تصعيد حذر على الحدود السورية – اللبنانية.. تحركات إقليمية ومخاوف أمنية

شؤون آسيوية – دمشق / بيروت – خاص –

 

تشهد الحدود اللبنانية السورية مرحلة حرجة من التوتر الميداني والسياسي، في ظل تقارير متضاربة بين التصعيد والهدوء، ووسط تحولات بارزة في الموقف السوري بظل الحكومة الانتقالية الحالية.

 

توترات ميدانية

رغم ما تداولته بعض وسائل الإعلام عن استنفار ميداني وتصعيد وشيك على الحدود الشرقية للبنان، خاصة في مناطق راشيا والقاع ودير العشائر، تنفي مصادر أمنية من الجانبين وجود تحركات عسكرية استثنائية.

غير أن تقارير أخرى، تؤكد نشر دمشق مجموعات من المقاتلين الأجانب على امتداد الحدود، خاصة التركستان والإيغور، في مواقع قريبة من نقاط التماس اللبنانية، بذريعة مكافحة التهريب وحماية “العمق الاستراتيجي”.

حادثة دير العشائر كانت شرارة الإنذار الأولى، حيث كانت قد شهدت في أواخر يونيو الماضي اشتباكاً مسلحاً أدى إلى مقتل عنصر من الأمن السوري، أعقبه نزوح محدود لمدنيين لبنانيين، وانتشار للجيش اللبناني في المناطق الحدودية، فيما أكدت مصادر أمنية أن هذه الأحداث تم احتواؤها سريعاً.

هذه التطورات تدفع إلى الحديث عن إمكانية تحوّل الحدود إلى مسرح صراع مستقبلي، خاصة في ظل استغلال بعض الجماعات المتطرفة في شمال لبنان لهذه الأوضاع لزعزعة استقرار حزب الله أو استعادة نفوذها السابق.

لكن مصادر ميدانية من لبنان وسوريا تؤكد أن الانتشار الجاري على الأرض ما هو إلا تحرك وقائي لضبط التهريب ومحاربة تجارة السلاح والمخدرات.

 

التهريب تحت مجهر الأمن

ترافقت هذه التوترات مع ضبط كميات كبيرة من حبوب الكبتاغون والعملات المزورة على المعابر غير الشرعية، ضمن عمليات مشتركة للجيش اللبناني وقوات الأمن السوري، في إطار خطة لمنع شبكات التهريب من استغلال الفراغ الأمني على الحدود.

وتؤكد تقارير استخباراتية من معهد “ويست بوينت” الأميركي أن هذه العمليات مرتبطة بشبكات منظمة مدعومة من أطراف لبنانية وسورية، تتخذ من الحدود منصة لتمويل أنشطتها السياسية والعسكرية، بما في ذلك جماعات مسلحة غير نظامية.

 

سوريا وخطاب تهدئة

يسعى الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع إلى تقديم نفسه كراعٍ للمصالحة الإقليمية، مؤكدًا أن “سوريا تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف اللبنانية”، في إشارة ضمنية إلى حزب الله وخصومه على الساحة اللبنانية.

إلا أن سماح حكومته بدخول مقاتلين أجانب إلى داخل لبنان، تحت ذريعة أنهم “بحاجة لهوية داخلية تجنّبهم العودة للتطرف”، يثير تساؤلات حول مدى التزام الشرع بمبادئ السيادة اللبنانية.

وفي مقابلة سابقة مع “رويترز”، شدد الشرع على أن أولوية حكومته هي إعادة بناء الدولة وتحقيق الأمن، وأنه لا ينوي الدخول في مواجهة مع حزب الله، لكنه دعا إلى ضبط السلاح غير الشرعي والتنسيق الأمني على أسس “سيادية”.

تصريحات الشرع توحي بانفتاح سياسي، إلا أن المؤشرات الميدانية والأمنية تشير إلى تناقضات داخل مؤسسات الدولة السورية، فمن جهة، يجري ترحيل المقاتلين الأجانب من الساحل السوري إلى الحدود اللبنانية، وهو ما تفسّره دمشق على أنه وسيلة لضبطهم.

ومن جهة أخرى، وردت معلومات استخباراتية لبنانية عن دخول أكثر من 150 مقاتلاً أجنبيًا إلى لبنان عبر معابر غير شرعية، ما أثار تساؤلات حول مدى سيطرة حكومة الشرع على الأرض.

كما أن التصريحات السابقة بشأن “استخدام المقاتلين الأجانب لمواجهة الأعداء المشتركين”، زاد من الشكوك حول صدق دعوته إلى المصالحة.

 

بين الدفاع والاتهام

على الجانب اللبناني، يراقب حزب الله هذه التحولات بحذر، خصوصاً مع ارتفاع حدة الضغط الأميركي الرامي إلى نزع سلاح الحزب، مقابل وعود بدعم سياسي واقتصادي لبيروت.

وتتخوف أوساط مقربة من الحزب من أن تكون التحركات السورية – الإسرائيلية مقدمة لـ”صفقة كبرى” تنتهي بإعادة رسم دور حزب الله في المعادلة اللبنانية – السورية، وربما استهداف وجوده المسلح على الحدود.

بالمقابل، تصر قيادات الحزب على أن حضورها في المناطق الحدودية هدفه مواجهة التهديدات الإسرائيلية ومكافحة الإرهاب والتهريب، وترفض أي مساعٍ لتجريده من “سلاح المقاومة”، معتبرة أن ذلك “خط أحمر وطني وإقليمي”.

 

اتصالات سورية – إسرائيلية

مصادر دبلوماسية غربية كشفت عن اجتماعات غير معلنة بين مسؤولين أمنيين من سوريا وإسرائيل، جرت في دول عربية، بوساطة إماراتية وأميركية، تناولت الوضع في الجولان والحدود اللبنانية.

وبحسب وكالة “رويترز”، فإن تل أبيب عرضت إقامة علاقات دبلوماسية مع دمشق وبيروت، مقابل ضمانات أمنية تشمل عدم المساس بالجولان، واحتواء دور إيران وحزب الله في المنطقة.

وتشير معلومات استخباراتية إلى أن هذه اللقاءات أسفرت عن خفض وتيرة الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع سورية خلال الشهرين الماضيين، وإعادة تعريف مناطق النفوذ في مزارع شبعا ومحيط جبل الشيخ، كجزء من ترتيبات فصل طويلة المدى.

ومع ذلك، فإن الموقف الرسمي السوري من التطبيع لا يزال محاطًا بالغموض، حيث لم تصدر تصريحات مباشرة من دمشق تؤكد أو تنفي هذه الاتصالات، مما يترك الباب مفتوحًا لتكهنات بشأن الصفقة الكبرى التي قد تُرسم على حساب النفوذ الإيراني وحزب الله.

 

تحول خطير

إذا صحّت الأنباء عن تواصُل الشرع مع تل أبيب، فإن ذلك قد يكون أخطر تحول في المشهد السوري منذ سنوات، يهدد بإعادة رسم خريطة التحالفات في المنطقة بالكامل.

الملف السوري – اللبناني الحدودي يتقاطع مع ملفات إقليمية كبرى، من الأمن القومي اللبناني إلى مستقبل حزب الله، مرورا بالموقف الإسرائيلي والتحولات داخل السلطة السورية الجديدة.

فالحكومة الانتقالية في دمشق تحاول أن تتوازن بين الداخل المضطرب وضغوط الخارج، لكن خطواتها، خاصة بشأن المقاتلين الأجانب والانفتاح على إسرائيل، تحمل في طياتها مجازفة سياسية وأمنية كبرى قد تطيح بمحاولاتها لبناء شرعية داخلية.

أما لبنان، وفي ظل الانقسام السياسي والتردّي الاقتصادي، فإن أي انفجار على الحدود قد يتحول إلى كرة نار إقليمية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *