 
                                                      
                                                قمة الرئيسين الصيني والأميركي
شؤون آسيوية –
كتب د. هيثم مزاحم/
عقد الزعيم الصيني شي جين بينغ والرئيس الأميركي دونالد ترامب اجتماعًا تاريخيًا في كوريا الجنوبية، من شأنه أن يُعيد ضبط العلاقة المتقلبة بين أكبر اقتصادين في العالم والقوتين العظميين المتنافستين.
أعرب الزعيمان عن ترحيبهما الحار في بداية المحادثات – وهي أول لقاء مباشر بينهما منذ ست سنوات – في قاعدة جوية بمدينة بوسان الساحلية، بالقرب من مكان انعقاد القمة الدولية.
أشاد ترامب بشي واصفًا إياه بـ”القائد العظيم لبلد عظيم”، وقال إنه يعتقد أنهما “سيتمتعان بعلاقة رائعة لفترة طويلة من الزمن”، بينما قال الزعيم الصيني إنه “من دواعي سروري البالغ” رؤية ترامب بعد سنوات عديدة.
وقال شي: “لا نتفق دائمًا، ومن الطبيعي أن تحدث خلافات بين أكبر اقتصادين في العالم… يجب أن نحافظ على المسار الصحيح، أنت وأنا على رأس العلاقات الصينية الأمريكية”، مضيفًا أن البلدين يمكنهما “الازدهار معًا”.
ولكن حتى في ظلّ المصافحات الحارة والإطراءات، بدا ترامب وكأنه يرفع من مستوى الاجتماع قبل لحظات من هبوطه في بوسان، معلنًا انتهاء وقفٍ للتجارب النووية الأمريكية دام أكثر من ثلاثة عقود. وقال ترامب إن الولايات المتحدة “تمتلك أسلحة نووية أكثر من أي دولة أخرى”، واصفًا روسيا بالمرتبة الثانية والصين بالمرتبة الثالثة بفارقٍ كبير، لكنها ستكون متساويةً في غضون خمس سنوات. وكتب: “نظرًا لبرامج اختبار الدول الأخرى، فقد أصدرتُ تعليماتي لوزارة الحرب بالبدء في اختبار أسلحتنا النووية على قدم المساواة. وستبدأ هذه العملية فورًا”.
وبعد ساعة وأربعين دقيقة، ظهر الزعيمان مجددًا، وشوهدا وهما يتصافحان في ختام محادثاتهما. ثم صعد ترامب على متن الطائرة الرئاسية دون التحدث إلى وسائل الإعلام، منهيًا جولته الآسيوية المهمة.
تجارة مضطربة
يراقب العالم عن كثب ما إذا كان الزعيمان قادرين على تحقيق الاستقرار في العلاقة المتوترة بين بلديهما خلال الاجتماع، الذي يُختتم بزيارة الرئيس الأمريكي التي استمرت خمسة أيام وشملت ثلاث دول إلى آسيا.
يشهد الاقتصاد العالمي منذ أشهر حالة من التوتر بسبب فرض رسوم جمركية متصاعدة، وضوابط تصدير، وعقوبات أخرى طالت قطاعات متنوعة، من السلع عالية التقنية إلى الشحن البحري، حيث تراوحت الولايات المتحدة والصين بين التصعيد والتفاوض.
ويتمثل جوهر هذه التوترات في اختلال التوازن التجاري الفادح، وجهود الولايات المتحدة لضمان أمنها القومي في مواجهة الصين المتزايدة الحزم، بما في ذلك توسيع القيود على وصول الصين إلى التكنولوجيا الأمريكية عالية التقنية، مثل أشباه الموصلات المتقدمة اللازمة لتشغيل الذكاء الاصطناعي.
وناقش الزعيمان، اللذان التقيا في قاعدة جيمهاي الجوية في بوسان، مجموعة من القضايا الشائكة، بما في ذلك الرسوم الجمركية، وضوابط التصدير الشاملة التي تفرضها الصين على المعادن النادرة، والقيود الأمريكية على وصول الصين إلى التكنولوجيا الأمريكية عالية التقنية، ودور الصين في تجارة الفنتانيل غير المشروعة.
من المرجح أن تكون مشتريات الصين من فول الصويا الأمريكي، ومستقبل تطبيق التواصل الاجتماعي الصيني الشهير “تيك توك” في الولايات المتحدة، والحرب في أوكرانيا، بالإضافة إلى تايوان، من المواضيع التي طُرحت على طاولة الزعيمين خلال محادثاتهما.
انتهى اجتماع بين المفاوضين التجاريين الأمريكيين والصينيين خلال عطلة نهاية الأسبوع في كوالالمبور، ماليزيا، بتفاؤل واضح من قدرة ترامب وشي على الاتفاق على إطار عمل لإدارة علاقاتهما مستقبلاً.
ارتفعت التوقعات بشكل أكبر خلال رحلة الرئيس إلى آسيا، وفقًا لمصادر مطلعة، على أمل أن يُسفر الاتفاق عن أكثر من مجرد لقاء هادئ بين الزعيمين العالميين.
لكن أي اتفاق يتم التوصل إليه لن يكون سوى حجر زاوية في صراع القوى العظمى الشائك والمتقلب بين أميركا والصين، التي يُثير نفوذها العسكري المتزايد في عهد شي في بحري الصين الشرقي والجنوبي قلق حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
يرى الجانبان أن عقد اجتماع على مستوى القادة أمرٌ أساسي لاستقرار العلاقة، في ظل استمرار صراعهما حول كيفية هيكلة علاقاتهما الاقتصادية.
ستكون نتيجة محادثات اليوم الخميس التي تُحقق ذلك بمثابة نعمة للصين، التي تسعى إلى تحقيق قدر من الوضوح في علاقاتها مع الولايات المتحدة بينما تنطلق بسرعة نحو الاكتفاء الذاتي من التكنولوجيا الأمريكية المتطورة، وكذلك لترامب، الذي يُمثل اجتماعه مع شي خاتمة مهمة لصفقات خاطفة في جميع أنحاء آسيا.
مسارٌ وعرٌ للمحادثات
على الرغم من الثقة التي أبداها المفاوضون التجاريون في الأيام الأخيرة، والتصريحات الودية التي أدلى بها الزعيمان مع انطلاق المحادثات في بوسان، ظلّ عقد الاجتماع مسألةً مفتوحةً قبل أيامٍ فقط، بعد تصاعدٍ سريعٍ في الخلافات بين الجانبين.
رفضت بكين تطبيقَ قاعدةٍ أمريكيةٍ جديدةٍ أواخرَ الشهر الماضي، والتي زادت بشكلٍ كبيرٍ من عدد الشركات الصينية المُقيّدة من الوصول إلى تقنياتٍ أمريكيةٍ مُعينة، ثمّ، بعد أسبوعين تقريبًا، دخلت رسومُ الموانئ الأمريكية المُقررة على السفن الصينية الصنع أو المُدارة من قِبل الصين حيّز التنفيذ.
فقد رأى المسؤولون الصينيون أن القواعد الجديدة تُمثّل انتهاكًا لروح محادثاتهم التجارية التي عُقدت في سبتمبر في مدريد. لم تكتفِ بكين بفرض رسومٍ على موانئها، بل ردّت أيضًا بتوسيعٍ شاملٍ لضوابط تصدير المعادن النادرة – وهي خطوةٌ أثارت قلق واشنطن. هدد ترامب بالرد بفرض رسوم جمركية إضافية بنسبة 100% على الواردات الصينية في الأول من نوفمبر، وضوابط على تصدير البرمجيات، قائلاً آنذاك إنه “لا يوجد سبب” للقاء شي.
وتم ترتيب اجتماع اليوم بدقة متناهية من قبل مسؤولين أمريكيين وصينيين. إذ كان من المتوقع في الأصل أن يغادر ترامب قبل يوم واحد، وكان البيت الأبيض قد خطط للقاء شي في المساء، مما كان من شأنه أن يُمهّد لعقد اجتماع عاجل. وقرر المسؤولون في النهاية عقد الاجتماع في اليوم التالي في المطار بالتزامن مع مغادرة ترامب ووصول شي في زيارة رسمية، وفقًا للمصادر.
والآن، وبعد انتهاء الاجتماع دون نشر أي بيان رسمي من أي من الجانبين، يراقب المراقبون عن كثب ما كان كل منهما على استعداد للتنازل عنه للتوصل إلى اتفاق – وهو توازن دقيق، حيث لا يرغب أي من الزعيمين القويين في أن يُنظر إليه من قبل جمهوره المحلي على أنه يُقدم تنازلات كبيرة لمنافس استراتيجي.


 
         
         
         
         
         
        