Monday

10-03-2025 Vol 19

القضية الفلسطينية: ماذا سيحدث في القمة العربية في القاهرة؟

 

** د. غادة كمال – أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية –

مقدمة

تتسارع التحركات العربية لإيجاد حل لملف قطاع غزة بعد تصريحات الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” عن إصراره على تهجير سكانه إلى مصر والأردن، وقد جاء الرد العربي على تلك التصريحات بالرفض العلني القاطع لهذا الطرح، وعليه أعلنت مصر عن خطة إعادة إعمار قطاع غزة بشكل فوري مع عدم تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، كما استضافت العاصمة السعودية الرياض في 21 فبراير 2025، لقاءً جمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي والأردن ومصر، لبحث موقفها من خطة “ترامب”، ومن المقرر أن يصدر قرار عربي مشترك في القمة العربية الطارئة القادمة التي ستنعقد في مصر في 4 مارس المقبل. وتتميز هذه القمة بمشاركة زعماء جدد في سوريا ولبنان لأول مرة في الجامعة العربية. وفي هذا الإطار سوف يتناول هذا التقرير ملامح الخطة العربية المتوقعة، والسيناريوهات المستقبلية لقمة القاهرة مارس 2025.

أولًا: القمة العربية الطارئة 2025

تستضيف “جمهورية مصر العربية” القمة العربية الطارئة حول تطورات القضية الفلسطينية في 4 مارس 2025، وتمثل القمة العربية نقطة تحول خطيرة في مصير القضية الفلسطينية، وستكون بمثابة الأساس الذي يعتمد عليه في صياغة الخطة العربية بشأن مستقبل قطاع غزة والمنطقة بكاملها، وما يحدث في اليوم التالي لوقف الحرب في غزة، وإنهاء الصراع والوصول لحل الدولتين.

كما تأتي القمة العربية انعكاس للتغيير في لغة الإدارة الأمريكية تجاه المستجدات الأخيرة، حيث أظهرت مواقف الدول العربية المتشددة تجاه قضية تهجير الفلسطينيين موقفًا واضحًا، يعكس الإرادة العربية، مما يوجه رسائل مباشرة إلى الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، والجدير بالذكر أن اللقاءات العربية التي تمت في السعودية وغيرها تعكس التحركات المصرية والتوافق العربي، بهدف فرض الحل العربي.

الخطة العربية المتوقعة:

ثمة جملة من البنود التي يتوقع أن تتضمنها الخطة العربية التي سوف تعرض في قمة القاهرة القادمة، وتتمثل هذه البنود فيما يلي:

إدارة القطاع بعد الحرب: يتوقع عرض خطة متكاملة للتنمية وإعادة الإعمار وفقاً للمقترح المصري، وأن تركز الخطة العربية على إدارة غزة ما بعد الحرب، (من الذي سوف يدير القطاع في المستقبل). بالإضافة إلى ضرورة تضمين الخطة دعم بناء قدرات السلطة الفلسطينية ومصداقيتها في المرحلة المقبلة.

قوات عربية ودولية: ربما تتضمن الخطة الاتفاق على ادخال قوات عربية وأجنبية لحفظ الأمن في القطاع، وتفاصيل هذا الإجراء من حيث عدد القوات التي سيتم نشرها ومن سيوفرها، والتمويل، فمن الخطر في الوقت الحالي إغفال الخطة للدور الأمني العربي في غزة، خاصة في ظل تأكيد واشنطن للحاجة إلى وجود قوات برية لتثبيت الاستقرار في المنطقة.

تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية: يوجد طرحين، الأول؛ يضم السلطة الفلسطينية وبعض القوى السياسية الغير مرتبطة بحماس، وبالتالي سوف تكون إدارة غزة من خلال حكومة وطنية فلسطينية مدعومة عربياً ودوليًا. أما الطرح الثاني، يتمثل في تشكيل حكومة تكنوقراط غير سياسية لإدارة غزة لفترة انتقالية، ولكن هذا الطرح غير واضح حتى الان لصعوبة تطبيقه.

استبعاد حماس من المشهد السياسي: يتوقع أن تحسم الخطة وضع حركة حماس، والذي يتوقع استبعادها من السيطرة على قطاع غزة.

ملامح المقترح المصري لإعادة إعمار قطاع غزة

ترتكز الخطة المصرية على إعادة إعمار القطاع في وجود سكانه من خلال تقسيمه إلى ثلاث مناطق إنسانية، يكون لكل منها مخيم كبير يقيم فيه السكان مع توفير وسائل الإعاشة من ماء وكهرباء وغيرهما، وسيجرى إدخال آلاف المنازل المتنقلة والخيام التي تشبه المنازل إلى مناطق آمنة للإقامة لمدة ستة أشهر بالتوازي مع رفع الركام الناتج عن الحرب خلال نفس المدة.

تتضمن الخطة إعادة إعمار القطاع خلال 3 إلى 5 سنوات دون تهجير السكان، ويتضمن الاقتراح العمل على مرحلتين لإزالة ورفع الركام وبناء مجمعات سكنية، وسيبدأ من رفح وجنوب قطاع غزة، وينتهي في شمال القطاع، وينص على مشاركة الدول العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في خطة إعادة الإعمار. وسوف تبدأ المرحلة الأولى بعد القمة العربية المرتقبة في مارس. وتتضمن الخطة مرحلتين، الأولي: تخصيص مناطق آمنة داخل القطاع لنقل المدنيين بعد أول ستة أشهر، وبناء مخيمات لإيواء إنساني يراعي المعايير الإنسانية إلى أن يتم إعادة الإعمار، وأيضًا رفع الركام وإعادة تدويره من بعض مناطق غزة في أول 6 أشهر ونشر مستشفيات ومدارس متحركة بها. أما المرحلة الثانية: سيتم بناء مناطق جاهزة للأسر الفلسطينية في غزة خلال 18 شهرًا. وسيتم تقسيم غزة خلال فترة الإعمار إلى مناطق تتضمن مستشفيات ومدارس. وبمجرد إزالة الأنقاض، سيتم إنشاء 20 منطقة إسكان مؤقت. والاستعانة بنحو 50 شركة مصرية وأجنبية أخرى من أجل إنجاز مشروعات إعمار غزة.

إنشاء صندوق عربي خاص بإعادة إعمار غزة تحت إشراف عربي شامل؛ وسيشمل التمويل أموالًا دولية وخليجية، ويهدف هذا الصندوق إلى توفير الدعم والتمويل اللازمين لضمان تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار على أرض الواقع، ونشير هنا إلى أن وجود إرادة سياسية من قبل الدولة المصرية سوف يعزز من فرص نجاح هذه المبادرة، لا سيما أن مصر أثبتت على مدار العقود الماضية تمسكها بحقوق الشعب الفلسطيني ورفضها القاطع لأى مخطط يهدف إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وأن توفير الموارد المالية اللازمة لإعادة الإعمار هو ما سيضمن إحداث تغيير حقيقي في غزة، من خلال إزالة آثار الدمار والبدء في مشاريع تنموية تشمل بناء المساكن، البنية التحتية، والمرافق الحيوية.

تشكيل لجنة مؤقتة للإشراف على عملية إغاثة وإعادة إعمار القطاع؛ ومن المتوقع أن تتولى اللجنة مسؤولية إعادة إعمار قطاع غزة، حيث ستقوم الشركات المصرية وغيرها بتنفيذ خطة إعادة الإعمار الفعلية.

الإعداد لمؤتمر إعادة إعمار غزة؛ تقوم مصر حالياً بمشاورات مع الدول العربية لإعداد مؤتمر إعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها بمشاركة أوروبية واسعة. كما تقوم بتكثيف المشاورات مع الولايات المتحدة الأمريكية، لتحقيق السلام العادل في المنطقة، والذي يشمل مراعاة حقوق الفلسطينيين، وخاصة حقهم في الأرض وإقامة دولتهم المستقلة، والتأكيد على خطة مصر لإعادة إعمار غزة.

قافلة مصرية لمعدات الإعمار؛ ووسط استمرار المفاوضات قامت مصر بإدخال أكبر قافلة مصرية من اللوادر ومعدات إعادة الإعمار إلى قطاع غزة، وتضم القافلة لوادر حديثة وكرافانات مجهزة، ويأتي ذلك في إطار استمرار الجهود المصرية لدعم الشعب الفلسطيني، من خلال إرسال المساعدات والمعدات اللازمة لإعادة تأهيل البنية التحتية والمساهمة في تحسين الأوضاع الإنسانية داخل القطاع.

وحول الرؤية المصرية بخصوص اليوم التالي لوقف الحرب على غزة؛ أن مصر تتحرك وفق ثوابت محددة: أولها الخطة المصرية العربية التي يتعلق بمسألة إعادة الإعمار، والتي سيتم الإعلان عنها في القمة العربية الطارئة التي ستنعقد في القاهرة يوم 4 مارس المقبل. وثانيها العمل على إدخال أكبر قدر من المساعدات الإنسانية. وثالثاً هو أن الذي يحكم غزة في اليوم التالي هم الفلسطينيون من خلال لجنة الإسناد المجتمعي خلال فترة انتقالية. والرابع، التأكيد على ضرورة انسحاب إسرائيل المدني والعسكري. والخامس هو ضرورة وقف وإنهاء الحرب. والسادس والأخير هو العمل على عملية بناء تدريجي صحيح حتى نصل في النهاية إلى العملية السياسية وإقامة الدولتين.

