Monday

10-03-2025 Vol 19

معادلات تثبيت الأرض، إحياء مسيرة غاندي في جنوب لبنان

شؤون آسيوية/

بقلم عبير بسام

ما شهدناه في 26 كانون الثاني/ يناير الماضي بعد انتهاء مدة الهدنة الأولى، كان الدرس رقم واحد في القراءة في الإستراتيجة التي اتبعت لتثبيت تحرير الأرض من خلال الزحف الشعبي باتجاه الجنوب وفي القرى الحدودية، ومع تمديد اتفاق الهدنة، الذي لم يكن فيه مصلحة لبنانية، إلا ما ارتبط بفضح المفضوح حول النوايا العدائية التي ترتبط بدولة الكيان ضد لبنان ومنطقتنا العربية وخاصة بعد سقوط النظام السوري. واليوم ومع انطلاقة “النداء رقم 4” لأبناء الجنوب والضاحية من أجل السير مرة أخرى لتبيت وقف اطلاق النار وإخراج جيش العدو الصهيوني من الجنوب بشكل نهائي يوم الثلاثاء 18 شباط/ فبراير، هناك حقائق يجب قولها وتوضيحها من خلال المسير الكبير الثاني نحو الجنوب.
ما رأيناه خلال رحلة التحرير الأولى إلى الجنوب كان شيئا يشبه مسيرة مهاتما غاندي من أجل تحرير الهند من أكبر قوة استعمارية عرفتها الأرض خلال القرن الثامن وحتى أربعينات القرن العشرين، ألا وهي بريطانيا، والتي خسرت قوتها لصالح الولايات المتحدة الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية، ولصنيعتها “اسرائيل” في أرضنا العربية. أرضنا العربية، الأرض التي أريد لها أن يلغى وجودها منذ الثورة العربية الكبرى 1916 وحتى يومنا هذا، لتصبح أرض طوائف ومذاهب وأثنيات ضعيفة ومفرقة وتفريغها من أجل بدء عصر “اسرائيل” الكبرى، ومنها أرض جنوب لبنان التي يراد لها ان تكون فارغة من أهلها.
اليوم علينا أن نقرأ في تأثير المسيرات السيارة والراجلة في العالم في رفع قضية شعب والإضاءة عليها من قبل جميع الفرقاء في لبنان قبل أي مكان آخر في العالم. ما ساعد بريطانيا على استعمار شبه القارة الهندية افتقار سكانها للوحدة الوطنية وتفوق نوعية السلاح البريطاني، عاملان يبدو أن لبنان يفتقر لهما أمام العدو الصهيوني، ولكن ما يملكه لبنان وأحرار الجنوب تحديداُ، هو إرادة غاندي وما ملكته قيادته: وهو حكمة غاندي، وما قاد المرحلة السابقة وهو صبر غاندي، الذي قاد مسيراً لمسافة 348 كيلومترا قطعها ومناصروه في 24 يوماً وفرض مقاطعة البريطاني حتى خرج صاغراً من الهند في العام 1947. صحيح أن المحتل ترك ارثاً بشعاً من الصراع الديني في الهند وباكستان، ولكنه خرج، وما تبقى هو ما يجب على أهل البلد إيجاد حل له، ولكل بلد خلافاته التي يجب حلها.
مسير ما يزال العالم كله يذكره ومأثرته ماتزال حاضرة. واليوم وبعد النداء الرابع من أجل الدفع نحو معركة التحرير، يجب أن يطلق النداء، ليس فقط على مستوى الجنوب والضاحية، ولكي يكون للنداء فعله القوي، يجب أن تمتد المشاركة فيه من طرابلس وعكار وحتى الجنوب ومن البقاع والهرمل حتى البحر المتوسط. ليس المطلوب مسير راجل يقطع ما قطعه غاندي ومناصروه من أجل نيل الإستقلال في شبه القارة الهندية، ولكن مسير سيارات يقطع فيه أهل الشمال 198.5 كيلومترا وصولاً إلى مارون الراس، وأهل جونية 158 كيلومترا، وذلك من أجل تحرير 348 كيلومتر مربع من أرض الجنوب وبشكل نهائي من الاحتلال الصهيوني، في وقت حرر مسير غاندي مساحة أربعة ملايين و480 ألف كيلومتر مربع.
ومن هنا يمكننا أن نفهم عظمة الإنجاز الذي سيحققه بلد صغير مثل لبنان إذا ما سار من شماله إلى جنوبه ليقول للمحتل الغازي: “ارحل”.
إذا كان زحف الجنوبيين في السادس والعشرين من الشهر الماضي قد فاجأ العالم عامة ولبنان خاصة بالجرأة التي تحلى بها هذا الشعب الذي احتضن المقاومات في الجنوب منذ أن قاتل النقيب في الجيش اللبناني محمد زغيب واستشهد على أرض الجنوب في العام 1948 وحتى اليوم، والذي انتج ابطال أسماؤهم ما تزال يتردد سمع صداها حتى اليوم مثل علي أيوب والأخضر العربي والشيخ راغب حرب وغيرهم ممن رووا بدمائهم الأرض. شهداء المواقف البطولية يمكنها أن تصبح ملك شعب لبنان بأكمله ممن وقفوا إلى جانب حاضنة المقاومة خلال معركة طوفان الأقصى في كل بقعة من بقاع لبنان، فلماذا لا يكون هؤلاء شركاء بالتحرير، وعبر المسير الموحد نحو الجنوب، وسيكتب يومها اسم مائة غاندي على طريق طرد المحتل من آخر شبر على أرض الجنوب.

*باحثة لبنانية.

شؤون آسيوية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *