spot_img

ذات صلة

جمع

مكالمة قد تغير التاريخ: لحظة ترامب وبيزشكيان لإحلال السلام

شؤون آسيوية - بقلم سيد حسين موسويان*/ أعربت إدارة ترامب...

هل يُخيّب ترامب آمال نتنياهو؟

د. هيثم مزاحم ** يقول الكاتب الإسرائيلي إيتان غلبواع...

عيد الربيع الصيني.. رمز للفرح والتقاليد

شؤون آسيوية - بقلم تشو شيوان ** مع اقتراب موعد...

ترامب مهتم بزيارة الصين والهند قريباً

شؤون آسيوية – واشنطن - أبلغ الرئيس...

من الرماد ….. ما مستقبل غزة؟

خاص شؤون آسيوية، مقالة: أوليفر ماك تيرنن، ترجمة: معهد...

سدّ النهضــة .. لعبة خصخصة المياه وتسعيرها

مراجعة: محمد عبد الشّافي القُوصِـــي/

“سد النهضة .. لعبة بنوك المياه فى دول حوض النيل” هي أخطر دراسة من نوعها، للباحث المتخصّص في شؤون الزراعة والري، مصطفى خَلاّف، إذْ أطلقَ صيحة تحذير من المخاطر التي تتهدّد الأمن المائي العربي بصفة عامة، ومن تداعيات “سد النهضة الأثيوبي بوجه خاص، باعتبار أنّ ما يحدث يكشف عن واحد من أخطر السيناريوهات التى جرى التخطيط لها منذ فترة بعيدة لاختراق الأمن القومي العربي والتحكّم فيه.
لقد كشفت هذه الدراسة -الصادرة عن دار أوراق للننشر والتوزيع، والتي تقع في 400 صفحة، عبر 12 فصلاً، عن أبعاد لعبة دولية مُحكمة تدور حول مستقبل المياه في المنطقة العربية، وقد حيكت خيوطها عبر مؤتمرات واتفاقيات سريّة، ترجع إلى أكثر من قرن من الزمان.
مفاده هذه المؤامرة أنّ المياه سوف تكون محور الصراع القادم في منطقة الشرق الأوسط، ومن بين الجهات التي اهتمت بهذا الأمر الاستخبارات الأميركية التي لمست الخطر المائي منذ زمن عندما حدّدت عشر مناطق مرشّحة لأن تكون مناطق صراع حول المياه، وفي مقدمتها “الشرق الأوسط”، فقد تشتعل فيه حروب المياه في المستقبل القريب بسبب مظاهر الجفاف التي حلّت بالمنطقة، وتدنّي كمية الأمطار، وتزايد أعداد السكان، وبالتالي زيادة متطلباتهم المائية، بالإضافة إلى اعتماد منطقة الشرق الأوسط في تلبية احتياجاتها المائية على ثلاثة أنظمة مائية، هي: دجلة والفرات، ونهر النيل، وأنظمة نهر الأردن وروافده، فضلاً عن نهري العاصي والليطاني، ولمّا كانت هذه الأنهار جميعاً أنهاراً دولية ما عدا نهر الليطاني، تستفيد منها أكثر من دولة عربية وغير عربية، فسوف يحتدم الصراع، خصوصاً أنّ إسرائيل بدأت تلعب دوراً في هذا الصراع طمعاً في الحصول على نصيب من هذه الأنهار بالتحريض ضد الدول العربية المستفيدة من تلك الأنهار. وما يحدث الآن في منابع النيل خير شاهد على ذلك.

الأطماع الإسرائيلية في مياه نهر النيل
تحدَّث الباحث عن تاريخ الأطماع الإسرائيلية في حوض النيل، وأوضح أنّ المشروع الإسرائيلي ارتبط بنهر النيل والفرات، اعتماداً على تأويلات تلمودية خاطئة، تقول: “فقطع مع إبراهيم ميثاقاً بأن يعطي لنسله هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات”، وهذا المعطى الديني هو ما يفسر وجود مشاريع إسرائيلية مرتبطة بنهر النيل، ومتزامنة مع مشروع هرتزل نفسه في مطلع القرن العشرين، والقائم على نقل مياه النيل من سحارات تحت قناة السويس إلى سيناء ومنها إلى إسرائيل. وبناء على ذلك، تَقدّم هرتزل للحكومة المصرية بمشروع للحصول على امتياز الاستيطان في شبه جزيرة سيناء لمدة 99 عاماً، مطالباً في سياق هذا المشروع بجزء من مياه النيل الزائدة في فصل الشتاء التي تذهب إلى البحر المتوسط، إلا أن هذا المشروع واجه رفضاً مصرياً بريطانياً مؤسّساً على أن المشروع البريطاني يربط مسارات واتجاهات الزراعة المصرية بمتطلبات الصناعة البريطانية في لانكشاير، وهي المتطلبات التي جعلت من زراعة القطن أولوية في كل من مصر والسودان من جهة، إضافة إلى ما قد تسببه السحارات تحت قناة السويس من ملوحة للأراضي في سيناء، تؤدي إلى انهيار أية مشاريع زراعية فيها طبقاً لوثائق ودراسات متخصصة عن العلاقات المصرية السودانية.
وجاءت الخطوة الثانية للمشاريع الإسرائيلية المرتبطة بالمياه عام 1974، إذْ طرحت أهم المشاريع الإسرائيلية المتطلعة إلى الحصول على مياه من نهر النيل، وهو مشروع “إليشع كالي” مهندس المياه الإسرائيلي- الذي صدّر مشروعه بالقول: بأنّ “معطيات منطقتنا البيئية والسياسية تفرض أن يكون لكل اتفاق سلام بند مياه”.
وتدور فكرة مشروع كالي الأساسية حول أنّ الحصول على قدر يوصَف إسرائيلياً بأنه صغير من المياه لإسرائيل من النيل (0.8 متر مكعب) عن طريق مصر لن يؤثر في الميزان المائي المصري. أمّا “الأساس الفني للمشروع” فيعتمد على توسيع ترعة السلام في مدينة الإسماعيلية، لتنقل ما بين 100 – 500 مليون متر مكعب من المياه، بسحّارات تحت قناة السويس وصولاً إلى إسرائيل، على أن تتحول المياه في هذه الحالة إلى سلعة تشتريها إسرائيل.
ويبدو أن هذا المشروع مركزي لإسرائيل –كما يقول الباحث- فهو يُطرح دورياً وفي كل مناسبة على مصر اعتباراً من عام 1974، وطُرح عامي 1986 و1989، كما طُرح في إطار مفاوضات مدريد عام 1991. وتبلور موقف مصري رافض لهذا المشروع مستنداً إلى اعتبارات فنية واستراتيجية؛ إذْ يرتكز “الجانب الفني” على إمكانية رفع ملوحة الأرض الزراعية في سيناء، وكذلك تدشين مبدأ تسعير وبيع المياه وهو مبدأ يكون باهظ التكاليف لمصر المحرومة من أيّة مصادر للمياه عدا نهر النيل، خاصة إذا فكرت في استخدامه دول منابع حوض النيل، كما أن وصول مياه النيل إلى إسرائيل فضلاً عن أنه مخالف لقواعد القانون الدولي المتعلقة بأحواض الأنهار المشتركة، فهو يضيف إلى دول الحوض دولة جديدة في سابقة هي الأولى من نوعها.
أمّا “الجوانب الإستراتيجية”، فتتمثّل في أن حصول إسرائيل على هذا القدر من المياه يكون بمثابة ولادة جديدة لها، لأنه يعطيها 20 ضعف المساحة المزروعة حالياً، ويُمكّنها من زيادة المساحات المزروعة في صحراء النقب بما يساوي 500 ألف فدان، إضافة إلى أنه يدعّم القدرات الإسرائيلية في استجلاب المزيد من المستوطنين.
وبالتأكيد، فإنّ كلاً من الجانبيْن، الفني والاستراتيجي، يُشكّل خسائر هائلة لمصر على مستوى أمنها القومي، كما يُشكّل ارتفاعاً لمستوى التهديدات للأمن القومي العربي على المستوى الإجمالي،س طبقاً لتقديرات الخبراء السياسيين والأمنيين.
وطبقاً للمعطيات السالفة الذّكر؛ يكون “نهر النيل” أحد ركائز السياسات الإسرائيلية، وتكون مصر هي البوابة المتاحة الوحيدة للحصول على جزء من مياه النهر. ويأخذ السودان موقعه المهم في هذه الركائز باعتبار أنه دولة مصب لنهر النيل أوْ أن يكون أحد أوراق الضغط في يد إسرائيل إذا ما استطاعت أن تكون لاعباً مؤثراً في مجريات التفاعلات السودانية الداخلية.
من هنا تبدو إسرائيل ومخططاتها بشأن سد النيل غير بعيدة من تفاعلات سد النهضة، وتحوّله خلال عشر سنوات من المفاوضات من منشآت هندسية معنيّة بتوليد الكهرباء إلى منشآت متحكّمة في التدفّقات المائية المرتبطة بحياة ما يزيد على 150 مليون نسمة في دولتي المصب: مصر والسودان.

لعبـــة “سـد النهضـــة”
وقد طرح “الباحث” عدداً من الأسئلة التي تتناول لعبـــة “سد النهضة” وما يترتب عليها من أخطار لدول المصبّ حال تفاقمها، فيقول: ما حقيقة الوجود الإسرائيلي في دول منابع النيل؟ وهل نحن على شفا حربٍ ستستعر بين دول حوض النيل حول اقتسام مياه النيل؟ وإلى أيّ مدى تمثّل إسرائيل تهديداً للأمن القومي المصري فيما يتعلق بمنابع النيل؟ وهل تعتبر الخطوة التي قامت بها إثيوبيا ببناء سد النهضة مجرد مساومات سياسية وورقة للضغط على مصر لتحصل على نصيب لها من مياه النهر وفق اتفاقية قانونية أمْ أنّ ما تقوم به هو عمل يهدد الأمن القومي للمنطقة ويصبّ في استراتيجيات ومصالح جهات أخرى؟ وهل سد النهضة عمل تنموي محكم يخدم الشعب الإثيوبي بالفعل أمْ أنه حلقة أخرى في سلسلة حرب المياه للسيطرة على أهم روافد الحياة لمصر والسودان؟ وهل سد النهضة هو مشروع إثيوبي وطني حقاً أم أنّ وراءه مصالح لدول أخرى؟ وهل تتفق خطط المياه في كل دولة من دول المنبع والمصب مع الاتفاقيات التاريخية لاستغلال مياه النيل؟ من الذي يتحكم بقوة في مياه النيل؟ وهل يحق لأيّ دولة القيام بعمل انفرادي في أيّ رافد من روافد النيل من دون الرجوع للدول الأخرى؟ وهل حرب المياه مجرد دعاية إعلامية تهويلية ومبالغ فيها أمْ أنها حرب حقيقية بدأت بالفعل منذ زمن والناس عنها غافلون؟ وماذا يقول الخبراء والمحللون السياسيون؟!!
يؤكّد الباحث أننا لن نصل إلى حقيقة واضحة ما لم نُدرك بأنّ الأطماع الإسرائيلية في مياه نهر النيل ليست وليدة الظروف الحالية وإنما تعود إلى عام 1903، عندما مارست الحركة الصهيونية ضغوطها على الحكومة البريطانية صاحبة السيادة على مصر في ذلك الوقت، لإرسال بعثة فنية لإجراء دراسات حول إمكانية تحويل مياه النيل إلى شبه جزيرة سيناء لتطويرها وبناء المستعمرات ثم جرّ هذه المياه إلى منطقة صحراء النقب لتوطين اليهود، وفي عرض آخر على السلطات البريطانية تأجير شبه جزيرة سيناء لمدة 99 عاماً، إلاّ أنّ الحكومة المصرية رفضت بشدة هذه الضغوط.
ورغم أن “معاهدة السلام المصرية- الإسرائيلية” لم تتطرق إلى مسألة المياه، إلاّ أنّ إسرائيل تتطلع إلى جرّ كميات من مياه نهر النيل لتصل إلى حوالي 800 مليون م3 وهذه الكمية تعادل 1% من تصريف مياه النيل، وفي نظر إسرائيل أنّ هذه الكمية لا تعني الشيء الكثير لمصر في حين تعني الكثير لإسرائيل -علماً بأنّ الكمية التي تسمح بها مصر للذهاب هدراً إلى البحر أكبر بكثير. وقد نسيت إسرائيل أن هذه الكمية تذهب لأسباب فنية منها لمعادلة ملوحة المياه، ومنع مياه البحر من التقدم على حساب الشواطئ المصرية، وتطمع إسرائيل في جر المياه عبر قناة تمر أسفل قناة السويس، وهذه الكمية يمكنها ريّ 2.16 مليون دونم في النقب ما يمكنها من استيعاب ملايين المهاجرين اليهود. وقد استغلت إسرائيل تقاربها مع إثيوبيا في عهد الإمبراطور “هيلاسيلاسي” وقامت بتوظيف هذه العلاقة من أجل تهديد مصر من زاوية المياه.

أســئلة مشروعــــة
يتساءل الباحث: أين موقع إسرائيل من كل ما يدور في منطقة حوض النيل وما حولها؟ وهل إسرائيل لها وجود فعلي مؤثر وراء ما يحدث من نزاعات خفيّة أو معلنة؟
ثمّ يجيب قائلاً: إن سد النهضة كان نتيجة دراسة قامت بها الإدارة الأميركية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ويبرز البعد الجيوسياسي لـ”إسرائيل” في مسألة “سد النهضة” من خلال أصل الفكرة التي تعود إلى حقبة الستينيات، باعتبار أنّ السد كان نتيجة دراسة قامت بها الإدارة الأميركية لصالح حليفتها “إسرائيل”، وذلك بعد توجّه مصر برئاسة عبد الناصر إلى بناء السد العالي. وفي تلك الفترة، قام مكتب الاستصلاح الزراعي الأميركي بعدة دراسات بين عامي 1956-1964، قبل أن يحدد 26 موقعاً لإنشاء السدود في إثيوبيا أهمها، 4 سدود على النيل الأزرق الرئيسي، وهي: كارادوبي، مابيل، مانديا، وسد الحدود (النهضة)، بالإضافة إلى الأراضي الزراعية التي سيتم استصلاحها بعد إنشاء السدود.
وجاءت الدراسات الأميركية إثر الاتفاقية الرسمية التي وقّعتها واشنطن مع سلطات أديس أبابا عام 1957، رافق ذلك رفض إثيوبي لعرض عبد الناصر بتشكيل هيئة فنيّة مشتركة لدول نهر النيل.
هذا؛ وقد كان نقل مياه النيل إلى فلسطين المحتلة، من أهم المشاريع المطروحة في المباحثات المتعددة الأطراف، التي عقدت في فيينا عام 1992، حيث تمسك المفاوضون الإسرائيليون بعدم التنازل عن ذلك، تحت ذريعة حاجة “إسرائيل” إلى المياه في المستقبل ومن ضمنها مياه النيل. أحد المفاوضين الإسرائيلين وهو دان سالازفسكي، قالها صراحة: “إذا كان أحد يقصد السلام، فينبغي ألاّ يجادل بشأن المياه”.
ومنذ ذلك التاريخ؛ تسعى “إسرائيل” إلى جعل إثيوبيا ممراً لها باتجاه إفريقيا، ومنفذاً استراتيجياً يخوّلها فتح قنوات سياسية وأمنية وعسكرية في القرن الإفريقي تكون داعماً في صراعها المستمر في المنطقة من خلال تعاونها مع دول إثيوبيا وإريتيريا وجيبوتي، وقد تَعزّز ذلك من خلال التطورات في منطقة البحر الأحمر ولا سيما اليمن.
وهذا ما أكده بنيامين نتنياهو -أمام البرلمان الإثيوبي في تموز / يوليو من عام 2016، وذلك خلال زيارته إلى أديس ابابا- حينما قال: “سندعم إثيوبيا تكنولوجياً لتستفيد من مواردها المائية”. وقد تزامن كلام نتنياهو مع افتتاح السلطات الإثيوبية المرحلة الأولى من السد على مياه النيل الأزرق في الشهر ذاته لزيارته.
ثمّ تتالت التصريحات الإسرائيلية الداعمة لإثيوبيا، حيث أعلنت نائبة المدير العام للشؤون الأفريقية في وزارة الخارجية الإسرائيلية “آينات شيلين” في ديسمبر عام 2019، عن استعداد تل أبيب “لتقاسم تجربتها الواسعة في إدارة المياه مع أديس ابابا”. وقد سبق ذلك، إعلان السفير الإسرائيلي لدى إثيوبيا رافائيل موراف: أنّ “إسرائيل” تعمل على إدخال نظام الري الحديث في إثيوبيا.
وإضافة إلى الدعم السياسي، كشف موقع “ديبكا” الإسرائيلي في يوليو عام 2019 عن أنّ “إسرائيل” أكملت نشر منظومة الصواريخ الإسرائيلية “Spyder-MR” حول “سد النهضة”.
كما تحدّث السفير الإثيوبي السابق لدى “إسرائيل” هيلاوي يوسف عن استحواذ شركة إسرائيلية على عقود إدارة محطات الكهرباء في إثيوبيا بما فيها محطة “سد النهضة”. وأكدّ أن “إسرائيل” لديها 240 مستثمراً يعملون في إثيوبيا بمجالات الري والكهرباء والمياه، فضلاً عن تنفيذ مشروعات ري ضخمة من خلال المياه الإثيوبية بعد إتمام بناء السد، بالتوازي مع تمويل 200 مليون دولار لتطوير أنظمة الري.
كما قامت الحكومة الإسرائيلية بافتتاح “اكتتاب شعبي” في البنك المركزي الإسرائيلي لجمع التبرعات الموجهة إلى السندات والأذون لخدمة مشروع “سد النهضة”، وصولاً إلى قيام الحكومة الإثيوبية باستقدام العديد من الخبراء والفنيين الإسرائيليين للعمل في مراحل التجريب والتنفيذ طوال المرحلة الثانية. في وقتٍ كشف فيه وكيل وزارة الري السودانية الأسبق “حيدر يوسف” عن وجود طابق كامل في وزارة المياه الإثيوبية مخصّص لخبراء المياه الإسرائيليين.
كما أشارت العديد من المعطيات إلى أنّ آليّة التفاوض التي تتبعها إثيوبيا مع مصر، قد وضع أُسسها فريق تفاوضي في وزارة الخارجية الإسرائيلية، منهم وزير الخارجية الأسبق شاؤول موفاز، وديفيد كمحي -وهو وكيل سابق في الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد).
وتسير “إسرائيل” ضمن مبدأ الضغوط القصوى على مصر من أجل دفعها سياسياً واقتصادياً، للعودة إلى مشاريع نقل “مياه النيل” باتجاه المستوطنات والمدن المحتلة في فلسطين، من خلال تدخلها المباشر في مسألة “سد النهضة” والتأثير على تداعياتها السلبية ضد مصر وأمنها المائي والسياسي. وتسعى تل أبيب من خلال ذلك إلى الدفع باتجاه الاعتراف بها كـ”دولة” شرق أوسطيّة بالدرجة الأولى، وكطرفٍ معنيّ بمياه نهر النيل من البوابة الإثيوبية، ما ترى فيه “حقاً” بعد ذلك للاستفادة من مياه النهر.
وأعلنت بعض الأوساط الإسرائيلية أنّ “تل أبيب” باتت تتحكّم بنسبة كبيرة في المشروعات المائية والكهربائية في إثيوبيا (من دول المنبع) ما سيجعلها تتحكّم في مرحلة لاحقة بتدفّق مياه النيل من المنبع إلى المصب، مع ضمان حصول مصر على نسبة معينة، على أن تكون هي من ضمن “المصب”، بمعنى أن تشترط “إسرائيل” وصول المياه إليها في مقابل السماح بوصوله إلى مصر، وذلك من خلال شراكتها مع إثيوبيا في “البنك الإثيوبي لتصدير مياه النيل الأزرق”.
وما عزّز تلكَ الرؤى، هو بناء مصر 6 أنفاق ضخمة غير معلن عنها في سيناء، وفق ما قاله موقع “ميدل إيست أوبزرفر” البريطاني في عام 2016، مرجّحاً أنّ الهدف منها هو “إيصال مياه النيل إلى إسرائيل”. وأشار الموقع البريطاني إلى أنّ “الحكومة المصرية أعلنت أنها ستبني ثلاثة أنفاق للسيارات ونفق واحد للقطارات، إلاّ أنها لم تعلن أيّ شيء عن ستة أنفاق أخرى جاري العمل بها”.
ومِمَّا فاقم من أزمة “سد النهضة”؛ هو تراجع الدور المصري في إفريقيا بعد مرحلة الرئيس عبد الناصر مطلع سبعينيات القرن الماضي، لصالح دورٍ إسرائيلي وجد منافذ عديدة للدخول إلى القارة، كان عبد الناصر أغلقها ضمن أولوياته الهادفة إلى الحفاظ على سياسة استراتيجية تخدم المصالح الإفريقية عامة، ومصالح الأمن القومي المصري خاصة.
مِن هنا ندرك أنّ حل أزمة “سد النهضة” لا يتعلق فقط بالمفاوضات المصرية-الإثيوبية-السودانية، بلْ بتحقيق الرغبات الإسرائيلية وهيمنتها على مصادر الطاقة في حوض النيل من جهة، وعلى التوسع باتجاه القارة الإفريقية من جهةٍ أخرى. لذا، فإنّ “إسرائيل” الحاضر الأبرز في “سد النهضة” ولن توافق على أيّ حلّ يستثنيها من “مياه النيل” ويُقوّض توسّعها في دول حوض النهر، وعلى سواحل البحر الأحمر.

spot_imgspot_img