظمة شنغهاي للتعاون لعام 2025 في سياق دولي يتسم بتعقيد متزايد وتحولات جذرية في بنية النظام العالمي. ويكتسب توقيت القمة أهمية خاصة كونه يتزامن مع مرور 25 عامًا على تأسيس المنظمة، ما يمنحها طابعًا رمزيًا ودلالة سياسية عميقة، وفرصة استراتيجية لتقييم المسار التاريخي للمنظمة وإعادة تعريف أولوياتها للمرحلة المقبلة، كما يحمل انعقاد القمة في تيانجين دلالات رمزية، إذ تُعد هذه المدينة مركزًا اقتصاديًا صينيًا واعدًا، وتشكل جزءًا من المخطط الصيني لربط الداخل بالمجالات البحرية عبر “مبادرة الحزام والطريق”.
ويحمل توقيت القمة دلالات سياسية واضحة، فهو بمثابة رسالة تأكيد على دور المنظمة كفاعل محوري في تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، كما يعكس توافقًا بين الأعضاء على ضرورة تقوية أواصر التعاون الاستراتيجي لمواجهة التحديات المشتركة بعيدًا عن الأطر الغربية التقليدية، حيث تأتي القمة في مرحلة يتسم فيها النظام الدولي بتغيرات بنيوية متسارعة، من أبرزها تراجع الهيمنة الأحادية القطبية، وتصاعد الصراع بين القوى الكبرى، وتزايد الحاجة إلى أطر جديدة توازن بين النفوذ الغربي والصعود الآسيوي، وهذه الدينامية تعزز من أهمية القمة كمنصة لإعادة التموضع الجيوسياسي لدول المنظمة.
كما تتزامن القمة مع تصاعد التحديات والتهديدات الأمنية، سواء التقليدية مثل نزاعات حدودية، انتشار السلاح، الإرهاب، أو غير التقليدية مثل الأمن السيبراني، تغير المناخ، الأمن الغذائي، وهو ما يُحتّم على المنظمة بلورة استجابات جماعية تعكس نضجًا في أدواتها السياسية والأمنية، مما يجعل من القمة منصة محورية لإعادة ترتيب الأولويات وتوسيع مجالات التعاون. ومن ثم، فإن توقيت القمة ليس مجرد محطة دورية، بل لحظة سياسية مدروسة لصياغة رؤية استراتيجية لعقد مقبل، يتمحور حول تعزيز الأمن الجماعي، وتوسيع التكامل الاقتصادي، وتطوير آليات التمويل والتكنولوجيا، وترسيخ التعددية القطبية كبديل أكثر توازنًا للنظام الأحادي المتآكل.
2- أبعاد التعاون المصري الصيني في منظمة شنغهاي
منذ حصول مصر على صفة “شريك في الحوار” داخل منظمة شنغهاي للتعاون، شهدت العلاقة بين القاهرة والمنظمة تطورًا تدريجيًا، لا سيّما في مجالات الأمن، ومكافحة الإرهاب، والتعاون الاقتصادي. ويأتي هذا التقدم في سياق حرص الصين على تعزيز التنسيق المستمر مع مصر في المحافل الدولية متعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة، ومجموعة بريكس، بهدف دعم نظام عالمي متعدد الأقطاب قائم على العدالة والمساواة. وتُمثل مصر، بفضل موقعها الجغرافي كممر يربط آسيا بأفريقيا عبر قناة السويس، عنصرًا مهمًا في مبادرة الحزام والطريق، مما يمنحها دورًا استراتيجيًا في الربط بين القارات، ويجعلها مركزًا طبيعيًا لتلاقي المصالح الإقليمية والدولية، سواء في مجالات التجارة، أو نقل التكنولوجيا، أو جذب الاستثمارات.
كما تعكس مشاركة مصر في القمة الخامسة والعشرين لمنظمة شنغهاي للتعاون تطلعها لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية في الشرق الأوسط وأفريقيا، مع التركيز على قضايا الاستقرار الإقليمي، ودعم القضية الفلسطينية وفقًا لحل الدولتين والشرعية الدولية. كما تسعى مصر إلى جذب المزيد من الاستثمارات في مجالات البنية التحتية ومشروعات الطاقة المتجددة وغيرها، والمشاركة في صياغة نظام دولي أكثر عدالة، مستفيدة من موقعها الجغرافي وإمكاناتها الاقتصادية لتعزيز دورها كحلقة وصل حضارية واقتصادية بين القارات، وتعكس طموحاتها التنموية ودورها الإقليمي المتصاعد. كما تُبرز هذه المشاركة حرص القيادة السياسية المصرية على تعزيز حضورها في المحافل الدولية، خاصة من خلال منظمة تُعد منصة محورية لتوسيع مجالات التعاون.
البُعد السياسي والدبلوماسي – حضور استراتيجي ودور إقليمي فاعل: تسعى مصر إلى تعزيز تعاونها مع منظمة شنغهاي في إطار سياسة خارجية تقوم على تنويع الشراكات الدولية وتخفيف الاعتماد على التحالفات التقليدية. وفي ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية وتراجع فاعلية المؤسسات الغربية القائمة، تنظر القاهرة إلى المنظمة باعتبارها إطارًا بديلًا يُعزز من استقلالية القرار السياسي ويوفر منصة لتوسيع حضورها الإقليمي. وتُعد قمة عام 2025 محطة سياسية بالغة الأهمية، قد تفتح الباب أمام ترقية وضع مصر إلى “عضو مراقب”، وربما تمهّد لاحقًا لانضمامها الكامل إلى المنظمة مستقبلًا.
البُعد الأمني – مواجهة التحديات العابرة للحدود ومكافحة التهديدات غير التقليدية: يشكل التعاون الأمني ركيزة أساسية في عمل منظمة شنغهاي، لا سيما في مجالات مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والجريمة المنظمة، بالإضافة إلى مواجهة التهديدات غير التقليدية مثل الأمن السيبراني. وتتمتع مصر بخبرات واسعة ومتراكمة في التصدي لهذه التهديدات، لا سيما الإرهاب العابر للحدود الذي واجهته في سيناء وعلى الحدود الغربية مع ليبيا.
كما يمثل انضمام مصر إلى “هيئة مكافحة الإرهاب الإقليمية” (RATS) خطوة مهمة نحو تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق المشترك بين الدول الأعضاء، ما يسهم في تطوير القدرات الأمنية عبر التدريب المشترك، وتعزيز أنظمة الرقابة الحدودية، ومواجهة التحديات المتزايدة في مناطق استراتيجية مثل البحر الأحمر، والقرن الإفريقي، وشرق المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، يوفر التعاون الأمني في إطار المنظمة منصة لتبادل الخبرات الأكاديمية والتدريبية بين الجهات الأمنية، مما يعزز بناء قدرات متقدمة ومتخصصة في مجالات مكافحة الإرهاب، وحماية الحدود، والأمن السيبراني، وبالتالي تعزيز الأمن الإقليمي والدولي بشكل متكامل ومستدام.
البُعد الاقتصادي والتنموي – بوابة للتكامل مع أوراسيا وتحقيق التنمية المستدامة: تُعد مصر من القوى الاقتصادية الصاعدة في محيطها الإقليمي، وتسعى إلى تعظيم الاستفادة من شراكاتها مع الشرق، خاصة عبر مشاركتها الفاعلة في مبادرة “الحزام والطريق”. وفي هذا السياق، تتيح منظمة شنغهاي للتعاون فرصًا واسعة أمام مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتنموي في مجالات متعددة، تشمل تطوير البنية التحتية، وتعزيز الربط اللوجستي، والتوسع في مجالات الطاقة والتكنولوجيا المتقدمة، إلى جانب الاستفادة من مصادر تمويل بديلة خارج الإطار التقليدي الغربي، مثل بنك التنمية الآسيوي. كما تشارك مصر بفعالية في منتدى الاقتصاد الرقمي لدول المنظمة، وتعمل على تطوير مشاريع الطاقة المستدامة في شمال أفريقيا، وتبادل التكنولوجيا الزراعية، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما يدعم أهداف التنمية والتحول الرقمي، يُضاف إلى ذلك الموقع الاستراتيجي لقناة السويس والمناطق الاقتصادية المحيطة بها، التي توفر فرصًا واعدة لجعل مصر مركزًا إقليميًا للتجارة بين آسيا وأفريقيا، مما يعزز مكانتها كممر تجاري عالمي حيوي في التجارة العالمية، ويُشكل هذا التعاون متعدد الأبعاد فرصة حقيقية لتعزيز “رؤية مصر 2030″، من خلال تحقيق استقلال اقتصادي تدريجي، وتنويع مصادر التمويل والتكنولوجيا. كما يتكامل البُعد الاقتصادي مع التعاون الأكاديمي والتدريب الفني بين الدول الأعضاء، بما يسهم في بناء القدرات البشرية، لدعم الابتكار وتعزيز التنمية الاقتصادية والتكنولوجية بشكل متكامل ومستدام. ومن هذا المنطلق، تنظر مصر إلى منظمة شنغهاي كمنصة استراتيجية لتعميق التكامل الاقتصادي والتجاري، وتعزيز دورها المحوري في الربط بين القارات، عبر مبادرة “الحزام والطريق” وقناة السويس، بما يدعم أهداف التنمية ويُوفر فرصًا استثمارية متجددة على المستويين الإقليمي والدولي.
