شؤون آسيوية – دمشق –
بعد أيام دامية من الاقتتال في السويداء، أعلنت الرئاسة السورية وقف إطلاق النار في المحافظة، وجاء ذلك بمبادرة دولية شملت اتفاقاً بين إسرائيل وسوريا بوساطة أمريكية.
وقف إطلاق النار
في بيان رسمي أصدرته رئاسة الجمهورية العربية السورية، أعلنت دمشق وقفاً فورياً وشاملاً لإطلاق النار في محافظة السويداء.
وأكد البيان أن القرار جاء “حرصاً على حقن دماء السوريين، والحفاظ على وحدة الأراضي السورية وسلامة شعبها، واستجابةً للمسؤولية الوطنية والإنسانية”، داعياً جميع الأطراف إلى الالتزام الكامل بوقف الأعمال القتالية فوراً، وضمان حماية المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
ومع إعلان وقف إطلاق النار، باشرت قوات الأمن الداخلي السوري بالانتشار في مناطق التوتر بمحافظة السويداء، بحسب ما أكده المتحدث باسم وزارة الداخلية، نور الدين البابا.
وأكد البابا أن مهمة هذه القوات “وطنية بامتياز”، تتمثل في حماية المدنيين ووقف الفوضى، و”منع الاعتداءات المسلحة من أي طرف كان”، مشيراً إلى أن الدولة “ستسخّر كل إمكانياتها لإعادة الأمن والاستقرار”.
وقد باشرت وحدات الأمن بمنع دخول الأرتال المسلحة باتجاه مدينة السويداء من محوري دمشق ودرعا.
كما كشف مصدر أمني أن الانتشار الأمني يأتي تنفيذاً لاتفاق داخلي–دولي تم التوصل إليه فجر السبت، بدعم أميركي، ويقضي أيضاً بتسليم السلاح الثقيل ودمج عناصر الفصائل ضمن قوات وزارتي الداخلية والدفاع.
سيادة القانون
في سلسلة بيانات متتالية، استند موقف الرئاسة السورية إلى مفاهيم الدولة الجامعة، والسلم الأهلي، ورفض الانقسام الطائفي.
وأكد البيان أن “الدولة السورية ليست لطائفة أو فئة، بل لكل السوريين”، وأن ما جرى من اقتتال واعتداء على المدنيين أمر “مرفوض ومدان بكل المقاييس الأخلاقية والقانونية”.
كما دعت الرئاسة جميع السوريين، من مختلف المكونات، إلى “ضبط النفس وتغليب منطق العقل والحكمة”، مشددة على أن الرد على الفوضى سيكون عبر القانون والعدالة، لا عبر الثأر.
وفي رسالة ذات أبعاد استراتيجية، أكدت الرئاسة أن سوريا “لن تسمح بتحويل السويداء إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية أو المشاريع الانفصالية”، داعية إلى التكاتف الوطني ونبذ دعوات الفتنة.
الشرع: سوريا ليست ميداناً للتقسيم
صرّح رئيس المرحلة الانتقالية السورية، أحمد الشرع، في بيان عقب وقف إطلاق النار، أن “التدخل الإسرائيلي ساهم في تصعيد الأحداث” عبر قصفه مواقع سيادية في دمشق وجنوب سوريا، محذّراً من محاولات استخدام السويداء كأداة في مشاريع التقسيم.
وقال إن “سوريا ليست ميداناً لاختبارات مشاريع التقسيم، بل دولة ذات سيادة لا تقبل الوصاية”، ودعا إلى التمييز بين الفصائل المسلحة الخارجة عن القانون، وبين الطائفة الدرزية كمكوّن وطني أصيل.
وشدد الشرع على أن “الدولة وحدها القادرة على حفظ هيبتها، وأن أي استقواء بالخارج هو خيانة وطنية”.
كما عبّر عن شكره للولايات المتحدة على دعمها للاتفاق، وحيّى مواقف العشائر العربية التي وصفها بـ”الوطنية”، رافضاً محاكمة الطائفة الدرزية جماعياً بسبب تصرفات بعض الفصائل.
اتفاق برعاية أميركية
أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توماس برّاك، عن اتفاق تم التوصل إليه بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، ينص على وقف شامل لإطلاق النار، برعاية أميركية وبدعم من تركيا والأردن ودول الجوار.
وقال برّاك في منشور على منصة “إكس” إن الاتفاق يهدف إلى إنهاء الاقتتال في الجنوب السوري، ويشمل إجراءات لضبط الأمن، وتسهيل عودة اللاجئين، ودمج الفصائل ضمن المؤسسات الرسمية.
ودعا “الدروز والبدو والسنة إلى إلقاء السلاح وبناء هوية سورية جديدة وموحدة”، تقوم على مبدأ العيش المشترك واحترام حقوق جميع مكونات المجتمع.
وتأتي هذه الوساطة بعد ثلاثة أيام من قصف إسرائيلي مكثف على مواقع في دمشق والسويداء، دعماً لفصائل درزية متحالفة مع إسرائيل، قبل أن تضطر القوات السورية للانسحاب ميدانياً، وتبدأ بعدها موجة اعتداءات وتهجير.
مأساة إنسانية في السويداء
بينما تشهد السويداء حالة هدوء حذر بعد بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار، تبقى الأوضاع الإنسانية في غاية التدهور.
وبحسب وزارة الصحة السورية، قُتل 260 شخصاً وأصيب نحو 1700، في حين وثّقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان مقتل 321 شخصاً منذ بدء الاشتباكات، بينهم أطفال ونساء وعاملون طبيون، مشيرةً إلى حدوث إعدامات ميدانية من مختلف الأطراف.
أما المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد رفع حصيلة القتلى إلى 718 شخصاً، معظمهم من المدنيين، في ظل انقطاع الكهرباء ونقص الغذاء والماء في العديد من أحياء السويداء.
تحذير من الفتنة
في سياق متصل، أصدر مجلس الإفتاء الأعلى في سوريا بياناً هاماً، أكد فيه أن “الاستعانة بالعدو أمر محرّم شرعاً ولا يُبرَّر تحت أي ظرف”، محرّماً قتل المدنيين من أي طائفة كانوا، داعياً إلى التمييز بين من استقوى بالأعداء، وبين أبناء الوطن من مختلف المكونات.
وشدد المجلس على ضرورة بسط سلطة الدولة، ومنع الفتنة، وردع المعتدين، ورفض الخطابات الطائفية التي تزرع الانقسام.