spot_img

ذات صلة

جمع

مكالمة قد تغير التاريخ: لحظة ترامب وبيزشكيان لإحلال السلام

شؤون آسيوية - بقلم سيد حسين موسويان*/ أعربت إدارة ترامب...

هل يُخيّب ترامب آمال نتنياهو؟

د. هيثم مزاحم ** يقول الكاتب الإسرائيلي إيتان غلبواع...

عيد الربيع الصيني.. رمز للفرح والتقاليد

شؤون آسيوية - بقلم تشو شيوان ** مع اقتراب موعد...

ترامب مهتم بزيارة الصين والهند قريباً

شؤون آسيوية – واشنطن - أبلغ الرئيس...

من الرماد ….. ما مستقبل غزة؟

خاص شؤون آسيوية، مقالة: أوليفر ماك تيرنن، ترجمة: معهد...

العراق بين النفوذين الأميركي والإيراني

شؤون آسيوية – بقلم: د. هيثم مزاحم/

لا شك أن ثروة العراق النفطية، وموقعه الجيوستراتيجي في المنطقة، قد جعلاه محط أطماع دول عديدة وبخاصة الولايات المتحدة. وكانت مرحلة ما بعد احتلال العراق من قِبل التحالف الأميركي – الدولي في العام 2003، هي المرحلة الأكثر استقطاباً للتجاذبات الإقليمية والأجنبية، بعد إسقاط نظام الرئيس العراقي صدّام حسين وحلّ الجيش العراقي ومؤسسات الدولة؛ بحيث رسم الأميركيون وحلفاؤهم مشروعاً لعراق المستقبل، كجزء أساسي ممّا سمّي “الشرق الأوسط الجديد”، والذي واجه منذ البداية مقاومة شديدة من أطراف وقوى مختلفة، في الميادين السياسية والعسكرية والأمنية؛ وكانت إيران وسوريا في طليعة المتصدّين للمشروع الأميركي الذي كان سيستهدفهما.
بعد مرحلة مساكنة قصيرة بين إيران والولايات المتحدة، والتي تلت مرحلة إسقاط نظام صدّام حسين الذي شنّ حرباً مدمّرة على إيران بعيد انتصار الثورة فيها، دامت ثماني سنوات، تطوّرت الأوضاع تدريجاً نحو التصادم غير المباشر بين الدولتين على الأرض العراقية، في ظل التنافر أو التناقض الجوهري بين رؤية كلٍ منهما لمصير العراق الجديد، والذي يمس بأمن ومصالح إيران والولايات المتحدة.
تمّ الانسحاب الأميركي العسكري الأول من العراق في أواخر العام 2011، في عهد الرئيس باراك أوباما الذي رغب بإنهاء تَورّط بلاده في نزاعات خارجية مكلفة ومفتوحة، والتي بدأها سلفه جورج بوش الابن، في العام 2001 ، بعد تفجيرات 11 سبتمبر الدامية في الولايات المتحدة، من أفغانستان، ليجري تعزيز كبير للقوات الأميركية في وقت لاحق بهدف مواجهة صعود تنظيم داعش الإرهابي، والذي سيطر بشكل مفاجئ على مساحة ثلث العراق آنذاك، مطيحاً بالجيش العراقي الذي أشرفت على تأسيسه وتدريبه وتمويله الإدارة الأميركية.
وهنا برز دور إيران، خصم الولايات المتحدة اللدود في المنطقة، في دعم الفصائل والأحزاب الشيعية المعادية لداعش كما للوجود العسكري والنفوذ السياسي الأميركي المتصاعد في ذلك الوقت. وهي احتلّت موقع الصدارة في مقاومة الاحتلال الأميركي بعد أعوام من تصدّر جماعات سنيّة متطرفة للعمليات العسكرية ضد القوات الأميركية، والتي لم توفّر المدنيين من كافة الطوائف والمذاهب والقوميات العراقية.
وقد سعى الطرفان الأميركي والإيراني طيلة تلك السنوات من المساكنة السياسية والمواجهة العسكرية غير المباشرة، إلى تثبيت ركائز نفوذ لكلٍ منهما في العراق، تحضيراً لمتغيرات قد تحصل في هذا البلد الذي يعج بالتناقضات والنزاعات، كما بالفساد المستشري وفشل الإدارة والتدخلات الخارجية في شؤونه.
ومعروف أن الأميركيين باتوا يمتلكون اليوم نفوذاً كبيراً في المناطق الكردية والسنيّة “شبه المستقلة”، كما في بعض البيئات الشيعية، العشائرية والسياسية والحكومية، فيما يمتلك الإيرانيون نفوذاً مهماً داخل البيئات الشيعية الدينية والسياسية والعشائرية، فضلاً عن دورهم الأساس في دعم الحشد الشعبي (الشيعي) الذي تمكن من دحر جماعات داعش الإرهابية فى وقت قياسي، فاجأ الأميركيين وحلفاءهم. وهنا يبرز دور الجنرال قاسم سليماني الذي اغتاله الأميركيون مطلع العام 2020 قرب مطار بغداد الدولي.

الانتخابات التشريعية محطة مفصلية
إن المحطة المفصلية التي ستكشف هويّة صاحب النفوذ الأقوى في العراق في المستقبل هي الانتخابات التشريعية، التي تقرّر إجراؤها في العاشر من تشرين الأول /أكتوبر 2021، حيث يشتد التجاذب الأميركي – الإيراني بشأنها، ولو من تحت الطاولة وليس بشكل علني أو إعلامي وسياسي فاقع.
وإذا كان مفهوماً أن يتأمّل الإيرانيون بفوز القوى أو الأحزاب العراقية المؤيّدة لعلاقات حسنة أو استراتيجية معهم، بحكم الروابط الدينية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية العميقة بين الشعبين والبلدين، إضافة إلى الدعم الإيراني العاجل والفاعل الذي ساعد العراقيين في دحر تنظيم داعش الإرهابي قبل سنوات، فإنه من الصعب تقبّل الحماسة الغربية، والأمريكية تحديدًا لحصول الانتخابات العراقية في موعدها، مع الحرص الشديد على نزاهتها وشفافيتها، والذي وصل حد إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال استقباله رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في يوليو / تموز الماضي، عن تلهّفه لهذه الانتخابات وترقّبه لنتائجها!
ومن الواضح أن الإدارة الأميركية لا ترغب بفشل سياسي جديد لها في العراق قد يفوق الفشل الذريع الذي واجهته أخيراً في أفغانستان، على المستويين السياسي والعسكري، بعد احتلالها المكلِف لهذا البلد المنكوب لعقدين كاملين من الزمن. والخصم الأول للولايات المتحدة في العراق هو النفوذ الإيراني المتعاظم فيه، والذي يجب أن ينتهي أو ينحسر بتأثير نتائج الانتخابات المقبلة، كما يأمل الأميركيون.
فقد ادّعى ريتشارد ميلز، القائم بأعمال السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة، في اجتماع لمجلس الأمن بشأن العراق، أن أحد أبرز العوائق أمام تهيئة بيئة مؤاتية لإجراء انتخابات سلمية وشاملة وتمتاز بالمصداقية، “هو وجود فصائل مسلّحة ومتطرفين ومخرّبين”. وأضاف أن “البيئة المؤاتية تعني أنه يجب علينا مواجهة الفصائل المسلّحة المدعومة من إيران وأنشطتها التي تزعزع استقرار العراق، إضافة إلى ما تبقّى من عناصر تابعة لتنظيم داعش”.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، لدى استقباله مصطفى الكاظمي في البيت الأبيض، إن “الإدارة الأميركية ملتزمة بتعزيز الشراكة مع العراق”، مبيّناً أن “التعاون مع العراق في مجال مكافحة الإرهاب سيستمر”. ولفت إلى أن “الدور الأميركي في العراق سيكون مرتبطاً بتوفير المساعدة في مجال التدريب والتصدّي لتنظيم داعش”، منوّهاً بأننا “لن نكون في مهمات قتالية في العراق بنهاية العام الجاري”. وأشار إلى أننا “ندعم الديمقراطية العراقية ومتلهّفون لموعد الانتخابات التشريعية العراقية”.
ووفق أرقام مفوّضية الانتخابات في 31 يوليو/تموز، فإن 3249 مرشّحاً يمثّلون 21 تحالفاً و109 أحزاب، إلى جانب مستقلين، قد خاضوا سباق الانتخابات للفوز بـ329 مقعداً في البرلمان العراقي.
وحول خلفيات هذه الاندفاعة الأميركية والأممية للانتخابات العراقية، يقول رئيس مركز القرار السياسي للدراسات هادي جلو مرعي: “اختلفت توجهات الدول نحو العراق منذ أحداث تظاهرات تشرين، حيث هناك اليوم تحركات جديّة من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لإبعاد العراق عن دائرة النفوذ الإيراني والروسي والصيني، وتدفع بالقوى القريبة على المحور الغربي، وتؤكد على الانتخابات كونها أداة للتغيير”
أما من الجانب الإيراني، يشدّد المسؤولون في طهران على عدم التدخل في الانتخابات العراقية، مع إبداء حرصهم على تمتين العلاقات المميّزة مع الشعب والدولة العراقية.
وفي هذا الصدد، أشار السفير الإيراني في بغداد، إيرج مسجدي، إلى أن “إيران تدعم مبدئياً إجراء الانتخابات باعتبارها مظهراً للديمقراطية وحكم الشعب؛ وبالتالي فهي ترحّب بالانتخابات العراقية المقبلة، وتدعم البرلمان والحكومة التي تتمخض عنها هذه الانتخابات”. وبيّن أن “إيران لا تعوّل سلباً أو إيجاباً على أي طرف، والمهم لديها هو إجراء الانتخابات بنجاح واقتدار بما يخدم مصالح الشعب العراقي”.
ويقول رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري إن إيران على علاقة وثيقة جداً بالانتخابات العراقية، وبرز ذلك منذ عام 2010، حيث كان تدخلها واضحاً في الانتخابات وطبيعة مخرجاتها. ويضيف أن طهران تولي أهمية كبيرة للانتخابات العراقية، خصوصاً أن استمرار سيطرة الشيعة على المشهد السياسي، ودعم حلفائها في الداخل العراقي، يتيحان لها المزيد من الاطمئنان على المصالح الإيرانية.
يشار إلى أن هذه أول انتخابات تجري في العراق ورئيس الوزراء غير مرشح فيها، بهذه الجملة لخص مصطفى الكاظمي رئيس الحكومة العراقية، الفارق بين هذه الدورة الانتخابية، وما سبقها من دورات أربع، لجهة ضمان نزاهتها وشفافيتها.
لكن المراقبين يرون أن الكاظمي يبقى أحد أقوى المرشحين التوافقيين حظوظاً لتشكيل الحكومة الجديدة ما بعد الانتخابات سيما والتجارب تفيد أنه لن تفرز الانتخابات كتلة قوية، بما يكفي لتشكيل الحكومة بمعزل عن غيرها من كتل، وأن الأمر قد يطول لأشهر حتى يتم التوافق بين مختلف الأفرقاء كما هو جاري العادة. فمن الناحية الدستورية والقانونية وحتى التطبيقية السياسية، نستطيع القول أنه ليس هناك ما يمنع من تكليف رئيس وزراء غير مرشح في الانتخابات، وبالتالي غير منتخب، وهناك سابقة في هذا الصدد، بتكليف رئيس الوزراء السابق عادل عيد المهدي، الذي شكل الحكومة ما قبل الحالية، التي سقطت بفعل مظاهرات تشرين الشعبية؟
وقد استطاع الكاظمي انتهاج سياسة خارجية واضحة وثابتة للمرة الأولى، في انفتاحها وتعبيرها عن المصالح الوطنية العراقية، فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، وهذا انعكس داخليا بطبيعة الحال في مساعدة الكاظمي، على تأجيل الصراع الداخلي وليس حسمه. فالكاظمي استطاع نوعا ما تخفيف الهيمنة الإيرانية المطلقة على العراق، عبر الانفتاح الواسع على العالم العربي، وطمأنة الداخل العراقي بأن هناك فرصا للتخلص من السيطرة الإيرانية عبر البوابة العربية، فضلا عن مساعيه لتنويع مصادر الطاقة، وهي من الوسائل المهمة للفكاك من هيمنة طهران
الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها وتوافق الكتل السياسية العراقية على تكليف شخصية لتشكيل الحكومة القادمة بعد انتخابات الأحد، ومعالم رسم سياساتها الداخلية والخارجية، هي كلها تحديات جمة وقضايا شائكة.

الخلاصة
في ظل التوقعات باستمرار الدور الأميركي الفاعل في العراق مستقبلاً، لحسابات استراتيجية تخص مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وحماية إسرائيل من التهديدات المتنامية حوله، يمكن لحظ وجود صراع خفي ومستتر بين النفوذين الإيراني والأميركي في العراق قبيل انسحاب القوات الأميركية القتالية من هذا البلد في نهاية العام الجاري، والدولتان تمتلكان أسساً قوية، سياسية أو عسكرية أو اقتصادية واجتماعية ودينية، ولن يتمكن أحد هذين النفوذين من إلغاء الآخر في المدى المنظور على الأقل، كما ستثبت نتائج الانتخابات، وما سيليها من ترجمة لموازين القوى الجديدة في مجلس النواب والحكومة ومؤسسات الدولة، والتي ستواجه تحديات وصعوبات للتوافق حول إدارة شؤون البلاد، واستئصال الفساد ومكافحة البطالة؛ والأهم تثبيت استقلالية القرار العراقي بمواجهة أطماع بعض اللاعبين الإقليميين والدوليين في ثروات العراق ومقدّراته.

spot_imgspot_img