شؤون آسيوية –
بقلم د. هيثم مزاحم/
شكّل ظهور جماعات صينية مسلحة قادمة من إقليم شينغيانغ في الصين (تركستان الشرقية) مفاجأة في سلسلة مفاجآت الحرب السورية المستمرة منذ العام 2011؛ مع العلم بأن «ساحات جهادية» كبيرة كانت قد استقطبت عشرات آلاف «الجهاديين» من البلاد الإسلامية أو التي تعيش فيها أقليات مسلمة كبيرة، مثل ساحتي أفغانستان والعراق، في مطالع القرن الحالي.
هذا البحث يهدف للتعرّف عن كثب على «الحزب الإسلامي التركستاني» الذي يمثّل القوّة الأساسية التي انضوى الشباب الصيني التركستاني تحت لوائها في سوريا (بلاد الشام) طيلة سنوات الحرب السورية، نشأته – مبادئه – وعلاقاته ومستقبله السياسي.
نشأة الحزب الإسلامي التركستاني
تأسّس الحزب الإسلامي التركستاني في الصين في العام 1997 على يد حسن معصوم، الذي تمكن من تجنيد آلاف المسلمين الصينيين الأويغور للقتال بحثاً عن استقلال تركستان الشرقية (إقليم شينغيانغ) عن الصين، قبل أن يتحوّل اهتمام الحزب إلى أفغانستان، فقاتل إلى جانب تنظيم «القاعدة» و«حركة طالبان».
وقد قُتل حسن معصوم في أيار – مايو من العام 2002، بغارة أميركية. بعدها تولّى عبد الحق التركستاني زعامة المجموعة، ولا يزال حتى الآن زعيمها.
ويفيد تقرير آخر بأن «الشيخ حسن معصوم» قد هاجر عام 1997 إلى أفغانستان، حيث أسّس في كنف «طالبان» و«القاعدة» حركته «الحزب الإسلامي التركستاني». وكانت بيانات الحزب المتوعدة تظهر مع إصدارات «القاعدة»، إلاّ أن تأثيره الواقعي كان محدوداً جداً.
وأويغورستان (شينغيانغ) هي قوميّة «هوي» المسلمة؛ وهي مقاطعة صينية تتمتع بنظام إداري خاص، وتقع في أقصى شمال غرب البلاد، وعاصمتها مدينة أورومتشي. ويبلغ عدد سكانها نحو 9 ملايين نسمة.
نالت هذه المنطقة استقلالها عام 1944 خلال الحرب الداخلية الصينية، لتعود إلى أحضان الدولة الجديدة عام 1949 عندما تأسست جمهورية «الصين الشعبية». وتركستان (إقليم شينغيانغ) غنية بالنفط والغاز الطبيعي وخامات اليورانيوم.
الحزب التركستاني.. من أفغانستان إلى سوريا
يكشف تقرير خاص بصحيفة «الأخبار» اللبنانية بأنه في مطلع عام 2012 كانت الانعطافة الأولى نحو تنظيم العنصر «الجهادي التركستاني» في سوريا. أبو رباح (وهو مقاتل سوري سابق في «جبهة النصرة»، لحق بعائلته في تركيا بعد تعرّضه لإصابة أدّت إلى بتر ساقه)، يروي لـ«الأخبار» أنه كان قد تعرّف بأيوب حمزة التركستاني في معسكر الشيخ سليمان (ريف حلب الغربي). ويضيف: «كان لقاؤنا على الأرجح في أيلول 2011».
«كان أبو حمزة قد نشأ بعيداً عن وطنه، حيث تعيش عائلته في تركيا. وبعد أن دقّت طبول الجهاد في الشام، اختار النفير لها، لأنه تربّى على كره الطاغوت، وعلم أن هزيمة طواغيت الشام تعني هزيمة رؤوس الكفر في الصين أيضاً».
ووفقاً للمصدر نفسه، فقد «دُعِي أبو حمزة بعد فترة إلى الالتحاق بمعسكر تدريبي جديد إلى جانب العشرات من أبناء بلده». كانت هذه البداية الفعلية لتنظيم «الأويغور». وقد اشتهر من بين مدرّبيهم أبو رضا التركستاني.
وحسب دراسة نشرها معهد واشنطن في يوليو/ حزيران 2014، فقد جعل الحزب الإسلامي الكردستاني من سوريا قاعدة ثانية للعمليات المتقدمة له بعد أفغانستان في السنوات الأخيرة. وأسهم العدد الكبير للاّجئين الأويغور في تركيا (نحو 20 ألفاً) بسهولة استقطاب «مجاهدين» من بينهم للانضمام إلى «الحزب» الذي اتخذ من الأراضي التركية مسرحاً أساساً لنشاطه، مع غضّ نظر ودعم من المخابرات التركية.
وتؤدّي «جمعية التضامن والتعليم لتركستان الشرقية» دوراً محورياً في عمليات ضمّ المقاتلين وتجهيزهم للتوجه إلى سوريا، تحت غطاء «تقديم الدعم الإنساني إلى الشعب السوري».
ويشير “المرصد السوري لحقوق الإنسان” القريب من المعارضة السورية إلى أن الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا، يشارك إلى جانب الفصائل الإسلامية المقاتلة وجبهة النصرة وتنظيم جند الأقصى في ريف حماه الشمالي الغربي. وهو كان يشكّل، مع فصائل مسلّحة أخرى من المعارضة وجبهة النصرة، جيش الفتح.
وكان لمقاتلي الحزب التركستاني الدور الأكبر في السيطرة على مدينة جسر الشغور؛ وقُتل منهم أثناء دخول المدينة أكثر من 40 مقاتلاً بعد أن تعرّضوا لكمين من قوات النظام المتمركزة في معمل السكّر؛ وهم يشكّلون الآن القوّة الأكبر التي تسيطر على منطقة جسر الشغور.
ومنذ منتصف العام 2015، بدأ مقاتلو الحزب التركستاني بالتوافد أكثر إلى سوريا. وهم سكنوا مع عائلاتهم في أكثر الأماكن خطراً. وعلى الرغم من غياب أي إحصائيات دقيقة، تشير مصادر إلى أن أعدادهم تتجاوز الألفين.
وفي السياق، كشفت مقاطع مصوّرة تظهر مقاتلين تركستانيين في معارك مطار أبو الضهور العسكري في ريف إدلب (في أيلول 2015)، عن تنامي دور هؤلاء المقاتلين الذين يقدّمون أنفسهم على أنهم أعضاء في «الحزب الإسلامي التركستاني في بلاد الشام» في الصراع في سوريا، وتكتّلهم ضمن إطار تنظيمي عرقي جديد، أخرجهم من حالة الانصهار ضمن مجموعات حليفة أخرى، مثل جبهة النصرة، رغم التحالف مع التنظيم والقتال في معارك مشتركة.
وأضاف تقرير صحافي أن هذا التنظيم أعلن عن نفسه رسمياً خلال ثلاثة مقاطع فيديو بثّها على موقع «يوتيوب»، وتثبت تولّيه قيادة العمليات في مطار أبو الضهور.
وحسب قول مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، رامي عبد الرحمن، فإن عدد المقاتلين التركستانيين في شمال سوريا تضاعفت «وبات بالآلاف، نظراً إلى إقامتهم مع عائلاتهم في جبل التركمان بريف اللاذقية».
ويقول الخبير في الجماعات المتشددة حسن أبو هنيّة إن «الحديث عن 20 ألف تركستاني ينقسمون بين مقاتلين وعائلاتهم هو رقم مبالغ فيه، مشيراً إلى أنه أحياناً يتم الخلط بين مقاتلي الحركة الأوزبكية والتركستانية، موضحاً أن التنظيمين هاجرا من باكستان وكانا يبايعان زعيم طالبان الراحل الملاّ عمر.
وبحسب أبو هنيّة، فإن التغيير الذي طرأ على المجموعات «المهاجرة» إلى سوريا، منذ ظهور تنظيم داعش، لم يطل مجموعة «الحزب الإسلامي التركستاني». وهؤلاء «لم يحسموا خياراتهم بعد بين تنظيم القاعدة وفرعه في سوريا جبهة النصرة، وتظيم داعش»، مشيراً إلى أن هذه الحركات تتبع المركز؛ ولا يزال قائدها عبد الحق التركستاني على ولائه لـ«القاعدة».
وأضاف: «هذا الواقع أبقاهم في حالة من الاستقلال، وخصوصاً منذ بروزهم كمقاتلين أشدّاء في ريف إدلب، يتعاونون مع (النصرة) و(أحرار الشام)، وأخيراً (جيش الفتح)، مشدّداً على أن عملهم مع هذه المجموعات ينطلق من كونهم أكثر التصاقاً بتنظيم القاعدة.
يُشار إلى أن تنظيم الحزب الإسلامي التركستاني أدرجته الأمم المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية في العام 2001؛ كما أعلنته الولايات المتحدة جماعة إرهابية في العام 2009، بينما اعتبرته روسيا محظوراً منذ عام 2006. كما تعتبرهم الصين إرهابيين انفصاليين.
في عامي 2011 و2012 ظهر مقاتلو الأويغور كأفراد لبّوا الندء المقدّس وقاتلوا مع «جبهة النصرة» و«وحركة أحرار الشام»، قبل أن يرفض زعيمها أبو عبدالله الحموي انضمامهم لمخاوف أمنية. وكانت البداية الحقيقية مع مطلع 2013، حين أعلن الحزب إنشاء تنظيمه الخاص «الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام»؛ وأصبحت لمقاتليه معسكرات خاصة اجتذبت المئات منهم.
وفي أبريل/ نيسان 2015، نشر الحزب إصداراً خاصاً بمشاركته في تحرير جسر الشغور مع جيش الفتح. يظهرون في الفيديو وهم يخوضون معارك ضارية تنتهي برفع أبو رضا التركستاني (قائدهم) رايتهم فوق إحدى بنايات المدينة وسط دوي التكبيرات. وفي أغسطس/آب من العام نفسه نشروا إصدارين عن مشاركتهم في معارك ريف إدلب، وتظهر زيادة واضحة بعددهم وتسليحهم وشراستهم.
دور الحزب التركستاني في الحرب السورية
يشير عدد من التقارير الإعلامية والأمنية∙ إلى وجود الآلاف من الجهاديين الأويغور وعائلاتهم في سوريا، يقاتلون مع جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في بلاد الشام، كما قاتلوا سابقاً مع «أحرار الشام»، ومع تنظيم «داعش».
ويتواجد الجهاديون الأويغور بشكل رئيس في كلٍ من محافظة إدلب، شمال سوريا، وخاصة منطقة سراقب، وفي ريف اللاذقية؛ وخاصة جبل الأكراد، وفي محافظة الرقّة. وقد شوهدوا بأعداد كبيرة في العديد من مناطق إدلب، وبخاصة في بلدتي جسر الشغور وأريحا، ومرتفعات جبل الزاوية.
وقد استقرّ بعضهم مع عائلاتهم في البلدات المهجورة في منطقة جسر الشغور. وأظهرت أشرطة الفيديو قتالهم في سهول الغاب في الريف الغربي لحماه، وفي الجبل الأحمر في محافظة اللاذقية.
وتقدّر مصادر سورية وجود ما بين 2000 و2500 من مقاتلي الأويغور في الحزب الإسلامي التركستاني في شمال سوريا، في حين يوجد بين 500 و1000 منهم مع تنظيم «داعش» في سوريا والعراق.
ويعتمد المقاتلون الأويغور على جبهة النصرة وتركيا. وقد لعبوا دوراً حاسماً في تحقيق مكاسب للجبهة و«جيش الفتح» في محافظة إدلب في العام 2015، حيث كان للحزب الإسلامي التركستاني دور حاسم في معركة مطار أبو الظهور في سبتمبر/ أيلول 2015، عندما تمكن «جيش الفتح» من السيطرة على قاعدة المطار في محافظة إدلب.
كما شارك الحزب بقوّة وشراسة في معارك جنوب غرب حلب. وقد ساهم في فك الحصار عن الجزء الذي تحتله الفصائل «الجهادية» المسلحة في المدينة، وخصوصاً في السيطرة على منطقة الراموسة.
وانتهج الحزب الإسلامي التركستاني استراتيجية هجومية ضد القوات السورية وحلفائها، أعادتها إلى الخلف في أرياف حلب وحماه وإدلب، في نهاية عام 2013 وبداية عام 2014. وقد مثّلت هذه الاستراتيجية امتداداً لاستراتيجية إخضاع مدن وقرى إدلب، خصوصاً معارك إسقاط مدينة جسر الشغور، التي دامت حوالى شهر، وأفضت في النهاية إلى اقتحام مقر قيادة قوات الجيش السوري في أواخر شهر آذار – مارس من عام 2015، والانتقال بعد ذلك نحو سهل الغاب والسيطرة على معظمه في نيسان/ أبريل من العام نفسه.
لقد قامت الاستراتيجية القتالية للحزب التركستاني على مجموعة من المرتكزات، من أبرزها:
– إحكام القبضة على المدن والقرى المستولى عليها.
– حشد مختلف القوى والوسائل اللازمة لتحقيق التفوّق على المناوئين.
– تركيز السيطرة على المناطق الجبلية الوعرة، والتي تشكّل تهديداً للعدو وتأثيراً في مجريات المعارك..
لكن تراجع اعتماد الحزب الإسلامي التركستاني على هذه الاستراتيجية بعد التدخل العسكري الروسي، حيث تقهقرت قوات المعارضة المسلحة و”الجهاديين” تدريجياً إلى مشارف إدلب، باستثناء بعض الجيوب الواقعة في أطراف جسر الشغور وريفي حماه الشمالي وحلب الجنوبي فلزمت الحياد، فيما بدأت العمليات القتالية في تلك المناطق تأخذ طابعاً ترددياً بين الدفاع والهجوم، استُنزف فيه كثير من قدرات «التركستاني».
وإزاء تقدّم قوات نظام الجيش السوري والحلفاء الإيرانيين وحزب الله مدعومين من روسيا، ابتداء من ريف حماه الشرقي وجبل الأحص في ريف حلب الجنوبي في أواخر عام 2017 وبداية عام 2018، في إطار ما عُرف بعملية «شرق سكة حديد الحجاز»، عمد التركستان إلى انتهاج «استراتيجية دفاعية، تشمل استخدام وسائل متعددة، لدعم الدفاع عن النقاط الرئيسية»، على كامل المحور الممتد من بوابة حلب الجنوبية إلى ريف إدلب الشرقي. وقد مثّلت هذه الدعامات أحد أبرز الأدوات التكتيكية للاستراتيجية الدفاعية، مع ما وفّرته السلاسل الجبلية المحاذية لجسر الشغور من مزايا عسكرية حقّقت دفاعاً صلباً أمام القوات الإيرانية وحلفائها، حيث بقيت تلك القوات بعيدة عن مناطق سيطرة الحزب التركستاني.
ومع ما أبداه الحزب الإسلامي التركستاني من دفاع مستميت في إطار هذه الاستراتيجية، فإنهم لم يتمكنوا من صد القوات المهاجمة كأهم هدف لاستراتيجية الدفاع، وذلك لأسباب عدّة، من أبرزها تفوّق القوات الإيرانية وحلفائها بنوعية الأسلحة، والدعم الروسي الجوّي والبحري؛ والإعلان عن «مناطق خفض التصعيد» في منطقة إدلب ومحيطها، وما ترتب عليها من نتائج؛ وتشديد الرقابة التركية على نشاطات فصائل المعارضة والتضييق على الحزب الإسلامي التركستاني.
كما كان للأويغور (التركستان) دور بارز في مجازر اللاذقية التي طالت الفلاّحين البسطاء في عشرات القرى والبلدات، إلى جانب أقرانهم في القومية التركية، كـمقاتلي «التركمان السوريين» الذين يُعدّون غالبية في الكثير من البلدات هناك، إلى جانب تنظيم «الذئاب الرمادية» ذي الميول التركية المتعصبة؛ وهو تنظيم تركي داخلي شارك في معارك اللاذقية، ونسب إلى نفسه إسقاط الطائرة الروسية «سو 25» عام 2015.
ويتحدث تقرير أعدّه المرصد السوري لحقوق الإنسان عن قيام التركستان بالانعزال بشكل كبير عن المجتمع السوري، من حيث منطقة السكن، أو من حيث التعامل اليومي، إذ يعمد التركستان للعيش مع أطفالهم وعوائلهم؛ إذ إن الابتعاد عن التدخل في حياة المدنيين وفرض القوانين عليهم، خلق تقارباً وارتياحاً بين بعض أهالي المنطقة والمقاتلين التركستان..
لكن، في الوقت نفسه، كان للتركستان نصيب في عمليات تقاسم سرقات ممتلكات المواطنين الذين فرّوا مع انسحاب قوات الجيش السور من مناطق ريف إدلب الغربي ومنطقة جسر الشغور، مع الفصائل المسلحة الأخرى. فقد سكن التركستان في قرى كثيرة نزح عنها أهلها، وخصوصاً من مذاهب وطوائف يتم تكفيرها بحسب عقائد “الجهاديين السلفيين”.
وأيضاً، استولى الحزب الإسلامي التركستاني على مزارع ومحال تجارية ومنازل أمّنت لمقاتليه دخلاً مالياً مرتفعاً. كما تصاعد استياء المدنيين من التركستان نتيجة ما رصده المرصد السوري لحقوق الإنسان ووثّقه، من استيلائه على عشرات العقارات لمواطنين بتهم ملفّقة، فضلاً عن ممارسات واعتداءات كثيرة كانت تحصل بالتنسيق بين الحزب التركستاني و”هيئة تحرير الشام” وفصائل مسلحة أخرى.
ويكشف تقرير آخر بأن الإيغور سعوا في بداية توافدهم إلى سوريا للاندماج مع المجتمع السوري، بالاعتماد على علاقاتهم الجيّدة مع القوى التركمانية في سوريا والزواج من نساء سوريات لضمان استقرارهم. لكن عدم تمكنهم من الحديث باللغة العربية أدّى إلى انكفائهم من حيث منطقة السكن والتعامل اليومي، وتشكيلهم مجتمعاً مصغّراً يستند إلى قاعدتين رئيسيتين هما: العرق واللغة، إذ يعمد التركستان إلى الابتعاد عن التدخل في حياة المدنيين وفرض القوانين عليهم؛ كما حاولوا الابتعاد عن الاقتتالات الداخلية المنتشرة بين التنظيمات المتشددة، خصوصاً «جبهة النصرة» و«أحرار الشام»..
