نتنياهو وبن غفير قائدا التطرف القومي والديني الصهيونيين
بقلم: يديديا شتيرن – أستاذ جامعي إسرائيلي –
- قبل ثلاثين عاماً تماماً، انقلبت حياتي؛ مساء السبت، عند منتصف الليل، رن الهاتف، كان على الخط صحافي من شبكة CNN يقول: “سمعنا أن القاتل طالب في كلية الحقوق في جامعة بار إيلان التي تشغل أنت منصب عميدها.” هكذا تلقيت، بصدمة، نبأ اغتيال رئيس الحكومة إسحاق رابين؛ في صباح اليوم التالي، التقيت جاراً لي في المبنى، وهو أستاذ في الجامعة العبرية، فنظر إليّ بغضب، وقال متهماً: “ماذا فعلتم بنا؟” هكذا أدركت، لأول مرة، فكرة أنه يوجد “نحن”، الضحايا المقتولون، و”أنتم”، المتدينون الذين أُدرِج اسمي ضمنهم، القتَلة.
- هالني أن القاتل تصرّف بدوافع دينية، بحسب إفادته، كان هذا تجسيداً درامياً للصعوبات التي تواجهها الديانة، التي شُكلت على مدى ألفَي عام من المنفى، في التعامل مع الظاهرة اليهودية الأهم في جيلنا: دولة إسرائيل. صُدمت كون قاتل الشرعية المتمثلة في رئيس الحكومة استمد شرعية فعلته البشعة من شركاء أيديولوجيين، بينهم أيضاً علمانيون يشاطرونه مواقفه القومية المتطرفة.
- عقب الاغتيال، قررت أن أغيّر مجال تركيزي في العمل والبحث العلمي، من القانون التجاري والاقتصادي إلى القانون العام والديني، انطلاقاً من قناعة بأن ثمة خشية من فقدان استقلالنا الوطني مرةً أُخرى، على غرار ما حدث في خراب الهيكل، نتيجة اندلاع حرب أهلية.
- هل يمكن أن يحدث اليوم اغتيال سياسي في إسرائيل؟ هل زال الخطر؟ لقد مرّ ثلاثون من الأعوام المتصلة بصراعات داخلية حادة، من دون أن تنزلق إلى عنف متطرف. ومن الجدير ذِكر حدثين: الأول، خلال فك الارتباط، حين التزم أصحاب “القبعات البرتقالية” ضبط النفس، على الرغم مما واجهوه من طرد مُهين، ودمار لمشروع حياتهم، وانهيار لمسار مسياني خلاصي، ومع ذلك، أخلوا الأماكن من دون عنف؛ الحدث الثاني كان خلال ما سُمّي بـ”الثورة القضائية”، حين مارس مئات الآلاف من الأشخاص قدراً كبيراً من التروّي في أثناء احتجاجهم على ما اعتبروه تدميراً للديمقراطية وضياعاً للمستقبل.
- قليلة هي المجتمعات الديمقراطية التي شهدت نضالات تمسّ جوهر كيانها الجمعي بهذه الكثافة العاطفية، من دون اللجوء إلى السلاح. ويبدو كأنه تم استيعاب الدروس من اغتيال رابين.
- ومع ذلك، يُظهر استطلاع حديث أجراه “المعهد للسياسات تجاه الشعب اليهودي” (JPPI) أن 81% من الإسرائيليين يخشون من احتمال وقوع اغتيال سياسي، وهذا الخوف مبرَّر، لأن الأسباب الجذرية للعنف السياسي الذي قاد إلى الاغتيال لم تُعالَج بعد؛ لذا، ما زال الخطر قائماً.
- كان لاغتيال رابين دافع ديني، إذ ولّد اتفاق أوسلو صداماً بين بعض الحاخامات وبين السلطة السيادية، ولا يزال ماثلاً في الذاكرة، وبشكل سلبي، خروج المئات من الحاخامات ضد اتفاق أوسلو، تحت شعار “رأي التوراة”، الذي اعتبروه مُلزماً، بصفته حكماً شرعياً. وعلى الرغم من أن اغتيال رابين أدى إلى قدر من الوعي بخطورة مزج الشريعة الدينية بالسياسة، فإنه من الواضح عدم تطوُّر منظومة فكرية دينية جادة تعالج معنى السيادة. وهكذا، تصف الحاخامية الصهيونية – الدينية المحاكم الرسمية بأنها “محاكم للأغيار”، فتقوّض شرعيتها، بينما تصف الحاخامية الحريدية الجيش الإسرائيلي بأنه “مكان لا يجب العودة إليه.” هذه مظاهر لعدم الاستيعاب الديني للدولة، وهي بذور فوضى قد تكون القفزة الفكرية منها إلى ممارسة العنف، على خلفية دينية، ضد أصحاب المناصب الرسمية، قصيرة جداً.
- كان هناك أيضاً دافع سياسي لاغتيال رابين: دفع اليمين إلى الزاوية، وادّعى بعض قادته المتطرفين، ومنهم علمانيون، أن العمليات التي أفضت إلى اتفاق أوسلو تفتقر إلى الشرعية، وبذلك “أباحوا”، ضمناً، اللجوء إلى العنف. أمّا اليوم، فالوضع أشد خطورة: التطورات الاجتماعية (الأزمة الديمقراطية المستمرة التي تعمّق الفجوة بين الفئات)؛ والإعلامية (سهولة التحريض والكذب في خضم فوضى وسائل التواصل الاجتماعي)؛ والجيوسياسية (“مجزرة” السابع من تشرين الأول/أكتوبر)، أمور كلها ترفع حرارة الحياة العامة في إسرائيل، وتزيد في احتمال الانزلاق إلى عنف حاضر في اليوميات. لقد بلغ مستوى الثقة العامة بمؤسسات الدولة، جميعها، أدنى مستوياته التاريخية، وهو ما يُضعف الكوابح النفسية أمام الإقدام على أعمال ضد القادة الذين يعملون من داخلها.
- في ظل هذه التطورات الخطِرة، هل تتعامل السلطات في إسرائيل مثلما يجب مع المحرضين من اليسار واليمين؟ وفقاً للاستطلاع، يرى 80% من الإسرائيليين أن المعالجة “أقل مما يجب”.
- لقد حظينا بأن نولد يهوداً في جيل السيادة، وهذا يلقي علينا جميعاً مسؤولية جسيمة تقضي بأن نعامل الدولة وقادتها باحترام. فالخطيئة رابضة عند الباب.
- المصدر: صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية نقلاً عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

