شؤون آسيوية – بكين – واشنطن –
انطلقت يوم الاثنين في قصر “لانكستر هاوس” بالعاصمة البريطانية لندن جولة جديدة من المحادثات التجارية رفيعة المستوى بين الصين والولايات المتحدة، في خطوة تهدف إلى إحياء الاتفاق الأولي الذي أبرم في جنيف الشهر الماضي، والذي ساهم آنذاك في تهدئة مؤقتة للتوترات المتصاعدة بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.
وتأتي هذه المباحثات في وقت تشهد فيه العلاقات بين واشنطن وبكين توترًا متصاعدًا على خلفية تبادل فرض الرسوم الجمركية، حيث كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد فرضت تعريفات جمركية مرتفعة على مجموعة واسعة من السلع الصينية، الأمر الذي ردت عليه بكين بإجراءات مماثلة استهدفت البضائع الأميركية.
وأكد متحدث باسم الحكومة البريطانية في تصريح له عشية انطلاق الجولة الجديدة من المحادثات أن المملكة المتحدة “ترحب بهذه الخطوة الإيجابية”، مشيرًا إلى أن “الحرب التجارية لا تصب في مصلحة أي طرف، وأن لندن لطالما تبنت موقفًا ثابتًا في دعم التجارة الحرة”.
ويشارك في المفاوضات وفد أميركي بارز يقوده كل من وزير الخزانة سكوت بيسنت، ووزير التجارة هوارد لوتنيك، إلى جانب الممثل التجاري الأميركي جيميسون جرير، بينما يترأس الوفد الصيني نائب رئيس مجلس الدولة خه لي فنغ، المعروف بكونه من كبار المهندسين الاقتصاديين في الحكومة الصينية.
مكالمة رئاسية تمهّد الطريق
تأتي هذه التطورات بعد أيام قليلة من اتصال هاتفي وصف بالمطوّل بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأميركي دونالد ترامب، هو الأول منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني الماضي، واستغرق الاتصال أكثر من ساعة، تبادل خلالها الطرفان رسائل تهدئة عبّرت عن الرغبة في استئناف التعاون الاقتصادي وتخفيف القيود المتبادلة.
وخلال المكالمة، شدد الرئيس الصيني على ضرورة تراجع واشنطن عن الإجراءات التجارية التي وصفها بـ”الضارة” للاقتصاد العالمي، كما وجّه تحذيرًا بشأن أي تحركات أميركية تجاه تايوان قد تُمثل تهديدًا للاستقرار في المنطقة، حسب ما نقلت الحكومة الصينية.
من جانبه، قال ترامب في منشور له على وسائل التواصل الاجتماعي إن المحادثة كانت “إيجابية للغاية” وتركّزت بشكل أساسي على القضايا التجارية، ما أتاح الأجواء المناسبة لانعقاد اللقاء المرتقب في لندن.
المعادن النادرة محور خلاف حاسم
واحدة من أبرز نقاط الخلاف التي طغت على المحادثات السابقة، وتعود اليوم إلى الواجهة، هي مسألة صادرات الصين من المعادن النادرة والمغناطيس، والتي تُعد مواد أساسية في صناعات استراتيجية تشمل الدفاع، وتكنولوجيا الطاقة، والسيارات الكهربائية.
وفي بادرة تهدئة لافتة، أعلنت الصين السبت الماضي عن موافقتها المبدئية على بعض طلبات تصدير المعادن النادرة، دون الكشف عن الجهات أو الدول المستفيدة من القرار. ويُعد هذا التوجه إشارة أولية على استعداد بكين لتليين موقفها في ملف لطالما اعتبرته أداة تفاوضية قوية بحكم سيطرتها على النسبة الأكبر من إنتاج هذه المواد عالميًا.
في المقابل، عبّر الجانب الأميركي عن قلقه من استمرار بطء تدفق هذه المواد منذ أبريل/نيسان الماضي. وقال كيفين هاسيت، رئيس المجلس الاقتصادي الوطني الأميركي، خلال لقاء تلفزيوني على شبكة “سي بي إس”، إن بلاده “تُصر على عودة تدفق المعادن النادرة والمغناطيس كما كان عليه الحال سابقًا، دون عوائق تقنية أو بيروقراطية”.
ملفات شائكة أخرى على الطاولة
إلى جانب التعريفات الجمركية والمعادن النادرة، تشمل أجندة المحادثات ملفات أكثر تعقيدًا تتعلق بالقيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا الفائقة، لا سيما رقائق الذكاء الاصطناعي، التي حظرت واشنطن تصديرها إلى شركات صينية عملاقة، من ضمنها شركة “هواوي”. كما تشمل القضايا المطروحة القيود الأميركية على تأشيرات الطلاب الصينيين، ومنع تصدير البرمجيات المتقدمة ومحركات الطائرات، ما أضاف طبقات جديدة من التعقيد على العلاقات الثنائية.
وكانت العلاقات التجارية بين البلدين قد شهدت انتكاسة جديدة خلال الأشهر الماضية بعد قرارات متبادلة بفرض رسوم إضافية وتقييد تصدير مواد حيوية، الأمر الذي زاد من منسوب التوتر بين بكين وواشنطن في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي حالة من عدم اليقين.
هل تنجح لندن في رأب الصدع؟
في ظل هذه الأجواء المشحونة، تبقى الأنظار متجهة إلى لندن لمعرفة ما إذا كانت الجولة الحالية من المحادثات ستفضي إلى اتفاقيات ملموسة يمكن البناء عليها، أم أنها ستُضاف إلى سلسلة من اللقاءات التي لم تنجح حتى الآن في كبح التصعيد التجاري بين البلدين.
وإلى حين اتضاح النتائج، يبقى الترقب سيد الموقف، فيما تترقب الأسواق العالمية أي مؤشرات تهدئة بين العملاقين الاقتصاديين.