شؤون آسيوية – ديما دعبول –
تشهد العلاقات بين اليابان والصين في نهاية 2025 حالة حادة من التوتر، امتدت من التصريحات السياسية إلى تحركات عسكرية واقتصادية.
على خلفية الخلاف المتجدد حول تايوان والجزر المتنازع عليها، تحولت الأزمة إلى مواجهة متعددة المستويات: دبلوماسية، أمنية، اقتصادية، ما يعكس عمق القلق في طوكيو وبكين على حد سواء، ويعيد تشكيل معادلات النفوذ في شرق آسيا.
الشرارة: مواقف رسمية وتصريحات مثيرة للتوتر
بدأت الأزمة تتخذ منحى خطيراً عندما أدلت رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي بتصريحات واضحة في نوفمبر 2025، قالت فيها إن أي هجوم صيني على تايوان يمكن أن يُعتبر تهديداً وجودياً لأمن اليابان، ما يبرّر من وجهة نظرها تدخّلاً عسكرياً محتملاً من طوكيو.
هذا الكلام اعتُبر من قبل بكين تدخّلاً في سيادتها وانتهاكاً لمنظومة «صين واحدة»، ما أثار استنكاراً رسمياً من الصين.
قسم من الخبراء اليابانيين توقع أن الأزمة قد تمتد طويلاً، في ظل رفض طوكيو التراجع عن موقفها، وعدم وضوح ما إذا كانت نية طوكيو عسكرية فعلية أم رسالة سياسية.
رد بكين جاء سريعاً: أعلنت حزمة من الإجراءات المضادة شملت دعوة مواطنيها لتجنب السفر إلى اليابان، وتقليص وارداتها من منتجات يابانية، إضافة إلى تعليق بعض التبادلات الاقتصادية والثقافية.
هذا النهج يعكس أن بكين ترى في الاقتصاد وسيلة ضغط توازي في تأثيرها ما قد تسبّبه تحركات عسكرية وتؤكد استعدادها لتحمّل تبعات سياسية واقتصادية من أجل ردع ما تعتبره تهديداً لسيادتها.
التصعيد العسكري: من تصريحات إلى أفعال في الجوّ والبحر
مع تزايد التصريحات العدائية والوضع المتوتر، انتقلت الأزمة إلى مستوى العمليات العسكرية.
في أول أسبوع من ديسمبر 2025، أعلنت وزارة الدفاع اليابانية أن طائرات روسية وصينية نفّذت دوريات جوية مشتركة قرب المياه الإقليمية اليابانية تحديداً فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، تضمنت قاذفتين روسيتين من طراز Tu-95 وصاروختين صينيتين من طراز H-6، برفقة مقاتلات J-16.
اليابان وصفت هذا التحرك بأنه “استعراض للقوة” يستهدفها، وأرسلت مقاتلات للدفاع الجوي فوراً، معربة عن قلقها من أن تكون هذه الخطوة بمثابة تهديد مباشر لأمنها القومي.
سبق هذا الحدث بساعات حادثة وصفها الجانب الياباني بأنها “أخطر منذ سنوات”: مقاتلات صينية -حسب طوكيو- وجّهت رادارات تحكّم للنّار نحو مقاتلات يابانية أثناء تحليقها فوق مياه دولية قرب جزيرة أوكيناوا.
اليابان أصدرت احتجاجاً رسمياً واستدعت السفير الصيني، بينما الصين رفضت الاتهامات، واعتبرت أن الطائرات اليابانية هي التي اقتربت بشكل استفزازي، داعيةً إلى الكف عن التضخيم الإعلامي.
اعتبرت طوكيو هذه الحوادث بمثابة انتهاك لقواعد السلامة الجوية وتحذيراً جدياً من أن الصين وبدعم روسي مستعدة لاستخدام القوة إن لزم الأمر.
البعد الدبلوماسي والاقتصادي: أدوات ضغط متبادلة
التوتر لم يقتصر على الجانب العسكري، بكين استخدمت التحذير من السفر إلى اليابان وتجميد بعض العلاقات الاقتصادية والثقافية كأدوات ردع على تصريحات طوكيو بشأن تايوان.
هذا الخيار أظهر أن الصين مستعدة لدفع ثمن اقتصادي في سبيل موقفها السياسي، وربما اعتبرت أن التأثير على قطاع السياحة والاستيراد الياباني سيصبّ في صالحها في معادلة الضغط.
في المقابل، طوكيو شددت على أن موقفها ثابت، مستندة إلى ما تعتبره مسؤولية أمنية تجاه تايوان، وألا تراجع عن تصريحاتها رغم الضغوط.
بعض المتابعين ذهبوا إلى أن اليابان قد تلجأ بخطوة تدريجية إلى تعزيز تحالفاتها الدفاعية، ليس فقط مع حلفائها التقليديين، بل أيضاً عبر تنويع شركائها الإقليميين في آسيا.
هذا الضغط المتبادل، خصوصاً الاقتصادي، يشير إلى أن الأزمة ليست مؤقتة، بل قد تسير نحو صدام طويل الأمد ليس فقط على مستوى العسكر، بل على الصعيد التجاري والاجتماعي.
تداعيات إقليمية وعالمية: شرق آسيوي على مفترق طرق
التنسيق العسكري المتزايد بين الصين وروسيا، واستخدامهما البحار والمجال الجوي قرب اليابان، يثير مخاوف من تحول بحرَي الصين الشرقي والياباني إلى بؤرات توتر دائم.
خاصة إن ترافقت مع مناورات بحرية وجوية دورية فقد تجعل من المنطقة مسرحاً لتنافس نفوذ مستمر، ويعرض دول مجاورة وحتى دول بعيدة إلى ضغوط أمنية.
إذا ما استمرت الأزمة، من شأنها أن تؤثر على سلاسل الإمداد العالمي، وتشكل تهديداً لاستقرار التجارة الدولية، خاصة أن اليابان والصين جزءان أساسيان من الاقتصاد الصناعي والتجاري في آسيا والعالم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تزايد العسكرة قد يعيد رسم تحالفات في المنطقة، مع دول مراقبة تدعم طوكيو وتدعو إلى ضبط النفس والتوازن.
خاتمة
ما بدأ بتصريحات سياسية حول تايوان تحوّل سريعاً إلى أزمة شاملة تشمل الجوانب العسكرية، الدبلوماسية، والاقتصادية بين اليابان والصين.
الحوادث الأخيرة من توجيه رادارات إلى طائرات يابانية إلى دوريات روسية-صينية قرب أراضي يابانية تؤكد أن المنطقة دخلت مرحلة استعراض قوة قد تتصاعد إلى مواجهة فعلية.
في هذه المعادلة المعقدة، خياران أمام اليابان: إما التصعيد الذي قد يقود إلى مواجهة مفتوحة، أو التراجع السياسي مع مراعاة أبعاد الأمن الاقتصادي والدولي.
أما الصين، فتبدو مصمّمة على استخدام مزيج من الضغط العسكري والاقتصادي للحفاظ على موقفها تجاه تايوان وتأكيد نفوذها الإقليمي.
في كل الأحوال، يبدو أن شرق آسيا يستعد لفصل جديد من الصراع قد تكون عواقبه بعيدة المدى.

