محادثات جنيف تجمد الحرب التجارية بين أميركا والصين

خاص شؤون آسيوية – إعداد: رغد خضور –

 

في خطوة باتجاه تسوية الخلافات تحاورت بكين وواشنطن، بعد توتر العلاقة بين البلدين نتيجة حرب الرسوم الجمركية التي بدأتها الولايات المتحدة، وبحوار صريح وبناء توصل الطرفان في جنيف إلى سلسلة من التوافقات المهمة.

 

الحرب التجارية..

لا يخفى على أحد الآثار الكارثية التي نتجت عن الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، الصين والولايات المتحدة، إثر فرض الأخيرة رسوماً جمركية وصلت إلى 145% على معظم الواردات الصينية، فيما ردت بكين بتعريفة بنسبة 125% على السلع الأمريكية.

هذا الأمر انعكس على حجم التجارة بين الجانبين بشكل كبير، حيث أدى التصعيد المتبادل إلى حالة من الجمود في العلاقات الصينية الأمريكية، إذ تمسك كل طرف بموقفه دون وجود مؤشرات على أي شكل للحلول.

إلا أن النقص الحاد في السلع وتوصل الطرفين إلى ضرورة خفض التوترات والرسوم، ساهم في الإسراع ببدء محادثات رسمية، خاصة بعد تلقي ترامب وفريقه الاقتصادي مناشدات من كبار مسؤولي شركات التجزئة، الذين حذروا، خلال اجتماعاتهم مع مسؤولين رفيعي المستوى، من أن استمرار الرسوم المرتفعة قد يؤدي إلى نقص شديد واضطرابات في سلاسل الإمداد.

 

فتح قنوات الاتصال..

تمثل الصين والولايات المتحدة ما يقرب من ثلث الناتج الاقتصادي العالمي، وخمس حجم التجارة الدولية، كما تلعب العلاقات التجارية بين البلدين دوراً محورياً في الاقتصاد العالمي، لذا تبرز أهمية الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة بين الجانبين.

وعلى الرغم من أن الصين حافظت على نهج ثابت وبناء في علاقاتها الاقتصادية مع الولايات المتحدة، إلا أنه لا يمكن إغفال الضرر الذي حصل بالفعل، فالرسوم الجمركية الأحادية التي فُرضت تسببت بخسائر فادحة، ليس فقط للاقتصادين الصيني والأمريكي، بل للاقتصاد العالمي أيضاً.

لذا سعت بكين لإعادة العلاقات الثنائية إلى مسار مستقر وسليم، عبر الحوار والتشاور، كما أبدت واشنطن استعدادها للمشاركة في هذه العملية.

ويأتي انعقاد الاجتماع رفيع المستوى بشأن الشؤون الاقتصادية والتجارية كخطوة إيجابية في العلاقات الاقتصادية والتجارية الصينية-الأمريكية، مما يساعد في وضع أساس للحوار المستمر والمفاوضات المستقبلية.

 

لقاء سري..

وفقاً لتقارير إعلامية، فقد عقد مسؤولون أمريكيون وصينيون اجتماعاً سرياً، قبل نحو ثلاثة أسابيع، في أول اجتماع بين الطرفين منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرئاسة وإطلاقه حرب الرسوم الجمركية.

ذاك الاجتماع توج باتفاق الطرفين على عقد مفاوضات تجارية في جنيف، بحسب ما أفادت صحيفة “فايننشال تايمز”.

ونقلت الصحيفة عن مصادر مطلعة أن اللقاء جرى بين وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسينت، ووزير المالية الصيني، لان فوآن، على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي في واشنطن.

 

اجتماع جنيف..

المحادثات التي جرت بين الجانبين قادت إلى الإعلان عن اجتماع جنيف، الذي عُقد مطلع الأسبوع الجاري، حيث توصل بيسينت ونائب رئيس مجلس الدولة الصيني، خه لي فنج، إلى اتفاق لخفض الرسوم الجمركية المتبادلة بمقدار 115 نقطة مئوية لمدة 90 يوماً.

التفاؤل الذي بدا على بيسينت يعكس الأجواء التي جرى فيها الاجتماع، إذ أشار إلى أن واشنطن قد تكون تبحث عن نوع من “اتفاقيات الشراء” التي ميزت المرحلة الأولى من حرب التجارة بين الولايات المتحدة والصين خلال ولاية ترامب الأولى.

كذلك لفت الممثل التجاري الأمريكي، جيميسون جرير، إلى أن سرعة التوصل إلى اتفاق تُظهر أن “الخلافات ربما لم تكن كبيرة كما كنا نعتقد”، واصفاً نظراءه الصينيين بأنهم “مفاوضون صارمون للغاية”.

