الهجوم الإسرائيلي على إيران.. تصاعد القلق الدولي وسباق دبلوماسي لاحتواء الأزمة

شؤون آسيوية – إعداد: رغد خضور –

 

أثار الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق على منشآت عسكرية ونووية في إيران موجةً واسعةً من القلق الإقليمي والدولي، وسط مخاوف من انزلاق المنطقة إلى صراع شامل قد يهدد الأمن والاستقرار الدوليين، ويُشعل جبهات متعددة في الشرق الأوسط.

 

الرد والدفاع المشروع..

في طهران، تتلاقى مرجعية المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي وفكر الرئيس مسعود بزشكيان على هدف الردع والرد على الاعتداءات الإسرائيلية.

لا خلاف استراتيجياً بين الخطين؛ فالطرفان يرفضان التفاوض النووي على حساب السيادة، ويريدان الثأر للهجوم الجوي، لكن الخلاف يكمن في الآليات والتوقيت.

فبينما يلوّح خامنئي بعقاب صارم، معتبراً أن إسرائيل “خطّت لنفسها مصيراً مؤلماً وستنال جزاءها”، يدعو الرئيس بزشكيان إلى ضبط الرد كي لا يفضي إلى مواجهة لا تُحمد عقباها.

في السياق، شدد وزير الخارجية عباس عراقجي على أن “الهجمات الصاروخية الإيرانية جاءت دفاعاً مشروعاً عن النفس” وفق القانون الدولي، مشيراً إلى أن طهران ركزت في ردها على الأهداف العسكرية قبل أن توسع نطاقها إلى مواقع استراتيجية مثل مصفاة النفط في حيفا.

وأكد عراقجي أن إيران “لا تسعى إلى توسيع رقعة الحرب، لكنها مستعدة للرد إذا فرضت الظروف ذلك”، محذراً من خطورة أي توسع عسكري في الخليج.

فيما بيّن وزير الدفاع وإسناد القوات المسلحة الإيراني العميد عزيز نصير زادة أن طهران “ستضرب كل القواعد الأمريكية في المنطقة إذا فرضت علينا الحرب”.

 

الخطاب موحَّد..

وكالة مهر نقلت عن مصدر رسمي أن “إيران أبلغت فرنسا وبريطانيا وأميركا بأنها ستستهدف منشآتها في المنطقة في حال مساعدة إسرائيل”، بينما أكدت وكالة فارس أن “الحرب ستتوسع خلال الأيام القادمة لتشمل كل إسرائيل والقواعد الأمريكية”.

ويعني ذلك أن الخطاب موحَّد على سلمية الرد وتوجيهه نحو الطرف المعتدي وعدم التورط مع قوى كبرى، غير أن التفاصيل تُترك للقرار التنفيذي.

الرد الإيراني ليس عشوائياً، بل يستهدف منع الهجمات الإسرائيلية المقبلة، مع تحويل احتمال التصعيد تجاه القواعد الأمريكية إلى مسار أخير يُلجأ إليه فقط عند تجاوز الخط الأحمر الأميركي.

 

واشنطن تأمل العودة إلى المفاوضات..

إسرائيل ترى أن ضرباتها كانت ضرورية لإحباط مساعي إيران النووية، وقد أبلغت واشنطن مسبقًا بنيتها شن الهجوم، بحسب ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي أشار إلى أن “الضربات المقبلة ستكون أعنف إذا لم تتوقف طهران عن تخصيب اليورانيوم”.

وأضاف ترامب أنه “لا يمكن لإيران امتلاك قنبلة نووية”، آملاً العودة إلى طاولة المفاوضات، ومحذراً طهران من عدم “إبرام اتفاق قبل ألا يبقى شيء”.

وأكد مسؤول كبير في الإدارة الأميركية لقناة (i24NEWS) التزام واشنطن بالمسار الدبلوماسي، قائلاً: “ما زلنا نأمل أن يأتي الإيرانيون إلى طاولة المفاوضات قريباً”.

فيما أعربت مصادر إسرائيلية عن أملها في انخراط واشنطن بشكل أكبر في العمليات، خاصة في ضوء تعثر مساعي التهدئة.

 

وساطات خليجية وتحركات دولية..

في محاولة لاحتواء الأزمة، كشفت قناة (i24NEWS) عن توجه إيران إلى سلطنة عمان وقطر للتوسط مع الولايات المتحدة بهدف التوصل إلى وقف لإطلاق النار واستئناف المحادثات النووية.

عُمان وقطر، وعبر بياناتهما، كررتا دعوتهما إلى الحوار والدبلوماسية، لكن لم يتم الإعلان حتى الآن عن أي وساطات فورية تشملهما في إطار الأزمة الحالية، فيما اعتبرت مسقط أن ما جرى هو “تصعيد خطير يهدد الجهود الدبلوماسية”.

في الوقت ذاته، تسعى المملكة العربية السعودية من خلف الكواليس إلى إحياء جهود التهدئة وتفادي توسع رقعة الحرب.

ومن جهة أخرى، وضعت روسيا نفسها كوسيط قابل للتواصل مع طهران وتل أبيب، مستغلةً علاقاتها المتوازنة بين الطرفين، وكرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تأكيده ضرورة اللجوء إلى “القنوات السياسية والدبلوماسية” لحل النزاع النووي بعد اتصالاته الهاتفية.

 

إدانة واسعة ومطالب بالتهدئة..

تصاعدت ردود الفعل الدولية في أعقاب الهجوم الإسرائيلي، داعيةً إلى التهدئة واستئناف الحوار وتجنب انزلاق المنطقة إلى حرب شاملة.

أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش التصعيد العسكري الإسرائيلي، داعياً إلى “أقصى درجات ضبط النفس وتفادي الانزلاق إلى صراع أعمق”.

ووصف المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي استهداف منشأة نطنز النووية بأنه “انتهاك خطير للقانون الدولي”، داعياً إلى اجتماع طارئ لمجلس محافظي الوكالة لشجب الهجوم ومناقشة تبعاته.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حضّ الولايات المتحدة وإيران على استئناف المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني، كما أعلن تأجيل المؤتمر الدولي بشأن حل الدولتين، مؤكداً عقده في أقرب وقت ممكن.

وأدانت الصين بشدة انتهاك سيادة إيران، وأعربت عن قلقها البالغ من تأثير الهجوم على مفاوضات الملف النووي، داعية الأطراف إلى ضبط النفس.

واعتبرت موسكو الهجوم الإسرائيلي انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، داعيةً إلى وقف التصعيد والعودة إلى الحوار، فيما أعربت كل من تركيا وإندونيسيا واليابان عن رفضها للهجوم، محذّرة من عواقب وخيمة على الاستقرار الإقليمي.

وشدد الناتو والاتحاد الأوروبي على وجوب اتباع ضوابط الانضباط وتفادي دائرة الهجمات المتبادلة، ونبّهت بريطانيا إلى وجوب تفادي توسيع الحرب.

 

الأبعاد واحتمالات التصعيد..

يرى مراقبون أن الهجوم وما تبعه من ردود فعل يشكل لحظة فارقة قد تحدد مستقبل التوتر في المنطقة. ويعتبر بعض المحللين أن المنطقة تقف اليوم على حافة هاوية خطيرة، حيث إن استمرار الهجمات والردود المتبادلة قد يؤدي إلى مواجهة شاملة لن تكون محصورة بين إيران وإسرائيل فقط، بل قد تنخرط فيها قوى إقليمية ودولية.

فمن جهة، ثمة مؤشرات على رغبة بعض الأطراف في تجنب صراع شامل من خلال الوساطات والجهود الدبلوماسية. ومن جهة أخرى، فإن استمرار الهجمات والردود المتبادلة ينذر بانفلات زمام الأمور نحو مواجهة مفتوحة.

ويحذّر الخبراء من أن أي انزلاق عسكري في منطقة الخليج أو استهداف الممرات المائية الحيوية قد تكون له انعكاسات كارثية على الاقتصاد العالمي، لا سيما فيما يتعلق بإمدادات الطاقة.

ويبقى المشهد مفتوحاً على جميع السيناريوهات، وتقف المنطقة على مفترق طرق بين التصعيد وضبط النفس واحتواء الموقف عبر المسارات الدبلوماسية. فهل تنجح الجهود الإقليمية والدولية في تطويقه؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *