شؤون آسيوية – خاص –
شهدت محافظة السويداء السورية تصعيداً خطيراً في وتيرة العنف، بعد اندلاع مواجهات دموية بين أطراف مختلفة في أعقاب حادثة خطف متبادلة.
تطورت الأحداث سريعاً لتشمل دخول قوات تابعة للجيش السوري، ثم تنفيذ إسرائيل ضربات عسكرية على آليات حكومية داخل الأراضي السورية بذريعة “حماية الدروز”.
خلفية التوتر: بداية من حادثة خطف
بدأت الأحداث قبل أيام من 15 تموز، حين تم اختطاف تاجر من أبناء الطائفة الدرزية على طريق بين السويداء واللجاة، من قبل مسلحين يُعتقد أنهم ينتمون لعشائر بدوية في المنطقة.
رداً على ذلك، نفذت مجموعات محلية عمليات خطف مضادة، وتصاعد الموقف إلى اشتباكات عنيفة استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
في تصريح رسمي، أكد وزير الداخلية السوري اللواء أنس خطاب أن “ما جرى في السويداء هو نتيجة فوضى السلاح، والحكومة لن تسمح بتحول المدينة إلى ساحة تصفية حسابات بين مجموعات خارجة عن القانون”، وأشار إلى بدء “عمليات أمنية منضبطة لاستعادة الاستقرار”.
تدخل القوات الحكومية وإعلان وقف إطلاق النار
مع اتساع رقعة المواجهات، دخلت وحدات من الجيش السوري وقوات الأمن الداخلي إلى المدينة وبحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع السورية، فإن الانتشار يهدف إلى “منع الفتنة ووقف نزيف الدم”.
وزير الدفاع السوري اللواء مرهف أبو قصرة صرّح قائلاً:
“القوات الحكومية دخلت لحماية الأهالي، ولن تُستخدم القوة إلا دفاعاً عن النفس.. نؤكد أن هدفنا هو الأمن وليس المواجهة مع أبناء المحافظة.”
وعلى إثر الضغط الشعبي وتصاعد الاحتجاجات داخل المدينة، أعلنت القيادة السورية وقفاً فورياً لإطلاق النار، مع سحب الآليات الثقيلة من المناطق السكنية، لكنه بقي مجرد إعلان ولم بدخل حيز التنفيذ.
مشاهد صادمة واستفزازات على الأرض
تزامن التصعيد العسكري والأمني مع انتشار واسع لمقاطع فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر مشاهد مقلقة لعمليات نهب وحرق في أحياء من السويداء، نفذها مسلحون يزعمون انتماءهم لفصائل مدعومة من الحكومة.
المقاطع التي التقطها مدنيون أو نُشرت من قبل عناصر الفصائل أنفسهم، أظهرت قيام عناصر مسلحة باقتحام محال تجارية ومنازل في السويداء، المشاهد هي لعمليات سرقة علنية، وحرق ممتلكات خاصة، وسط إطلاق شعارات طائفية أو سياسية استفزازية.
وأثارت هذه المشاهد غضباً واسعاً في الشارع المحلي، خاصة أنها نُشرت دون أي محاسبة فورية، ما فُسّر كنوع من التواطؤ أو التغاضي الرسمي.
في بيان مقتضب، قالت وزارة الداخلية إن “كل من يثبت تورطه في أعمال تخريب أو نهب سيُحاسب وفق القانون”، دون الإشارة مباشرة إلى هوية المنفذين، مما زاد من الشكوك لدى الأهالي بشأن نوايا الحكومة أو مدى سيطرتها الفعلية على الفصائل الموجودة في المدينة.
بيان الزعامة الدينية الدرزية
في موقف لافت، أصدر الشيخ حكمت الهجري، المرجع الروحي الأعلى لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، بياناً حمّل فيه الحكومة مسؤولية التصعيد، معتبراً أن “القوات الحكومية خرقت التفاهمات، وتدخلت بعنف غير مبرر في مناطق مدنية”.
وأضاف في بيانه:“أبناء السويداء ليسوا متمردين، لكننا نرفض أن تُعامل المحافظة كساحة تجريب أمنية.. ندعو أبناءنا للدفاع عن أرضهم بشرف وضبط نفس.”
الضربات الإسرائيلية ترفع منسوب التوتر
في تطور خارجي، أعلنت إسرائيل تنفيذ ضربات جوية بطائرات مسيّرة استهدفت دبابات وآليات تابعة للجيش السوري قرب أطراف السويداء، وذلك بزعم “حماية أبناء الطائفة الدرزية” القريبين من حدود الجولان المحتل.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في تصريح متلفز:
“لن نسمح بتكرار مجازر بحق الدروز في السويداء. تحركنا العسكري رسالة واضحة لدمشق: لا تقربوا حدودنا ولا تتجاوزوا الخطوط”.
وردّت الخارجية السورية في بيان غاضب، واصفة الغارات بأنها “انتهاك سافر للسيادة السورية واستغلال فج لمعاناة المدنيين”، محذّرة من أن هذه التصرفات “لن تمر دون رد”.
خسائر بشرية وميدانية ثقيلة
المرصد السوري لحقوق الإنسان قدّر العدد الإجمالي للضحايا بما يفوق 99 شخصاً، مؤكداً أن الاشتباكات كانت الأعنف في السويداء منذ سنوات.
المدنيون يدفعون الثمن
أحداث السويداء لم تكن مجرد مواجهة مسلحة، بل مؤشراً خطيراً على هشاشة الوضع الأمني والسياسي في الجنوب السوري، وعلى عمق أزمة الثقة بين الدولة والمجتمعات المحلية.
وبينما تحاول الحكومة استعادة السيطرة، وترفع إسرائيل راية “الحماية”، يبقى المدنيون وحدهم في قلب الخطر، يدفعون ثمن الانقسامات والقرارات من دون أن يكون لهم صوت حقيقي في مستقبل مدينتهم.
ما لم يتم فتح حوار جاد ومسؤول، والحد من عسكرة المجتمع، فإن ما حصل في السويداء قد لا يكون سوى حلقة من سلسلة تصعيدات بدأت في الساحل السوري وما زالت مستمرة.