spot_img

ذات صلة

جمع

مكالمة قد تغير التاريخ: لحظة ترامب وبيزشكيان لإحلال السلام

شؤون آسيوية - بقلم سيد حسين موسويان*/ أعربت إدارة ترامب...

هل يُخيّب ترامب آمال نتنياهو؟

د. هيثم مزاحم ** يقول الكاتب الإسرائيلي إيتان غلبواع...

عيد الربيع الصيني.. رمز للفرح والتقاليد

شؤون آسيوية - بقلم تشو شيوان ** مع اقتراب موعد...

ترامب مهتم بزيارة الصين والهند قريباً

شؤون آسيوية – واشنطن - أبلغ الرئيس...

من الرماد ….. ما مستقبل غزة؟

خاص شؤون آسيوية، مقالة: أوليفر ماك تيرنن، ترجمة: معهد...

ما بعد وقف اطلاق النار في غزة

شؤون آسيوية – بقلم عبير بسام*
شهرين من المواجهة ما بين المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان والعدو الصهيوني لم يكن فيها “الإسرائيلي” قادراً على تحقيق أية أهداف من الأهداف التي وضعها عند بدء العدوان على لبنان. وإن استطاع التقدم في بعض قرى الحافة الأمامية، فلم يكن قادراً على تثبيت احتلال الأماكن التي تقدم إليها ولو لساعة واحدة. وشهدت مناطق الجنوب قتالاً بطولياً أسطورياً من قبل مقاتلي حزب الله، وهذا أقل ما يمكن أن يقال عنه. ولكن، وللأسف لقد استطاع هذا العدو ومن يدعم عدوانه على الجنوب، سراً أو علانية، تحقيق أهداف في وقت وقف إطلاق النار، لم يكن ليحلم في تحقيقها في وقت الحرب.
هل يمكننا قول ذلك؟ جزئياً نعم!
دخلت الهدنة حيز التنفيذ في 27 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، هدنة قامت “إسرائيل” بعد ثلاثة أيام من وضعها حيز التنفيذ بانتهاكها أكثر من 700 مرة. وحتى البارحة سقط نحو 60 شهيداً استهدفهم الجيش الصهيوني في قراهم وبيوتهم.
كانت هناك اقتحامات لقرى ونسف لمنازل لم تكن مدمرة خلال الحرب، وتجريف لأراضي وأشجار السنديان المعمرة في تلة يارين، قصف لقرى في البقاع والنبطية، وهما منطقتان تقعان شمال نهر الليطاني، كما جرى تدمير محطة تكرير المياه في بلدة الطيبة. ولبنان بجيشه ومقاومته وحكومته وشعبه، يكتفون بالإعترض السلمي، أي بالتصريحات، على هذه الخروقات.
هذا الأمر يطرح علامات استفهام حول جدوى هذه الهدنة، التي كلّفت جنوب لبنان وأهله خسائر بالممتلكات كبيرة جداً لن تتمكن الإدارات والقوى المحلية من تقديرها قبل مرور وقت طويل، خاصة وأن اليوم وبعد مرور أكثر من أربعين يوماً على الهدنة لم تقدر القيمة النهائية للخسائر في الضاحية الجنوبية لبيروت وحدها، وإن كانت بعض التقديرات تتحدث عن خسائر بنحو 25 مليار دولار.
بالتأكيد على المستوى السياسي، لم يكن الأمر أفضل بالنسبة للخيارات على مستوى جبهة المقاومة في لبنان، حتى الساعة، وما سيتظهر في ما بعد. فعلينا أن ننتظر بعض الوقت قبل تحديد النتائج النهائية. وإذا كنا نتحدث عن لبنان بداية، فمن أجل القياس على المرحلة المقبلة في قطاع غزة، والتي صمد مقاوموها منذ وقف الحرب على الجبهة الجنوبية في لبنان صموداً أسطورياً، منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ اكتوبر 2023. من المؤكد أن عدد الشهداء في القطاع قد تجاوز الخمسين ألفاً، حوالي الخمسة وأربعين ألفاً أحصتهم حتى اليوم وزارة الصحة الفلسطينية، ولكن من خلال المقارنة بالتجربة اللبنانية، فإنه مع إزالة الأنقاض سيتضح أن عدد الشهداء سيتجاوز بكثير ما تم إحصاؤه، وهذا على مستوى الأرواح، من مدنيين ومقاومين على حد سواء.
لكن ما تختلف عنه مسألة وقف إطلاق النار في قطاع غزة اليوم، مختلف عن الهدنة مع لبنان، ففي لبنان هو وقف إطلاق نار مؤقت أي هدنة، ويفترض أن المقاومة في غزة قد استفادت من التجربة اللبنانية ومساوئها وتبعاتها على أمن القطاع وسلامة أهاليه. ولكن وبحسب ما تمر به المنطقة وهنا نتحدث عن سورية والضفة الغربية بشكل أكثر تحديداً كنتائج لإتفاقيات وقف إطلاق النار في هذه المرحلة، فلا يمكننا القول أنها قد تعود بالخير على الجبهة المقاومة للعدو الصهيوني في بلاد الشام والعراق. فبعد وقف إطلاق النار في لبنان، أطلق رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، كلمة السر: “إن الأسد يلعب بالنار”، بعدها حصل الإنقلاب المفاجئ، أهم ما يمكن قوله في هذا أن جبهة المقاومة فقدت واسطة العقد التي تربطها ببعضها البعض، وبات خط الإمداد للمقاومات في لبنان وفلسطين تحت نظر ومرمى العدو الصهيوني، خاصة بعد أن استغل الأخير “التغيرات الجديدة” على الساحة السورية ليقوم بإحتلال ما تبقى من هضبة الجولان والوصول إلى مشارف دمشق، على بعد 20 كيلومتراً من العاصمة السورية.
وأما على المقلب اللبناني السوري المشترك فقد تم احتلال قمة حرمون التي لا تشرف فقط على الحدود العراقية السورية بل حتى على داخل العراق، مما سيكشف خطوط الإمداد، مبدئياً على الأقل، وهو الأمر الذي أوقف الدعم العراقي للساحة الفلسطينية منذ أن سيطر أبو محمد الجولاني، أحمد الشرع، على الحكم في دمشق. وتبعات هذا الأمر كبيرة جداً على أكثر من مستوى، حتى أن هناك مصادر تؤكد طلب جهات رسمية عراقية من الأميركيين تأجيل انسحابهم من العراق بسبب التهديدات التركية بعد احتلال حلب، وخطر ذلك على العراق. والمطامع التركية في الموصل تساوي المطامع التركية في حلب.
وبالعودة إلى احتلال قمة حرمون في جبل الشيخ، فقد أعلن وزير الحرب الصهيوني، في تغريدة له على منصة اكس، في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2024، “أن جبل الشيخ عاد للسيطرة الإسرائيلية بعد 51 عاماً في لحظة تاريخية مؤثرة”. وبحساب الزمن فقد تحرر جبل الشيخ في حرب تشرين/ أكتوبر 1973، التي قادها الرئيس الراحل حافظ الأسد على الجبهة السورية. وهنا أكثر من دليل على حجم الخسارة التي منيت بها الجبهة. وبعد هذا قام العدو الصهيوني بوضع حقل ألغام قبل انسحابه من لبنان في مزارع شبعا المحتلة وأعلن أنها جزء من هضبة الجولان.
لذلك يأتي وقف إطلاق النار في غزة ليطرح الكثير من الأسئلة حول مصير الدولة الفلسطينية وشكلها وحجمها، خاصة وأن “إسرائيل” ستحتفظ بمنطقة عازلة في القطاع، وهذا معناه أننا دخلنا في عصر “إسرائيل الكبرى” ولم يعد الاحتلال يقتصر على فلسطين وحدها، وسندخل قريباً في عصر التقسيم وتطبيق توصيات برنارد لويس، وهذا سيطال الجميع بما فيها الأردن ومصر والمملكة العربية السعودية والعراق وإيران، وحتى تركيا، التي تحاول مسابقة الزمن قبل ذهاب رئيسها، رجب طيب أردوغان، للصلاة في المسجد الأموي.
اتفاق غزة، في جزء منه هو محاولة فرض إرادة الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، الذي وعد بعهد خالٍ من الحروب في الشرق الأوسط وأوكرانيا. ترامب وبكل بساطة سيقوم بأمرين اثنين، الأول الإعتراف بجميع الأراضي، التي ستبقى بها إسرائيل حتى العشرين من هذا الشهر كجزء من “إسرائيل الكبرى”، ولذلك لا أمل بدولة فلسطينية. وهذا ما يؤكده كلام وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، بأن وقف إطلاق النار في غزة لا يجبر إسرائيل على الإعتراف بدولة فلسطينية على أراض فلسطين التاريخية، والمقصود بالنسبة للديمقراطي العتيد بلينكن الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن المرجح أن ترامب سيعترف بضم بعض أجزاء من الضفة كجزء من “إسرائيل”.
الأمر الآخر الذي سيتم في منطقتنا هو الإستمرار في حصار إيران، هذا إذا لم تتعرض إيران أكبر خاسرين جبهة المقاومة بسقوط النظام السوري، لهجوم اسرائيلي آخر، وحصار إيران هذا لن يكون من خلال التمدد إلى العراق، لأن أميركا أساساً موجودة في العراق، ولكن حصار العراق سيتضاعف مع دعم الدولتين الكرديتين في العراق وسورية، والتي يدعمها الصهاينة، وذلك من خلال تصريحات مسؤوليهم، ومن وزير خارجية الكيان جدعون ساعر بإيجاد تحالف ما بين “إسرائيل” والأكراد خلال حفل تنصيبه في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، والذي قال فيه: “إن الأكراد ضحايا للقمع الإيراني والتركي”، وإن “إسرائيل يجب أن تمد يدها وتعزز العلاقة معهم… إن هذا له جوانب سياسية وأمنية”. وهذه العلاقة كانت قائمة بشكل مباشر منذ العام 2011، حيث كانت الزيارات تجري بشكل مباشر عبر قاعدة التنف الأميركية أو بالمرور بالأراضي التي كانت تحتلها داعش. ومنها يمكننا أن نفهم سبب مهاجمة “إسرائيل” للقوى التي تحكم دمشق اليوم والاستمرار نعتها بالإرهاب، وذلك بسبب مهاجمتهم للأكراد في الشمال والشمال الشرقي السوري.
وقف إطلاق النار في غزة بالتأكيد سيوقف الجبهة اليمنية بشكل تلقائي، وسيعيد تدفق البضائع والسفن إلى ميناء إيلات، أم الرشراش، في فلسطين، وسيعيد تدفق الرحلات التجارية عبر البحر الأحمر، وبذا سينتهي التهديد اليمني في المرحلة الحالية.
وهكذا سيكون العدو القادم المستهدف هو إيران تحديداً. كيف يمكن لروسيا وإيران اللتين دعمتا تركيا اقتصادياً وسياسياً من خلال محادثات آستانة والإستثمارات التجارية معها، الإغفال عن أهمية سورية في دعم جبهات المقاومة، والتي لن تكون في هذه المرحلة قادرة على دعم إيران عبر مهاجمة المواقع الصهيونية في فلسطين. آستانة كانت الفخ، الذي وقع فيه حلفاء سورية، لأن سورية لم تكن شريكاً في هذه المحادثات.بعدها سيتفرغ ترامب لصراع الجبابرة مع الصين.
ومع ذلك يبقى هناك أمل، والأمل الوحيد المتبقي هو بنشوء مقاومة قوية في سورية ضد الاحتلال الأميركي والإسرائيلي وربما التركي أيضاً، وهذه حرب استنزاف طويلة وقد تستغرق سنوات.

*باحثة لبنانية.

spot_imgspot_img