شؤون آسيوية – ديما دعبول –
شهدت الانتخابات البرلمانية العراقية لعام 2025 حدثاً سياسياً مفصلياً في مسار التجربة الديمقراطية بالعراق، وسط أجواء من الترقب الشعبي والجدل السياسي حول شكل التحالفات المقبلة ومستقبل الحكومة.
جرت الانتخابات في 11 نوفمبر 2025، بمشاركة واسعة من الناخبين مقارنة بالدورات السابقة، ما يعكس تحولاً في المزاج العام ورغبة في إعادة رسم ملامح السلطة التشريعية بعد سنوات من التحديات السياسية والاقتصادية.
السياق العام للعملية الانتخابية
تأتي هذه الانتخابات في ظل مشهد سياسي معقد يتّسم بتنافس بين قوى تقليدية وتحالفات جديدة، شارك فيها أكثر من 7 آلاف مرشح يمثلون أحزاباً وكيانات متعددة على 329 مقعداً في مجلس النواب.
رغم مقاطعة بعض القوى السياسية، خصوصاً التيار الصدري، فإن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات أكدت أن العملية جرت بانسيابية، وبمراقبة محلية ودولية لضمان الشفافية والنزاهة.
كما خُصص يوم للتصويت الخاص شمل القوات الأمنية وبعض الفئات الخاصة قبل الاقتراع العام.
المشاركة الشعبية والإجراءات التنظيمية
أعلنت المفوضية العليا أن نسبة المشاركة بلغت نحو 56%، وهي الأعلى منذ انتخابات 2018، ما فُسّر بأنه مؤشر على رغبة العراقيين في التغيير والمشاركة السياسية.
جرى التصويت باستخدام النظام الإلكتروني الذي أتاح تسريع عملية العد والفرز، مع نقل النتائج من المحطات إلى مراكز التجميع المركزية.
ورغم بعض الشكاوى الفردية، أكدت الجهات الرقابية أن الانتخابات مرّت بسلام دون خروقات أمنية كبيرة، بفضل الخطة التي شاركت فيها القوات العراقية لضمان تأمين أكثر من 8 آلاف مركز اقتراع.
النتائج الأولية وموازين القوى
أعلنت المفوضية النتائج الأولية مساء 12 نوفمبر، وجاء في مقدمتها ائتلاف الإعمار والتنمية بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي تصدّر في معظم المحافظات الشيعية والعاصمة بغداد.
تلاه تحالف تقدم بزعامة محمد الحلبوسي، ثم ائتلاف دولة القانون بقيادة نوري المالكي، بينما حصد الحزب الديمقراطي الكردستاني تقدماً ملموساً في إقليم كردستان.
وبحسب المراقبين، فإن هذا الترتيب يعزز موقع السوداني في قيادة مفاوضات تشكيل الحكومة المقبلة، لكنه يفرض أيضاً تحديات في بناء توافق واسع داخل البرلمان الجديد.
دور المراقبة المحلية والدولية في ضمان النزاهة
أولى المجتمع الدولي والمنظمات المحلية اهتماماً واسعاً بمتابعة الانتخابات العراقية لعام 2025، باعتبارها مؤشراً على استقرار العملية الديمقراطية في البلاد.
شاركت بعثات من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من منظمات المجتمع المدني العراقية في مراقبة سير الاقتراع، وأشادت أغلب التقارير بسلاسة العملية التنظيمية والتقنية.
وأكدت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) أن الإجراءات المتخذة من قبل المفوضية العليا أسهمت في الحد من التلاعب والتزوير، رغم بعض الملاحظات المتعلقة بالتأخير في إعلان النتائج النهائية وتباين أداء المراقبين في المحافظات.
كما لُوحظت زيادة في مشاركة المتطوعين الشباب كمراقبين محليين، مما عزّز الشفافية وأضفى ثقة نسبية لدى الناخبين.
وتُعد هذه المشاركة الواسعة من قبل الجهات الرقابية خطوة مهمة لترسيخ معايير الانتخابات الحرة والنزيهة، وتعزيز ثقة المواطن العراقي في أن صوته يمكن أن يكون عاملاً مؤثراً في صناعة القرار الوطني.
التحديات والآفاق المستقبلية
رغم نجاح العملية الانتخابية فنياً، تواجه الحكومة المقبلة تحديات كبيرة، أبرزها:
إعادة بناء الثقة الشعبية بالمؤسسات السياسية بعد سنوات من الفساد والانقسام.
تحسين الخدمات الأساسية في الكهرباء والمياه والتعليم والصحة.
إدارة التوازنات الإقليمية والدولية بما يحفظ استقلال القرار العراقي.
تمكين الشباب والمرأة في المشهد السياسي الجديد.
لكن توضح نسبة المشاركة المرتفعة أن الناخب العراقي ما زال متمسكاً بحقّه في التغيير عبر صناديق الاقتراع، رغم الإحباطات السابقة، وهو ما يفرض على الطبقة السياسية مسؤولية كبيرة لترجمة هذه الإرادة إلى إصلاح فعلي.
الخاتمة
إن انتخابات العراق 2025 ليست مجرد استحقاق سياسي روتيني، بل محطة لتجديد الشرعية وبناء مرحلة جديدة من التوازنات.
تصدّر ائتلاف الإعمار والتنمية يعكس ثقة نسبية باستمرار مسار الدولة، لكنه يضعها أمام اختبار صعب في تشكيل حكومة قوية قادرة على الإصلاح وتلبية تطلعات المواطنين.
وتبقى الأيام المقبلة حاسمة في تحديد شكل التحالفات التي سترسم ملامح العراق السياسي في السنوات القادمة، في وقت يتطلع فيه العراقيون إلى استقرارٍ يواكب طموحاتهم في الأمن والعدالة والتنمية.

