شؤون آسيوية – طهران / واشنطن – خاص –
في مشهد يعيد إلى الأذهان “حروب الأيام القليلة” التي غيرت مسارات التاريخ في الشرق الأوسط، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نهاية “حرب الأيام الـ12” بين إيران وإسرائيل، معلنًا عن اتفاق على وقف شامل لإطلاق النار يدخل حيز التنفيذ تدريجياً صباح الثلاثاء، وسط ضباب كثيف من التوترات، والتصريحات المتضاربة، والتداعيات الجيوسياسية العميقة.
إعلان مفاجئ..
“بعد مرور 24 ساعة تكون النهاية الرسمية للحرب بين إسرائيل وإيران”، هكذا أعلن ترامب من على منصته المفضلة، تروث سوشيال، مشيداً بشجاعة الطرفين، ومؤكداً أن واشنطن منعت حرباً كانت ستدوم سنوات وتؤدي إلى دمار شامل في الشرق الأوسط. وتابع: “بارك الله إسرائيل وإيران والشرق الأوسط”.
لكن المفاجأة لم تكن فقط في الإعلان، بل في سرعة التوصل إلى الهدنة، والطريقة التي جرى بها تمرير الاتفاق، بعد أيام من التصعيد العسكري الأوسع بين طهران وتل أبيب منذ عقود.
الوساطة القطرية..
بحسب ما كشفته مصادر دبلوماسية لـCNN و”رويترز”، فقد لعبت قطر دور الوسيط السري بين الطرفين. جاء ذلك في أعقاب الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدة العديد الأميركية في قطر، والذي وصفه ترامب بأنه “ضعيف جداً” و”مدروس”، خاصة مع إبلاغ طهران المسبق لواشنطن، مما سمح بتجنب الخسائر.
مصادر في البيت الأبيض أكدت أن ترامب طلب شخصياً من أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني التدخل، في وقت كان فيه التصعيد يقترب من الخطوط الحمراء. ويبدو أن هذا الطلب أعقبه اتصالات مباشرة غير مسبوقة، إذ صرّح ترامب لاحقاً أن “إسرائيل وإيران اتصلتا به بشكل شبه متزامن وقالتا: سلام”.
إطلاق نار حتى اللحظة الأخيرة..
ورغم تأكيد إيران الرسمي، عبر التلفزيون الرسمي، على دخول الهدنة حيز التنفيذ، إلا أن التصريحات الصادرة عن طهران حملت نبرة مختلفة. فوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أكد أن العمليات استمرت “حتى الساعة الرابعة فجراً” – لحظة بدء وقف إطلاق النار – وأشار إلى أن بلاده كانت مستعدة للتوقف “بشرط إنهاء العدوان الإسرائيلي”.
وفي الساعات التي سبقت سريان الاتفاق، أطلقت إيران عدة رشقات صاروخية باتجاه إسرائيل، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى تفعيل صفارات الإنذار في معظم المناطق، من إيلات إلى تل أبيب.
بين إعلان النصر ونقد الهزيمة..
رغم إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل وافقت على الهدنة بعد “إزالة التهديد النووي الإيراني”، إلا أن النبرة داخل المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية كانت أقل تفاؤلاً.
فيما وصف وزير الأمن السابق أفيغدور ليبرمان نهاية الحرب بأنها “نشاز ومرّة”، بينما قال اللواء توف ساميا إن “إيران هي من حدّدت توقيت النهاية”، مشككاً في تدمير منشآتها النووية بالكامل. بدورها، اعتبرت وسائل إعلام إسرائيلية أن “العدو وجّه الضربة الأخيرة”، وأن “شعب الأبدية رفع الراية البيضاء”.
صحيفة معاريف ذهبت أبعد من ذلك، وقالت صراحة: “إيران خرجت من الحرب أقوى”، واعتبرت أن وقف إطلاق النار بهذا الشكل “لا يوقف الحرب بل يدعو إلى الحرب المقبلة”.
الرابح والخاسر..
الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ فجراً، وبعد ساعات من القصف المتبادل، لم تأتِ نتيجة نصر ساحق لأي من الطرفين. بل تعكس إلى حد بعيد معادلة الردع الجديدة بين إيران وإسرائيل، والتي، وإن بدت راكدة على السطح، فإنها تغلي في الأعماق.
بالنسبة لإيران، فقد نجحت في تثبيت قواعد اشتباك جديدة، واستخدمت قوتها الصاروخية بشكل مباشر ضد أهداف إسرائيلية. كما أثبتت قدرتها على التعامل المباشر مع الولايات المتحدة، سواء عبر التنسيق أو عبر الاشتباك المحدود، كما حدث في استهداف قاعدة العديد.
أما إسرائيل، فرغم استهدافها لمنشآت إيرانية نووية، بحسب ما أعلن ترامب ونائبه جي دي فانس، فإنها لم تتمكن من إخضاع إيران بالكامل، بل اضطرت إلى الموافقة على وقف إطلاق النار تحت ضغط أميركي، ووفق شروط سياسية معقدة، وسط انتقادات داخلية متزايدة.
صفقة لا حرب..
من الواضح أن ترامب، الذي يستعد لموسم انتخابي حاسم، لا يرغب في جرّ الولايات المتحدة إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط. فقد قالها بوضوح: “لا نريد الحرب بل نريد صفقة”. هذه الرغبة انعكست في كل مفاصل الموقف الأميركي، من التنسيق مع قطر، إلى إعلانه المبكر عن وقف إطلاق النار حتى قبل أن يؤكد الطرفان ذلك علناً.
كما شكلت تصريحاته المتكررة حول “البركة والسلام” رسالة موجهة للعالم بأن الولايات المتحدة ما زالت راعية التهدئة في المنطقة، رغم فقدان الكثير من أدواتها التقليدية.
ماذا بعد..
الهدنة بين إيران وإسرائيل قد تكون بداية لمسار دبلوماسي جديد، أو مجرد استراحة مؤقتة في حرب طويلة الأمد. فالوضع الميداني في غزة ما زال مشتعلًا، والضفة الغربية تغلي، وملف الأسرى الإسرائيليين يعقّد المشهد السياسي في الداخل.
وفي الوقت ذاته، فإن إيران التي أثبتت امتلاكها لزمام المبادرة في الميدان، لن تتراجع عن طموحاتها النووية بسهولة، ما يعني أن ما بعد هدنة الـ12 يوماً قد يكون مجرد مقدمة لموجة أكبر من الصراع – أو الفرص.
هدنة بشروط مفتوحة..
في النهاية، لم تُنْهَ الحرب تماماً، بل جرى “تعليقها” وفق معادلة هشّة، تتيح لكل طرف إعلان النصر بطريقة ما. وبينما يرى ترامب أن “العالم هو الرابح”، يدرك سكان المنطقة أن التهدئة لم تُحسم، وأن الجولة المقبلة قد تبدأ من غزة، أو جنوب لبنان، أو حتى من قاعدة جديدة.
مع استمرار غياب تسوية شاملة، فإن وقف إطلاق النار يظل فرصة ثمينة، لكنها قصيرة الأجل… في انتظار ما إذا كانت ستُستثمر في سلام فعلي، أم في إعداد مسرح جديد لحرب أخرى.