شؤون آسيوية – بقلم: كاوه محمود –
طرحت الصين على مدى السنوات الماضية أربع مبادرات عالمية، تتميز بالترابط الموضوعي والجدلي الشامل لتعزيز مفهوم مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، والنضال من أجل إنجازه لبناء علاقات دولية سليمة مبنية على التعايش والتكافؤ وتفاعل الحضارات والفوز المشترك، مع أخذ مصالح الشعوب وسيادتها وخياراتها الأساسية بعين الاعتبار.
تشمل هذه المبادرات الأربع جوانب التنمية العالمية والأمن العالمي والحضارة العالمية والحوكمة العالمية، وهي مبادرات تحمل أبعادا فكرية متجددة في النظرية الماركسية، ومنهجا علميا واضحا. وتشكل إضافة إلى أبعادها المحلية، جزءا أساسيا هاما في تعزيز السياسة الخارجية للصين ورؤيتها المستقبلية في هذا الوضع المعقد والمتشابك على الصعيد العالمي.
لقد أثبتت التجربة التاريخية أن مواجهة سياسات الهيمنة والأزمات الخانقة تتطلب قراءة متأنية وتحليلا عميقا لمرحلة ما بعد الحرب الباردة، والتطورات اللاحقة المتعلقة بالتعددية القطبية العالمية بشكل عملي، ضمن أنظمة سياسية واقتصادية متنوعة، من أجل ديمومة النضال الأممي وتركيز الجهود على المهام المشتركة المتمثلة في حماية البيئة ومواجهة الفقر والبطالة وإنهاء الحروب وتحقيق التنمية المشتركة وردم الهوة بين الشمال والجنوب، إضافة إلى مجمل النقاط الأساسية التي تتضمنها مبادرة الحوكمة العالمية.
إن التوجهات الجديدة للحوكمة العالمية لا تأتي من فراغ. فمع بداية سياسة الإصلاح والانفتاح، وانعكاسها في السياسة الخارجية للصين، أتت المبادرات الأربع للصين، والتي أشرنا إليها، كجزء من القراءة المستمرة للواقع المتغير والعمل بمنطق الحكمة والذكاء والابتكار حسب المتغيرات والتطورات.
من هذا المنظور، فإن مبادرة الحوكمة العالمية هي استجابة واقعية لتفسير الوضع الراهن للعالم والعمل على تغييره، ويتطلب الأمر باستمرار مشاركة ومساهمة وحوارا لتعزيزها، فهي تركز على السلام والتنمية والتعاون والمنفعة المشتركة على المستوى الدولي، وعلى التعاون المتوازن والشامل كأحد نقاط الاهتمام المشتركة، مع اعتماد الوسائل السلمية لحل المشاكل والصراعات.
واستمرارا في مسيرة تكامل المبادرات الثلاث السابقة، أعلنت الصين مبادرة الحوكمة العالمية خلال قمة منظمة شانغهاي للتعاون 2025، داعية الدول إلى العمل معا من أجل نظام حوكمة عالمية أكثر عدلا وإنصافا، وتمثلت خمسة مفاهيم أساسية في الالتزام بالمساواة في السيادة، والامتثال للقانون الدولي، وممارسة التعددية، والدعوة إلى نهج يركز على الإنسان، والتركيز على اتخاذ إجراءات حقيقية.
وبينما مازالت عقلية الحرب الباردة والهيمنة والحمائية تطارد العالم، تبقى الاتجاهات التاريخية المتمثلة في السلام والتنمية والتعاون والمنفعة المتبادلة ثابتة دون تغيير. فجميع الدول، بغض النظر عن حجم وقوة وثروة كل منها، شركاء متساوون وصناع قرار ومستفيدون من الحوكمة العالمية. ويجب ألا تكون هناك معايير مزدوجة، ولا يجوز فرض القواعد المحلية لبعض الدول على الدول الأخرى.
وتعكس مبادرة الحوكمة العالمية تقديرا للقيمة الإنسانية المشتركة، وفهما واقعيا لطبيعة الهيمنة المعاصرة، وإيمانًا بإمكانية تحقيق نقلة نوعية في العلاقات الدولية العادلة ومكافحة تنمر القوى الكبرى.
إن المبادرات الأربع تشكل في جوهرها أدوات لتسوية النزاعات وتقليل التوترات، وتعزيز المشاركة الجماعية في مواجهة الهيمنة وسياسات القوة بشكل لا لبس فيه. كما تعالج التحديات المشتركة التي تواجه البشرية بشكل أفضل، وتعمل على تضييق الفجوة بين الشمال والجنوب وحماية المصالح المشتركة لجميع البلدان، من أجل تحقيق الاستقرار والتسامح والسلام والشمول على مستوى العالم.
** كاوه محمود، السكرتير السابق للجنة المركزية للحزب الشيوعي الكردستاني-العراق.
المصدر: شينخوا