. البُعد البيئي والرقمي – نحو تنمية مستدامة وتحول رقمي متكامل: في إطار إعلان عام 2025 عامًا للتنمية المستدامة من قبل منظمة شنغهاي، قامت مصر بتوسّع مصر مشاركتها في المبادرات البيئية والرقمية، والتي تشمل: التحول إلى الطاقة الشمسية ومصادر الطاقة المتجددة، والتعاون في مجالات الاقتصاد الأخضر وخفض انبعاثات الكربون، وبناء القدرات في التحول الرقمي، من خلال تطوير المدن الذكية، وأنظمة النقل الحديثة، ويُسهم هذا التوجه في تعزيز التزام مصر بتحقيق التنمية المستدامة، من خلال دعم الابتكار وتوظيف التكنولوجيا في مجالات الإدارة الحضرية والبيئية، بما يتماشى مع أهداف رؤية مصر 2030.
3.التحديات الراهنة في مسار التعاون مع منظمة شنغهاي
تواجه مصر في تعاونها مع منظمة شنغهاي عدة تحديات رئيسية، إدارة التوازن الدقيق بين الشرق والغرب في ظل التوترات العالمية، ما يستوجب الحفاظ على علاقات متوازنة تضمن الاستفادة دون التعرض لمخاطر الاستقطاب. كما تحتاج مكافحة الإرهاب إلى تطوير آليات تنفيذية فعّالة تتجاوز مجرد التفاهمات، لضمان مواجهة التهديدات الأمنية بجدية. وتظل مسألة الاندماج المؤسسي الكامل داخل المنظمة تحديًا مهمًا، إذ ما زالت مصر تحت مظلة “شريك حوار” وليس عضواً كاملاً، مما يحد من قدرتها على التأثير والاستفادة. بالإضافة إلى ذلك، يمثل التحول الرقمي والبيئي تحديًا يتطلب استثمارات وبناء قدرات فنية متقدمة في ظل الضغوط الاقتصادية. وأخيرًا، تسعى مصر لتنويع مصادر التمويل والتكنولوجيا بعيدًا عن الاعتماد على المنظومة الغربية، رغم وجود فرص بديلة مثل بنك التنمية الآسيوي، ما يفرض عليها مواجهة تحديات في ضمان الاستمرارية والمرونة في هذا المجال.
4.المسارات المستقبلية
في ضوء التحديات والفرص التي تواجه مصر في إطار تعاونها مع منظمة شنغهاي، تبرز عدة توصيات ومسارات مستقبلية لتعزيز هذا التعاون أبرزها ما يلي:
تعزيز التوازن الاستراتيجي في السياسة الخارجية: من الضروري أن تواصل مصر تبني سياسة خارجية متوازنة تحمي مصالحها الوطنية، من خلال تعزيز علاقاتها مع كل من الشرق والغرب، مع التركيز على استثمار فرص التعاون مع منظمة شنغهاي دون الإضرار بعلاقاتها مع شركائها التقليديين.
تحويل التعاون الأمني إلى برامج تنفيذية فعّالة: يجب تطوير آليات تنفيذية ملموسة لمكافحة الإرهاب والتطرف، تشمل تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتنظيم تدريبات مشتركة بين الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى الاستثمار في التقنيات الحديثة لمراقبة الحدود والأمن السيبراني، مع تعزيز التعاون الأكاديمي والتدريبي في المجال الأمني.
تسريع خطوات الانضمام الكامل لمنظمة شنغهاي: يجب على مصر أن تواصل بذل جهودها لاستكمال متطلبات العضوية الكاملة في منظمة شنغهاي، مما يعزز مكانتها وقدرتها على التأثير في صنع القرار، ويتيح لها الاستفادة الموسعة من فرص التعاون الاقتصادي والسياسي والأمني على المستويين الإقليمي والدولي.
دعم التحول الرقمي والتنمية المستدامة: ينبغي على مصر تكثيف جهودها في الاستثمار بالبنية التحتية الرقمية والطاقة المتجددة، مع التركيز على تعزيز بناء القدرات البشرية والفنية عبر شراكات أكاديمية وتقنية مع دول منظمة شنغهاي، تحقيقًا لأهداف رؤية مصر 2030 في مجال التنمية المستدامة.
تنويع مصادر التمويل والتكنولوجيا: ينبغي العمل على توسيع مصادر التمويل البديل من مؤسسات آسيوية ودولية، وتعزيز التعاون التقني في مجال التكنولوجيا المتقدمة، بهدف تقليل الاعتماد على المنظومة الغربية، بما يعزز من مرونة الاقتصاد المصري وقدرته على مواجهة التحديات الخارجية بفعالية.
ختامًا؛ يمثل مشاركة مصر في منظمة شنغهاي خطوة ذات دلالات استراتيجية، تعكس رغبتها في تنويع شراكاتها الدولية واستكشاف أطر جديدة للتعاون والتنمية. وبينما يظل التعاون مع الصين محورًا رئيسيًا في هذا السياق، فإن تفعيل هذا التعاون داخل إطار المنظمة يتطلب قراءة دقيقة للتوازنات الدولية، واستعدادًا لتجاوز التحديات السياسية والبيروقراطية، بما يضمن تحقيق المصالح المتبادلة وتحقيق التنمية المستدامة لكلا الطرفين.