علاقة الحزب التركستاني بـ«جبهة النصرة»
يعتمد المقاتلون الأويغور في سوريا على جبهة النصرة وتركيا. وقد لعبوا دوراً حاسماً في تحقيق مكاسب للجبهة و«جيش الفتح» في محافظة إدلب في العام 2015، حيث كان للحزب الإسلامي التركستاني دور حاسم في معركة مطار أبو الظهور في سبتمبر/ أيلول 2015 عندما تمكن «جيش الفتح» من السيطرة على قاعدة المطار في محافظة إدلب.
ويبدو أن تحالف الحزب الإسلامي التركستاني مع جبهة النصرة هو استمرار لعلاقات طويلة مع تنظيم القاعدة، ونتيجة بيعة الحزب للزعيم الراحل لحركة “طالبان” الأفغانية الملاّ عمر الذي بايعه تنظيم “القاعدة” أيضاً.
وفي فيديو صادر عن الحزب الإسلامي التركستاني يظهر المقاتلون الأويغور يقاتلون جنباً إلى جنب مع جبهة النصرة والجبهة الأوزبكية، في معركة جسر الشغور عام 2015. وأشارت مصادر إعلامية إلى مشاركة نحو 700 من المقاتلين الأويغور في هذه المعركة.
وكان المقاتل الأبرز في أشرطة الفيديو في جسر الشغور هو المتحدث باسم الحزب الإسلامي في تركستان في فرع سوريا، أبو رضا التركستاني.
وثمّة انقسام بين مقاتلي الأويغور، حيث ينتمي قسم منهم إلى «داعش»، بينما ينتمي معظمهم إلى الحزب الإسلامي التركستاني، القريب من تنظيم القاعدة وفرعها في سوريا، المتمثل بجبهة النصرة، التي تمّ تغيير اسمها إلى «جبهة فتح الشام» ثم لاحقاً إلى «هيئة تحرير الشام» بزعامة أبو محمد الجولاني.
وكان عدد قليل من المقاتلين التركستانيين قد انتظموا في صفوف «جبهة النصرة»، فرع تنظيم القاعدة بسوريا، في العام 2012، مدفوعين بوجود صلات «عقائدية» وطيدة بين حاضنهم «الحزب الإسلامي التركستاني» من جهة، وبين كل من حركة طالبان في أفغانستان وتنظيم «قاعدة الجهاد» من جهة أخرى.
وفي إطار علاقة الحزب التركستاني بـ«جبهة النصرة»، تتهم مصادر للمرصد السوري لحقوق الإنسان التركستان بالتشابه الداخلي مع «هيئة تحرير الشام» (النصرة)، رغم اختلاف السمات الظاهرية والأشكال بين الفصيلين. ويذهب بعضهم في حديثه إلى تشارك الحزب التركستاني و«تحرير الشام» في المؤسسات «الأمنية والشرعية»، ومنها محكمة جسر الشغور.
وأكدت المصادر أن الحزب التركستاني الإسلامي يتدخل في النزاعات الفصائلية لحماية هيئة تحرير الشام، أو يتدخل في بعض الأحيان كطرف وسيط، حيث تدخّل التركستان في الاقتتال ضمن محافظة إدلب، الذي انتهى بسيطرة «تحرير الشام» على أجزاء واسعة من محافظة إدلب عامي 2017 و2018؛ إضافة لتدخلها في حلّ الخلاف على الحدود في خربة الجوز بريف إدلب، بين الطرفين السابقين، عبر نشر الحزب التركستاني لحواجز ومقاتلين منعوا الاقتراب من المنطقة تحت طائلة احتجازهم.
علاقة الحزب التركستاني بـ«داعش»
على العكس من معظم المجموعات المسلحة، سارع تنظيم «داعش» إلى استقطاب المقاتلين الأويغور. وتجاوز عقبة اللغة بالاستفادة من وجود عدد كبير من القياديين التركمان في صفوفه. كانت الدعاية التي أتقن «داعش» ترويجها بخصوص «عولمة الجهاد» عاملاً مؤثراً في نجاحه باستقطاب المقاتلين غير العرب، ومن بينهم الأويغور..
كذلك، لعبت سيطرة التنظيم على مناطق واسعة من الحدود السورية ـ التركية دوراً فاعلاً في استقطابه للمقاتلين الأويغور الذين وفد معظمهم عبر الأراضي التركية؛ وتحوّلت مدينة تل أبيض (ريف الرقّة الشمالي) خلال عام 2014 إلى نقطة تجمّع أولى لـ«أويغور داعش». وقد أقام التنظيم في المدينة معسكرات خاصة بالأويغور، كرّر فيها تجربة أفغانستان، حيث ركّز على «الجهاديين الفتيان»، قبل أن يوزّع الدفعات التي تنهي تدريبها على «الولايات» التابعة له في كل من سوريا والعراق.
في أواخر تشرين الثاني – نوفمبر 2014، أكد مصدر سوري مرتبط بالتنظيم أن «عدد الأويغور في صفوف داعش يتراوح بين 1200 و1500، أكثر من نصفهم موجود في العراق».
في العام 2016، وللمرّة الأولى، أعلن الحزب الإسلامي التركستاني موقفه من تنظيم «الدولة الإسلامية»(داعش)، بعد ثلاث سنوات على تأسيس فرعه في سوريا، وعامين على إعلان «داعش» مبايعة زعيمه أبو بكر البغدادي «خليفة للمسلمين».
الموقف الرسمي جاء من رأس الهرم في «الإسلامي التركستاني». وبثّت وحدة الإعلام في الحزب لقاء مصوّر مع أميره عبد الحق التركستاني، وفيه أعلن عدم شرعية خلافة تنظيم «الدولة»، ودعوته للعمل من أجل «قيام خلافة إسلامية وفق شروطها الشرعية والسياسية الصحيحة».
وبناء عليه، لم يكن مفاجئاً أن تظهر صور المشايخ السلفيين، الذين يشكّلون المرجعية الشرعية لتنظيم «القاعدة» في خلفية التسجيل المصوّر الذي ظهر فيه زعيم الحزب «التركستاني» وهو يعلن هذا الموقف؛ وهم، إلى جانب أيمن الظواهري، هاني السباعي وأبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني وغيرهم..
وحول سبب تأخر الحزب في إعلان موقفه من هذه القضية، يقول الشيخ عبد الحق إنه «منذ أن بدأت الخلافات بين المجاهدين في العراق والشام، انتظرنا موقف العلماء إلى أن قالوا كلمتهم؛ وبالتالي لم يعد لدينا ما نضيفه على ما قالوه، حيث اجتمعوا على أنها خلافة باطلة. ونحن نتّبع العلماء الربّانيين».
ولا تنبع أهمية موقف الحزب «التركستاني» من هذه الناحية فقط، بل ويزيد من ثقله بالنسبة لـ«القاعدة» أن الحزب باعتباره الصنو التاريخي لـ«الحركة الإسلامية الأوزباكية»، التي أعلن فرعاها في أفغانستان وسوريا مبايعة تنظيم «داعش»، وبالتالي انضمام أغلب المقاتلين التركستان الذين كانوا يقاتلون معها إلى صفوف التنظيم.
وبذلك يمكن أن يعوّض موقف «التركستاني» الأخير تلك الخسارة في منطقة مهمة جداً، يسعى كل من تنظيمي «داعش» و«القاعدة» من أجل السيطرة على الحركة “الجهادية” فيها.
وكان تنظيم «داعش» في العراق قد أصدر في العام 2016 شريط فيديو بعنوان (أولئك هم الصادقون)، ظهر فيه مقاتلون من عرقية الأويغور، حيث توعدوا الصين بقرب وصول «جنود الخلافة» إلى أراضيها للثأر من «الانتهاكات» التي يتعرض لها المسلمون هناك، وبسفك «الدماء كالأنهار» فيها.
ويظهر في الفيديو مقاتلون كبار وأشبال صغار من الأويغور في صفوف «داعش» وهم يتدرّبون على الكاراتيه واستخدام الأسلحة. وكذلك يعرض بعض الصور من داخل «شينغيانغ» تُظهر عمليات «قمع للشرطة الصينية للمسلمين الأويغور في الشوارع».
كما عرض الفيديو صوراً لأعلام «الجيش السوري الحر» و«الحزب الإسلامي التركستاني»، وصورة زعيم «جيش الإسلام» المقتول زهران علّوش، في إشارة إلى الرايات التي قاتل معها المقاتلون الأجانب قبل أن يلتحق البعض منهم بتنظيم «داعش» الذي أعلن الخلافة الإسلامية المزعومة في صيف 2014 في العراق وسوريا.
الخبير الأسترالي في شؤون شينغيانغ، مايكل كلارك، قال لوكالة فرانس برس حول هذا الفيديو: يبدو أنه التهديد المباشر الأول لتنظيم داعش ضد الصين، وأنها المرّة الأولى التي أعلن فيها متشدّدون من الأويغور البيعة لدولة داعش.
لكن المتابعين لملف المقاتلين الأويغور في سوريا والعراق يعلمون بوجود آلاف المقاتلين منهم في صفوف الحزب الإسلامي التركستاني منذ عام 2013، والمئات منهم في صفوف «داعش» منذ عام 2015.
علاقة الحزب التركستاني الغامضة بتركيا
دشّن الحزب الإسلامي التركستاني نشاطه في استقطاب «المجاهدين الأويغور» داخل الأراضي التركية بإطلاق موقع إلكتروني «جهادي» باللغة التركية. وقال بيان إطلاقه إنه «أوّل موقع جهادي باللغة التركية، علّه يكون سبباً في إحياء فريضة الجهاد في سبيل الله في نفوس شباب الإسلام في تركيا وغيرها».
وقد أسهم العدد الكبير للاّجئين الأويغور في تركيا (نحو 20 ألفاً) بسهولة استقطاب «مجاهدين» من بينهم، للانضمام إلى «الحزب» الذي اتخذ من الأراضي التركية مسرحاً أساساً لنشاطه، مع غضّ نظر ودعم من المخابرات التركية؛ وتؤدّي «جمعية التضامن والتعليم لتركستان الشرقية» دوراً محورياً في عمليات ضمّ المقاتلين وتجهيزهم للتوجه إلى سوريا، تحت غطاء «تقديم الدعم الإنساني إلى الشعب السوري».
ويكشف تقرير آخر أن «الحزب الإسلامي التركستاني» يحظى بدعم تركي كبير، وعلى مختلف الصعد. ويرتبط ذلك بأسباب كثيرة، منها الموقف التركي من قضية إقليم شينغيانغ، إضافة إلى السعي التركي المستمر إلى إسقاط الدولة السورية عسكرياً.
بل ويُعدّ تضامن الدولة التركية مع نضال الأويغور ضدّ سياسات الاندماج الصينية جزءاً من السياسة التركية الداخلية. وهذا يفسّر وجود عدد كبير من الأويغور في تركيا، حيث تقدّر أعدادهم بنحو خمسين ألف شخص.
لكن إبّان وفاة عيسى يوسف ألتبكين في العام 1995، وهو معارض أويغوري مرموق كان يعيش آنذاك في تركيا، تراجع هذا الدعم مع تحسن العلاقات الصينية – التركية، وتحوّلت ألمانيا إلى الوجهة الأساسية للنشطاء الأويغور.
وفي العام نفسه، شدّدت شخصية صاعدة في السياسة التركية على التزامها المطلق بالقضية الأويغورية. فقد أقدم «رجب طيّب أردوغان»، الذي كان آنذاك عمدة اسطنبول، على إطلاق اسم «التبكين» على أحد الأقسام في جامع السلطان أحمد في المدينة، معلناً: «ليست تركستان الشرقية موطن الترك وحسب، وإنما أيضاً مهد التاريخ والحضارة والثقافة الخاصة بالشعوب التركية.
وتابع أردوغان: اليوم يجري العمل بصورة منهجية على فرض الطابع الصيني على ثقافة أبناء تركستان الشرقية.
الموقف الصيني من الحزب التركستاني ودوره في إقليم شينغيانغ
في ذروة احتدام الحرب السورية، وانخراط المزيد من الدول والجماعات المسلحة والمتطرفة فيها، من داخل المنطقة وخارجها، أعلنت الصين تفكيك 181 مجموعة وصفتها بـ«الإرهابية»، منذ بدأت حملة قمع قبل عام في إقليم شينغيانغ، ذي الأكثرية المسلمة، والذي يشهد اضطرابات متكرّرة.
وبحسب الإحصاءات التي وفّرتها السلطات المحلية، فقد تمّ تعطيل 96% من هذه «المجموعات الإرهابية» قبل أن تتمكن من التحرك. وقد أُطلِقت حملة الاعتقالات التي أثارت انتقادات كثيرة من منظمات حقوق الإنسان، بعد هجوم دامٍ في أورومتشي، كبرى مدن الإقليم في 22 مايو 2014.
فيما أكد مقاتلون أويغوريون شنّهم هجمات إرهابية في الصين عامي 2014 و2014، مع مطالبة البعض منهم بانتفاضة ضد النظام الشيوعي الصيني.
وبعد إنشاء الحزب التركستاني الإسلامي قاعدة في سوريا، وتوسيع تواجده فيه وعدد المتطوعين بإذن من الراعي الأتراك؛ توجب على الصين اتباع توصية عام 2013، والقائلة بقتال هذا الحزب في سوريا قبل أن ينمو الخطر ويصل إلى الصين.
هذا ما أورده تقرير صيني يصف مبدأ عدم التدخل الصيني (في الخارج) بأنه معيق للتصرف. لكن هذا المبدأ يعني عدم التدخل بالسياسات الداخلية لدول أخرى، مثل الولع الأميركي والغربي بالتدخل وانتهاك سيادة دول أخرى بحجّة إسقاط أنظمة ديكتاتورية لا يرغبون بها. ولكن سياسة عدم التدخل لا تعني عدم التصرف عندما يتعرض أمن ومصالح الصين للخطر، أي التعرض لسيادتها ووحدة أراضيها والتطور الاقتصادي وبقاء النظام.
وهذا ما أكده وزير الدفاع الصيني في «مؤتمر أمن آسيا» IISS، عام 2011.
ويتابع مُعدّ التقرير: إذا استمرّ حزب تركستان الإسلامي باكتساب النفوذ ضمن جيش الفتح، وهو تجمّع جهادي يضمّ فروعاً عدّة من «القاعدة» ومتطرفين سلفيين، فإن شينغيانغ قد تغدو أفغانستان التالية وتتبع نموذج أفغانستان وسورية والعراق، مع وجود ميليشيات مقاتلة محلية تجذب وتأوي مقاتلين أجانب، ويستمتعون بالدعم المادي والدبلوماسي من تركيا وقوى خارجية أخرى ذات مصالح أو إيديولوجيات مشتركة.
وفي السياق يصبّ تعريف للمتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أورده خلال قمّة منظمة التعاون الاقتصادي (أبيك APEC)، التي عُقدت في مدينة شنغهاي الصينية في العام 2015، للجماعات الانفصالية في تركستان الشرقية بأن «ثمّة مجموعة من الانفصاليين الصينيين يفكرون ويدبّرون المؤامرات لسلخ شينغيانغ عن الوطن الأم، وتأسيس ما يُسمّى بـ«تركستان الشرقية» من خلال العنف والعمليات الإرهابية.. ونحن نطلق على هؤلاء إرهابيو «تركستان الشرقية».
ونقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية قولها: «لقد قامت حركة شرق تركستان الإسلامية على مرّ السنين بالتحريض وتنظيم وارتكاب الهجمات الإرهابية بمختلف أشكالها في الصين، فضلاً عن نشر أفكار العنف والإرهاب».
من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، هونغ لي، إن الصين تقدّر تفهم ودعم المجتمع الدولي لجهود الصين في محاربة شركة شرق تركستان الإسلامية، التي تُعدّ منظمة إرهابية. وأكدت الخارجية أن الحملة الأمنية التي تشنّها الصين لمحاربة حركة شرق تركستان، فإن هذه الحركة لا تقوم بعمليات إرهابية داخل الصين فقط، ولكنها تهدّد السلام والاستقرار الإقليميين والعالميين عن طريق التآمر مع إرهابيين في بلاد أخرى.
وتزعم الحكومة الصينية أن سبب إدراج الولايات المتحدة الأميركية (حركة تركستان الشرقية) إرهابية، كونها تلقت تدريبات على يد ناشطين في تنظيم القاعدة و«طالبان». وقالت الصين إنها تحققت من الأمر؛ لذلك قامت في أغسطس عام 2002، بإدراج الحركة بين المنظمات الإرهابية، محتجة بوجود أدلّة تثبت تلقّي هذه الحركة عوناً مالياً وتدريباً من تنظيم القاعدة؛ وبعد ذلك بشهر، قامت الأمم المتحدة بإدراح الحركة بين قائمة المنظمات الإرهابية ذات الصلة بالشبكة التي يقودها أسامة بن لادن.
ورجّح مراقبون أن تكون واشنطن قد أقبلت على ذلك القرار بعد إجراء تفاهمات مع الصين، خاصة وأن واشنطن دعمت الحركة بقوّة خلال السنوات الأولى من تأسيسها؛ إلاّ أنه لا أحد يعلم حتى الآن كواليس ما تمّ الاتفاق عليه.
وفي سياق تفعيل الاهتمام الصيني بمكافحة «الجهاديين الإويغور» في سوريا بالخصوص، فقد زار المبعوث الصيني الخاص إلى سوريا، شي شياويان، دمشق، والتقى بوزير خارجيتها وليد المعلم، حيث أكد على أهمية متابعة التنسيق لا سيّما في مجال مكافحة الإرهاب، منوّهاً بتجاوب سوريا وتعاونها فيما يتعلق بالإرهابيين الأويغور في صفوف الجماعات الإرهابية في سورية.
لكن الصين، التي تتبع سياسة حذرة وهادئة في مجمل سياساتها الدولية، لن تغامر بالتدخل العسكري في سوريا، كما فعلت روسيا. وأقصى ما يمكن أن تقدّمه إلى الحكومة السورية بعض الأسلحة وبعض الدعم السياسي في مجلس الأمن والمنظمات الدولية الأخرى. فالصين لا تريد إغضاب المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى كي تحافظ على استثماراتها ومصالحها معها من جانب؛ وهي كانت تخشى من أن تدخلها العسكري في سوريا قد يؤدّي إلى تصعيد التوتر مع المسلمين في إقليم شينغيانغ من جانب آخر.
وفي المقابل، لن تتسامح الصين في مسألة حماية أمنها القومي. ولهذا السبب أقرّ البرلمان الصيني قانوناً مثيراً للجدل بشأن مكافحة الإرهاب، في ديسمبر/ كانون الأول 2015، والذي يسمح للجيش الصيني بالتدخل في الخارج.
ويخشى بعض الخبراء من تحوّل منطقة شينغيانغ مستقبلاً إلى أفغانستان أخرى في حال كرّس تنظيم «داعش» أو «القاعدة» دعمه للحزب الإسلامي في تركستان، على غرار الدعم الذي تلقّته حركة طالبان سابقاً، وإمكانية جذب المقاتلين الأجانب، والتمتع بالدعم المادي والدبلوماسي من تركيا وقوى خارجية أخرى لها خلافات أيديولوجية واستراتيجية في الصين.
ويكشف باحث صيني أن بلاده تعتقد أن الاستخبارات الأميركية هي التي تدعم المقاتلين الأويغور، وهي تريد استخدامهم ضدّها في حرب بالوكالة لإضعاف الصين واستنزافها في اضطرابات داخلية.
وعليه، لم يكن مفاجئاً تصريح مدير مكتب التعاون العسكري الدولي في اللجنة المركزية العسكرية الصينية، قوان يو، بأن بلاده تريد علاقات عسكرية أوثق مع سوريا، وذلك خلال زيارة نادرة إلى دمشق.
وقد نقلت وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا) عن قوان يو، الضابط الكبير في الجيش الصيني، الذي اجتمع مع وزير الدفاع السوري فهد جاسم الفريج في دمشق، قوله «إن الصين لعبت دوماً دوراً إيجابياً في السعي إلى حل سياسي في سوريا». وأضاف: «يرتبط جيشا الصين وسوريا تقليدياً بعلاقات وديّة. ويريد الجيش الصيني مواصلة تعزيز التبادل والتعاون مع الجيش السوري».
ويكشف الباحث السوري في العلاقات الدولية الدكتور عقيل سعيد محفوض أن زيارة المسؤول العسكري الصيني تأتي ضمن زيارات وفود عسكرية واستخباراتية صينية إلى دمشق لاستقصاء معلومات عن المقاتلين الأويغور المنضوين في الحزب الإسلامي التركستاني وتنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، مشيراً إلى أن الصين تطوّر استراتيجية خاصة للمنطقة، من أجل احتواء مصادر تهديد متزايدة من الانفصاليين الأويغور.
ورقة «الأويغور» في الصراع الصيني ـ الأميركي
في ظلّ تصاعد الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، والصراع على الصعد الاقتصادية والتجارية خصوصاً كما على مستوى مناطق النفوذ أو تلك التي تُعدّ غنية بالموارد الطبيعية (النفط، الغاز، المعادن…)، فإن الخشية الصينية من حول هذه الحرب الباردة والصراع الاقتصادي إلى حرب عسكرية مباشرة مع أميركا أو بالوكالة مع حلفائها في جوارها، وذلك بهدف احتواء التمدّد الصيني والحدّ من توسع القوة الصينية، من خلال إرباك الصين على المستوى الداخلي، سياسياً وأمنياً، وبما ينعكس على القدرة الصينية على المواجهة على المستوى الخارجي.
وهكذا، لا يستبعد المسؤولون في الصين أن تعمد الإدارة الأميركية إلى استخدام ورقة «المجاهدين الأويغور» في سوريا، حتى بعد هزيمة هؤلاء (المرتقبة) أمام تقدم قوات الجيش السوري وحلفائه (في إدلب وريفي حماه واللاذقية تحديداً)، من خلال تسهيل عودة هؤلاء الإرهابيين إلى الصين، وإلى إقليم شينغيانغ المسلم على وجه الخصوص، من أجل ابتزاز الطرف الصيني المنافس للهيمنة الأميركية، ودفعه للمساومة في قضايا كبرى ترتبط بالمصالح الأميركية في المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي. ولعل النزاع التجاري المستجد بين القوّتين العظميين بعد زيادة التعريفات الأميركية على الواردات الصينية إلى الولايات المتحدة وحول دور شركة «هواوي» الصينية للهواتف والأجهزة الذكية وتكنولوجيا المعلومات في اكتساح الأسواق الأميركية والعالمية وتحقيق أرباح هائلة على حساب الشركات الأميركية المماثلة، مثالان بارزان على مآلات هذا الصراع في المستقبل.
ولا ينسى الصينيون الدور الأميركي التاريخي في دعم «المجاهدين الأفغان» لمواجهة الغزو السوفياتي لأفغانستان في العام 1979، والذي تواصل في مراحل لاحقة وفي ساحات أخرى، مثل العراق وسوريا، وفي سياق الإضعاف الأميركي المستمر لكل قوى الممانعة والمقاومة في العالم.
وفي السياق يكشف زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس جيمي كارتر، في مقابلة له مع قناة «سي إن إن» في العام 1997، أنه ذهب إلى باكستان، حيث استخباراتها ذات العلاقة الوثيقة مع أميركا، وذلك لإطلاق حملة كبرى لتمويل وتسليح الجهاد الأفغاني مع السعودية وباكستان ومصر وبريطانيا.
وعليه، يمكن فهم الحركة الصينية الدؤوبة، على المستوى الدبلوماسي والسياسي، كما على المستوى الأمني والاستخباري، بهدف استباق أي خطوات أميركية محتملة في مجال استغلال ورقة «المجاهدين الأويغور العائدين» من سوريا، لإرباك الواقع الصيني، الأمني والسياسي، ودفع الصين للتنسيق مع الأميركيين لتفادي مخاطر هذه العودة المحتملة، والتي ستصبح أمراً واقعاً إذا لم يتم اتخاذ إجراءات استباقية أو وقائية من جانب الصين؛ وهذا ما فعلته الصين خلال الأشهر الأخيرة، بحيث تمكنت حركتها السياسية والدبلوماسية والأمنية من احتواء هذه المخاطر من دون أن تتمكن من القضاء عليها بشكل كامل.
وفي المحصلة، فإن ورقة «الأويغور» في سوريا، وبالتحديد إرهابيو الحزب التركستاني الإسلامي، قد تصبح مادة للتفاوض بين الصين والولايات المتحدة في ظل المواجهة الصينية – الأميركية في المجالات كافة.
خاتمة
بعد كلّ المتغيرات والتحوّلات العسكرية والأمنية والسياسية التي شهدتها سوريا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة تحديداً، يمكن القول بأن الجماعات المسلحة، والأجنبية منها بالخصوص، باتت في وضع حرج للغاية في هذه البلاد، بعد سلسلة من الهزائم الكبرى التي تلقّتها على يد الجيش السوري وحلفائه، والمدعوم من روسيا وإيران بشكل فاعل، ومن الصين ودول أخرى، ولو بمستويات أدنى.
ويبرز «الحزب الإسلامي التركستاني» من بين الفصائل «الجهادية» التي تواجه مصيراً قاتماً بعدما انحسرت سيطرة مقاتلي هذا الحزب في مدينة إدلب ومساحات من ريفي اللاذقية وحماه، مقابل تمدّد سلطة الدولة السورية في مدن ومناطق كانت تحت سيطرة هؤلاء المقاتلين (وعوائلهم) لسنوات خلت.
وعلى الرغم من اندفاع و«شجاعة» المقاتلين الأويغور واستماتتهم في الدفاع عن مواقعهم، وحتى في اختراق مواقع وتحصينات الجيش السوري وحلفائه خلال المعارك، وارتكاز الفصائل المعارضة الأخرى الكبير على هذه «الاستماتة» من قِبل إرهابيي «التركستاني» (مثل جبهة النصرة وجيش الفتح)، فإن النتائج الميدانية والسياسية كانت مخيّبة للآمال بالنسبة لقادة الحزب التركستاني وداعميه (في تركيا والولايات المتحدة)، مثلما هي حال أغلب الميليشيات والفصائل التي قاتلت قوات النظام السوري خلال سنوات الحرب، مدعومة من دول إقليمية وأجنبية عديدة.
وفي قراءة إجمالية مقارنة بين الأهداف التي حدّدها الحزب التركستاني الإسلامي – فرع سوريا وبين ما تحقق على الأرض حتى اليوم، فإن الفشل الذريع هو العنوان الأول لهذه القراءة، والذي يتبيّن بوضوح في هدف جعل سوريا كقاعدة انطلاق وتعبئة لرفد «جهاد المسلمين التركستان ضد الحكم الصيني»، وإنجاز استقلال إقليم تركستان الشرقية عن الصين؛ وهو هدف تاريخي لمسلمي الإقليم، بحسب مواقف وبيانات «الحزب التركستاني» في سوريا.
فالوجود العسكري والمادي لمقاتلي الأويغور انحسر كثيراً اليوم، وبات قادة هؤلاء (غير من قُتل منهم) محاصرين ما بين الضغط التركي المستجد حيالهم (لأسباب سياسية) والهجوم السوري العسكري النظامي المتواصل ضد مواقع الإرهابيين الأويغور (والجماعات الأخرى التي يتحالفون معها)؛ فضلاً عن خسرانهم التدريجي للبيئة الحاضنة لهم في المناطق التي يتواجدون فيها حالياً، ولأسباب مختلفة، من بينها عامل اللغة!
على المقلب الآخر، وفي الإقليم الصيني المستهدف من قِبل الحزب التركستاني الإسلامي، فإن القبضة الصينية تشتد يوماً بعد يوم على مسلمي الإقليم، من خلال الملاحقات الأمنية المكثّفة والتضييق على التحركات المعارضة للمسلمين هناك، وصولاً إلى تفعيل حملات التضييق و«التذويب» التي تنفّذها سلطات الإقليم بحق هؤلاء المسلمين، والذين لا ينتمي معظمهم إلى حركات سياسية أو دينية انفصالية، كما تثبت التقارير الموثقة من داخل الإقليم، والصادرة عن توجهات إعلامية أو أممية ذات صدقية.
وعليه، يمكن الاستنتاج بأن مخاطر عودة المقاتلين الأويغور من سوريا إلى الصين باتت محدودة في الوقت الحالي، في ضوء المعطيات الميدانية والسياسية الأخيرة في سوريا، كما أسلفنا الذكر، وجوهرها نجاح اللاعبين الدوليين والإقليميين الرئيسيين في الحرب السورية (روسيا / الولايات المتحدة/ الصين/ تركيا/ إيران/ سوريا) في استيعاب تداعيات تمرّد الجماعات المسلحة في سوريا (بمختلف مسمّياتها وانتماءاتها)، على داعميها ومموّليها أو المستفيدين من وجودها التدميري، ومن ضمنها جماعة المقاتلين الأويغور، والمنضوين تحت راية «الحزب التركستاني الإسلامي»؛ وهم الذين دفعوا أثماناً باهظة منذ بدء مغامرتهم «الجهادية» في سوريا قبل سنوات، ولم يحصدوا سوى الخيبة والخسران قياساً بالأهداف الكبرى و«المقدّسة» التي أعلن قادتهم عنها، مراراً وتكراراً، وفي طليعتها تحرير إقليم شينغيانغ في الصين (تركستان الشرقية) من «الاحتلال» الصيني، عبر بوّابة سوريا.
وبكلام آخر، فإن الإرهابيين الأويغور قد دفعوا أخيراً ثمن انتصار كبار اللاعبين الدوليين والإقليميين عسكرياً على الإرهاب في سوريا والعراق (وخصوصاً داعش والنصرة)، وهم ربما يتحضرون لانتصار سياسي، في إطار لعبة المصالح والتوازنات الدولية والإقليمية المتغيرة بين هؤلاء اللاعبين، وتحديداً فيما يخص الصراع الأميركي – الروسي – الصيني على موارد المنطقة المسمّاة «الشرق الأوسط»، وصولاً إلى بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ.
*رئيس مركز الدراسات الآسيوية والصينية – لبنان