شؤون آسيوية – إعداد: رغد خضور –
تمثل العلاقات بين الصين وجيبوتي نموذجاً صاعدًا للشراكة بين دولة عظمى ودولة صغيرة ذات موقع استراتيجي حيوي.
لقد تحولت جيبوتي إلى ركيزة أساسية في الاستراتيجية الصينية بالقارة الإفريقية، لاسيما ضمن إطار مبادرة “الحزام والطريق”، بينما وجدت جيبوتي في الصين شريكاً موثوقاً يقدم الدعم دون شروط سياسية، ويساهم في تحديث بنيتها التحتية وتطوير قدراتها البشرية.
من الشراكة إلى التحالف
برزت العلاقة بين جمهورية الصين الشعبية وجمهورية جيبوتي كنموذج متقدم لتحالف استراتيجي قائم على المصالح المشتركة والتنسيق متعدد الأبعاد، وتعود بداية العلاقات الرسمية بين البلدين إلى 8 يناير 1979، بعد عامين فقط من استقلال جيبوتي عن الاستعمار الفرنسي.
ولعقود، بقيت هذه العلاقة في إطار المساعدات التنموية والمجاملات الدبلوماسية، إلا أن بوصلة التعاون بدأت تنقلب جذريًا مع مطلع الألفية الثالثة، تزامنًا مع صعود الرئيس إسماعيل عمر جيله وتبني بكين لسياسات أكثر نشاطًا تجاه إفريقيا ضمن استراتيجية التوسع العالمي.
أحد أهم المحركات لهذه النقلة النوعية كان منتدى التعاون الصيني الإفريقي (FOCAC)، الذي انطلق عام 2000، وشكل منصة مركزية لتكثيف حضور الصين في إفريقيا، إذ لعبت جيبوتي دوراً بارزاً فيه، لتنتقل العلاقة تدريجياً من تنمية تقليدية إلى تحالف متعدد الأوجه يشمل الدبلوماسية والأمن والبنية التحتية.
زيارات دبلوماسية
عكست الزيارات المتبادلة بين قيادات البلدين عمق هذا التقارب، حيث زار الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر جيله بكين مرات عدة، كان أبرزها في أعوام 2004، 2013، 2017 و2018، تم خلالها توقيع اتفاقيات تعاون في مجالات البنية التحتية والنقل والتعليم والدفاع.
بالمقابل، شهدت جيبوتي زيارات متكررة لمسؤولين صينيين رفيعي المستوى، على رأسهم وزراء الدفاع والخارجية، الذين أكدوا دعم الصين للموقع الجيوسياسي الحاسم لجيبوتي عند تقاطع البحر الأحمر وخليج عدن.
وامتدت الشراكة السياسية بين البلدين إلى التنسيق داخل المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، إذ تؤيد جيبوتي موقف الصين من قضية “الصين الواحدة” ورفضها تدخلات الغرب في تايوان وهونغ كونغ، وتقدمت الصين، كذلك، دعما متواصلاً لسيادة جيبوتي واستقرارها، خاصة خلال فترة عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي.
البعد الجيوسياسي والتعاون الأمني
في يوليو 2017، دشنت الصين أول قاعدة عسكرية لها في الخارج على الأراضي الجيبوتية، تحت مسمى “القاعدة اللوجستية الصينية”، هذه الخطوة لم تكن مجرد تطور عسكري، بل كانت إعلاناً فعلياً عن دخول الصين إلى معادلات النفوذ الجيوسياسي في البحر الأحمر والقرن الإفريقي.
القاعدة الصينية تخدم عدة أهداف، من بينها مكافحة القرصنة في خليج عدن، حماية خطوط التجارة الصينية، وتقديم الدعم اللوجستي للبعثات الأممية في إفريقيا، وقد ساهمت في تعزيز الحضور السياسي للصين في المنطقة، لكنها في الوقت نفسه أثارت توترات دبلوماسية مع قوى غربية لها قواعد عسكرية في جيبوتي، مثل الولايات المتحدة وفرنسا واليابان.
وإلى جانب الوجود العسكري، يشهد التعاون الأمني بين البلدين نمواً مطرداً، ويشمل تدريب وحدات من الجيش الجيبوتي، تبرعات بمعدات عسكرية متطورة، وتبادل معلومات استخباراتية متعلقة بمكافحة الإرهاب والقرصنة.
الصين ترى في جيبوتي شريكاً ضرورياً لحماية مصالحها البحرية ومبادرة “الحزام والطريق”، فيما تجد جيبوتي في الصين داعماً مستقراً وغير متطلب سياسياً، على عكس بعض القوى التقليدية.
صراع خفي على النفوذ
رغم الحضور العسكري الغربي القوي في جيبوتي، نجحت بكين في بناء نفوذها دون الدخول في صدام مباشر مع الولايات المتحدة أو فرنسا، حيث اعتمدت الصين استراتيجية “النفوذ الصامت”، عبر أدوات الاقتصاد والدبلوماسية والمساعدات التنموية، لتُحكم قبضتها الناعمة على واحدة من أكثر المناطق حساسية في العالم.
ويُعد وجود قواعد متعددة لقوى عالمية في جيبوتي سابقة فريدة عالمياً، إلا أن التوازن الذي تنجح جيبوتي في الحفاظ عليه يعكس قدرة دبلوماسية بارعة في استثمار تناقضات اللاعبين الدوليين لصالح تنميتها الداخلية.
الاقتصاد.. الشريان الحيوي للشراكة
تعزز جمهورية جيبوتي علاقاتها الاقتصادية والاستثمارية مع الصين، في إطار شراكة استراتيجية تتنامى عاماً بعد عام، لتجعل من الدولة الصغيرة الواقعة على مضيق باب المندب أحد أبرز الحلفاء الإقليميين لبكين في إفريقيا.
هذه العلاقة تنسجم مع مشروع الصين الطموح “الحزام والطريق”، الذي تسعى من خلاله لإعادة رسم خريطة التجارة العالمية عبر مشاريع بنية تحتية تمتد من آسيا إلى إفريقيا وأوروبا.
طريق الحرير البحري
في عام 2015، أعلنت جيبوتي انضمامها الرسمي إلى مبادرة “الحزام والطريق”، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، ما أدى إلى ارتقاء العلاقات بين الجانبين إلى مستوى استراتيجي شامل، إذ تحتل جيبوتي موقعاً محورياً في هذا المشروع، نظراً لموقعها الجغرافي على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم، حيث تمر عبره ما يفوق 30% من التجارة العالمية.
هذا الموقع جعل من جيبوتي محطة استراتيجية في “طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين”، وجعلها محط أنظار الصين التي تسعى لتعزيز نفوذها التجاري والأمني في المنطقة، عبر تأسيس مراكز لوجستية كبرى تربطها بالعمق الإفريقي، خاصة إثيوبيا والسودان.
مشاريع صينية ومنطقة حرة دولية
منذ الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق، شهدت جيبوتي طفرة عمرانية واقتصادية بدعم وتمويل صيني، ومن أبرز المشاريع ميناء دوراليه متعدد الأغراض الذي يُعد من أكثر موانئ إفريقيا تطوراً، ويخدم الميناء دولًا غير ساحلية مثل إثيوبيا، ويمثّل نموذجاً للتكامل بين البنية التحتية والنقل البحري.
وأحد المشاريع الصينية هو خط سكة الحديد أديس أبابا–جيبوتي، الذي يبلغ طوله 750 كيلومتراً، ويمثل أول خط كهربائي عابر للحدود في إفريقيا، هذا الخط حسّن من سرعة وكفاءة التبادل التجاري بين البلدين.
كذلك هناك مشروعات المياه والطاقة، ويشمل محطات تحلية مياه ومشروعات للطاقة الشمسية والرياح، لتوسيع وصول الكهرباء والمياه إلى المناطق النائية، وتُعد من أدوات الصين لتحسين نوعية الحياة في جيبوتي كجزء من “الاستثمار الناعم”.
وفي يوليو 2018، افتتحت جيبوتي، بدعم صيني، أكبر منطقة حرة في إفريقيا، على مساحة تفوق 4,800 هكتار. وتُدار بالشراكة بين هيئة موانئ جيبوتي وشركة “ميرشنتس هولدنغز” الصينية. وتهدف هذه المنطقة إلى جذب الاستثمارات في مجالات الصناعة الخفيفة، الخدمات اللوجستية، والتجارة الدولية، ما يحول جيبوتي تدريجيًا إلى مركز أعمال إقليمي يخدم القارة الإفريقية.
استثمارات ممتدة وتبادل تجاري
لم يقتصر النفوذ الاقتصادي الصيني على الموانئ والبنى التحتية، بل شمل أيضاً تطوير الموانئ والخدمات اللوجستية، كدعم وتوسعة ميناء الحاويات وميناء دوراليه النفطي، إضافة إلى شبكات الطرق التي تربط هذه المنشآت بالمناطق الصناعية.
إلى جانب الاستثمارات في قطاع الاتصالات، حيث دخلت شركات صينية كبرى مثل هاواوي و(ZTE) السوق الجيبوتي، وأسهمت في بناء شبكات الجيل الرابع وربط البلاد بكابلات الإنترنت البحرية. وتخطط الصين لتحويل جيبوتي إلى مركز إقليمي للبيانات الرقمية.
فيما يُقدّر حجم التبادل التجاري بين الصين وجيبوتي بحوالي ملياري دولار سنوياً، وتتركز الواردات الجيبوتية من الصين على السلع الاستهلاكية، والآلات، والمركبات، فيما تقتصر صادرات جيبوتي على الخدمات المرتبطة بالموانئ والنقل، بسبب ضعف القاعدة الإنتاجية للبلاد.
قلق دولي من التغلغل الصيني
تشير تقارير صادرة عن صندوق النقد الدولي إلى أن الصين تمثل نحو 70% من إجمالي الديون الخارجية لجيبوتي، وقد أثار هذا الرقم جدلاً واسعاً حول ما يُعرف بـ”فخ الديون الصيني”، حيث تُتهم الصين باستخدام التمويل كسلاح للتأثير الجيوسياسي.
ومع ذلك، تنفي السلطات الجيبوتية هذه المخاوف، وتؤكد أن المشاريع الممولة صينياً “منتجة ومربحة”، وأن الصين لم تفرض شروطًا سياسية أو سيادية مقابل التمويل، بعكس بعض الشركاء الغربيين.
التوسع الصيني في جيبوتي لم يمر دون أن يلفت أنظار القوى الغربية، حيث أبدت الولايات المتحدة وفرنسا – الدولتان اللتان تملكان قواعد عسكرية في جيبوتي – قلقهما من النفوذ الصيني المتزايد، خاصة بعد افتتاح الصين لقاعدتها العسكرية الأولى خارج أراضيها هناك عام 2017.
وتخشى هذه القوى من أن تتحول جيبوتي إلى منطقة نفوذ صينية خالصة، ما قد يُربك توازن القوى في منطقة القرن الإفريقي ذات الأهمية الاستراتيجية.
ورغم هذا، تصر جيبوتي على انتهاج سياسة “الانفتاح على الجميع”، وتؤكد أن علاقتها مع الصين لا تأتي على حساب علاقاتها الغربية، بل تسعى لتحقيق التوازن بما يخدم مصالحها الاقتصادية والسيادية.
بداية التغلغل الناعم
العلاقات الثقافية بين الصين وجيبوتي تشهد نمواً مطّرداً في السنوات الأخيرة، في إطار توجه استراتيجي صيني نحو توسيع نفوذ “القوة الناعمة” في إفريقيا، مستثمرة في أدوات الدبلوماسية الثقافية والتعليمية والإعلامية.
في عام 2019 تم افتتاح معهد كونفوشيوس في جامعة جيبوتي، ليكون أول مركز رسمي لتعليم اللغة الصينية في القرن الإفريقي، المعهد، الذي يدرّس فيه أساتذة صينيون إلى جانب مدرسين جيبوتيين مدرّبين في الصين، يمثل بوابة لتعليم اللغة الصينية والثقافة والفنون التقليدية مثل الخط والكونغ فو. وباتت الصينية خيارًا دراسيًا معترفًا به في النظام التعليمي الجيبوتي، بدعم مباشر من السفارة الصينية.
يمنح المعهد شهادات (HSK) معترف بها دوليًا، ما يتيح للطلبة فرصًا تعليمية ومهنية في الصين. وترافق هذا التوجه مع توسيع تعليم اللغة الصينية إلى المدارس الثانوية ضمن رؤية بعيدة المدى لبناء قاعدة معرفية للجيل الجيبوتي القادم.
احتفاء متبادل بالفن والتراث
على المستوى الشعبي، تُعد الأنشطة الثقافية والفنية من أبرز تجليات الحضور الصيني في جيبوتي، حيث تنظم السفارة الصينية سنوياً فعاليات مثل مهرجان الربيع الصيني و”أيام الثقافة الصينية”، التي تتنوع بين عروض فنية، ورش الخط والفخار، وعروض أفلام ومأكولات تقليدية.
كما تستضيف جيبوتي عروضاً حية لفرق صينية تقدم أوبرا بكين والرقصات الشعبية، بالتعاون مع وزارة الثقافة الجيبوتية.
وفي المقابل، تشارك وفود فنية جيبوتية في مهرجانات ثقافية بالصين، كمنتدى الفنون الإفريقية–الصينية، مما يكرس التبادل الثنائي ويعمق الفهم المتبادل.
نافذة إعلامية
شكل الإعلام أبرز أدوات الحضور الثقافي الصيني في جيبوتي، حيث تعمل وكالات مثل شينخوا وCCTV Africa على تغطية الأحداث وبث برامج موجهة بالفرنسية والعربية، وهذا التواجد يعزز الرواية الصينية ويشكّل امتداداً لسياساتها الخارجية في إفريقيا.
وترافق الإعلام مع نوع جديد من التقارب الشعبي، تمثل في الزيجات المختلطة والفعاليات الاجتماعية المشتركة التي تنظمها شركات صينية عاملة في جيبوتي.
كما بدأت مؤسسات ثقافية بترجمة الكتب الصينية إلى الفرنسية والعربية، في مقابل محاولات لترجمة الأدب الجيبوتي إلى الصينية، وإن كانت محدودة النطاق حتى الآن.
فجوات لغوية وتمثيل غير متوازن
تواجه العلاقات الثقافية تحديات جوهرية، أبرزها الحواجز اللغوية وضعف التفاهم المشترك نتيجة قلة عدد المتحدثين بالصينية من الجيبوتيين، والعكس، ويرى بعض النقاد أن التبادل الثقافي يميل لصالح الصين، حيث تغيب الثقافة الجيبوتية عن المشهد الثقافي في الصين، مقارنة بحجم الحضور الصيني في جيبوتي.
في حين ذهب بعض الأكاديميين إلى اعتبار هذه الأنشطة جزءاً من استراتيجية صينية “للاختراق الناعم”، تهدف لتعزيز النفوذ السياسي والاقتصادي من خلال أدوات ثقافية.
تعليم عابر للحدود
منذ مطلع الألفية، تبنّت الصين سياسة داعمة للتعليم في إفريقيا، واعتبرت جيبوتي أحد الشركاء الاستراتيجيين في هذا المجال، ويعود ذلك إلى موقع جيبوتي الجيوسياسي وأهميتها في ممرات التجارة العالمية.
وقد أصبح التعاون التعليمي بين الطرفين أحد الأوجه الأساسية للعلاقات الثنائية، سواء عبر المنح الدراسية، أو التبادل الأكاديمي، أو المشاريع المشتركة.
وضمن استراتيجيتها لبناء نخب إفريقية صديقة، الحكومة الصينية سنويًا ما بين 50 إلى 100 منحة دراسية كاملة للطلبة الجيبوتيين، تشمل مجالات حيوية كالهندسة، الطب، التكنولوجيا، الاقتصاد والعلاقات الدولية.
وتستضيف الجامعات الصينية طلاباً جيبوتيين في إطار شراكات مع جامعة جيبوتي، أبرزها مع جامعة بكين وجامعة نينغشيا، وتشمل التبادل البحثي وورش العمل وتمويل المشاريع الأكاديمية.
ووقّعت جامعة جيبوتي عدة اتفاقيات تعاون مع جامعات صينية رائدة مثل جامعة بكين، جامعة شنغهاي للدراسات الدولية، جامعة نينغشيا، وتشمل هذه الاتفاقيات تبادل الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، والإشراف المشترك على الرسائل العلمية، وتنظيم مشاريع بحثية مشتركة.
تدريب مهني لتعزيز المهارات
الصين تقدم أيضًا دعماً واسعًا في مجالات التدريب المهني وبناء القدرات، حيث تنظم سنويًا برامج تدريبية قصيرة ومتوسطة المدى لموظفين جيبوتيين في مجالات حيوية كالإدارة العامة، الطاقة والبنية التحتية، الصحة والتعليم، الجمارك والتجارة، وتُنفذ هذه الدورات في مراكز تدريب حكومية صينية، وتتكفل بكافة المصاريف، ضمن رؤية تهدف إلى تأهيل الموارد البشرية الجيبوتية لسوق العمل، خاصة في المشاريع التنموية الكبرى.
كما تعمل بكين على تمويل وإنشاء مراكز للتكوين المهني في جيبوتي، من أجل تدريب الشباب على المهارات الفنية المطلوبة في سوق العمل المحلي، وخفض معدلات البطالة.
دعم للبحث العلمي والتطوير
التعاون العلمي بين البلدين يمتد أيضاً إلى مجالات بحثية مرتبطة بالتنمية المستدامة، والطاقة المتجددة، والنقل، والتكنولوجياـ حيث يشارك الباحثون الجيبوتيون بانتظام في مؤتمرات علمية تنظمها الجامعات ومراكز البحوث الصينية.
كما توفر الصين منحاً تمويلية لمشاريع بحثية تُعنى بتطبيقات واقعية تخدم التنمية المحلية، بما في ذلك تطوير الموانئ والبنية التحتية، وتطبيقات الزراعة الذكية.
هذا التعاون بين الصين وجيبوتي أسهم في إعداد مئات الكوادر المؤهلة التي تعمل اليوم في مجالات التعليم، الصحة، الطاقة، والإدارة، إضافة إلى تعزيز التفاهم الثقافي بين الشعبين، من خلال الطلبة العائدين الذين أصبحوا حلقة وصل بين الحضارتين، فضلا عن الاستفادة من الخبرات الصينية في تطوير التعليم الفني والمناهج الجامعية.
شراكة إنسانية ودعم مباشر
منذ أوائل القرن الحادي والعشرين، أرسلت الصين بعثات طبية منتظمة إلى جيبوتي، ضمت أطباء في تخصصات دقيقة كالجراحة وطب الأطفال والنساء والعيون، إلى جانب ممرضين وفنيي مختبرات. هذه الفرق قدمت خدمات مجانية في مستشفيات حكومية، على رأسها مستشفى بيلتيه ومستشفى العاصمة، وشاركت في تدريب الكوادر المحلية على التقنيات الحديثة.
وساهمت هذه البعثات في سد النقص الحاد في الطواقم الطبية، لا سيما في المناطق الريفية، ما أكسبها احترامًا واسعًا لدى المواطنين، ورسّخ دور الصين كداعم أساسي للقطاع الصحي في البلاد.
في مواجهة الجائحة
عندما اجتاح فيروس كورونا العالم في 2020، كانت الصين من أوائل الدول التي هبّت لنجدة جيبوتي، حيث قدمت مساعدات طبية عاجلة، شملت كمامات وأجهزة تنفس وفحص حراري، فضلًا عن أدوات التعقيم.
كما أرسلت فرقاً متخصصة من خبراء الأوبئة، قدمت تقييمًا للوضع الوبائي، وساعدت في تحديث البروتوكولات الصحية، وتدريب الفرق الجيبوتية على إدارة الحالات.
وفي سياق دبلوماسية اللقاحات، زودت الصين جيبوتي بلقاح سينوفارم، حيث تم تسليم عشرات الآلاف من الجرعات، ما أتاح إطلاق حملة تطعيم فعالة ساعدت في احتواء انتشار الوباء محليًا.
مشاريع صحية تأهيل الكوادر
على صعيد البنية التحتية، ساهمت الصين في تحديث عدد من المستشفيات وتجهيز أقسام الأشعة والمختبرات بوحدات متطورة، إلى جانب تزويد وزارة الصحة بسيارات إسعاف ومعدات تخصصية.
كما تدرس الحكومة الصينية تمويل مشاريع مستقبلية لإنشاء مستشفى عام حديث في العاصمة، ومراكز صحية داخلية، إضافة إلى وحدات طبية متنقلة تستهدف المناطق النائية ضمن القوافل الصحية.
وتعتمد استراتيجية التعاون الصيني الجيبوتي على بناء قدرات بشرية محلية، حيث توفر الصين سنويًا منحًا دراسية لطلبة جيبوتيين لدراسة الطب والتمريض في جامعاتها، بمدة تصل إلى سبع سنوات، تشمل التدريب العملي.
إلى جانب ذلك، تنظم دورات قصيرة الأمد للمهنيين الصحيين الجيبوتيين، تتناول موضوعات متعددة مثل إدارة المستشفيات، والتعامل مع الأمراض المعدية، والتلقيح، وخدمات الطوارئ.
الطب الصيني التقليدي في جيبوتي
شهدت السنوات الأخيرة انفتاحاً على الطب التقليدي الصيني في جيبوتي، حيث نظّمت السفارة الصينية ورشاً للتعريف بالعلاج بالإبر والأعشاب والطب بالطاقة، ما أثار اهتمامًا متزايدًا من الكوادر الصحية الجيبوتية.
وتُشير الخطط المستقبلية إلى إمكانية إدخال وحدات للطب الصيني التقليدي ضمن بعض المراكز الطبية، كمرحلة تجريبية لدمج هذا النوع من الطب البديل في النظام الصحي المحلي.
نجحت الصين في فرض نموذج جديد من العلاقات الإفريقية–الآسيوية، قائم على التنمية والبنية التحتية والتعليم والصحة، دون التدخل المباشر في الشؤون السياسية الداخلية، وهو ما يجعلها شريكًا مفضّلًا لجيبوتي.
ومع استمرارية هذه العلاقة، فإن نجاح التجربة الجيبوتية مع الصين قد يُشكّل نموذجًا يُحتذى به لدول أخرى تبحث عن تنمية مستقلة وبدائل خارج المسارات الغربية التقليدية.
*صحفية سورية
**يُنشر بالتعاون مع مركز الدراسات الآسيوية والصينية