شؤون آسيوية – طهران / واشنطن – خاص –
تتواصل تداعيات الضربات الأميركية والإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، مع تصعيد خطابي من جميع الأطراف، وسط تحركات دبلوماسية لاحتواء الانفجار الإقليمي المحتمل. وفي وقت تشير فيه مؤشرات متعددة إلى رغبة واشنطن وتل أبيب في تهدئة التصعيد خلال الأيام المقبلة، تصرّ طهران على أن “الرد قادم وحاسم”، مؤكدة أن العواقب “ستكون وخيمة”.
إسرائيل تسعى لإنهاء المواجهة
صرّح مسؤولون إسرائيليون رفيعو المستوى أن تل أبيب تسعى إلى إنهاء الهجمات على إيران في الأيام القليلة المقبلة، مؤكدين أن الضربات العسكرية التي بدأت في 13 يونيو “حققت معظم أهدافها”.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أشار في تصريحات نقلتها تايمز أوف إسرائيل إلى أن “إسرائيل اقتربت للغاية من تحقيق أهدافها”، مضيفًا: “لن نواصل العمليات أكثر مما هو مطلوب لتحقيق الأهداف، لكننا لن نتوقف باكراً أيضاً”.
وأكد نتنياهو أن بلاده لا تسعى إلى “حرب استنزاف” مع إيران، بل إلى القضاء على “التهديدين الوجوديين: النووي والصواريخ الباليستية”، على حد زعمه.
مصادر إسرائيلية نقلت عنها صحيفة يديعوت أحرونوت أن إسرائيل قد توافق على وقف إطلاق النار إذا أعلنت القيادة الإيرانية عن إنهاء الحرب، مضيفة بأن تل أبيب “ترغب بإنهاء الصراع هذا الأسبوع”، وأنها “لا ترى فرصة حقيقية حاليًا للعودة إلى طاولة المفاوضات النووية”، لكنها “مستعدة للتفاوض بعد كبح القدرات النووية الإيرانية”.
نتنياهو: لن نواصل الحرب أكثر مما هو مطلوب
في سياق متصل، شدد نتنياهو على أن العملية العسكرية الإسرائيلية “لن تستمر أكثر من اللازم”، قائلاً: “عندما تتحقق الأهداف، حينها تنتهي العملية”.
وأضاف أن إسرائيل تحتفظ بمعلومات استخباراتية دقيقة عن أماكن تخزين اليورانيوم المخصب الإيراني بنسبة 60%، وتؤكد أنها دمّرت كميات كبيرة من هذا اليورانيوم خلال الهجمات الجوية على منشآت فوردو ونطنز وأصفهان.
تصريحات نتنياهو تتقاطع مع تقارير صحافية تفيد بأن الضربات الإسرائيلية حققت “نتائج ميدانية واسعة”، بما في ذلك اغتيال قادة عسكريين كبار وعلماء نوويين بارزين، ما دفع إيران إلى إطلاق موجات من الضربات الصاروخية على العمق الإسرائيلي.
ترامب: منعنا إيران من القنبلة… ومستعدون للتفاوض
بالمقابل، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن “الضربة الأميركية الأخيرة على المنشآت النووية الإيرانية حطمت قدرة طهران على إنتاج القنبلة الذرية”، لكنه في المقابل أبدى استعداده للدخول في مفاوضات مع إيران.
ونقل موقع أكسيوس عن مسؤولين أميركيين أن ترامب أبلغ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “هدفه التالي هو التوصل إلى اتفاق”، فيما أوضح المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط أن “العملية العسكرية الأميركية كانت ضربة واحدة، وليست بداية لحرب مستمرة”.
من جهة أخرى، فجّر السيناتور الأميركي كريس ميرفي مفاجأة بقوله إنه اطّلع على معلومات استخبارية تؤكد أن “إيران لم تكن قريبة من امتلاك سلاح نووي”، وأن “الضربة أفشلت مفاوضات نووية كانت قابلة للنجاح”.
الرد قادم… والعدوان لن يمرّ
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أكد أن الولايات المتحدة “ستتلقى رداً على عدوانها، عاجلاً أم آجلاً”. مشدداً على أن “الرد سيكون بيد القوات المسلحة الإيرانية، في الزمان والمكان المناسبين”، وأن “سيادة إيران خط أحمر لن يُمس دون ثمن”.
كما هدّد رئيس هيئة الأركان الإيرانية عبد الرحيم موسوي قائلاً: “الولايات المتحدة انتهكت سيادتنا، وأطلقت أيدي مقاتلينا لاستهداف مصالحها”. وأضاف: “لن نتراجع أبداً، والمعركة انتقلت إلى مستوى جديد”.
المتحدث باسم مقر “خاتم الأنبياء” المركزي، صرّح بأن “الرد سيكون عنيفًا ورادعًا، وستدفع أميركا والكيان الصهيوني ثمناً باهظاً”، مضيفاً: “قد تبدأون الحرب، لكننا من سينهيها”.
هذا وأعلنت القوات الإيرانية بدء تنفيذ مراحل جديدة من الهجوم بالطائرات المسيّرة، مؤكدة أن “معظم الطائرات أصابت أهدافها داخل إسرائيل”.
ضرر كبير دون تدمير كامل
أكد مسؤولون أميركيون وإسرائيليون أن منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، والتي تقع داخل جبل وتُعدّ من أكثر المواقع تحصيناً في إيران، لم تُدمّر بالكامل، لكن لحقت بها “أضرار بالغة”، نتيجة الضربة الأميركية باستخدام قنابل GBU-57 الخارقة للتحصينات.
وأشار تقرير لخبير الحد من التسلح الفرنسي بنجامين هوتكوفيرتور أن تدمير المنشآت لا يعني نهاية البرنامج النووي الإيراني، لأن المعرفة التقنية والمعدات القابلة للنقل قد تكون نجت من الضربة.
بدورها، نفت إيران أي خسائر استراتيجية في المواد المخصبة، حيث قال علي شمخاني، مستشار المرشد الأعلى، إن “اللعبة لم تنتهِ بعد”، وإن “المواد والمعرفة ما زالت في أيدينا، والمفاجآت مستمرة”.
تحركات دبلوماسية مكثفة
وسط هذه التوترات، وصل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى موسكو لإجراء محادثات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مؤكداً أن “الاعتداء الأميركي يفرض تنسيقًا أكبر بين البلدين”.
فيما نددت الخارجية الروسية بـ”العدوان الأميركي الصارخ على دولة ذات سيادة”، معتبرة أنه “انتهاك واضح لميثاق الأمم المتحدة”، وناشدت الأطراف الدولية التحرك لوقف التصعيد.
الهدف مقابل الهدف
يرى محللون عسكريون أن إيران تتهيأ لرد مدروس يستند إلى العقيدة العسكرية التي تتبناها طهران: “الهدف مقابل الهدف”.
مصادر إعلامية أشارت إلى أن إيران ربما تستهدف مواقع أميركية داخل إسرائيل، أو منشآت ذات حساسية عالية كديمونة.
كما تتداول وسائل إعلام إيرانية خرائط لمناطق في النقب، ما يوحي بإعدادات لهجمات دقيقة ومباغتة.
التهدئة رهينة النوايا
رغم إصرار إيران على الرد ووعيدها بعواقب “وخيمة”، فإن المؤشرات القادمة من واشنطن وتل أبيب توحي بعدم الرغبة في توسيع رقعة الحرب.
ترامب لا يريد استمرار الضربات، وإسرائيل ترى أنها “اقتربت من تحقيق أهدافها”.
لكن حسابات طهران مختلفة، والرد الإيراني – مهما كان شكله – قد يعيد خلط الأوراق، ما لم تُفتح نوافذ جدية للمفاوضات في أقرب وقت.