شؤون آسيوية – إعداد: ديما دعبول –
دخلت مفاوضات وقف إطلاق النار بين الجانب الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي مرحلة متقدمة، وفق ما أكدته مصادر رسمية في واشنطن وتل أبيب.
وقد برز هذا التقدم بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب موافقة الاحتلال “من حيث المبدأ” على مبادرة قدمها المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف، تتضمن وقفاً تدريجياً لإطلاق النار، إطلاق سراح أسرى، وانسحاباً عسكرياً محدوداً من قطاع غزة.
وقال ترامب في تصريح رسمي: “الحكومة الإسرائيلية وافقت مبدئياً على المبادئ الأساسية لاتفاق وقف إطلاق النار، ونعمل على وضع اللمسات النهائية لمرحلة التنفيذ.”
وأضاف أن واشنطن “لن تفوّت فرصة إنهاء القتال”، معتبراً أن الظروف الدولية والإقليمية “مهيّأة لإنهاء هذا النزاع المستنزف”، على حد تعبيره.
الوساطة الدولية: قطر ومصر في المقدمة
تقوم قطر ومصر بدور مركزي في التفاوض، وقد نقلتا رسائل بين حركة حماس من جهة، والولايات المتحدة والاحتلال من جهة أخرى، وتؤكد مصادر دبلوماسية أن مسودة الاتفاق شبه مكتملة، وتنتظر الرد النهائي من جانب حكومة الاحتلال، وسط تصاعد الانقسام الداخلي هناك.
مضمون الصفقة: أبرز البنود المسرّبة حتى الآن
وفق التسريبات الواردة من الوفود التفاوضية، فإن أبرز ملامح الاتفاق تشمل:
- وقفاً متبادلاً لإطلاق النار لمدة ٤٥ يوماً قابلة للتمديد.
- إطلاق سراح دفعة من الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة، مقابل تسهيلات إنسانية عاجلة، يليها إطلاق دفعة من الأسرى الفلسطينيين في مرحلة لاحقة.
- انسحاب تدريجي لقوات الاحتلال من عدة مناطق في قطاع غزة، لا سيما المناطق المأهولة بالسكان.
- السماح بإدخال مساعدات إنسانية بشكل يومي، وبإشراف أممي – إقليمي.
- بدء مفاوضات لاحقة لمناقشة قضايا التهدئة طويلة الأمد، والمعابر، وإعادة الإعمار.
لكن الملف الأكثر حساسية، وهو المتعلق بـ سلاح المقاومة، لم يتم التوافق حوله حتى الآن، ويجري الحديث عن “صيغة تفاوض لاحق” دون شروط مسبقة.
العقبة الكبرى: حكومة الاحتلال منقسمة بشدة
رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يجد نفسه في وضع داخلي معقّد، فمن جهة، يتعرض لضغوط شديدة من البيت الأبيض للموافقة على الصفقة، ومن جهة أخرى يواجه تمرداً داخلياً من وزراء في حكومته يرفضون وقف الحرب بأي شكل.
وقد أعلن ترامب نيته استضافة نتنياهو في واشنطن الأسبوع المقبل، وقال في تصريح لصحيفة واشنطن بوست: “أريد أن أسمع منه مباشرة: هل يريد السلام أم استمرار هذه الحرب التي تؤذي الجميع؟”
مصادر في الحكومة الإسرائيلية أكدت أن نتنياهو لا يمانع الصفقة من حيث المبدأ، لكنه يخشى من انهيار حكومته في حال وقعها، بسبب المعارضة الشرسة من أقطاب اليمين المتطرف.
سموتريتش: الصفقة خيانة ومرفوضة
من أبرز معارضي الاتفاق هو بتسلئيل سموتريتش، وزير المالية وزعيم “الصهيونية الدينية”، الذي وصف الصفقة بأنها “استسلام غير مشروط لحماس”، مضيفاً: “كل من يوافق على وقف إطلاق النار الآن يرتكب جريمة سياسية وأمنية، الجيش لم يحقق أهدافه بعد، ولم يتم القضاء على حماس.”
وقد أعلن سموتريتش أنه ينسق موقفاً مشتركاً مع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير لتفكيك الحكومة في حال توقيع الصفقة، ملمحاً إلى انسحاب حزبه من الائتلاف الحاكم.
بن غفير: تهديد مباشر لنتنياهو
أما إيتمار بن غفير فقد ذهب أبعد من ذلك، وقال علناً: “إذا وُقّعت هذه الصفقة، سنسحب الثقة من الحكومة فوراً، لا مكان للضعف أمام الإرهاب.”
وقد دعا بن غفير لاجتماع طارئ مع سموتريتش لبحث خطوات تصعيدية ضد ما وصفه بـ”الانقلاب على أهداف الحرب”.
المعارضة تدعم الاتفاق
في المقابل، أعلنت أحزاب المعارضة، وعلى رأسها حزب “يوجد مستقبل” بزعامة يائير لبيد، وحزب “إسرائيل بيتنا” بقيادة أفيغدور ليبرمان، دعمها الصريح للصفقة.
قال لبيد عبر منصة إكس: “سأمنح نتنياهو شبكة أمان برلمانية إذا أراد إنهاء الحرب وإعادة الأسرى، هذه مسؤوليتنا الأخلاقية والوطنية.”
موقف المقاومة: الرد قيد الدراسة
قالت حركة حماس إنها تلقت عبر الوسطاء الصيغة المقترحة، وإنها “تتعامل معها بمسؤولية وطنية عالية”، مضيفة في بيان رسمي: “نؤكد أن أي اتفاق يجب أن يضمن وقف العدوان وانسحاب الاحتلال وضمان تدفق الإغاثة لأبناء شعبنا.”
وبينما لم تصدر موافقة نهائية حتى الآن، تشير المعطيات إلى أن فصائل المقاومة منفتحة على التفاوض، خاصة إذا تضمن الاتفاق ضمانات دولية لوقف العدوان وسحب الاحتلال.
اتفاق قريب أم تفجير سياسي؟
من الواضح أن صفقة التهدئة باتت أقرب من أي وقت مضى، أما العامل الحاسم فهو قرار نتنياهو النهائي: إما أن يرضخ لضغوط ترامب ويوقّع الاتفاق، ما قد يؤدي إلى انهيار ائتلافه، أو أن يخضع لابتزاز حلفائه في اليمين المتطرف ويُفشل المبادرة، ما قد يثير أزمة مع واشنطن.
في المقابل، تبقى المقاومة الفلسطينية في موقع القوّة التفاوضية، مستفيدة من صمودها الميداني والتفاف الشارع الفلسطيني والعربي خلفها.