شؤون آسيوية – بكين –
ضاعف زعيم تايوان لاي تشينغ-ته جهوده لترويج الانفصالية في أول حلقتين من حملته المسماة “عشر محاضرات عن الوحدة”، وذلك بإعادة تدوير روايات دحضت منذ زمن طويل لإضفاء الشرعية على أجندته حول ما يسمى بـ”استقلال تايوان”.
ولكن على الرغم من إعادة صياغة خطابه، لا تزال رسالته معيبة جوهريا ومنفصلة تماما عن الحقائق التاريخية والقانون الدولي.
— لماذا تعتبر ما يسمى بـ”معاهدة سان فرانسيسكو” غير صالحة بشأن تايوان
في أول محاضرة له في يوم 22 يونيو الجاري، ادعى لاي صراحة أن “تايوان هي دولة”، مستشهدا بما يسمى بـ”معاهدة سان فرانسيسكو” ويجادل بأن اليابان تخلت عن مطالبها بالسيادة على تايوان دون إعادة الجزيرة رسميا إلى جمهورية الصين الشعبية.
لا يعتبر هذا الاستشهاد الانتقائي مضللا فحسب، بل إنه أيضا غير قابل للدفاع عنه قانونيا، إذ تجاهل عمدا الوثائق القانونية الدولية الرسمية، بما فيها إعلان القاهرة لعام 1943 وإعلان بوتسدام لعام 1945 ووثيقة الاستسلام التي وقّعت عليها اليابان في سبتمبر 1945.
وأوضحت هذه الوثائق التأسيسية أن جميع الأراضي الصينية التي سلبتها اليابان، بما في ذلك تايوان وجزر بنغهو، يجب أن تُعاد إلى الصين. وفي يوم 25 أكتوبر 1945، أعلنت الحكومة الصينية استئناف ممارسة سيادتها على تايوان حيث أقيمت مراسم قبول استسلام اليابان في مقاطعة تايوان التابعة لمسرح حرب الصين لقوات الحلفاء في تايبي.
وعلى النقيض من ذلك، عُقد ما يسمى بـ”مؤتمر سان فرانسيسكو للسلام” في سبتمبر 1951 دون مشاركة جمهورية الصين الشعبية التي تعتبر الحكومة الشرعية الوحيدة للصين منذ عام 1949.
ودعت الولايات المتحدة إلى المؤتمر في سان فرانسيسكو لتحديد العلاقات مع اليابان بعد الحرب، وأصدرت ما يسمى بـ”معاهدة سان فرانسيسكو” المعروفة أيضا باسم “معاهدة السلام مع اليابان”.
وعلى الرغم من ذلك، خالفت هذه المعاهدة أحكام إعلان الأمم المتحدة الذي وقعت عليه 26 دولة ومنها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفيتي والصين عام 1942 وينُصُّ على: “تتعهد كل حكومة بالتعاون مع الحكومات الموقعة على هذا الإعلان، وعدم عقد هدنة أو سلام منفصل مع الأعداء”.
وكانت صياغة ما يسمى بـ”معاهدة سان فرانسيسكو” والتوقيع عليها من دون علم الصين انتهاكا صارخا للمعايير القانونية لما بعد الحرب. ووفقا لاتفاقية فيينا لقانون المعاهدات، لا تنشئ المعاهدة التزامات أو حقوقا لدولة ثالثة دون موافقتها. وبمعنى آخر، لا تملك المعاهدة الموقعة دون مشاركة الصين صلاحية تحديد مستقبل الأراضي الصينية.
وبشكل ملحوظ، لم يُدعَ حزب الكومينتانغ الذي كان يمثل السلطة في تايوان آنذاك إلى المؤتمر أيضا، ما يثبت افتقار المعاهدة إلى الشرعية فيما يتعلق بتايوان.
لطالما رفضت الحكومة الصينية الاعتراف بـ”معاهدة سان فرانسيسكو”، ولم تَحِد أبدا عن هذا الموقف منذ البداية.
إن الحقيقة الماثلة وراء تمسك لاي بمثل هذه المعاهدة وتجاهله التام لتلك الوثائق التي تحمل تأثيرا قانونيا دوليا حقيقيا، تكشف عن فراغ حجته واليأس الكامن وراء الرواية لما يسمى بـ”استقلال تايوان”.
— لماذا لم يذكر قرار الأمم المتحدة رقم 2758 تايوان — ولم تكن هناك حاجة لذكرها
في محاولة أخرى لتعقيد الموقف، ادعى لاي أن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2758 الصادر عام 1971 “لم يحل” مسألة وضع تايوان، مشيرا بشكل كاذب إلى أن تايوان لا تزال خارج نطاق سيادة الصين.
تستند هذه الحجة إلى سوء فهم متعمد للإجماع الدولي حيث صدر القرار بأغلبية ساحقة لاستعادة جميع الحقوق المشروعة لجمهورية الصين الشعبية، والاعتراف بحكومتها كممثل شرعي وحيد للصين في الأمم المتحدة، لتحل محل حكومة جمهورية الصين بقيادة حزب الكومينتانغ الذي فرّ إلى تايوان عقب الحرب الأهلية.
لماذا لم يذكر القرار “تايوان” بوضوح؟ لأنه لم يكن هناك حاجة لذلك، تماما كما لم يكن هناك حاجة لتسمية بكين أو شانغهاي أو أي جزء آخر من الأراضي الصينية. لقد تمت استعادة تايوان من الاحتلال الياباني منذ عام 1945. وعندما تولت جمهورية الصين الشعبية مقعدها في الأمم المتحدة، فعلت ذلك بصفتها ممثلة للصين بأكملها، بما في ذلك تايوان.
من وجهة نظر الأمم المتحدة ودولها الأعضاء، تم حسم المسألة: هناك صين واحدة فقط، وجمهورية الصين الشعبية هي حكومتها الشرعية الوحيدة. فرُفضت فكرة “صينين” أو “صين واحدة، تايوان واحدة” رفضا قاطعا آنذاك، ولا تزال كذلك حتى اليوم.
وكانت حجة لاي بأن القرار يغفل وضع تايوان محاولة خبيثة لتجاهل آثاره القانونية والسياق التاريخي الذي اعتُمد فيه.
إن إحياء لاي لنظرية “وضع تايوان غير محدد” ليس نهجا جديدا، بل مناورة بالية لتعزيز أجندته الانفصالية. لكن مغالطاته لا تصمد أمام التدقيق في ظل الأطر الراسخة للنظام العالمي والقانون الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية.
ويصادف هذا العام الذكرى السنوية الـ80 للانتصار في حرب المقاومة الشعبية الصينية ضد العدوان الياباني والحرب العالمية ضد الفاشية، وكذلك الذكرى السنوية الـ80 لعودة تايوان إلى الصين.
إن استعادة الصين لتايوان من الاحتلال الياباني ركن أساسي من أركان النظام الدولي لما بعد الحرب العالمية الثانية. وإن الحجج المُضللة التي اختلقها لاي تشينغ- ته لا يمكن أن تُغيّر حقيقة أن تايوان جزء من الصين قانونيا وتاريخيا. كما لا يمكن أن تُغيّر الإجماع السائد في المجتمع الدولي على مبدأ الصين الواحدة.
المصدر: شينخوا