شؤون آسيوية – بقلم: المستشار د. أحمد يوسف –
في قطاع غزة، ارتفعت أصوات يهودية حرة في أنحاء العالم تندّد بالمجازر المرتكبة، وتعلن براءتها مما يُرتكب باسم الدين اليهودي. فقد أكّد هؤلاء أن اليهودية ليست الصهيونية، وأنه لا رابط عضوي بين الدين والاحتلال، ولا بين الإيمان والتمييز العنصري. واعتبر كثيرون الصهيونية حركةً استعماريةً عنصريةً استغلّت الدين لتبرير مشروعها الإحلالي في فلسطين.
من بين هذه الأصوات تبرز الشبكة اليهودية الدولية لمناهضة الصهيونية (IJAN)، التي تأسست عام 2008 كإطار عالمي لليهود المنخرطين في النضال من أجل تحرير الفلسطينيين وتفكيك نظام الفصل العنصري، دفاعاً عن قيم العدالة والمساواة.
كذلك تُعدّ جماعة ناطوري كارتا (Neturei Karta) من أبرز الحركات الأرثوذكسية المعارضة للصهيونية على أساس ديني، إذ تأسست في أواخر الثلاثينيات وتمسّكت بموقف مبدئي يرى أن السيادة اليهودية لا تكون إلا بقدوم المسيح، ومن ثم فهي ترفض قيام دولة إسرائيل بصيغتها السياسية الحالية.
وبرزت أيضًا منظمات ونشطاء يهود تقدّميون في أوروبا وأمريكا الشمالية، يرفعون صوتهم دفاعاً عن الفلسطينيين وضد الاحتلال، من أبرزهم «الصوت اليهودي من أجل السلام» (JVP) في الولايات المتحدة، التي تطالب بإنهاء الاحتلال، وتدعم حركات المقاطعة والمحاسبة الدولية، وتدعو إلى تفكيك نظام الفصل العنصري الإسرائيلي.
وفي بريطانيا، تنشط شبكة «يهود من أجل العدالة للفلسطينيين» (Jews for Justice for Palestinians)، التي جمعت يهودًا من نخب فكرية ومجتمعية مختلفة لتعرية سياسات الاحتلال، وحشد الرأي العام البريطاني نحو دعم العدالة في فلسطين.
كما تبرز حركات شبابية يهودية مثل «IfNotNow» في أمريكا، تمثل جيلاً جديدًا من الشباب اليهودي الرافض للصمت، المنظَّم داخل مجتمعاته للضغط على المؤسسات الدينية والسياسية من أجل وقف دعم الاحتلال ومناهضة سياسات القهر والعنصرية.
وإلى جانب المنظمات، هناك مفكرون ومؤرخون يهود شجعان تناولوا بجرأة ممارسات الصهيونية ومآلاتها الأخلاقية، مثل المؤرخ إيلان بابِه (Ilan Pappé) الذي وثّق في أعماله سياسات التطهير العرقي ضد الفلسطينيين منذ عام 1948، مؤكدًا أن ما جرى كان مشروعًا استعماريًا منسّقًا لإلغاء الوجود الفلسطيني من أرضه.
إنّ هذه الأصوات —من منظماتٍ وأفراد— تمثل اليوم ضمير الإنسانية الذي يرفض أن يُختطف الدين ليكون غطاءً للاستعمار والقتل الجماعي. ومن هنا، فإننا كفلسطينيين، أحوج ما نكون إلى مدّ الجسور مع هذه القوى اليهودية التقدمية، لتشكيل جبهة إنسانية عالمية تتصدى للصهيونية كحركة عنصرية تسعى لفرض الهيمنة بالقوة، ولتأكيد أن العدالة والسلام لا يمكن أن يُبنيا على أنقاض شعبٍ آخر.
لقد آن الأوان لأن نتجاوز الصور النمطية، وأن نُعيد الاعتبار لتاريخ التعايش العربي–اليهودي الذي امتد آلاف السنين قبل ظهور المشروع الصهيوني، ولنعمل مع أحرار اليهود على كشف زيف الرواية الصهيونية وبناء تحالفٍ للضمير الإنساني يضع حدًا لواحدة من أطول الجرائم الاستعمارية في التاريخ الحديث.

