شؤون آسيوية – باريس –

 

عُقد يوم الخميس في العاصمة الفرنسية باريس اجتماع رسمي بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ووزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، برعاية مباشرة من المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا توم براك، وبحضور دبلوماسيين فرنسيين رفيعي المستوى، في مسعى دولي جديد لاحتواء الأزمة المتفجرة في جنوب سوريا، ولا سيما في محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية.

 

ترتيبات أمنية

بحسب ما أكده المبعوث الأميركي توم براك عبر حسابه على منصة “إكس”، فقد التقى مساء الخميس بكل من الجانبين السوري والإسرائيلي في باريس. وقال: “هدفنا كان الحوار وخفض التصعيد، وقد حققنا ذلك بالضبط. جميع الأطراف أكدت التزامها بمواصلة هذه الجهود”.

وأضاف براك أن اللقاء استمر لأربع ساعات، وشهد “نقاشات معمقة حول ترتيبات أمنية في الجنوب السوري”، مشدداً على أن الهدف الأساسي كان “احتواء التدهور الأمني” بعد أسبوع من الاشتباكات الدامية في السويداء، والتي راح ضحيتها أكثر من 1200 شخص، وفق مصادر دولية.

 

التصعيد في السويداء

هذا وتشهد محافظة السويداء منذ 13 يوليو تصعيداً غير مسبوق، بعد اندلاع اشتباكات مسلحة بين مجموعات درزية محلية ومسلحين من العشائر البدوية. سرعان ما تحولت المواجهات إلى نزاع دموي تدخلت فيه قوات حكومية، إلى جانب ميليشيات محلية ومسلحين عشائريين، وسط تقارير عن استخدام الأسلحة الثقيلة، ووقوع مجازر جماعية، وانتهاكات جسيمة بحق المدنيين.

وفي خضم تلك الأحداث، شنت إسرائيل عدة ضربات جوية استهدفت مواقع عسكرية في السويداء ودمشق، بما في ذلك مناطق قريبة من القصر الرئاسي ومقر وزارة الدفاع، معلنة أن هدفها هو “حماية السكان الدروز”، وهو ما أثار توتراً إضافياً في المنطقة، خاصة بعد ورود تقارير تفيد بأن دمشق قد فسّرت مواقف أميركية وإسرائيلية سابقة على أنها “ضوء أخضر” لتنفيذ هجوم موسّع ضد الجماعات المحلية المعارضة هناك.

 

أعلى اتصال رسمي

موقع “أكسيوس” الأميركي وصف الاجتماع بأنه “أرفع اتصال رسمي بين سوريا وإسرائيل منذ أكثر من ربع قرن”، مشيراً إلى أن اللقاء تم التمهيد له من خلال سلسلة من الاتصالات غير المعلنة في الأسابيع الأخيرة، بإشراف أميركي مباشر.

ونقلت “تايمز أوف إسرائيل” أن الاجتماع شكّل “اختراقاً دبلوماسياً نادراً”، يهدف إلى إرساء تفاهمات أمنية محدودة على الأرض، رغم غياب أي اعتراف رسمي متبادل بين الطرفين.

وقال مصدر دبلوماسي فرنسي رفيع، طلب عدم ذكر اسمه، إن اللقاء تم في أحد المقرات الحكومية بالعاصمة الفرنسية، وإنه “مهّد له بدقة المبعوث الأميركي، وجاء بعد اتصالات مكثفة مع شركاء إقليميين، أبرزهم الأردن ولبنان”، مشيراً إلى أن “الحوار لم يقتصر على وقف إطلاق النار، بل تناول سبل منع تحول الجنوب السوري إلى ساحة صراع إقليمي مفتوح”.

 

واشنطن: الحوار سبيل تجنب الانفجار

من جهتها، شددت وزارة الخارجية الأميركية في بيان لها عقب الاجتماع على أن “الحوار بين الأطراف هو السبيل الوحيد لتفادي التصعيد الخطير في سوريا”، مشيرة إلى أن الوزير الأميركي مارك روبيو كان على تواصل دائم خلال الأيام الماضية مع نظرائه في المنطقة، من بينهم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، في محاولة لضمان صمود وقف إطلاق النار.

وجاء في بيان الخارجية الأميركية: “ناقش الوزير روبيو مع نظيره الأردني الأوضاع الأمنية في سوريا، وضرورة حماية المدنيين من جميع الأطراف، والحفاظ على الاستقرار الإقليمي، خاصة في ظل التصعيد الأخير في السويداء.”

بدوره، قال نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية تومي بيغوت إن سوريا تمر بـ”منعطف حاسم”، مؤكداً أن الإدارة الأميركية تعمل مع حلفائها لضمان عدم انزلاق البلاد إلى مزيد من الفوضى. وأضاف أن “المبعوث الأميركي توم براك ووزير الخارجية مارك روبيو على تواصل نشط مع كافة الأطراف، وهذه الجهود مستمرة ومكثفة”.

 

لقاءات موازية مع أطراف الأزمة

أكدت وزارة الخارجية الفرنسية أن وزير الخارجية جان نويل بارو سيعقد صباح الجمعة اجتماعاً في باريس مع كل من وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني والمبعوث الأميركي توم براك، لبحث آخر تطورات الوضع في سوريا. كما سيُجري بارو اتصالاً هاتفياً مع القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي، في محاولة لاحتواء التوتر المتصاعد بين الإدارة الذاتية الكردية ودمشق، لا سيما بعد تعثر تنفيذ اتفاق موقّع في مارس الماضي بشأن إعادة دمج مناطق الإدارة الذاتية في الدولة السورية.

 

خارطة طريق جديدة للجنوب السوري

ورغم أن اللقاء لم يسفر عن إعلان رسمي لأي تفاهمات واضحة أو اتفاقيات موقعة، إلا أن مؤشرات عدة توحي بأن هناك نقاشاً حقيقياً يجري خلف الكواليس بشأن مستقبل الجنوب السوري، ووضع الدروز، ودور إسرائيل، وترتيبات الحكم المحلي، ومسألة الحدود.

ويرى مراقبون أن ما جرى في باريس قد يُشكّل بداية لمسار جديد يركز على “خفض التصعيد” في المناطق الساخنة بسوريا، وتحديداً في الجنوب، بعيداً عن القنوات السياسية التقليدية. وقد يكون هذا المسار مقدمة لحوار أوسع حول مستقبل سوريا، في ظل فشل مسار جنيف وجمود الحل السياسي في ظل الانقسامات الدولية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *