شؤون آسيوية – ديما دعبول –
تُعد العلاقات بين جمهورية الصين الشعبية والجمهورية الإسلامية الموريتانية نموذجاً مميزاً للتعاون، حيث تجمع البلدين صداقة تمتد لأكثر من ستة عقود، تقوم على أساس الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، والدعم المتبادل في المحافل الدولية.
بدأت هذه العلاقة في ظروف دولية معقدة، لكنها استطاعت أن تصمد وتتطور، لتشمل اليوم مجالات متعددة من السياسة والاقتصاد إلى التعليم والثقافة، وصولاً إلى شراكات استراتيجية ضمن مبادرة “الحزام والطريق”.
أولاً: الجذور التاريخية للعلاقات الدبلوماسية
بدأت العلاقات الرسمية بين الصين وموريتانيا في 19 يوليو 1965، في خضم الحرب الباردة، لتصبح موريتانيا من أوائل الدول العربية والإفريقية التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية.
ومنذ ذلك الحين، حافظت نواكشوط على موقف داعم للصين في القضايا الأساسية مثل “مبدأ الصين الواحدة”، وكانت لها مساهمة بارزة في دعم استعادة الصين لمقعدها في الأمم المتحدة عام 1971، عندما ترأست منظمة الوحدة الإفريقية.
وقد توطدت العلاقات من خلال تبادل الزيارات الرسمية، حيث قام رؤساء موريتانيا بعدة زيارات إلى بكين، عكست إرادة سياسية لتعميق التعاون، في حين قدمت الصين نفسها كشريك موثوق في دعم مشاريع التنمية والبنى التحتية.
ثانياً: التعاون الاقتصادي والاستثماري
شهدت العلاقات الاقتصادية تطوراً ملموساً، خاصة منذ مطلع الألفية. من أبرز المشاريع المشتركة:
- ميناء نواكشوط المستقل (ميناء الصداقة) الذي أنشأته شركة صينية بتمويل صيني، وافتتح عام 1986، ليصبح أحد أبرز الموانئ في غرب إفريقيا.
- مشاريع البنية التحتية مثل الطرق، الجسور، شبكات الكهرباء، محطة المياه في نواكشوط، استاد العاصمة، وقصر المؤتمرات.
وفي مجال التجارة:
تصدر موريتانيا إلى الصين خام الحديد، النحاس، والأسماك.
كما قفز حجم التبادل التجاري من أقل من 30 مليون دولار في التسعينيات إلى أكثر من 2.7 مليار دولار بحلول عام 2022.
في حين تسجل موريتانيا فائضاً تجارياً مع الصين في معظم السنوات، وهو أمر نادر في علاقات الصين الإفريقية.
أما على مستوى التمويل:
قدمت الصين قروضاً ميسّرة ومنحاً بلا فوائد دعمت من خلالها مشاريع تنموية.
حيث بلغ إجمالي الاستثمارات الصينية في موريتانيا أكثر من 400 مليون دولار عبر أكثر من 100 مشروع تنموي.
ثالثاً: الشراكة السياسية والدبلوماسية
تتسم العلاقات السياسية بين البلدين بالانسجام، حيث تدعم موريتانيا مواقف الصين في قضاياها الداخلية مثل تايوان وهونغ كونغ، بينما تلتزم الصين بمبدأ “عدم التدخل” في الشؤون الداخلية، مما يعزز الاستقرار السياسي للعلاقات.
وعلى الصعيد الإقليمي والدولي، تتعاون الصين وموريتانيا في مجالات الأمن، مكافحة الإرهاب، والتنسيق داخل الأمم المتحدة ومنظمات التعاون الصيني–الإفريقي.
رابعاً: التعاون في التعليم والثقافة
رغم أن الجانب الثقافي لا يزال في طور النمو، إلا أن هناك جهوداً متزايدة لتعزيز التبادل الثقافي والتعليمي:
قدمت الصين منحاً جامعية للطلاب الموريتانيين في مجالات الطب والهندسة والزراعة.
أنشأت الصين مركزاً نموذجياً لتطوير الثروة الحيوانية بموريتانيا في 2017، ضمن برنامج التعاون الزراعي.
التبادل الأكاديمي لا يزال محدوداً، إلا أن موريتانيا مؤهلة للاستفادة من مبادرات مثل تحالف جامعات طريق الحرير ومراكز “كونفوشيوس” لتعليم اللغة الصينية.
خامساً: موريتانيا ومبادرة الحزام والطريق
انضمت موريتانيا رسمياً إلى مبادرة “الحزام والطريق” في سبتمبر 2018، لتكون من بين أوائل الدول العربية التي وقعت مذكرة تفاهم في هذا السياق.
ورغم أن الانخراط الموريتاني لا يزال محدوداً مقارنة بدول أخرى، إلا أن هناك فرصاً واعدة لتوسيع هذه الشراكة، خصوصاً عبر:
تطوير البنية التحتية للنقل (الطرقات، السكك الحديدية).
تحويل ميناء أنواذيبو إلى منصة تجارية إقليمية.
دعم مشاريع الزراعة والطاقة المتجددة.
التعاون في مجال التحول الرقمي والتكنولوجيا الخضراء.
سادساً: الفرص والآفاق المستقبلية
تشمل الفرص بين البلدين عدة مجالات متنوعة منها:
بناء شراكات ثلاثية (موريتانيا–الصين–دول إفريقيا الغربية).
تعزيز تبادل الخبرات في مجالات التعليم، التكنولوجيا الزراعية، والرقمنة.
دعم التمكين الاقتصادي للمرأة والشباب في المشاريع التنموية.
تُجسد العلاقات الصينية الموريتانية قصة نجاح لعلاقة تنموية وسياسية طويلة الأمد، ارتكزت على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.
ومع توسع المبادرات الصينية عالمياً، خاصة في إفريقيا، تقف موريتانيا اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من التعاون المثمر مع بكين، يمكن أن يشكل رافعة حقيقية لتنميتها الاقتصادية والاجتماعية.
المستقبل يحمل آفاقاً واسعة، خاصة إذا تم توسيع التعاون في مجالات التعليم، الثقافة، ونقل التكنولوجيا، بما يعزز من مكانة موريتانيا في إطار الشراكة الصينية الإفريقية الاستراتيجية.
*صحافية سورية
**ينشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية في لبنان