spot_img

ذات صلة

جمع

مكالمة قد تغير التاريخ: لحظة ترامب وبيزشكيان لإحلال السلام

شؤون آسيوية - بقلم سيد حسين موسويان*/ أعربت إدارة ترامب...

هل يُخيّب ترامب آمال نتنياهو؟

د. هيثم مزاحم ** يقول الكاتب الإسرائيلي إيتان غلبواع...

عيد الربيع الصيني.. رمز للفرح والتقاليد

شؤون آسيوية - بقلم تشو شيوان ** مع اقتراب موعد...

ترامب مهتم بزيارة الصين والهند قريباً

شؤون آسيوية – واشنطن - أبلغ الرئيس...

من الرماد ….. ما مستقبل غزة؟

خاص شؤون آسيوية، مقالة: أوليفر ماك تيرنن، ترجمة: معهد...

“وانغ جوه جن” شاعر الإنسانيــة 

شؤون آسيوية – بكين

 

بقلم/ محمد عبد الشافي القوصي

     شعراء الإنسانية” هم الخالدون من الشعراء، أوْ هم الشعراء الخالدة قصائدهم التي استقى منها الناسُ أمثالهم، واختاروا منها أناشيدهم، وهذَّبوا بها مشاعرهم، ورقَّقوا بها أفئدتهم، وتغلَّبوا بها على آلامهم، وعلى إيقاعها حقَّقوا أحلامهم، ورسموا آمالهم، واستلهموها في مناسباتهم المختلفة!

    “شــعراء الإنسانية” عنوان التسامح، وقد ضربوا مثلاً يحتذى في الدعوة إلى الإخاء، والتراحم، والتسامح الديني، وتظل قصائدهم مصابيحاً وسط الظلام الدامس الذي خيَّم على كثير من المجتمعات، ودواء ناجعاً لدرء الفتن التي أطلَّت برأسها هنا وهناك! [1]

  ومِن شعراء الإنسانية المعاصرين، الشّاعر الصيني (وانغ جوه جن) الذي سنعرف حكايته في السطور التالية، ونستلهم حِكَمه وأمثاله، ونستمتع بروائعه الشعرية!

    نعم، إنه شاعر الأمل، ومثال للجد والاجتهاد والمثابرة، الذي حصد ثمرة كفاحه بعد تعبٍ وعناءٍ طويل؛ حتى جاء اليوم الذي انتشرت فيه أعماله بين الملايين، وتسابقت دور النشر العالمية على ترجمة قصائده وطباعتها بلا توقف!

    في (عام 2000م) قررت المدارس والجامعات الصينية؛ تدريس أشعاره ونصوصه النثرية، وفي (عام 2005) شغل منصب مدير مركز الأدب والإبداع الفني في معهد أبحاث فنون الصين، وفي (عام 2009م) أثناء الذكرى السنوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية؛ تمَّ اختياره مِن قِبل مجلة “شباب الصين” ضمن أهم عشر شخصيات صينية بارزة، كما اختاره التلفاز الصيني المركزي ضمن أبرز مائة شخصية!

    في ربيع 1990م وفي إحدى المدارس الإعدادية؛ اكتشفتْ إحدى المُدرِّسات –أثناء الدرس- أنَّ الطلاب يكتبون أشعاراً لشاعرٍ يُدعى “وانغ جوه جن” ويتبادلونها خِلسة .. فأخذتْ هذه القصائد، وعرضتها على زوجها الذي كان يعمل رئيس قسم التحرير بإحدى دور النشر، فأعجبته كثيراً، وبادرت دار النشر بالاتصال بذلك الشاعر، وطلبت نشر مجموعة من قصائده في كتاب … من هنا كانت البداية الحقيقية لهذا الشاعر! فبمجرد نشر ديوانه الأول (موجة الشباب) حقَّقَ نجاحاً كبيراً، وشهرةً واسعة، فقد بيع منه (150 ألف نسخة) ثمَّ أعيدت طباعته عدة مرات، حتى وصل عدد النسخ المباعة ما يزيد على (600 ألف نسخة)!

   في ذات العام؛ برز “وانغ جوه جن” كعلَمٍ من أعلام الثقافة الصينية؛ وأطلقت دور النشر على (عام 1990م): “عام وانغ جوه جن”! بسبب أعماله التي اكتسحتْ المكتبات المختلفة في الصين! وفي العام نفسه؛ دُعِيَ لإلقاء محاضرات في أكثر من 40 جامعة وأكاديمية!

         مَن هو “وانــغ جـوه جن”؟

      في “مؤتمر التعاون الاقتصادي للدول الآسيوية والمحيط الهادي” بإندونيسيا، عام 2013م؛ استشهد الرئيس الصيني “شي تجين بينغ” بمقطع شِعري، يقول: (لا يوجد طريق أطول من الأقدام .. ولا جبل أعلى من الإنسان). هذا البيت الشِّعري كان من قصيدة “جبل شاهق .. طريق بعيد” للشاعر الصيني المعاصر (وانغ جوه جن)!

    ذلكم الشَّاعر الرسام الخطَّاط المُلحِّن الموسيقي “وانغ جوه جنWang Geon  ” (1956-  2015م) أسطورة الشِّعر الصيني المعاصر، أُطلِق عليه لقب (أمير الشِّعر الصيني المعاصر) فقصائده تعدُّ الأكثر قراءةً وتأثيراً في المجتمع الصيني –لاسيما في جيليْ الستينيات، والسبعينيات- كما أنَّ معظم شباب المدارس والجامعات يحفظون أشعاره عن ظهر قلب!

ولِد “وانغ جوه جن” عام (1956م) في بكين، وقد انقطع عن الدراسة لمدة سبع سنوات -بعد المرحلة الإعدادية- بسبب عمله في مصنع لبضع سنوات. ثمَّ واصل دراسته، والتحق بقسم الأدب الصيني بجامعة “تجي نان”.

  في بداية رحلته الشعرية؛ رفضتْ الصحفُ نشر ما كتبه من أشعار؛ باعتبار أنها لا ترفى إلى مستوى شعراء آخرين من جيله .. فكان يرد عليهم بأبيات، يقول فيها:

 منظر الخريف ليس فتَّاناً كسحـر الربيــع

وسحر الربيع لا يقارن بجمال منظر الخريف!

   لم يستسلم “وانغ جوه جن” لآراء معارضيه، وظلَّ يواصل الإبداع بلا انقطاع … وكانت     أول قصيدةٍ نُشِرتْ له (عام 1979) وبعد أيامٍ من نشرها؛ أرسلتْ له الصحيفة جواب شكر و”يوانين” مكافأة مالية؛ لمساهمته في الكتابة.

  نُشر ديوانه الأول (عام 9841م) تحت عنوان “السير مبتسِماً نحو الحياة” الذي لاقى ترحيباً كبيراً بين القرَّاء الصينيين، حتى كانت الناس تتساءل: أين تباع دواوينه الشِّعرية؟!

   هذا؛ وقد توفي “وانغ جوه جن” قبل أن يكمِل الستين من العمر .. لكنه ترك نتاجاً رائعاً، وعدة دواوين شِعرية، منها: «الولع بالحياة»، «أفكار الشباب»، و«خواطر عشوائية للمطر».

  وفي (عام 2015م) نشر آخر عمل له بعنوان «شباب على الطريق»، وبفضل حسه ولغته الملفِتة والعميقة، تُرجمت أعماله إلى اللغات: الكورية، واليابانية، والإنجليزية.

   تأثر “وانغ جوه جن” بالشَّاعر الروسي “بوشكين” والشَّاعر الإنجليزي “بايرون” وتعلَّم العزف على البيانو، كما تعلَّم التلحين، حتى بلغتْ الألحان التي لحنها للشعر الصيني القديم (400 لحناً). وقد كانت الموسيقى التي يلحنها “وانغ جوه جن” تغمرها المشاعر المفرطة؛ لدرجة أنه في إحدى حفلاته الموسيقية التي أقيمت في “بكين”؛ أجهشتْ المطربة بالبكاء التي كانت تغني أغنية من تلحينه! إذْ يتميز شِعره بالبساطة والعمق، ويشع بالأمل، والإقبال على الحياة .. لاسيما أنَّ قصائده تتناول موضوعات مختلفة يعيشها الإنسان، ويقابلها أينما وجِد في الحياة!

   عندما يكتب “وانغ جوه جن” الشِّعر؛ فإنه يخاطب النفس البشرية سواءً كانت في الصين، أوْ في الصحارى العربية، أوْ في أدغال أفريقيا … فالإنسان هو الإنسان، والعواطف هي القواسم المشتركة بين البشر أجمعين، مهما تفاوتت بيئاتهم .. ففي قصيدة (ربيــع بهيـــج) يقول:

أشعرُ بالسعادة لأنَّ بوسعي أنْ أُسعِدك

إنَّ سعادة العطاء يمكنها أن تتعدى سعادة الأخذ في الواقع

مَن يقدر أن يقول بوضوح:

أيهما أكثر إرضاءً: أنْ يُحِبَّ أمْ أن يُحَبّ؟

الربيع بهيج؛ لأنَّ الأرض امتلأتْ بأزهارٍ متفتحة.

 وفي قصيدة«يكفي أن تُعطِيَني ابتسامة» من ديوانه “براعم الأمل” المترجَم عن الصينية؛ يقول[2]:

  «لا تمنحيني مشاعر فيَّاضة؛

فكيف لي أن أردَّها لكِ؟

فديون المشاعر هي الأثقل؛

لا سبيل لي كيْ أنساها أوْ أُسدِّدها.

يكفي أن تُعطِيَني ابتسامة،

فهذا التصريح هو الأكثر تحريكاً للمشاعر:

كأنه ربيع دافئ، عذْب، وجميل».

وفي قصيدة (لا تستطيع الرياح ولا الأمطار) يحوِّل المحن إلى مِنح، والألم إلى أمل، فيقول:

لا تستطيع الرياح أنْ تكسر فؤادي

لا تقوى الأمطار على أن تجرحني

الرياح والأمطار؛ لا تستطيعان إخماد نور قلبي

“المِحن” هي حذاء محتمل الارتداء!

و”الصعاب” هي ميداليةٌ لامعة!

أنا ورقة شجر، وشراييني غابات

أنا قطرة ماء، وروحي محيطات!

في قصيدة (أنتَ هـــو أنت) يوجِّه رسائل غاية في الأهمية؛ تدعو إلى التسامي والشموخ، وعدم الاكتراث بكلام الآخرين [3]، إذْ يقول:

إذا كنتَ نهراً كبيراً؛ فلماذا تبالي أن يعتبرك الآخرون نُهيْراً؟

إذا كنتَ قمة جبلٍ شاهق؛ فلماذا تهتم بأنْ ينظر الآخرون إليك على أنك سهل؟

إذا كنتَ ربيعاً؛ فلماذا تتنهَّد على تساقط ورقةٍ من الزهور؟

إذا كنتَ بذرة؛ فلماذا ينشغل بالك لأنها لمْ تثمر بعد؟

إذا كنتَ أنتَ؛ فالتزِم الصمت، وتبسَّم في هدوء

______________________________________

الهوامــش:

    [1]  شعراء الإنسانية، محمد القوصي، مكتبة سلمى، المغرب، 2023م.

    [2]   براعم الأمل، كتاب الدوحة، يونية 2016م.

    [3]  عبقرية التسامح، دار المعارف، القاهرة، 2021م.

 

spot_imgspot_img