شؤون آسيوية – شرم الشيخ – خاص –
تشهد مدينة شرم الشيخ المصرية انطلاق أعمال قمة شرم الشيخ للسلام بمشاركة دولية واسعة، في حدث يوصف بأنه الأوسع منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة قبل عامين.
وجاءت القمة برئاسة مشتركة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الأميركي دونالد ترامب، وسط حضور رفيع المستوى لقادة ومسؤولي أكثر من عشرين دولة ومنظمة إقليمية ودولية، بهدف تثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، ووضع أسس عملية لإعادة إعمار القطاع.
ترامب يبدأ جولته من تل أبيب
وصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب صباح اليوم إلى مطار بن غوريون في تل أبيب، في زيارة وُصفت بأنها “محطة رمزية” قبل انتقاله إلى مصر، حيث حظيت زيارته باهتمام واسع في الإعلام الإسرائيلي، خصوصاً بعد أن حلقت طائرته على ارتفاع منخفض فوق “ميدان الرهائن” في تل أبيب.
وألقى ترامب كلمة أمام الكنيست، تحدث فيها عن “فرصة تاريخية لإنهاء صراع دام عقوداً”، قبل أن يعقد اجتماعاً مغلقاً مع نتنياهو وعائلات الأسرى الإسرائيليين، ثم غادر متوجهاً إلى مدينة شرم الشيخ للمشاركة في القمة الدولية.
الوفد الأميركي المرافق للرئيس ضم شخصيات بارزة، من بينها وزير الخارجية ماركو روبيو، ووزير الدفاع بيت هيكث، والمبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، وصهر الرئيس ومستشاره جاريد كوشنر، إضافة إلى مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف.
وخلال تصريحات أدلى بها لموقع “أكسيوس” الأميركي أثناء رحلته الجوية، وصف ترامب الاتفاق على وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بأنه “أعظم إنجاز دبلوماسي” في مسيرته السياسية، مؤكدًا أن هذه الخطوة “ستغير وجه الشرق الأوسط”.
مشاركة القيادة الفلسطينية وإسرائيل في القمة
أعلنت الرئاسة المصرية أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سيشاركان في قمة شرم الشيخ من أجل ترسيخ اتفاق وقف الحرب في غزة والتأكيد على الالتزام به.
وأوضح المتحدث الرسمي لرئاسة الجمهورية أن “الرئيس عبد الفتاح السيسي تلقى اليوم اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأميركي دونالد ترامب أثناء تواجده في إسرائيل بصحبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي تحدث أيضاً مع الرئيس المصري، وتم الاتفاق على حضورهما قمة السلام إلى جانب الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وهذا ما كشفته أيضاً هيئة البث الإسرائيلية حيث ذكرت أن نتنياهو تحدث هاتفيا مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مشيرة إلى أنه أكد مشاركته في القمة.
وقبل ذلك، ذكرت صحيفة “إسرائيل هيوم” أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونتنياهو ناقشا إمكانية انضمام الأخير إلى القمة خلال رحلتهما المشتركة من مطار بن غوريون إلى الكنيست، وهو المقترح الذي قدمه ترامب شخصيًا.
بحث تثبيت الهدنة
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي رحب بضيوفه من على منصة الافتتاح، مؤكداً أن “مصر ستظل حائط الصد الأول عن قضايا الأمة العربية، وصوت العقل الساعي إلى السلام”.
وشارك في القمة كل من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، ورئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، وعدد من القادة العرب.
ورغم الحضور الدولي الكثيف، أعلنت إيران عدم مشاركتها في قمة شرم الشيخ، مبررة موقفها بأن الاجتماع يضم دولاً “ما زالت تهدد الشعب الإيراني وتدعم سياسات معادية لطهران”.
وفي تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية، قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي، إن “إيران تؤيد أي جهد لوقف الإبادة في غزة، لكنها ترى أن الانخراط مع الدول المعتدية لا يخدم السلام الحقيقي في المنطقة”.
الرئاسة المصرية أكدت في بيان رسمي أن القمة تهدف إلى “ترسيخ اتفاق وقف الحرب في قطاع غزة، وضمان دخول المساعدات الإنسانية، وتهيئة الظروف لإطلاق عملية إعادة الإعمار، وبحث مستقبل الإدارة المدنية في القطاع”.
تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق
وبالتزامن مع انعقاد القمة، أعلنت مصادر في الصليب الأحمر أن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء وعددهم عشرون قد تم تسليمهم إلى الجانب الإسرائيلي عبر معبر رفح، بعد مفاوضات استمرت حتى ساعات الفجر الأولى.
في المقابل، بدأت إسرائيل في تنفيذ التزاماتها بالإفراج عن نحو 1900 أسير فلسطيني، بينهم نساء وأطفال، ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق.
وأوضحت وكالة “أسوشييتد برس” أن عملية التبادل جرت تحت إشراف مباشر من الأمم المتحدة وبمشاركة مراقبين من مصر وقطر وتركيا، كما نص الاتفاق على استعادة رفات الأسرى المتوفين لدى الجانبين خلال فترة لا تتجاوز أسبوعًا من الآن.
من جانب آخر، بدأت قوافل المساعدات الإنسانية بالدخول إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم، بعد إعلان السلطات الإسرائيلية فتحه جزئياً، فيما تم السماح بدخول الوقود والمعدات الطبية إلى المستشفيات.
وأكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) أن هذه هي “أول مرة منذ شهور تصل فيها مساعدات بشكل منتظم إلى داخل القطاع”.
مواقف وتصريحات
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ثمّن خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية “دور مصر المحوري في إرساء السلام والاستقرار”، مؤكدًا أن بلاده تدعم “حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو”. فيما شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على ضرورة “رفع الحصار عن غزة بشكل دائم”، معتبرًا أن وقف إطلاق النار “لن يكون كافيًا ما لم يُرفع الاحتلال”.
من جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن المجتمع الدولي “أمام اختبار حقيقي لقدرته على فرض احترام القانون الإنساني الدولي”، مشيرًا إلى أن ما شهدته غزة خلال العامين الماضيين “يمثل مأساة إنسانية غير مسبوقة”.
وأكد الرئيس العراقي محمد شياع السوداني أن مشاركة بلاده في القمة تأتي “دعماً للمسار الدبلوماسي”، بينما دعا الرئيس الإندونيسي برابوو سوبيانتو إلى “تعهد جماعي ببدء عملية إعمار غزة فورًا”.
ترتيبات أمنية وطبية مشددة
رافقت القمة ترتيبات أمنية غير مسبوقة في مدينة شرم الشيخ، شملت نشر وحدات من الحرس الجمهوري المصري وقوات خاصة لتأمين الوفود والمقرات، إضافة إلى خطة طوارئ طبية أعدتها **الهيئة العامة للرعاية الصحية المصرية**.
وأجرى رئيس الهيئة، الدكتور أحمد السبكي، جولة تفقدية في مجمع الفيروز الطبي بمدينة الطور، أحد أكبر المستشفيات المشاركة في تأمين الفعالية، حيث تم تجهيز أقسام الطوارئ والعناية المركزة وتوفير احتياطي كافٍ من الأدوية وأكياس الدم تحسبًا لأي طارئ.
حوادث جانبية وتطورات ميدانية
خلال الساعات السابقة لانعقاد القمة، أعلنت وكالة “أسوشييتد برس” عن **حادث سير أودى بحياة ثلاثة دبلوماسيين قطريين** أثناء توجههم من مطار القاهرة إلى شرم الشيخ، فيما فتحت السلطات المصرية تحقيقًا بالحادث.
وفي غزة، أفادت مصادر من حركة حماس بأن الحركة “لن تشارك في أي إدارة سياسية للقطاع بعد وقف الحرب”، مؤكدة أن مسألة نزع السلاح “غير قابلة للنقاش في الوقت الحالي”. وقال مصدر في الحركة لصحيفة “تايمز أوف إنديا” إن المرحلة الحالية “تركز على إعادة الإعمار وعودة النازحين فقط”.
توقيع الوثيقة النهائية
ومن المقرر أن تُختتم فعاليات اليوم الأول من القمة بتوقيع وثيقة رسمية تضمن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وتلزم الأطراف الراعية – وهي الولايات المتحدة ومصر وقطر وتركيا – بمتابعة تنفيذ البنود ميدانيًا خلال الأسابيع المقبلة. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن الوثيقة ستتضمن أيضًا تشكيل لجنة متابعة دولية تتولى الإشراف على إدخال المساعدات ومراقبة الوضع الأمني في القطاع.
وتُعد قمة شرم الشيخ الحالية واحدة من أبرز المحطات السياسية في مسار الأزمة الفلسطينية منذ سنوات، إذ تأتي بعد حرب دامية خلّفت عشرات الآلاف من الضحايا، وأدت إلى دمار واسع في البنية التحتية للقطاع، فيما يرى المراقبون أن تطبيق الاتفاق فعليًا سيشكل الخطوة الأولى نحو سلامٍ دائم في الشرق الأوسط.