شؤون آسيوية – خاص –
في موقف يعكس دفاعاً عن السيادة الوطنية قررت إيران عبر قرار رئاسي مستند إلى قانون برلماني، تعليق التعاون الفني والرقابي مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
هذا القرار جاء في أعقاب اعتداءات متكررة استهدفت منشآت نووية إيرانية، نفذتها إسرائيل وبدعم مباشر وواضح من الولايات المتحدة، وفق ما أكدته مصادر رسمية.
القرار الذي وقّعه الرئيس مسعود بيزشكيان، استند إلى قانون “الرد بالمثل على الأعمال العدائية”، والذي منح الدولة صلاحية وقف التعاون مع أي جهة دولية في حال تعرّض أمن إيران العلمي أو السيادي للخطر.
دوافع القرار: الأمن أولاً
إيران ووفق التصريحات الرسمية لم تكن الطرف المبادر إلى التصعيد، بل كانت هدفاً لسلسلة من الهجمات والاغتيالات والتجسس التقني، استهدفت علماءها ومراكزها الحيوية، بما في ذلك فوردو ونطنز وأصفهان.
هذه العمليات التي وصفتها طهران بـ”الإرهاب العلمي” استندت إلى معلومات حصلت عليها إسرائيل وأطراف أخرى عبر الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني: “إن استمرار التعاون مع الوكالة لم يعد ممكناً في ظل استغلالها كغطاء لنشاطات تجسسية وعدوانية.”
وأشار كنعاني إلى أن إيران قدّمت أقصى درجات الشفافية، لكن الوكالة فشلت في حماية خصوصية معلوماتها الفنية، ما يجعل تعليق التعاون خطوة ضرورية لحماية البرنامج السلمي الإيراني.
موقف رسمي واضح
محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، قال في مقابلة مع وكالة “إرنا”: “لسنا ضد الرقابة الدولية، ولسنا ضد الاتفاق النووي، لكن لا يمكن أن نقدم معلومات تُستخدم ضدنا، تعليق التعاون قرار سيادي، وليس انسحاباً من الاتفاق أو من معاهدة حظر الانتشار.”
وشدد على أن كاميرات المراقبة والزيارات التفتيشية لا يمكن أن تستمر بينما يتم تحويل البيانات التي يتم جمعها إلى أدلة تُستخدم لتبرير الضربات والهجمات.
الموقف القانوني الداخلي: تحصين علمي وتشريعي
القرار البرلماني الذي استند إليه التعليق جاء بعد جلسة طارئة في مجلس الشورى الإسلامي، حيث أجمعت الكتل السياسية المحافظة والإصلاحية على ضرورة تفعيل أدوات الردع القانوني تجاه “العنف الممنهج الذي يستهدف إنجازات البلاد النووية”.
وينص القانون على منح المجلس الأعلى للأمن القومي صلاحية الموافقة على أي استئناف للتعاون، مع اشتراط “التزام دولي موثق” بعدم تكرار الهجمات، أو محاولة التجسس على المنشآت الإيرانية.
ردود الفعل الدولية
رغم أن الوكالة الذرية عبّرت عن “قلقها العميق”، إلا أن إيران اعتبرت أن هذه التصريحات تفتقد التوازن، خاصة وأنها لم تُصدر أي إدانة لعمليات القصف التي تعرضت لها المنشآت المدنية النووية.
وأكد الرئيس الإيراني في بيان صادر عن مكتبه أن: “إيران ما زالت ملتزمة بالمسار الدبلوماسي، لكنها لن تقبل التعاون المشروط أو الرقابة السياسية، على الوكالة الدولية أن تستعيد استقلاليتها أولاً.”
مستقبل الاتفاق النووي
يبدو أن هذه الخطوة رغم حساسيتها لا تعني انسحاباً نهائياً من خطة العمل المشتركة الشاملة (JCPOA)، بل تُعد ورقة ضغط مشروعة في وجه تصعيد مستمر من الطرف الغربي، والذي لم يلتزم هو الآخر ببنود الاتفاق منذ انسحاب واشنطن عام 2018.
علي باقري كني، كبير المفاوضين الإيرانيين، صرح بأن “إيران تملك أوراق القوة”، مشدداً على أن: “أي مفاوضات مستقبلية لن تكون من موقع ضعف، بل من موقع صاحب حق يدافع عن سيادته واستقلاله العلمي.”
دعم داخلي واسع
من اللافت أن القرار لقي ترحيباً شعبياً ونخبوياً واسعاً داخل إيران، حيث رأى كثيرون أنه يمثل تحوّلاً ضرورياً في مواجهة سياسة “الضغوط القصوى” التي استُخدمت ذريعةً لضرب الداخل الإيراني اقتصادياً وأمنياً وعلمياً.
وأكّد نواب في البرلمان أن “المرحلة الجديدة تتطلب قواعد اشتباك مختلفة”، وأن “إيران لن تسمح بأن يكون تعاونها العلمي وسيلة لاختراق أمنها الوطني”.
حق مشروع
خطوة تعليق التعاون مع الوكالة الدولية ليست خروجاً عن القانون الدولي، بل هي استخدام لحق مشروع في وقف التعاون عندما تتحول المنظمات إلى أدوات ضغط واختراق.
إيران من موقعها كدولة موقّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، لا تزال ملتزمة بإطاره العام، لكنها ترفض أي تسييس أو استغلال دولي لآليات الرقابة، وفي ظل هذا السياق، يُفهم القرار الإيراني كإجراء مؤقت دفاعي، لا كسياسة انعزالية أو هروب من الاتفاقيات.