ثانيًا: السناريوهات المتوقعة

السيناريو الأول: نجاح القمة في 4 مارس 2025، في اصدار قرار عربي مشترك حول مستقبل غزة، ينص على خطة متكاملة وآليات تنفيذها، ويتم العمل بها منذ اليوم التالي لوقف الحرب في غزة.

السيناريو الثاني: فشل الدول العربية في الاتفاق على خطة مقبولة لمستقبل غزة، وهذا يعني حصول الحكومة الإسرائيلية على الضوء الأخضر لتنفيذ مخطط “ترامب”، كذلك قد يؤدي إلى قطع العلاقات الأمريكية الأردنية، وتضطر مصر إلى تعزيز مواقع جيشها على الحدود الإسرائيلية، والذي يهدد إسرائيل بتجاوز مصر شروط معاهدة كامب ديفيد، فقد تواجه القمة معضلة اختلاف المصالح وحجم اهتمام الدول العربية بالقضية الفلسطينية، والذين يتبنون وجهات نظر وأولويات تختلف عن تلك التي كان يتبناها الحكام السابقون.

السيناريو الثالث: رفض حركة حماس لقرارات القمة العربية عربية المرتقبة باستبعادها من إدارة غزة، وهنا يتوقع عده سيناريوهات تتمثل في الآتي:

الضغط على حركة حماس: سوف يتم التصعيد سياسيًا وزيادة الضغوط الاقتصادية، وتوقف أي دعم لإعمار غزة، وقطع أي اتصال مع حماس لإنهاك الحركة سياسيًا واقتصاديًا، لان إعادة الاعمار متوقفة على إخراجها من الحكم غزة.

تقوية السلطة الفلسطينية: بدعم عربي ودولي على أرض الواقع، سواء عن طريق دعم محمود عباس أو قيادة جديدة تتمتع بشرعية دولية لإدارة غزة.

تدخل عسكري عربي أو دولي: بحجة استقرار غزة، وهذا أخطر السيناريوهات، وسوف يتم تحت غطاء قوة حفظ سلام، ورغم أنه سيناريو غير مستعبد، ولكن سوف يقابله رفض شعبي من الفلسطينيين، باعتباره احتلال جديد بغض النظر عن النوايا الحقيقية، وسوف يودي إلى مواجهات مسلحة بين المقاومة وبين القوات الخاصة.

استمرار حماس في الحكم: وبالتالي دخول القطاع في عزلة كاملة، فلم يتم الاعتراف بحكومة حماس، وسوف يمنع لمجتمع الدولي أي مساعدات للوصول للقطاع، واستمرار فرض إسرائيل حصرها المشدد على القطاع، وبالتالي سوف تتحول غزة الى منطقة معزولة عن العالم خارجيًا، وهذا سوف يزداد من تدهور الوضع الإنساني في القطاع.

مواجهة مباشرة بين حماس وإسرائيل: وهذا السيناريو أكثر دموياً، تستغل اسرائيل رفض حماس لقرارات القمة، وتقوم بحملة عسكرية كبري للقضاء عليها أو اغتيال قياداتها وفرض سلطة بديلة بالقوة في القطاع، بحجة رفض حماس مقترحات انهاء الحرب وإعادة الاعمار، في وقت لا يوجد فيه دعم عربي لحماس.

ختامًا؛

يمكن القول إنه في إطار الضغوط التي تتعرض لها مصر سواء ماديًا أو سياسيا من الولايات المتحدة الأمريكية، قد دعت مصر لعقد قمة عربية لأكثر من سبب أولاً؛ تحويل الموقف المصري الأردني من موقف دولتين لموقف عربي جامع كل الدول العربية.  ثانيًا؛ وده الأهم إن الدول العربية تتولى مسؤولية إعادة الإعمار بشروطنا وليس بشروط الولايات المتحدة.  ثالثاً؛ وهو ده الأخطر والذي تتمناه مصر هو تشكيل إرادة سياسية عربية عندها القدرة على قول كلمة “لا” ليس بالكلام وإنما بالفعل، وهذا ليس معناه القيام بفعل عسكري، وإنما معناها أستخدم أسلوب ردع وتهديد مصالح، لأن مصالحتنا في الشرق الأوسط في خطر دائم، لذا فالإرادة العربية تستطيع أن تستخدم كنواة لتشكيل اتحاد أو قوة عربية مشتركة لها ثقلها في المنطقة. لذلك، اعتقد إن القمة القادمة ممكن نكون بداية ونواه للتحول واستصدار قرار بتشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة المخططات الأمريكية والإسرائيلية، لكن لو لم يحدث سوف تدفع كل دول المنطقة ثمن عدم الاستقرار وضياع الجهود التي تقوم بها مصر.

Shuun Asyawiya

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *