التعريفات الجمركية تنقلب على واضعيها.. زيادة الرسوم الأمريكية تضر بالاقتصاد المحلي

شؤون آسيوية – بقلم: مى شينغ –

 

فرضت الولايات المتحدة منذ بداية العام رسوما جمركية واسعة على العديد من الدول، مما أدى إلى تأثيرات سلبية منهجية على الاقتصاد الأمريكي. وتشير العديد من المؤشرات الاقتصادية مؤخرا إلى أن هذه الإجراءات تزداد تأثيراتها السلبية، بدءا من زيادة عدم اليقين، مرورا بإثقال كاهل الشركات الأمريكية، وصولا إلى ارتفاع التكاليف على المستهلكين.

تراجع الأداء الاقتصادي العام للولايات المتحدة. ووفقا لأحدث تقرير بشأن آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي، فقد تم تخفيض توقعات النمو لعام 2025 بمقدار 0.9 نقطة مئوية إلى 1.8 بالمائة، وهو أكبر انخفاض بين الدول المتقدمة.

كما تظهر الأسواق المالية علامات توتر، حيث انخفض مؤشر الدولار الأمريكي بأكثر من 4.5 بالمائة في أبريل، متجاوزا مستوى 100 نقطة بشكل متكرر. وفي نفس الوقت، تواجه سندات الخزانة الأمريكية ضغوطا، حيث تجاوز عائد السندات لمدة 30 عاما حاجز 5 بالمائة، مقتربا من مستويات لم تشهدها الأسواق منذ نحو عقدين.

وينمو القطاع الصناعي بزخم أضعف بسبب ارتفاع التكاليف، حيث انخفض الإنتاج الصناعي بنسبة 0.2 بالمائة على أساس شهري في مايو، بينما تراجع مؤشر مديري المشتريات في القطاع الصناعي إلى 48.7 نقطة في أبريل، مسجلا أدنى مستوى له في خمسة أشهر وأقل بكثير من مستوى النمو.

وتظهر آثار الزيادات في الرسوم الجمركية بوضوح أكبر في الصناعات الحيوية. ففي قطاع السيارات، يواجه التجار المحليون نقصا في المعروض وارتفاعا في الأسعار. وتتوقع شركة “أس آند بي غلوبال موبيلتي” انخفاض إنتاج السيارات في أمريكا الشمالية بحوالي 1.28 مليون وحدة هذا العام، وتراجع مبيعات السيارات الأمريكية بنحو 700 ألف وحدة.

ولم تختلف الصورة في قطاع العقارات. ووفقا لرابطة البنائين والمقاولين، فقد ارتفعت أسعار مواد البناء بمعدل سنوي بلغ 9.7 بالمائة في الربع الأول. وشهدت مبيعات المنازل في مارس أكبر انخفاض شهري منذ عام 2022، بينما اقترب مخزون الإسكان الجديد من المستويات المسجلة أواخر عام 2007.

كما تأثر القطاع الزراعي، حيث أدت الرسوم الجمركية على المدخلات المستوردة إلى زيادة تكاليف الإنتاج، بينما أضرت الإجراءات الانتقامية من الشركاء التجاريين بآفاق التصدير، مما أدى إلى تراجع الأرباح التشغيلية لشركات زراعية كبرى مثل “أيه دي أم” و”بنغي” بحوالي 557 مليون دولار للاثنين في الربع الأول.

وتشير هذه الأرقام مجتمعة إلى اتجاه أوسع ألا وهو أن الإجراءات الحمائية قد تزيد من هشاشة الاقتصاد بدلا من حمايته.

فقد أثقلت الزيادات الجمركية كاهل الشركات والمستهلكين على حد سواء. بالنسبة للعديد من الشركات، أدى عبء الزيادات الجمركية وفرط المخزونات وضيق السيولة إلى تآكل حاد في الأرباح. وخفضت شركات بارزة مثل “بيبسيكو” و”بروكتر آند جامبل” و”تارجت” توقعاتها للأرباح.

وأدى عدم اليقين المتزايد إلى تسريح العمالة وموجة من الإفلاسات، حيث أعلنت “ستيلانتيس”، وهي إحدى أكبر ثلاث شركات سيارات، عن تسريح 900 عامل مؤخرا، وخفضت فولفو قوتها العاملة في الولايات المتحدة بمقدار 800 عامل. ووفقا لشركة “إس آند بي غلوبال”، فإن حالات إفلاس الشركات الكبرى في الربع الأول قد سجلت أعلى مستوى لها منذ 15 عاما.

أما المستهلكون، فهم يتحملون العبء الأكبر، حيث ساهمت التعريفات في ارتفاع أسعار السلع اليومية بشكل حاد. وارتفعت أسعار البيض بأكثر من 60 بالمائة على أساس سنوي في مارس، مسجلة مستوى قياسيا عند 6.23 دولار للدستة. وعلى موقع أمازون، شهدت نحو 1000 سلعة متوسط زيادة في الأسعار بنحو 30 بالمائة في أبريل، يعود معظمها إلى التعريفات على الواردات الصينية.

وتقدر دراسة لمختبر ميزانية ييل أن تكلفة الملابس والأحذية قد ترتفع بنحو 14 بالمائة و15 بالمائة على الترتيب في المدى القصير، وأن السياسات الجمركية الحالية قد تكلف الأسرة الأمريكية المتوسطة حوالي 2800 دولار سنويا.

ولا تؤثر الزيادات الجمركية على الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل تضعف أيضا العلاقات مع الحلفاء. ويظهر استطلاع للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية أن 22 بالمائة فقط من الأوروبيين يعتبرون الولايات المتحدة حليفا موثوقا به، كما أن استطلاعات “يوغوف” تظهر دعما قويا لفرض رسوم انتقامية في ألمانيا والسويد والدنمارك.

وتنعكس هذه التوترات في البيانات التجارية، حيث انخفضت تسجيلات سيارات “تسلا” في الاتحاد الأوروبي بنسبة 45 بالمائة في الربع الأول، وسجلت “ماكدونالدز” أول انخفاض في مبيعاتها العالمية منذ 2020، وانخفض عدد الزوار الدوليين للولايات المتحدة بنسبة 11.6 بالمائة في مارس، وهو أكبر انخفاض منذ بداية الجائحة. ويقدر بنك “غولدمان ساكس” أن هذا التراجع في السياحة قد يكلف الولايات المتحدة 90 مليار دولار في 2025.

ومع تراكم الأدلة، قد يكون الوقت قد حان لإعادة تقييم تكلفة التصعيد في الرسوم الجمركية. فاستخدام الولايات المتحدة المفرط للرسوم وما تمثله من أحادية وحمائية واكراه اقتصادي أصبح سياسات غير مستدامة بشكل متزايد. وفي النهاية، لا يوجد منتصر في حرب التعريفات.

 

المصدر: شينخوا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *