في ما يلي نصوص لندوة
مستقبل العلاقات الصينية العربية في ظل مبادرة الحزام والطريق
إعداد:
مركز الدراسات الآسيوية والصينية – لبنان
جريدة الرؤية – سلطنة عُمان
—————————————————
دور الصين في الشرق الأوسط
أ. د. وانغ قوانغدا*
أصدقائي الأعزاء، أهلا بالجميع!
يشرفني أن أشارك في ندوة اليوم، وشكراً على الدعوة من مركز الدراسات الآسيوية والصينية في بيروت بالاشتراك مع جريدة الرؤية العمانية. عنوان كلمتي هو “دور الصين في الشرق الأوسط”.
منذ طرح مبادرة الحزام والطريق قبل عشر سنوات، حققت الصين والدول العربية، كشركاء طبيعيين في البناء المشترك لـ”الحزام والطريق”، نتائج ملموسة. الآن، تم تحقيق “تغطية كاملة” لـ22 دولة عربية وجامعة الدول العربية، مما يشير إلى أن الدول العربية تعزز اتجاه “التطلع شرقاً” بشكل أكبر ولديها توقعات أكبر للصين للعب دور أكثر نشاطاً في قضية الشرق الأوسط.
وفي الواقع، إن مبادرة “الحزام والطريق” ليست مجرد مبادرة اقتصادية وتجارية، ولكنها تظهر أيضًا التزام الصين بالتعددية، والابتعاد عن تفكير اللعبة التي محصلتها صفر، وتعزيز إصلاح وتحسين نظام الحوكمة العالمية بنشاط.
لذلك، أود أن أتحدث معكم من المنظورات الثلاثة: التنمية والحوار والسلام.
أولاً، تصر الصين على استخدام التنمية باعتبارها المفتاح الرئيسي لحل جميع المشاكل. إن عجز السلام وعجز التنمية وعجز الأمن وعجز الحوكمة هي تحديات غير مسبوقة تواجه المجتمع البشري. ومن بينها، يعد العجز التنموي السبب الجذري الرئيسي للعديد من المشاكل العالمية. في عام 2023، شهد العالم حربين ساخنتين في وقت واحد، وقد تسببت حرب غزة في أزمات إنسانية وأخطار الانتشار شديدة، وهو ما يتعارض مع عملية التنمية البشرية. في عام 2016، عندما زار الرئيس الصيني شي جين بينغ مقر جامعة الدول العربية، أشار إلى أن “التنمية هي السبب الجذري والحل فى آن واحد للاضطرابات في الشرق الاوسط”. وفي السياق الحالي، تحمل هذه الجملة دلالات جديدة وعميقة. إن “التنمية” هي قضية مشتركة تواجهها الصين والدول العربية. إن كيفية الحفاظ على التركيز الاستراتيجي وحماية نتائج التنمية التي تم تحقيقها هي مسألة يتعين على الصين والدول العربية التفكير فيها بعقلانية. ونظراً إلى التفكير التطلعي بشأن وضع التنمية الاقتصادية العالمية واتجاه تنمية العولمة الاقتصادية، طرحت الصين البناء المشترك لمبادرة “الحزام والطريق”، التي تلبّي طلبات التنمية الإقليمية وتتوافق مع اتجاه التعاون الاقتصادي الإقليمي، وقد لاقت استجابة إيجابية وحماسة من الدول العربية.
ومنذ أن قامت الصين والدول العربية ببناء “الحزام والطريق” بشكل مشترك، نفذ الجانبان أكثر من 200 مشروع تعاون، وقد استفاد من نتائج التعاون نحو ملياري شخص في كلا الجانبين، وعززت بشكل فعال تدفق البضائع والأموال والتكنولوجيا والموظفين في الدول الواقعة على طول الحزام والطريق، مما يسمح للجانبين باكتساب المزيد من فرص التنمية والفوائد لشعوبها. بالإضافة إلى ذلك، اقترح الرئيس شي جين بينغ أيضًا “مبادرة التنمية العالمية”، تهدف إلى إعادة التنمية إلى قلب الأجندة الدولية وبناء توافق أوسع حول التنمية. كما أشار الرئيس شي جين بينغ في كلمته أمام القمة الصينية العربية الأولى إلى أن “الصين تدعم الدول العربية في الاستكشاف المستقل لمسارات التنمية التي تناسب ظروفها الوطنية، وفي الإمساك بزمام مستقبلها في أيديها بقوة”، “يتعين على الصين والدول العربية التركيز على التنمية الاقتصادية وتعزيز التعاون المربح للجانبين، وتعزيز التضافر بين استراتيجيات التنمية لدى كل منهما، وتعزيز التعاون عالي الجودة في إطار الحزام والطريق.”
وبالإضافة إلى ذلك، تولي الصين أيضًا أهمية كبيرة لمطالب الدول العربية لتحسين قدراتها التنموية. إن مركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية الذي أعمل فيه، تم إطلاقه وإنشاؤه بمبادرة الرئيس الصيني شي جين بينغ شخصيًا، وهو ملتزم ببناء منصة للصين والدول العربية لتبادل الخبرات في مجالات الإصلاح والتنمية والحوكمة وتعزيز المعرفة الإيجابية والتبادلات الحضارية بين الجانبين.
منذ تأسيسه قبل سبع سنوات، حقق المركز نتائج مثمرة في بناء أربع منصات رئيسية: الدورة الدراسية، وإعداد الكفاءات، والدراسات والبحوث، والتواصل الإنساني والثقافي. وقد عقد المركز 20 دورة دراسية وشارك 517 مسؤولًا عربيًا من المستوى المتوسط والعالي. ومن خلال بناء منصة التبادل الصينية العربية، تم الجمع بين مزايا ومتطلبات التنمية لكلا الطرفين، وتلخيص الخبرات والأفكار، وتبادل التكنولوجيا والموارد، وبذل قصارى الجهود لإعداد الكفاءات والقوى المحلية للدول العربية، والمساعدة في الاستفادة من خصائصها وإمكانات نموها، وتحقيق التنمية المستقلة والمستدامة من مستويات متعددة.
لذلك، بالنسبة للعديد من القضايا الساخنة في الشرق الأوسط، تهتم الصين بفهم جذور القضايا الساخنة من خلال التنمية، والتأكيد على تعزيز انتهاج التنمية بتهيئة الظروف لحل القضايا الساخنة، وإيلاء المزيد من الاهتمام للمساعدات الاقتصادية والمشاريع التنموية، من أجل المساهمة بشكل ملموس في حل القضايا الساخنة، والتعهد بممارسة “حماية السلام العالمي، وتعزيز التنمية المشتركة من خلال التنمية الذاتية”.
ثانيا، تصر الصين دائمًا على حل القضايا الساخنة عن طريق الحوار والمفاوضات السلمية، وتدعم بنشاط الشرق الأوسط في تحقيق التنمية المستقرة. أشار الرئيس الصيني شي جين بينغ قائلاً: “لا تُحل المشاكل بلغة القوة، ولا يدوم الأمن بعقلية المحصلة الصفرية. رغم أن طريق الحوار قد يكون طويلًا وحتى يشوبه التراجع، غير أن تداعياته أقل ونتيجته أكثر ديمومة. يجب على مختلف الأطراف المتنازعة إطلاق الحوار لإيجاد القاسم المشترك الأكبر وتركيز الجهود على دفع الحل السياسي”. أضاف: “إن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية” هو الحجر الأساس في مشاركة الصين في شؤون الشرق الأوسط، وهو الضمان الأساسي لكسب الصين ثقة دول الشرق الأوسط، ودوام نشاط دبلوماسيتها الخارجية. ولذلك، فإن صفة الصين في المشاركة في شؤون الشرق الأوسط هي المنسق العادل، ليس القائد، تقوم بدور بنّاء وليس دور التحكم والسيطرة. لا يمكن للصين أن تكون “وسيطًا دبلوماسيًا” للغرب، كما أنها لا تقصد “تعزيز ودعم استخدام القوى الصينية” في الشرق الأوسط، تجنبًا لفقدان الدبلوماسية الصينية والشرق الأوسط لسمات العلاقات الدبلوماسية في النشاط والاستقلالية.
وفي آذار / مارس 2023، وبوساطة الصين، أجرى ممثلو السعودية وإيران حوارًا في بكين. ثم توصلت الأطراف الثلاثة، الصين والسعودية وإيران إلى اتفاق، وأصدرت بيانًا ثلاثيًا مشتركًا، أعلنت فيه أن السعودية وإيران اتفقتا على استئناف العلاقات الدبلوماسية. وبعد ذلك، هب “تيار المصالحة” على الشرق الأوسط، مثل عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين قطر والبحرين، والتوافق بين مصر وتركيا على تعزيز العلاقات الدبلوماسية، وما إلى ذلك. خلف “تيار المصالحة” هناك رغبة قوية لدى العديد من الأطراف في التخلص من تأثير سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لقد انخرطت الولايات المتحدة في شؤون الشرق الأوسط لسنوات عديدة ونادرًا ما تدعو إلى المفاوضات، إنها عملية روتينية تقوم بها الولايات المتحدة “التقارب مع فصيل ومحاربة فصيل آخر” من أجل مصلحتها الذاتية الجيوسياسية أو الاقتصادية.
تُعتبر مفاوضات بكين بين السعودية وإيران انتصارًا للحوار. بالنسبة للصين، فإن تعزيز المصالحة السعودية الإيرانية ليس نتيجة للاستفادة من الاتجاه العام فحسب، بل هو أيضًا عملية طبيعية. وفي مواجهة الوضع الإقليمي المعقد والمتقلب وغير المستقر في الشرق الأوسط، أصرّت الصين دائمًا على التوسط في الصراعات الإقليمية من خلال تعزيز مفاوضات السلام وتعزيز الاستقرار الإقليمي من خلال التنمية السلمية باعتبارها محور سياستها في الشرق الأوسط. إن مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي التي اقترحتها الصين ومفهوم دبلوماسية الدول الكبيرة ذات الخصائص الصينية المتمثلة في “التنمية السلمية والفوز المشترك” تتزامن مع اتجاهات التنمية الناشئة في دول الشرق الأوسط، وقد حظيت باعتراف واستجابة إيجابية من دول الشرق الأوسط. كما اجتذبت القوة الشاملة السريعة النمو للصين ونفوذها الدولي العديد من دول الشرق الأوسط للسعي إلى تعميق وتعزيز التعاون مع الصين. كما أن الصين هي الدولة الكبيرة الوحيدة في العالم التي تحافظ على علاقات ودية مع جميع دول الشرق الأوسط، وقد أرسى هذا أيضًا أساسًا متينًا لمشاركة الصين في الوساطة في الصراعات في الشرق الأوسط. ولذلك، فإن المزيد من الدول تدعم الصين وتتوقع منها أن تلعب دورًا أكبر في حل القضايا الساخنة في الشرق الأوسط.
وبالإضافة إلى تعزيز المصالحة بين السعودية وإيران، بناء على دعوة من الصين، قام ممثلو حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) وحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بزيارة بكين مؤخرًا لإجراء مناقشات متعمقة وصريحة للدفع باتجاه المصالحة الفلسطينية. وقد حظيت هذه الخطوة بتقدير واسع النطاق من قبل المجتمع الدولي الذي يعتقد أن الصين لا تنحاز إلى أي طرف في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيساعد على تعزيز المصالحة في داخل فلسطين.
ثالثًا، تصر الصين على اتخاذ إجراءات فعلية وتوفير الحكمة والحلول الصينية لحماية الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. منذ أن اقترح الرئيس شي جين بينغ مفهوم الأمن المتمثل في الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام في عام 2014، واصلت الصين استخدام الإجراءات لإثبات أنها تولي أهمية كبيرة للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط. في عام 2018، اقترح الرئيس شي جين بينغ الحل الصيني لأمن الشرق الأوسط في حفل افتتاح الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصينى العربي. وفي عام 2019 وعام 2022، عقدت الصين منتدى أمن الشرق الأوسط لاستكشاف سبل تحقيق السلام والأمن في الشرق الأوسط مع جميع الأطراف بشكل مشترك. وطرحت الصين مقترحات من أربع نقاط بالملف النووي الإيراني، وعملت جاهدة على تعزيز استئناف مفاوضات تنفيذ الاتفاق الشامل بالملف النووي الإيراني، وحافظت على النظام الدولي لمنع الانتشار النووي. وفي عام 2020، اقترحت الصين إنشاء منصة حوار متعدد الأطراف في الخليج لمواصلة بناء التوافق لتعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي. في عام 2021، زار وزير وانغ يي الشرق الأوسط ثلاث مرات، حيث زار 10 دول في الشرق الأوسط، واقترح “مبادرة ذات نقاط خمس بشأن تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط”، و”مقترحًا من أربع نقاط لحل القضية السورية” و”فكرة من ثلاث نقاط لحل الدولتين للقضية الفلسطينية”، ولعب دور بناء في تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط.
وفي مواجهة أمن البيانات، وهو تحدٍ مشترك لجميع البلدان، أصدرت الصين والدول العربية بشكل مشترك “مبادرة أمن البيانات العالمية”، والتي ستعالج بشكل مشترك تهديدات أمن الشبكات ومخاطر أمن البيانات، مما يشكل مثالاً للدول النامية للمشاركة في الحوكمة الرقمية العالمية.
بالإضافة إلي ذلك، فقد شاركت الصين بنشاط في بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وهي أكبر مساهِمة في القوات بين الدول الأعضاء الخمسة الدائمين وثاني أكبر مساهِمة في ميزانية الأمم المتحدة لحفظ السلام. وحتى تشرين الأول / أكتوبر 2023، أرسلت الصين أكثر من 50 ألف جندي من قوات حفظ السلام إلى أكثر من 20 دولة ومنطقة للمشاركة في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وحتى عام 2024، أرسلت الصين 22 دفعة من قوات حفظ السلام إلى لبنان. منذ عام 2008، قامت البحرية الصينية بمهام حراسة في خليج عدن والمياه قبالة السواحل الصومالية، حيث تخدم أكثر من 7200 سفينة صينية وأجنبية.
يعد تفشي الإرهاب والأفكار المتطرفة، اختبارًا قاسيًا للسلام والتنمية. يحتاج القضاء على الإرهاب والقوى المتطرفة إلى بناء توافق مشترك. ليس هناك حدود للإرهاب، وليس هناك معايير مزدوجة للإرهاب. وفي ذات الوقت لا يمكن ربط الإرهاب بقومية معينة أو دين، لأن ذلك لا يصنع سوى الحواجز العرقية والدينية. لا توجد هناك سياسة واحدة تعمل بشكل تام على محاربة الإرهاب، فالقضاء على الإرهاب يحتاج إلى سياسات شاملة لتقتلعه من جذوره. وتحت إطار منتدى التعاون الصيني العربي، تم تنظيم عشر دورات من “ندوة العلاقات الصينية العربية والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية”، حيث تدعو الصين والدول العربية إلى التكاتف في تنفيذ مبادرة الحضارة العالمية وتعزيز التبادلات بين الحضارات، والدعوة إلى الحوار السلمي وتحقيق التعايش السلمي.
يصادف هذا العام الذكرى العشرين لتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي. وسيعقد الدورة العاشرة من الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي قريبًا(أواخر مايو 2024) في الصين. ويعد هذا أول اجتماع وزاري للمنتدى بعد القمة الصينية العربية الأولى. ونتطلع إلى أن تغتنم الصين والدول العربية هذا الاجتماع كفرصة لتلخيص تجربة التعاون في العقدين الماضيين، واغتنام الفترة الذهبية للتعاون الصيني العربي في السنوات العشر المقبلة، والمساهمة في بناء مجتمع صيني عربي للمستقبل المشترك في العصر الجديد بشكل أوثق، وستواصل الصين أيضًا في المساهمة بالحكمة الصينية لتحقيق السلام والاستقرار والرفاهية في الشرق الأوسط.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*الأمين العام لمركز الدراسات الصيني العربي للإصلاح والتنمية – شنغهاي
بين طريق الهند – حيفا ومبادرة الحزام والطريق
العميد إلياس فرحات*
تتنافس في آسيا وخصوصاً في غرب آسيا مبادرتان اقتصاديتان عالميتان، هما مبادرة الحزام والطريق الصينية، ومبادرة طريق الهند – حيفا التي أعلنتها الولايات المتحدة السنة الماضية. تتصف المبادرة الأميركية بأنها رد على المبادرة الصينية ونوع من المواجهة، وهي تفتقر إلى خريطة جغرافية مستقرة. كما أنها جاءت بإعلان متسرع ومن دون مشاورات مع العديد من الدول والشعوب التي تشملها. بينما ترتكز مبادرة الحزام والطريق على أفكار الرئيس الصيني شي جين بينغ في السياسة الاقتصادية الخارجية. قامت هذه المبادرة على أنقاض طريق الحرير القديم, وهي تهدف إلى ربط الصين بالعالم عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول الطريق الذي يربطها بالقارة الأوروبية، ليكون أكبر مشروع بنى تحتية في تاريخ البشرية. ويشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية ومناطق صناعية.
ويعود تاريخ طريق الحرير القديم إلى القرن الثاني قبل الميلاد ويشير الإسم إلى شبكة الطرق البرية والبحرية التي ربطت بين الصين وأوروبا مروراً بآسيا الوسطى والشرق الأوسط.
في شهر نيسان / أبريل 2019 افتتح الرئيس شي جين بينغ قمة “طرق الحرير الجديدة” التي شارك فيها ممثلون عن 150 بلداً، بهدف التسويق للمبادرة التي ستكون محور السياسة الاقتصادية الصينية مع العالم وتسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية والتبادل التجاري بشكل عام .
ترتكز مبادرة الحزام والطريق على التعاون الاقتصادي بين الأمم والإسهام بالنهوض الاقتصادي والتكامل فيما بينها، وإرساء علاقات صداقة سلمية واستبعاد النزاعات وتسوية القائمة منها.
كانت رعاية الصين للاتفاق السعودي الإيراني أول تحرك صيني لإزالة العقبات السياسية عن الطريق والحزام ولا تزال الصين تلعب دوراً هاماً في تسوية الخلافات وتغليب لغة الحوار بين الشعوب على لغة النزاعات والحروب التي أرهقت البشرية .
بدأت الولايات المتحدة الأميركية تتوجس خيفة من هذه المبادرة العالمية وقامت فعلاً بمواجهتها عب إحياء قمة الحوار الرباعي (كواد) QUAD الذي يشمل الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا.
لم تكن الولايات المتحدة بعيدة عن التقارب بين الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة حيث وجدت الهند في الإمارات حليفاً مليئاً بالمال الذي تحتاجه ورأت الإمارات في الهند توازناً مع الصين، فضلاً عن كسب الجالية الهندية في الإمارات وهي الأكبر بين الجاليات الأجنبية وتشكل نحو 30٪ من سكان الإمارات، علماً أن السكان الأصليين يقدرون بنحو 12٪ فقط.
سارعت الولايات المتحدة لإنشاء صيغة تحالف سمتها اختصاراً I2 U2 ، أي الهند والإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة .
على أن الاجراء الأكبر والمفاجئ الذي اتخذته الولايات المتحدة وبشكل متسرع على هامش قمة العشرين في نيودلهي هو ما أعلنه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان عن إطلاق مبادرة طريق الهند – دبي – حيفا – أوروبا في مقابل مبادرة الحزام والطريق الصينية في محاولة واضحة لتخريب التقارب السلمي بين الصين وشعوب وسط وآسيا وغربها وأوروبا.
تجاوزت مبادرة سوليفان الجغرافيا بتجاوزها باكستان والصين إرضاء للهند، وتجاوز إيران وتركيا إرضاء لإسرائيل. لكنه في المقابل خسر دولاً وازنة تضمها مبادرة الحزام والطريق.
ومن المفارقات الجغرافية لمبادرة سوليفان هي أن الطريق تبدأ من داخل الهند الى مرفأ مومباي على المحيط الهندي. ومن هناك تتحول الى خط بحري يبدأ من مومباي ويصل الى دبي في الخليج. وبعدها تتابع براً من دبي الى المملكة العربية السعودية والأردن وصولاً الى مرفأ حيفا في الكيان الإسرائيلي.
لم تعر الولايات المتحدة اهتماماً لاستقرار الخليج في ظل خلافات مستحكمة مع إيران. وهذا ما قد يعرقل دور دبي ناهيك عن أن الصراع العربي الإسرائيلي لم يجد تسوية بعد وتحديداً الصراع الفلسطيني الإسرائيلي حيث هناك حرب قائمة في غزة واضطرابات مستمرة في القدس والضفة الغربية فضلاً عن الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا ما يجعل حيفا غير آمنة.
ونشير إلى أن العالم بأسره قد حبس أنفاسه في نيسان / أبريل الماضي بانتظار الرد الإيراني على العدوان الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق. هل هذا المناخ يسهل قيام مبادرة اقتصادية بحجم مبادرة الهند – حيفا؟ بالطبع لا .
من المهم الإشارة إلى أن مبادرة الحزام والطريق ليست حلفاً سياسياً وعسكرياً، بل هي مبادرة إنشاء بنى تحتية لتسهيل التجارة والاتصال بين الأمم الواقعة على طريق الحرير
وعلى العكس، وبالإضافة الى افتقارها للعامل الجغرافي المستقر، تفتقر مبادرة طريق الهند – حيفا إلى أساس تاريخي في العلاقات بين الدول المعنية. وهي تعتبر بمثابة مواجهة سياسية وأمنية مع مبادرة الحزام والطريق، أكثر منها مبادرة اقتصادية .
لكن الجغرافيا لا تخطئ. فقد وقعت مبادرة الهند- حيفا في فجوة كبيرة عندما أصبحت حيفا وميناؤها غير آمنين في أثناء العدوان على غزة وغير مستقرين لمثل هذه المبادرة، مهما كانت نتيجة حرب غزة. إذ لا يمكن لمستثمر أن يضع إمكاناته في طريق يبدو مقصده النهائي غير مستقر.
لقد جاءت مبادرة الحزام والطريق – كما ذكرنا آنفاً – بعد مؤتمر حضرته 150 دولة فيما مبادرة الهند- حيفا جاءت تسرعاً وارتجالاً من الولايات المتحدة كرد غير بناء على مبادرة الحزام والطريق.
تكشف هذه الوقائع أحد أهم ميزات السياسة الصينية، وهي علاقات سلمية وتجارة رابح – رابح مع باقي الدول فيما تستبطن المبادرة الأميركية مشاريع هيمنة سياسية .
*عميد ركن متقاعد في الجيش اللبناني، باحث سياسي وعسكري.
الرؤية الصينية للسلام والتنمية
د. حاتم حمد الطائي*
بسم الله الرحمن الرحيم
الأفاضل المحترمون.. حضور ندوة “مستقبل العلاقات العربية الصينية في ظل مبادرة الحزام والطريق”
في البداية أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى الزملاء في مركز الدراسات الآسيوية والصينية على تنظيم هذه الندوة المُهمة، التي تسعى لاستشراف مستقبل العلاقات العربية الصينية، استنادًا إلى مبادرة الحزام والطريق. هذا المشروع الواعد الذي سيُحدث نقلة نوعية في مسارات التنمية واستدامتها في منطقتنا العربية، وجميع الدول المنضوية تحت مظلة المبادرة.
الإخوة الأعزاء.. لطالما كان تطوير العلاقات العربية الصينية محط اهتمام الجانبين، من منطلق العلاقات التاريخية التي تجمع العرب والصينيين، استنادًا إلى الروابط التجارية على مر الزمان، وطرق التجارة القديمة، وخاصةً طريق اللبان وطريق الحرير، وغيرها من الطرق، التي ترسخت على مدى التاريخ، وأثبتت عمق الصلات التجارية بين الجانبين، وأهمية مواصلة البناء على هذه العلاقات وتطويرها بما يضمن مصلحة وخير الشعوب.
وثمّة علاقة وطيدة بين مبادرة الحزام والطريق وترسيخ السلام والاستقرار في المنطقة والعالم أجمع؛ إذ لا يُمكن تصوُّر إرساء السلام من دون تنمية حقيقية تخدم الشعوب وتقلل الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وتعمل على تحسين مستوى معيشة المجتمعات، وتنهض بالخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية. وهذا ما تسعى إليه مبادرة الحزام والطريق، من خلال اعتماد نهج تنموي مُستدام، يعتمد في جوهره على توظيف المزايا النسبية لكل دولة، وبناء منظومة تنموية متكاملة، تدعم بعضها البعض، عبر برامج تمويل وتسهيلات تضمن تنفيذ المشروعات بين دول المبادرة.
وهنا نؤكد أن السلام خيار استراتيجي لكل شعوب العالم، خاصة وأن منهجية إشعال الحروب والصراعات التي يقتات من خلالها الغرب على حساب مصالح الشعوب في الدول النامية، تأكد أنها منهجية مُدمّرة، ولا يُمكِن أن تخدم مسيرة التنمية في هذه الدول. وفي المقابل فإنها تسببت في تدمير الدول وإذكاء الصراعات وإشعالها من دون توقُّف، وقطع شريان التنمية عن هذه الدول وحرمان شعوبها من أبسط مقومات الحياة، فضلًا عن إشاعة الظلم وكبح العدالة الاجتماعية الدولية، والتسبب في ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وسوء التغذية والحرمان من التعليم، وغيرها من الكوارث الاجتماعية والاقتصادية التي أدّت إلى تفكيك العديد من الدولة، ولا سيما في منطقتنا العربية.
من هنا، فإن مبادرة الحزام والطريق، وبالتعاون بين الدول العربية والصين، تستهدف إطلاق نموذج تنموي جديد، يعمل على البناء والتطوير، بعيدًا عن فرض السياسات والاشتراطات التمويلية، لأن الهدف الجامع لهذه المبادرة يرتكز على تطوير المجتمعات وتعزيز مسيرة التحديث والتطوير والتنمية.
الزملاء الكرام..
إننا عندما نتحدث عن مبادرة الحزام والطريق ودور سلطنة عُمان فيها، نُشير بوضوح إلى نهج دبلوماسي عُماني فريد، يستفيد من العلاقات الثنائية التي تجمع سلطنة عُمان مع مختلف دول العالم، والبناء على هذه العلاقات لتطوير مسارات تعاون اقتصادي وتجاري واعدة، تحقق الأهداف المنشودة. وفي هذا الإطار، أعلنت سلطنة عُمان وجمهورية الصين الشعبية الصديقة في عام 2018 إقامة علاقات الشراكة الاستراتيجية، ارتكازًا إلى الثقة السياسية المتبادلة وعلاقات الصداقة التاريخية الراسخة، والتقدم الواضح في التعاون بمجالات الطاقة والاقتصاد والتجارة والترابط والتواصل الشعبي، إلى جانب الرغبة المُشترَكَة لدى الجانبين في مواصلة رفع مستوى العلاقات الثنائية.
ولذلك نجد سلطنة عُمان والصين تسعيان على الدوام إلى تعزيز التواصل والتشاور بين قيادتي البلدين ومواصلة التنسيق الدائم بشأن العلاقات الثنائية والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، ومواصلة توسيع الرؤى المشتركة وتعميق الثقة السياسية المتبادلة بينها، وغيرها من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتأكيد مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والسعي لترسيخ أُسس الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
وإننا في هذا السياق، لنأمل أن تتواصل الجهود وتتضاعف من أجل تحقيق الأهداف التي نصّت عليها بنود الشراكة الاستراتيجية، خاصة فيما يتعلق بالتنمية الاقتصادية وتعزيز التجارة الحرة، ومواصلة مد جسور الصداقة بين شعبي البلدين.
وأخيرًا.. نؤكد أن مبادرة الحزام والطريق ترسم سيناريوهات تنموية جديدة لشعوب المنطقة والعالم، استنادًا إلى رؤية طموحة تستهدف تنمية اقتصادية مُستدامة، تُقصي مُخططات الحروب ومؤامرات إشعال الصراعات في مختلف الدول، وتقول بصوتٍ عالٍ لمن يهمه الأمر ولتلك القوى الظالمة التي تنشر الدمار والفساد في العالم: كفى حروباً.. كفى تدميراً.. كفى إشعالاً لنيران الفتن..
حان وقت البناء والتنمية، حان وقت التطوير والتعمير، حان وقت الازدهار والنماء..
وفي الختام، أودُ أن أُجدد شكري وتقديري إلى مركز الدراسات الآسيوية والصينية على تنظيم هذه الندوة المُهمة، والتي نأمل أن تتحقق النتائج المرجوة منها خلال المرحلة المقبلة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*رئيس تحرير جريدة الرؤية العمانية
ورقة قدمت إلى الندوة الدولية عن “مستقبل العلاقات الصينية العربية في ظل مبادرة الحزام والطريق” التي نظمها مركز الدراسات الآسيوية والصينية (لبنان) مع جريدة الرؤية (عُمان).
إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك في العصر الجديد
أ.هدى الحزامي*
يشهد العالم في العصر الحديث، تحولًا على مستوى العلاقات الدولية أفرز بداية فك الارتباطات التقليدية وبروز تحالفات سياسية وتكتلات اقتصادية جديدة تجمعها مصلحة مشتركة ومنفعة متبادلة ومصير مشترك ساهمت تداعيات الجائحة العالمية كوفيذ-19 و”الحرب الروسية الأوكرانية” التسريع فيها.
تعتبر جمهورية الصين الشعبية اليوم، فاعلًا محوريًا على الساحة الدولية بسياستها الخارجية المبنية على السلم والتنمية.
أصبح تعزيز التنمية على مستوى العالم هدفًا رئيسيًا للدبلوماسية الصينية، وارتكزت أعمالها في تسويق وتفسير أهمية “حلم الصين للعالم” الذي يقوم على السلام والتنمية والتعاون والفوز المشترك.
انخرطت الصين في بناء علاقات دولية جديدة محورها التعاون والفوز المشترك في إطار السلام والتنمية لبلوغ هدف عالمي ما فتئت تردده وتدعو إليه في المحافل الدولية وقد تبنته “منظمة الأمم المتحدة” وهو “تحقيق رابطة المصير المشترك للبشرية”.
إن المتابع للسياسة الخارجية للصين، يلاحظ أنها تتجه في سياستها الاقتصادية إلى بناء علاقات وطيدة مع دول العالم الثالث النامي وخاصة الدول الأفريقية والعربية، فهي تعزز التعاون بين دول الجنوب المبني على الاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة، وتدعمهم ماليًا بشروط ميسرة.
تجسيدًا لخيار التعاون والفوز المشترك، طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ خريف 2013، مبادرة ”البناء المشترك للحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن 21” ودعي جميع أعضاء المنتظم الأممي الالتفاف حولها والمشاركة فيها للتشارك في ثمار التنمية العالمية تحقيقًا للغاية الكبرى وهي “بناء المصير المشترك للبشرية” والترابط في السلم والتنمية. هذه المبادرة تعتبر منصة هامة لممارسة بناء “رابطة المصير المشترك للبشرية”.
عززت مبادرة “الحزام والطريق”، العلاقات الراسخة في القدم بين الصين والدول العربية. إستجابت معظم الدول العربية، لدعوة الرئيس الصيني وإنطلقت منذ عام 2013 للالتحاق بالمبادرة ببناء علاقات تعاون إقتصادي مثمرة مع الصين تقوم على الفوز المشترك والمنفعة المتبادلة.
أصدرت وزارة الخارجية الصينية في 12 كانون الثاني / يناير 2016 وثيقة هي الأولى من نوعها، ثمّنت فيها العلاقات التاريخية بين الصين والدول العربية ودعت إلى إقامة نوع جديد من العلاقات الدولية على أساس المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، وأكدت على مواصلة التعاون مع الدول العربية، وفق مبدأ المنفعة المتبادلة والكسب المشترك في شتى المجالات وخاصة الإقتصادية منها.
تعتبر الصين شريكًا تجاريًا وإقتصاديًا هامًا للدول العربية. فهي أكبر شريك تجاري لكل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والعراق، وأهم شريك تجاري غير نفطي في الكويت، وثاني أكبر شريك تجاري لمصر.
بفضل المبادرة تزداد فرص التعاون والكسب المشترك بين الجانبين الصيني والعربي، مما مهد لإقامة “الشراكة الاستراتيجية العربية الصينية”، التي تشكل نواة إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك في العصر الجديد.
تفعيلًا للشراكة الاستراتيجية الصينية العربية، تعمل الصين على تطوير المزيد من المشاريع، في إطار “مبادرة الحزام والطريق”، وذلك بتكثيف التبادل والتفاعل في إطار “المعارض” و”المنتديات”، إذ تم إرساء آليات تعاون ثنائي مثل “منتدى التعاون الصيني العربي”، و”المعرض الصيني العربي” لتعزيز التبادلات التجارية والزراعية وتعميق التعاون في مجال التكنولوجيا” دفعًا بالتنمية.
لقد ارتفع مستوى التعاون الصيني العربي في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، إذ إستفادت الدول العربية الأعضاء على طول الحزام والطريق من الاستثمارات الضخمة المرصودة لمشاريع المبادرة سواء في البنية التحتية التقليدية أو البنية التحتية الجديدة للمرافق الرقمية وغيرها من المجالات، محققة بذلك نقلة تنموية نوعية تتسم بالاستدامة والجودة العالية.
النتائج الباهرة التي حققتها الدول العربية في تعاونها مع جمهورية الصين الشعبية
نستعرض بعض النتائج الباهرة التي حققتها الدول العربية في تعاونها مع الصين في العصر الحديث في إطار مبادرة “الحزام والطريق” في مستويات عدة منها:
1- المستوى الصناعي
المغرب: إنضمت إلى امبادرة في تشرين الثاني / نوفمبر 2017، نجحت في أطار المبادرة في جذب إستثمار صيني لتركيز مشروع بناء مدينة صناعية بالقرب من طنجة بقيمة واحد مليار دولار، من شأنه أن يمنح الصين محطة تكنولوجية بالقرب من أحد المرافئ الأكثر حركة في القارة الأفريقية.
الجزائر: نجحت الجزائر في إستثمار إنضمامها لـ”مشروع القرن” منذ أيلول / سبتمبر 2018، بجذب الاستثمار الصيني في القطاع الصناعي، من ذلك:
– 22 مارس 2022، وقعت الجزائر ممثلة في “شركة صونطراك” مع الصين عقد استثمار بقيمة 7 مليار دولار أميركي لتركيز “شركة فسفاط وأسمدة كيميائية” في ولاية “تبسة، نصيب الجزائر 54 في المائة منها والتمويل من الصين.
-مايو 2022، وقعت شركة “سونطراك” الجزائر مع شركة “سينوبك” الصينية مذكرة لتطوير مناطق استخراج النفط في منطقة “زار زيتين” الجزائرية، بلغت قيمة الاتفاق 490 مليون دولار أميركي.
2- مستوى تكنولوجيا الزراعة
تعتبر تكنولوجيا الزراعة أهم مجال تعاون في إطار المبادرة بين الصين ومختلف الدول الأعضاء المشاركين في بناء “طريق الحرير الجديدة”. استفادت العديد من الدول العربية الأعضاء من تحديث زراعتها بتقنيات الثورة الصناعية الرابعة الخاصة بالصين والتي يطلق عليها اسم “تصنيع 4.0″، مما أسهم بالرقي في القطاع كمًا وكيفًا.
تم إنشاء عدد من مؤسسات التعاون الصيني العربي متعدد الأطراف مثل “المركز الصيني العربي لنقل التكنولوجيا الزراعية” في نينغشيا سنة 2015. وتم إنشاء 8 مراكز ثنائية لنقل التكنولوجيا مع جامعة الدول العربية والسعودية والأردن وسلطنة عمان ومصر وموريتانيا وغيرها.
تم تنفيذ مشروعات تعاون في قطاع العلوم والتكنولوجيا الزراعية تشمل مجال “إنترنت الأشياء الزراعي”، و”التحكم الذكي الأخضر” و”توفير المياه”.
موريتانيا: توجد مساحات شاسعة خضراء على حافة الصحراء الكبرى في موريتانيا مزروعة محاصيل علفية، طورها “المركز النموذجي الموريتاني للثروة الحيوانية” بمساعدة خبرات صينية كانت نتيجتها أن الصحراء أصبحت مراعي خضراء لإنتاج العلف. وكانت قبل بضع سنوات أرضًا قاحلة. إذ توجه خبراء صينيون متخصصون في التكنولوجيا الزراعية منذ عام 2017، إلى موريتانيا واستطاعوا زراعة محاصيل علفية على نطاق واسع مثل البرسيم والحشائش الطويلة في الصحراء الكبرى. وتم تطبيق هذا الإنجاز في العديد من المزارع في موريتانيا حيث تغطي الصحراء 82 في المائة من أراضيها.
توسع التعاون الدولي بين الصين والدول العربية في الميدان الزراعي في إطار المبادرة ليشمل الاستفادة من “نظام “بيدو” للملاحة عبر الأقمار الصناعية.
3- مستوى الطاقة
اتفقت المغرب مع الجانب الصيني، في إطار المبادرة الصينية أن تموّل الصين مشروعي الطاقة البديلة “نور2″ و”نور3” المتفرعين على أكبر سابع مشروع توليد الطاقة من الشمس في العالم “مجمع نور للطاقة الشمسية”.
4- مستوى الطاقة الخضراء
تعمل الصين على دفع بناء “الحضارة الإيكولوجية” بقوة والتنمية الخضراء والدورية المنخفضة الكربون متمسكة بـ”إتفاق باريس” حول تغيّر المناخ.
دعمت الصين، في إطار المبادرة باستمرار “التنمية والتحول الأخضر” لكثير من الدول العربية، شركائها في البناء المشترك، عبر تعزيز الطاقة الشمسية وطاقة الرياح واستخدام التكنولوجيا في تخضير الصحراء ومواجهة الجفاف والتخفيف من إنبعاثات الكربون والغازات. شرعت الإمارات العربية المتحدة بالشراكة مع الصين، في إطار حدائق تعاون الطاقة الصناعية بين الصين ودول مبادرة الحزام والطريق، في تشغيل أكبر “مشروع طاقة شمسية مركزة” في العالم تحت إسم “نور أبوظبي”.
5- المستوى التكنولوجي
استفاد العديد من البلدان العربية المنخرطة في بناء “الحزام والطريق”، من التكنولوجيا فائقة الجودة الصينية في عدة مجالات. بالإضافة إلى المجال الزراعي، انتفعت مختلف الأقطار العربية بتقنيات التقدم التكنولوجي الصيني في عدة مجالات.
الإمارات العربية المتحدة
تم الإعلان في 29 آذار / مارس 2021 عن إطلاق المشروع المشترك “علوم الحياة وتصنيع اللقاحات في دولة الإمارات” بين مجموعة “جي 42” الإمارتية ومجموعة “سينوفارم” الصينية، والذي ساهم في تصنيع وإنتاج لقاح “سينوفارم “الصيني المضاد لوباء “كوفيد-19” في الإمارات وترويجه تجاريًا في مختلف العالم . وهو ما شكّل ثورة في مجالي العلوم والتكنولوجيا الحياتية في المنطقة.
6-مستوى الاقتصاد الرقمي
توخت مبادرة “الحزام والطريق” نمط الاقتصاد الرقمي في البناء المشترك لطريق الحرير الجديدة بالتنمية المدفوعة بالإبتكار. فجميع الدول الأعضاء يتعاونون في “الذكاء الاصطناعي” و”تكنولوجيا النانو” وغيرها من المجالات المتقدمة.
جسّدت مبادرة الحزام والطريق هذا التمشي بآلية “طريق الحرير الرقمي للقرن 21″، وذلك بربط الدول على طول الحزام والطريق بالبيانات الضخمة و”الحوسبة السحابية” و”المدن الذكية”، بأن يتم إنشاء شبكة التعاون في نقل التقنيات على طول الحزام والطريق، تعزيزًا للتنمية الإبتكارية التكاملية الإقليمية وهو ما طوّر النمط التنموي للعديد من الدول العربية الأعضاء.
أصبح بناء “طريق الحرير الرقمي”، جزءًا هامًا من التشارك في بناء “الحزام والطريق”، إذ شاركت الصين كلًا من مصر والسعودية والإمارات وغيرها، في إطلاق “مبادرة التعاون الدولي في الإقتصاد الرقمي في إطار الحزام والطريق”.
7- مستوى التعاون المالي
اعتمدت وزارة المالية الصينية، في إطار تعزيز الدعم التمويلي في مجالات ترابط البنية التحتية وتواصلها والتجارة والاستثمار والتعاون في طاقة الإنتاج، “المبدأ التوجيهي للتمويل” بغية التنسيق مع وزارات المالية من 27 دولة من بينها دول عربية عدة. لا شك أن الموارد المالية، تخدم تنمية الاقتصاد الحقيقي للدول العربية على طول “الحزام والطريق”. لذا نجد أن الصين والدول العربية قامت بأعمال التمويل المشتركة لمشاريع “الحزام والطريق”. ولهذا الغرض تأسست في تموز / يوليو 2018 “الرابطة الصينية العربية للبنوك”. هذا إلى جانب استعداد دول عربية عدة للتعامل بالعملة الصينية في مستوى التبادل التجاري حيث تسعى المملكة العربية السعودية منذ آذار / مارس 2022 إلى تسعير مبيعاتها النفطية إلى الصين بـ”الياوان”.
توصيات لدعم التعاون الصيني-العربي
للدفع بإقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك في العصر الجديد، تعزيزًا للعلاقات الصينية العربية والإرتقاء بها من أجل المصلحة المشتركة للشعبين، نعتقد أن المستوى الدبلوماسي الرسمي وإن كان مهمًا للوصول إلى اتفاقات في المجال الاقتصادي. فإنه لا يكفي ويبقى قاصرًا، كون هناك اختلاف بين الثقافة العربية ونظيرتها الصينية من شأنه أن يؤثر على الهدف الأسمى المتمثل في مستقبل مشترك ثنائي. لذا نقترح أن تقوم جمهورية الصين الشعبية بمجهود أكبر في مستوى آليات الدبلوماسية الشعبية لدعم التقارب الثقافي بين الشعبين. نعتقد أنه بتقريب الثقافة الصينية من المواطن العربي بالتركيز على إنشاء دور ثقافة ومراكز رياضة في البلدان العربية تهتم بتعليم اللغة والألعاب الشعبية الصينية وتعريف المواطن العربي بثقافة وتاريخ الصين، يكون ذلك أنجع في تحقيق المجتمع الصيني العربي المشترك. فنشر الأفلام الصينية والترويج لرياضة “الكونغ فو”، يعرف المواطن العربي الصين أكثر من معرفته بها بالاتفاقات الدولية التقنية.
*أكاديمية تونسية مختصة في التعاون الدولي الاقتصادي وباحثة في الشؤون الصينية.
**ورقة قدمت إلى الندوة الدولية عن “مستقبل العلاقات الصينية العربية في ظل مبادرة الحزام والطريق” التي نظمها مركز الدراسات الآسيوية والصينية (لبنان) مع جريدة الرؤية (عُمان).
مبادرة الحزام والطريق والدول العربية
أ. حسين العسكري*
تتناول كلمتي نقطتين أساسيتين وهما:
1. أهمية مبادرة الحزام والطريق باعتبارها مبادرة تنمية عالمية شاملة وليس مجرد للتجارة.
2. كيف يمكن للدول العربية الاستفادة من المبادرة، ليس فقط كناقل لسلاسل التوريد وإنما كجزء من سلاسل التوريد العالمية.
علينا اولًا أن نفهم المبادئ الخمس الأساسية لمبادرة الحزام والطريق وهي:
1. تنسيق السياسات، بمعنى تنسيق سياسات التنمية وأهداف التنمية لكل بلد مع الصين ودول المبادرة، بحيث يحتفظ كل بلد بخصوصيته. وقد قامت معظم الدول التي وقعت على المبادرة وأيضًا على اتفاقيات تعاون استراتيجي شاملة مع الصين بتوأمة أهداف التنمية 2030 الخاصة بها مع المبادرة ومع أهداف الصين.
2. الترابط الفيزيائي، أي بناء البنى التحتية للتنمية مثل النقل والطاقة وإدارة المياه والبحث والتعليم والرعاية الصحية. وتعتبر الصين اليوم الدولة الأولى عالميًا في مجال هندسة الإنشاءات مثل الموانىء والطرق السريعة وسكك الحديد فائقة السرعة والمطارات وقنوات المياه والسدود ومحطات الطاقة. كما أن شركاتها أصبحت معروفة اليوم بإنجاز مشاريعها الهندسية بوقت قياسي وكلفة أقل وكفاءة عالية.
3. تنسيق سياسات التمويل، أي إيجاد وسائل وآليات لتمويل مشاريع البنية التحتية والصناعة والزراعة بصورة مشتركة ثنائيًا، عبر الائتمانات الثنائية مثل القروض والاستثمارات المباشرة، أو عبر مؤسسات جماعية مثل “الصندوق الآسيوي لاستثمارات البنى التحتية” أو “بنك التنمية الجديد” التابع لمنظومة دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا). وانضمت إليها هذا العام المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والجمهورية الإسلامية الإيرانية وإثيوبيا. وينبغي أن يكون لصناديق الثروة السيادية العربية التي تفوق أصولها أربعة تريليونات دولار دور كبير في تمويل مشاريع البنية التحتية والصناعة سواء في البلدان العربية أو في دول آسيا وإفريقيا.
4. التجارة الحرة وضمان انسيابيتها: للدول العربية والصين حصة كبيرة من التجارة العالمية، حيث بلغت 260 مليار دولار عام 2021 وهي في تزايد كبير، بحيث يتوقع أن تتجاوز الدول العربية الاتحاد الأوروبي في حجم تجارتها مع الصين في الأعوام القادمة.
5. التواصل بين الشعوب: أي التعاون في مجال التعليم والثقافة والسياحة والنشاطات الاجتماعية بين الشعوب العربية والشعب الصيني. من المعروف أن هناك حاجة كبيرة للتفاهم وسد الفجوة في معرفة ثقافة كل طرف لثقافة الطرف الآخر.
فكرة ممرات التنمية وهي النقطة الثانية في كلمتي:
تقع الدول العربية، خاصة دول المشرق العربي، على أحد الممرات الستة البرية الرئيسية لمبادرة الحزام والطريق وهو الحزام الاقتصادي الصين ـ آسيا الوسطى ـ غرب آسيا. ويمر من الصين الى دول آسيا الوسطى وإيران عبر العراق ويتفرع من هناك غربًا الى سوريا ولبنان وفلسطين والأردن والبحر المتوسط، وجنوبًا نحو السعودية واليمن وأيضًا عبر الكويت الى شرق الجزيرة العربية وسلطنة عُمان.
هناك الكثير من الخرائط المغلوطة حول هذا الممر، إذ يتم تصويره بأنه يتوجه من إيران الى تركيا وأوروبا متجاهلًا الدول العربية. هذه الخرائط التي أعرضها هي من تصميم معهدنا وتعتمد على الوثائق الرسمية للمبادرة.
كما تقع دول المشرق العربي على طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين، وهو جزء مكمل للحزام الاقتصادي البري (الحزام والطريق) ويمر من شرق أسيا عبر المحيط الهندي إلى الخليج وصولًا الى البصرة في العراق. ويمر من ناحية أخرى بموانىء عُمان واليمن ثم موانىء السعودية والسودان في البحر الأحمر مرورًا بقناة السويس ومصر ثم الى أوروبا والبحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا.
إن الحزام الاقتصادي هو ليس مجرد ممر للبضائع بين الشرق والغرب، بل هو ممر للتنمية بشكل حزام يمتد على طول هذه الخطوط التي ترونها في الخرائط. يتكون ممر التنمية وهو بعرض مائة الى مائة وخمسين كيلومترًا من نهر أو قناة مياه في وسطه وتبنى على جانبيه خطوط لسكك الحديد والطرق السريعة وخطوط نقل الطاقة الكهربائية وأنابيب نقل المياه (إذا لم يوجد نهر) وأنابيب النفط والغاز. ثم يتم بناء مناطق حضرية (مدن) ومناطق صناعية وزراعية على جانبي الممر.
وهناك على سبيل المثال ثلاثة ممرات من هذا النوع في الصين وأهمها “الحزام الاقتصادي لنهر يانغتسي” الذي يمتد لحوال الفي كيلومتر ونشأت حوله مدن صناعية كبرى في العشرين عامًا الماضية مثل تشينغدو وتشونغ تشينغ.
على هذا الأساس، فإن ممرات التنمية العربية يجب أن تركز على بناء البنى التحتية على هذه الشاكلة لتوطين الصناعات وسلاسل التوريد العالمية على أراضيها، بحيث تستفيد من موقعها الجغرافي بين قارات وبحار العالم ووجود الطاقة الرخيصة والمواد الخام والعمالة الماهرة وقربها من الأسواق. ولعل أهم تلك الصناعات هي الصناعات الكيمياوية والبتروكيمياوية التي تضيف قيمة لكل برميل من النفط والغاز بعشرات المرات وتشغل مئات الآلاف من اليد العاملة.
كما أنه يمكن للدول العربية الاستفادة من الخبرة الهائلة للصين والتقنيات التي طورتها في مجال مكافحة التصحر والزراعة في المناطق الجافة والصحراوية. إن من الأمور التي تستنزف الموارد المالية للدول العربية وتسبب في زعزعة أوضاعها السياسية هي مشكلة الأمن الغذائي واعتمادها بشكل كبير على استيراد المواد الغذائية من الخارج. إن سد الفجوة الغذائية وتحسين الوضع البيئي يجب أن يكون من الأوليات لدى صناع القرار في الدول العربية.
هذه باختصار النواحي التي يمكن أن تستفيد منها الدول العربية من التعاون مع الصين ومبادرة الحزام والطريق، وكذلك يمكن أن تساهم فيها أيضًا باعتبارها عنصرًا فاعلًا في الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية.
نائب رئيس معهد الحزام والطريق في السويد، ومنسق شؤون غرب آسيا في معهد شيللر العالمي.
الصين بين دعم الفلسطينيين والعلاقات مع إسرائيل
د.هيثم مزاحم*
شهدت العلاقات الصينية – الفلسطينية موجات مد وجزر ومرّت بتحوّلات عديدة منذ قيام الكيان الإسرائيلي ونكبة فلسطين عام 1948.
بدأ تعاطي الصين مع فلسطين والقضية الفلسطينية في النصف الأول من القرن العشرين حيث حظي المشروع الصهيوني بتعاطف بعض قوى النظام الصيني الحاكم. وكان المجتمع اليهودي في الصين، على الرغم من صغر حجمه، صهيونياً متحمّساً، يجمع تبرعات ويوفر استثمارات للمساعدة في بناء وطن قومي لليهود في فلسطين. ودعم النظام الصيني، القومي آنذاك الذي انتقلت قيادته وأنصاره إلى جزيرة تايوان لاحقاً وشكلت جمهورية الصين، وعد بلفور ديبلوماسياً. وعلى الرغم من امتناع القوميين الصينيين عن التصويت على قرارات الأمم المتحدة التي قادت إلى إنشاء “إسرائيل”، فإنهم اعترفوا بإسرائيل وسمحوا بإقامة قنصلية إسرائيلية. وبعد الانتصار الشيوعي في تشرين الأول/ أكتوبر 1949 وتأسيس جمهورية الصين الشعبية، جرى صدّ محاولات إسرائيل لإقامة علاقات دبلوماسية مع بكين. وباتت مقاربة بكين للصراع العربي- الإسرائيلي جزءاً من التزامها الأوسع تجاه العالم العربي، وبصورة خاصة تجاه الأنظمة القومية “الاشتراكية العربية” في مصر والعراق وسوريا.
اعترفت إسرائيل عام 1950 بجمهورية الصين الشعبية، لكن ظلت العلاقات بينهما عرضة للتأثيرات السلبية بواسطة أطراف ثالثة، مما عوق إنشاء علاقات رسمية بينهما لأكثر من 40 عاماً. ففي عام 1951 ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل لتجميد علاقاتها مع الصين على وقع الاقتتال الأميركي الصيني في حرب كوريا.
ومن جانبه تبنى الزعيم الصيني ماو تسي تونغ موقفاً كان يرى أن “إسرائيل وتايوان هما قاعدتان للإمبريالية في آسيا، حيث أسس الغرب إسرائيل ضد العرب، وتايوان ضد الصين” بحسب تعبيره. وبالتالي ظلت الصين وإسرائيل على طرفي نقيض خلال حقبة الحرب الباردة.
في المقابل، دعت بكين منظمة التحرير الفلسطينية لإرسال بعثة شبه دبلوماسية كانت الأولى لها في بلد غير عربي، كما اعترفت في عام 1988 بدولة فلسطين.
ولكن مع حدوث انفراجة في العلاقات الصينية-الأميركية، وعقد مصر لاتفاقية سلام مع إسرائيل في عام 1979، بدأ يطرأ تحسن على العلاقات الصينية الإسرائيلية، وهو ما تطور إلى إقامة علاقات دبلوماسية في عام 1992 بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وانعقاد مؤتمر مدريد للسلام بين الدول العربية وإسرائيل.
منذ ستينيات القرن العشرين وحتى بداية التسعينات منه، تبنّت الصين الشعبية موقفاً مؤيّداً للقضية الفلسطينية بقوة. وشكّل تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية في سنة 1964 بداية لعلاقة مباشرة بين الصين والفلسطينيين. وقام أحمد الشقيري، زعيم منظمة التحرير آنذاك، بزيارة بكين في سنة 1965. وكانت الصين أول دولة غير عربية تعترف بمنظمة التحرير وكان لـحرب عام 1967 العربية- الإسرائيلية تأثيرٌ ملحوظ على مقاربة الصين للصراع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية. إذ لم تكن الصين الشعبية آنذاك عضواً في الأمم المتحدة، وهي ندّدت بـالقرار رقم 242، الذي أرسى مبدأ ‘الأرض مقابل السلام’. فمن وجهة نظر بكين، لم يفعل القرار المذكور سوى تكريس حالة “اللا حرب، واللا سلم”.
فسحت حرب سنة 1967 المجال لنشاط كيانات فلسطينية مستقلة مثل “فتح “. ووجد لجوء “فتح” إلى العمل المسلّح والعمليات الفدائية المنطلقة من الأردن أصداء إيجابية في بكين، التي رأت قياداتها في ذلك ما يشابه نضالاتها المسلحة السابقة ضد القوميين في الأربعينيات. وقدمت الصين، بين أواخر الستينيات وأواسط السبعينيات، ما قيمته 5 ملايين دولار من المساعدات العسكرية والمالية.
تراجع دعم الصين لمنظمة التحرير خلال السبعينيات إلى حد ما. وقد دفع الانفراج الذي حدث بين الصين والولايات المتحدة (جزئياً بهدف تهميش دور الاتحاد السوفياتي)، واكتساب جمهورية الصين الشعبية عضوية الأمم المتحدة وتولّيها مقعد الصين الدائم في مجلس الأمن، دفعاها إلى إعادة تقييم أولوياتها. وقد ابتعدت الصين عن دعم جماعات مناضلة تحررية يسارية مثل منظمة التحرير الفلسطينية لمصلحة تطوير العلاقات الدبلوماسية مع دول المنطقة.
سنة 1974، قامت الصين برفع مكانة مكتب منظمة التحرير في بكين إلى مستوى سفارة، وصوّتت، في سنة 1975، لمصلحة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3379، الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية.
وخلال ثمانينيات القرن الماضي، دعمت الصين القضية الفلسطينية على الصعيد الدولي. واقترحت في سنة 1984 عقد مؤتمرٍ دولي برعاية الأمم المتحدة لحل القضايا الخلافية بين إسرائيل والعرب، وجدّدت اقتراحها هذا في سنة 1989.
بدأت الصين بتطوير علاقات مع إسرائيل خلال الثمانينيات. وكانت العلاقات في البداية علاقات مقايضة ارتكزت إلى تجارة أسلحة، تقدم فيها إسرائيل إلى الصين تجهيزات عسكرية مصنوعة في الاتحاد السوفياتي، غنمتها خلال حروبها مع الجيوش العربية. تبع ذلك مزيد من الاتصالات مع فتح قنصلية إسرائيلية في هونغ كونغ في سنة 1985 وإجراء لقاءات بين قيادات البلدين على هامش اجتماعات الأمم المتحدة في سنة 1987. وفي سنة 1991، امتنعت الصين عن التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 86/46 الذي ألغى القرار 3379، الذي يساوي بين الصهيونية والعنصرية، وهو ما مكّنها من إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل في سنة 1992. وبذلك بات بإمكان الصين المشاركة في عدد من مجموعات العمل متعددة الأطراف التي انبثقت من عملية السلام التي رعتها الأمم المتحدة وأعقبت انعقاد مؤتمر مدريد في سنة 1991.
غيّرت الصين موقفها من قرار مجلس الأمن رقم 242، والقرار اللاحق له، رقم 338. وفسح قبول الصين بالقرارين المجال لدعم بكين اتفاقية أوسلو التي جرى توقيعها بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية في أيلول/ سبتمبر 1993. وهكذا، وفّرت الاتفاقية مجالاً للصين لبناء علاقات سياسية واقتصادية ثنائية مع كلا الجانبين بمعزل عن موقفها من الصراع. وعملياً، أفضى ذلك إلى ازدهار علاقات الصين مع إسرائيل مقارنة بالعلاقات الصينية- الفلسطينية. وانعكس ذلك في زيادة التبادل التجاري بين إسرائيل والصين منذ التسعينيات.
غير أن واشنطن، التي صارت تعبّر عن خشيتها من صعود الصين وما تمثله من تهديد محتمل لها، عملت على ثني إسرائيل عن بيع السلاح لبكين. وفيما تلاشت تجارة السلاح بين الطرفين عملياً مع بدايات القرن الحادي والعشرين، بقيت الهواجس الأميركية قائمة في ضوء توسع مجالات التجارة الصينية – الإسرائيلية لتشمل قطاعات أُخرى. وهذا ما نجم إلى حد كبير عن الاهتمام الصيني المتزايد بقطاع التكنولوجيا المتطوّرة في إسرائيل، واستثماراتها المتنامية فيه، وهو قطاع قابل للاستخدام المزدوج في المجالين المدني والعسكري. ووصلت الخشية الأميركية من هذا التطور إلى حدّ ممارسة مزيد من الضغط على إسرائيل، وهو ما دفعها في سنة 2019 إلى إدخال مزيد من آليات الرقابة لضمان حماية الأمن القومي.
فمن الناحية الاقتصادية، بقيت التجارة والاستثمارات مع بين الصين وإسرائيل أكبر مما هي بين بكين والفلسطينيين. ومن الناحية السياسية، بقيت الصين متعاطفة مع التطلعات الفلسطينية. وتلخصت رؤية الصين للحل بدعوة الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى وقف العنف والعودة إلى المفاوضات.
منذ مطلع العُشرية الثانية للقرن الجديد، أصبحت الصين قوة عظمى. وأصبح شي جين بينغ رئيساً للصين في سنة 2012 وتبنّى سياسة خارجية أكثر نشاطاً. وصوتت الصين إلى جانب أغلبية الدول في الأمم المتحدة، ضد إسرائيل، لمنح فلسطين في سنة 2012 وضعية دولة مراقب غير عضو، وقدم الرئيس شي جي نبينغ في سنة 2013 خطة ذات نقاط أربع أعادت التأكيد على دعم قيام دولة فلسطينية مستقلة تتعايش مع إسرائيل، وعلى كون المفاوضات هي الأساس لتحقيق هذه الأهداف ولإنجاز السلام.
عبّرت الصين عن دعمها حل الدولتين وانتقدت إسرائيل لاحتلالها ولبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة.
وكان هذا الموقف المتحفّظ واضحاً تماماً خلال حرب سنة 2014 بين إسرائيل و”حماس” في غزة. ومرة أُخرى، شجبت بكين العنف الإسرائيلي، وقامت بإعادة فتح قناة الاتصال المباشر مع “حماس” لفترة قصيرة، إذ التقى المبعوث الصيني الخاص، وو سيكيه، زعيم حركة “حماس” خالد مشعل في الدوحة في سعي للتوصّل إلى وقف لإطلاق النار.
وفي سنة 2017، قام الرئيس محمود عباس بزيارة بكين. وقامت القيادة الصينية بمراجعة خطتها ذات النقاط الأربع فأدرجت فيها إشارة إلى مبادرة الحزام والطريق.
خلال سنتي 2019-2020، قدمت إدارة دونالد ترامب الأميركية رؤيتها ذات الشقين لحل الصراع في إطار ما سُمي “صفقة القرن “. وانتقدت الصين خطة ترامب هذه لشعورها بأنها منحازة لمصلحة إسرائيل وتتجاهل التطلّعات الفلسطينية، وشدّدت الصين على ضرورة أن يرتكز أيّ حل قائم على أساس الدولتين على مبدأ ‘الأرض مقابل السلام’. فقد رفضت الصين في عام 2017 الاعتراف الأميركي بالقدس كعاصمة لإسرائيل.
واقترحت الصين التوسّط بين إسرائيل والفلسطينيين في نيسان/ أبريل 2023. فقد جاء مقترح وزير الخارجية، تشين غانغ ، بعد فترة وجيزة من استضافة الصين مفاوضات بين إيران والسعودية، أعلن الطرفان في نهايتها قرارهما بإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.
وفيما نمت العلاقات الصينية – الإسرائيلية بصورة جوهرية منذ ثمانينيات القرن الماضي، بقيت القيادة الصينية متعاطفة مع المصالح الفلسطينية، وعبّرت عن موقفها بصورة متكرّرة، من خلال التأكيد على حل الدولتين والدعوات إلى وقف بناء المستوطنات الإسرائيلية لكن الدعم الصيني للفلسطينيين بقي إلى حد كبير محدودا وغير مؤثر.
بعد هجوم طوفان الأقصى الذي نفذته حركة حماس، ازدادت الانتقادات الإسرائيلية للموقف الصيني من العدوان على غزة في ظل عدم إدانة بكين لحركة حماس، ودعوتها على لسان وزارة خارجيتها الأطراف المتحاربة للهدوء وضبط النفس.
وتنتقد إسرائيل أيضاً موقف الصين الداعي إلى ضرورة التوصل لتسوية شاملة وعادلة تقوم على حل الدولتين، فضلا عن استخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن برفقة روسيا على مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة يدين حماس ولا يدعو لوقف إطلاق النار.
وجاء الرد الإسرائيلي الأولي على موقف الصين بشأن غزة عبر انضمام تل أبيب إلى جانب 50 دولة أخرى في الأمم المتحدة في أكتوبر الماضي لإدانة إجراءات السلطات الصينية تجاه سكان إقليم شينجيانغ.
من جانبها، عملت إسرائيل على الموازنة بين علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة وجهودها لبناء علاقة مع الصين، وحدثت قفزة جوهرية في العلاقات الثنائية عام 2013 بالتزامن مع توتر العلاقات بين حكومة بنيامين نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. يومها زار نتنياهو بكين معلنا عن توجهه إلى تعزيز الشراكات مع كافة القوى العالمية، ثم أعلن في زيارته التالية عام 2017 عن إنشاء “شراكة شاملة للابتكار” بين الجانبين الصيني والإسرائيلي.
عقب ذلك، زادت الشركات الصينية من استثماراتها في إسرائيل، حيث شاركت في تحديث الموانئ وإنشاء البنية التحتية. وأصبحت الصين حاليا ثاني أكبر شريك تجاري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، وارتفعت التبادلات التجارية بينهما إلى 24.45 مليار دولار في عام 2022 بعد أن كانت 50 مليون دولار فقط في عام 1992.
تحكم المصالح المتبادلة العلاقة بين الصين وإسرائيل، إذ لا توجد بينهما قيم مشتركة أو علاقة خاصة. فتل أبيب تسعى إلى تعميق علاقاتها مع الاقتصاد الصيني الذي يعد الأسرع نموًا في العالم، مما يخدم تنويع أسواق صادراتها واستثماراتها، وكذلك تشجع تدفق رأس المال الصيني إلى إسرائيل.
من جهتهم، ينشد الصينيون المساعدة من إسرائيل في تحفيز الابتكار والبحث والتطوير وخاصة في مجال التكنولوجيات الزراعية والطبية وتحلية المياه والأمن السيبراني، وكانت بكين تسعى لتعزيز الاستثمار في البنية التحتية في إسرائيل وحضها على الانخراط في مبادرة “الحزام والطريق”.
لكن يوجد فيتو أميركي على تطور علاقات الطرفين في المجالات العسكرية والتقنية، فواشنطن تنظر إلى بكين كمنافس عالمي، وتشعر بالقلق إزاء نقل أي تكنولوجيا يمكن أن تمنحها تفوقاً عسكرياً. ولذا أجبرت واشنطن تل أبيب في عام 2000 على إلغاء صفقة بيع نظام الرادار المحمول جوا “فالكون” إلى الجيش الصيني، وهو ما اضطر إسرائيل إلى دفع غرامة قدرها 350 مليون دولار. ثم أجبرت واشنطن تل أبيب مجدداً في عام 2005 على إلغاء صفقة صيانة وتحديث طائرات دون طيار سبق أن باعتها إلى الصين، وصولاً إلى دفعها لإصدار قانون مراقبة الصادرات الإسرائيلي لعام 2007، والذي أخضع جميع عمليات بيع المعدات العسكرية والصادرات الإسرائيلية ذات الاستخدام المزدوج إلى الصين لموافقة الولايات المتحدة.
وهذا الفيتو الأميركي أدى إلى تعثر مسار العلاقات العسكرية الصينية الإسرائيلية. وامتد الموقف الأميركي لاحقاً ليشمل التحفظ على فوز شركة صينية بعقد مدته 25 عاماً لتشغيل محطة حاويات جديدة في ميناء حيفا بدءاً من عام 2021، بحجة أن سفن الأسطول السادس الأميركي تزور الميناء بشكل متكرر، وأن الوجود الصيني في الميناء سيتيح مراقبة تحركات السفن الأميركية، مما يمكنه من الوصول إلى أنظمة المعلومات الموجودة على متنها.
وبعد تراجع شعبية الولايات المتحدة في المنطقة والعالم نتيجة انحيازها لإسرائيل، تطرح الصين نفسها كوسيط محايد، فأرسلت مبعوثها الخاص تشاي جون للقيام بجولة شملت مصر وقطر والسعودية والإمارات، فضلاً عن عرقلتها مشروع القرار الأميركي في مجلس الأمن الذي يتجاهل الدعوة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وأظهرت الصين خلال العدوان على غزة موقفاً ثابتاً في دعم دعوات وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية إلى غزة. كما تخشى بكين من اتساع نطاق الصراع ليتحول إلى حرب إقليمية، وهو ما سيؤثر على اقتصادها الذي يعتمد بالدرجة الأولى على واردات النفط من الخليج، ولذا نقلت رسائل للتهدئة بين واشنطن وطهران، وفق ما كشف عنه بايدن خلال لقائه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مع الرئيس الصيني.
وتوجد تحديات أخرى تواجه العلاقات بين إسرائيل والصين، في مقدمتها العلاقات الصينية الإيرانية، فالصين هي أكبر مستورد للنفط الإيراني. كما ساعدت بكين طهران على تعزيز قدراتها العسكرية عبر بيعها صواريخ باليستية وأخرى مضادة للسفن، مما يمثل تهديداً للمصالح الإسرائيلية.
وفي المقابل، تمثل العلاقات الإسرائيلية العسكرية المتنامية مع الهند تحديا لبكين، إذ حازت الهند على 33% من إجمالي صادرات الأسلحة الإسرائيلية بين عامي 2001 و2021. في حين سمحت واشنطن لإسرائيل ببيع الهند نظام “فالكون” للرادار المحمول جواً بعد 3 سنوات من حجبها بيعه للصين.
على ارغم من بعض المصالح التجارية والاقتصادية المشتركة بين الصين والكيان الإسرائيلي، فإن هذه العلاقات هي بحت مصلحية وتخضع للإرادة الأميركية من جهة، والمنفعة البراغماتية الإسرائليلية من جهة أخرى ولا تقوم على أي أسس مبدئية وأخلاقية وقيم مشتركة ثابتة بعكس العلاقات التاريخية العربية الصينية والإسلامية الصينية، والذي تحكمه القيم المشتركة والجغرافيا والتاريخ والثقافة والمصالح، ولا تخضع هذه العلاقات بالعموم للإرادة الأميركية. وعليه على الصين عدم الرهان على العلاقة بالكيان الإسرائيلي والتركيز على تطوير علاقاتها مع الدول العربية وإيران وتركيا وتعزيز دعمها للشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة في دولة مستقلة عاصمتها القدس الشريف.