وبالنسبة لبكين، فإن التوصل إلى اتفاق بشأن الفنتانيل قد يؤدي إلى إلغاء 20 نقطة مئوية من الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، ما يضع الصين على قدم المساواة تقريباً مع دول أخرى مصدرة إلى الولايات المتحدة.

وفي هذا السياق، صرح متحدث باسم وزارة التجارة الصينية بأن البيان المشترك بشأن الاجتماع بعد خطوة مهمة نحو تسوية الخلافات بين البلدين والتشاور على قدم المساواة، لافتاً إلى أن الاجتماع وضع الأسس وخلق الظروف لمزيد من تضييق هوة الخلافات وتعميق التعاون.

 

هدنة تجارية..

لا يزال أمام المفاوضين الصينيين المزيد من العمل لتسوية الوضع، حيث لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ برسوم أعلى بكثير على الصين مقارنة بأي دولة أخرى، محذرين من أن الطريق سيكون صعباً للوصول إلى أي اتفاق أكثر استدامة.

الخبير في الشأن الصيني بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، سكوت كينيدي، بين أنه “يمكن للأسواق أن تأخذ نفساً مؤقتاً من الراحة، لكننا بعيدون عن الخروج من الأزمة”.

فيما ترى “فاينانشال تايمز” أن هذه الهدنة التجارية ضيّقت على الأقل الفجوة بما فيه الكفاية، بحيث يمكن للمصنعين الصينيين الذين يتمتعون بأسعار تنافسية للغاية أن يظلوا في السوق الأميركية.

بالمقابل، يرى اقتصاديون أنه حتى خفض هذه الرسوم الجمركية إلى النصف قد لا يكون كافيًا لاستعادة مستويات التجارة الطبيعية، مشيرين إلى أن مستوى 50% يشكل الحد الفاصل بين الركود والتعافي في العلاقات التجارية بين الطرفين، كما بدأ تأثير ارتفاع تكاليف الواردات يظهر في أسعار السلع داخل الولايات المتحدة.

 

من أولاً؟..

بحسب خبراء اقتصاديين، فإن الولايات المتحدة بالغت في تقدير قدرتها على التصعد برفع الرسوم الجمركية، وفي هذا الإطار ذكرت أليثيا جارسيا هيريرو، كبيرة خبراء اقتصاد آسيا والمحيط الهادئ في بنك “ناتيكسيس” للاستثماري الفرنسي، أن “الولايات المتحدة هي من رمشت أولاً. ظنت أنها تستطيع الاستمرار في رفع الرسوم بلا حدود من دون أن تتضرر، لكن هذا لم يتحقق”.

ونوهت إلى أن “الانفصال الحاد بين أكبر اقتصادين في العالم كان يهدد بارتفاع التضخم وفراغ رفوف المتاجر لدى المستهلكين الأمريكيين وخسائر في الوظائف لدى العمال الصينيين”.

بدوره، قال كريج سينجلتون من مؤسسة Foundation for Defense of Democracies، مركز أبحاث في واشنطن، إنه من “المثير” سرعة ظهور الاتفاق، مشيراً إلى أن “الجانبين كانا أكثر تقييداً اقتصادياً؛ مما كانا يصرحان به”.

 

ترامب متفائل..

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعرب عن تفاؤله إزاء نتائج المحادثات، وكتب على منصته «Truth Social»: “اجتماع جيد جدا اليوم مع الصين، في سويسرا. تمت مناقشة العديد من الأشياء، وتم الاتفاق عليها كثيراً”.

وأضاف ترامب: “إعادة تعيين كاملة تم التفاوض عليها بطريقة ودية، ولكن بناءة. نريد أن نرى، من أجل مصلحة كل من الصين والولايات المتحدة، انفتاح الصين على الأعمال التجارية الأمريكية. تم إحراز تقدم كبير”.

الجدير ذكره أن واشنطن تسعى إلى خفض العجز التجاري مع بكين، وإقناع الصين بالتخلّي عمّا تقول الولايات المتحدة إنّه نموذج اقتصادي يعتمد على زيادة التصدير بشكلٍ كبير مقارنة بالاستيراد وبالإسهام بشكل أكبر في الاستهلاك العالمي، وهو تحول يتطلب إصلاحات محلية تثير حساسية سياسية، فهل تنجح المفاوضات بين الطرفين في حل هذه الإشكالية؟.

Warning
Warning
Warning
Warning

Warning.

More From Author

الرئيس الصيني يحضر مراسم افتتاح الاجتماع الوزاري الرابع لمنتدى الصين-سيلاك

بيانان مشتركان من الصين والبرازيل حول العدالة والأزمة الأوكرانية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *