spot_img

ذات صلة

جمع

مكالمة قد تغير التاريخ: لحظة ترامب وبيزشكيان لإحلال السلام

شؤون آسيوية - بقلم سيد حسين موسويان*/ أعربت إدارة ترامب...

هل يُخيّب ترامب آمال نتنياهو؟

د. هيثم مزاحم ** يقول الكاتب الإسرائيلي إيتان غلبواع...

عيد الربيع الصيني.. رمز للفرح والتقاليد

شؤون آسيوية - بقلم تشو شيوان ** مع اقتراب موعد...

ترامب مهتم بزيارة الصين والهند قريباً

شؤون آسيوية – واشنطن - أبلغ الرئيس...

من الرماد ….. ما مستقبل غزة؟

خاص شؤون آسيوية، مقالة: أوليفر ماك تيرنن، ترجمة: معهد...

أدوات الصعود الياباني

خاص شؤون آسيوية – بقلم: آمال صبحي خليفة*/

يتميز عالم العلاقات الدولية بديناميكية التغيرات بشكل مستمر ومن اهم التغيرات التي طرأت على الساحة الدولية بفترة ليست بطويلة هو التحول في النسق العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي من نسق أحادي إلى نسق متعددة الأقطاب، يضم دولاً كبرى ودولاً صاعدة. ومن تلك الدول اليابان، تلك الدولة التي خرجت مهلهلة من الحرب العالمية الثانية حتى أصبحت على ما عليه الآن على المستوى الإقليمي والعالمي.

الخلفية التاريخية لليابان
خرجت اليابان من الحرب العالمية مدمرة كلياً من الناحية الاقتصادية والعسكرية. فمن الناحية الاقتصادية رقد الاقتصاد الياباني تمام، ومن الناحية العسكرية وقعت اليابان مع الولايات المتحدة الأميركية في الثامن من سبتمبر عام 1951 رسمياً على اتفاقية سلام بين البلدين، منهية بذلك الحرب بين الطرفين. ووافقت اليابان بشرط واشنطن والتي نتج عنه تشكيل تحالف دائم بيت الطرفين بضرورة وجود القواعد الأميركية العسكرية على الأراضي اليابانية مع منع اليابان من الحصول على مساعدة من قوى أجنبية أخرى. وحل الجيش واحتفظت اليابان فقط بقوى شرطة وتولت واشنطن الدفاع عنها ضد أي دولة تغير عليها من دون استشارة السلطات اليابانية ومن دون وجود نص صريح في الاتفاقية، لكن تم ذلك بشكل ضمني.
لكن في الوقت الراهن وتحديدا في القرن العشرين بدأت اليابان في محاولة تغيير الوضع الحالي حيث أثير نقاش وطني في اليابان منذ مطلع الألفية الثالثة حول إعادة دور اليابان على الساحة الدولية وعملت اليابان على تعديلات دستورية على المادة التاسعة من الدستور حيث زاد الإنفاق العسكرية لأول مرة في اليابان بعد الحرب العالمية الثانية وعملت على تشكيل جيش وتثبيت وجودها العسكري والاقتصادي على الساحة السياسية الدولية.

أدوات الصعود الياباني
منذ نهاية الحرب العالمية، استعملت اليابان أداة وحيدة للتعامل مع العالم وإظهار تأثيرها والقوة الناعمة التي نصت عليها المادة 9 من دستورها التي تعتبر إرث جزاء الهزيمة في الحرب العالمية الثانية واعتمدت اليابان على عدة أدوات منها:

الأداة الدبلوماسية
وهي المتمثلة في السفارات والتماثيل الدبلوماسي والقنصليات والمفاوضات بالإضافة إلى تعزيز صورة اليابان عالمياً على أنها دولة صادقة وتنشر السلام بين الشعوب، ونشر الثقافة اليابانية بكل فروعها عن طريق وسائل الإعلام المختلفة والتبادلات الثقافية.

الأداة الاقتصادية
عملت اليابان على اتباع العلاقات المبنية على الاعتماد الاقتصادي من خلال تقديم مساعدات إنمائية رسمية لكسب صداقة الدول حيث تحولت اليابان منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين إلى طرف مانح. وهو ما ساعد اليابان إلى التحول تجاه نظام اقتصاد مركب بالإضافة إلى نظام اقتصادي متكامل من خلال المساهمة في النهوض في آسيا عن طريق إنشاء بيئة بنية تحتية، وتقديم مساعدات إنمائية، وحماية البيئة، ونزع السلاح، ونشر قيم الديمقراطية حيث قدمت مساعدات إلى 50 دولة آسيوية.
أداة السياسية الخارجية
تستخدم اليابان تلك الأداة من خلال تأييد قوى داخلية للحكومة اليابانية باستخدام الوسائل الدعائية للتأثير في الأفكار والتوجهات والثقافية اليابانية للحصول على تأييد عالمي ونشر الثقافة.

دور اليابان في المؤسسات الدولية
سعت اليابان للخروج من عزلتها وتعزيز العلاقات الدولية مع الدول والكيانات دون الدول وعلى رأسها الأمم المتحدة، والمشاركة في عمليات حفظ السلام لأجل تسوية صراعات في المنطقة للوصول إلى مقعد دائم في مجلس الأمن، ودورها في مجموعة الدول الثمانية، وفي رابطة جنوب شرق آسيا، وفي منتدى الأمن الآسيوي، وترسيخ التعاون في المنطقة، ودورها في منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والباسيفيك APEC .

القضايا العامة
لعبت اليابان دوراً بارزاً في مكافحة الإرهاب الدولي عن طريق تقديم مساعدات متعددة لدول مهتمة بمحاربة الإرهاب مع معاقبة الدول الداعمة لتهديد السلم والأمن الدوليين، بالإضافة إلى إنشائها جهازاً خاصاً لمكافحة الإرهاب لعام 2001، وإصدار قانون عام ضد الإرهاب عام 2002. كما سعت طوكيو إلى تقديم مساعدات لإعمار العراق وأفغانستان مع تفعيل عملية السلام في الشرق الأوسط.

المسار الآسيوي
عملت اليابان على تطوير علاقاتها من خلال تمويل السوق المفتوح النظام الاقتصادي لآسيا وسياسة الديمقراطية ومنها الهند وبلدان جنوب آسيا وشبه الجزيرة الكورية.

الشرق الأوسط
أطلقت اليابان استراتيجية خاصة بمنطقة الشرق الأوسط تهدف إلى الحفاظ على مصالحها العليا من خلال استيراد حوالي 90٪ من احتياجات النفط من المنطقة مع تعزيز الحوار الثقافي والتقني بدول المنطقة.

طريق اليابان نحو الخليج
يتخذ مسار العلاقات اليابانية في الشرق الأوسط عامة ودول الخليج العربية خاصة طابعاً استثمارياً حيث عملت على تأسيس المشاريع المشتركة. نتيجة لذلك، زادت طوكيو عدد الشركات الهندسية في دول مجلس التعاون الخليجي، وبدأت اليابان بإنشاء مجمعات تخزين مشتركة للنفط في الجزر اليابانية حتى تمكن اليابان من استخدامها في حالة الطوارئ، بالإضافة إلى استفادة دول الخليج عن طريق التسويق للنفط في شرق وجنوب شرق آسيا، وما يمكّن النشاط الاستثماري الياباني. يمكن القول إن النشاط الياباني غطى تقليدياً جميع دول الخليج العربي.
وصل التبادل التجاري بين الطرفين إلى منحى جيد حيث تعد اليابان أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي العربي. وفقاً لمنظمة أونكتاد عام 2016 ، فإن 17٪ من صادرات دول الخليج متجهة إلى اليابان أي ما يعادل نحو 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي. بعد زيادة الوجود الياباني في المنطقة عملت على دخول خط الأمن، وتم ذلك على ثلاثة مسارات هي: إرسال بوارج حربية إلى غرب محيط الهندي مع بدء الحرب في أفغانستان، ثانياً إرسال قوات عسكرية إلى العراق في مهام غير قتالية، ثالثاً إرسال سفن حراسة إلى خليج عدن وبحر العرب لمواجهة القراصنة منذ عام 2009.
ومع تقليل القيود على الجانب العسكري لليابان يمكن أن تتجه إلى تصدير السلاح مستقبلاً لدول الخليج العربية. ومن الواضح أن أمن اليابان يرتبط ارتباطاً وثيقاً مع أمن الخليج على مستوى الممرات الحيوية والواردات حيث تستورد اليابان من دول الخليج حوالي 75٪ من احتياجات النفط، حيث يمر ما يعادل من 35٪ من إجمالي النفط الذي يمر بمضيق هرمز فهي ثاني دولة تهتم بالمضيق بعد دول المنطقة.
ختاماً، عرضنا كيف أصبحت دولة اليابان التي خرجت من الحرب العالمية مهلهلة، من الدول الكبرى التي تحاول لعب دور دولي على الساحة العالمية، وبيان القوى الناعمة التي استخدمتها دولة اليابان.
ويمكن وضع عدد من السيناريوهات المحتملة المتعلقة بالصعود الياباني الحالي على النحو الآتي:
السيناريو الأول: استمرار الصعود الياباني إلى مستوى الوقوف في وجه الهيمنة الأميركية والمنطقة ولاسيما في مناطق النفوذ الياباني وفي ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية والاقتصادية على الساحة الدولية، يمكن تخيل سيناريو يستمر فيه الصعود الياباني ليشكل تحدياً للهيمنة الأميركية، وخاصة في مناطق النفوذ الياباني. يتسم هذا السيناريو بجهود اليابان لتعزيز قدراتها العسكرية والتكنولوجية، إلى جانب تعزيز تحالفاتها الإقليمية والدولية. على الصعيد العسكري، قد تسعى اليابان إلى تطوير نظام دفاعي أكثر استقلالية، والاعتماد بشكل أقل على الحماية الأميركية، بينما توسع شراكاتها الدفاعية مع دول مثل الهند وأستراليا. اقتصادياً، يمكن أن تزيد اليابان من استثماراتها في التكنولوجيا والابتكار، وتبني استراتيجيات لتعزيز التجارة الإقليمية مع دول شرق آسيا وجنوب شرق آسيا، مما يزيد من تأثيرها الاقتصادي والسياسي في المنطقة. هذا التحول قد يؤدي إلى توازن جديد في القوى، حيث تسعى اليابان إلى لعب دور أكثر فعالية واستقلالية في النظام الدولي، متحدية بذلك الهيمنة التقليدية للولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
السيناريو الثاني: حدوث صدام بين اليابان والولايات المتحدة نظراً للخلفية التاريخية للصراع بين الدولتين، خصوصاً في ظل التنافس على النفوذ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. قد تنشأ هذه التوترات من عدة عوامل منها: التعاون الاقتصادي قد يؤدي تصاعد قوة اليابان الاقتصادية ومحاولاتها للهيمنة على الأسواق الإقليمية والعالمية إلى صدام مع الولايات المتحدة، التي قد ترى في ذلك تهديدًا لمصالحها الاقتصادية، والنزاعات الجيوسياسية والتي من خلالها يمكن أن تنشأ نزاعات حول السيطرة والنفوذ في مناطق استراتيجية مثل بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي. اليابان، بسعيها لتعزيز قدراتها العسكرية والدفاعية، قد تثير مخاوف الولايات المتحدة حول استقرار المنطقة، وقد تتطور الأمور من التوترات السياسية والدبلوماسية إلى مواجهات اقتصادية وربما عسكرية محدودة. يمكن أن تشمل هذه المواجهات فرض عقوبات اقتصادية متبادلة، تحركات عسكرية في المناطق المتنازع عليها، ومحاولات لبناء تحالفات ضد الطرف الآخر. هذا الصدام، رغم احتماله المنخفض نظراً للتحالف القوي القائم بين الدولتين، يمكن أن يعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية للمنطقة والعالم.
السيناريو الثالث: السيناريو التحالفي بين البلدين في مواجهة الصين وكوريا الشمالية، وهو القائم حالياً والأكثر رجحاناً استمراره لفترة طويلة. وهو يعتمد على تعزيز التعاون لتحقيق التوازن في مناطق متعددة من العالم، وخاصة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. في هذا السيناريو، تعمل الدولتان على تطوير علاقات شراكة استراتيجية متينة تشمل الجوانب الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية، بهدف تحقيق استقرار إقليمي ودولي من خلال التعويل على الاتفاقيات التجارية، والشراكة الأمنية، والدبلوماسية والتعاون الدولي.

*باحثة في العلاقات الدولية مختصة بشؤون آسيا.

spot_imgspot_img