شؤون آسيوية – ديما دعبول
في خضم تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وفنزويلا، تنفّذ واشنطن تحشيداً عسكرياً غير مسبوق في منطقة الكاريبي، في إطار ما أعلنت عنه عملية عسكرية جديدة تحت اسم “الرمح الجنوبي”.
في المقابل، تستعد كراكاس من خلال تعبئة واسعة لقواتها وإعلان خطط للدفاع بخيارات متعددة، بما يشمل مقاومة مسلّحة إذا لزم الأمر.
التصريحات الرسمية من الجانبين تعبّر عن حزام أمني وسياسي مشدود، مما يثير المخاوف من مواجهة عسكرية قد تتجاوز مجرد الضربات على تهريب المخدرات، إلى مسار تغييري للنظام الفنزويلي.
عملية “الرمح الجنوبي” الأميركية: أهداف ورؤية رسمية
أعلن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث عن إطلاق عملية عسكرية تحت عنوان “الرمح الجنوبي”، بقيادة قوة المهام المشتركة التابعة للقيادة الجنوبية الأميركية.
الهدف المعلن رسمياً من العملية هو محاربة “تجار المخدرات الإرهابيين”، وحماية الولايات المتحدة من تدفق المخدرات التي تُعتبر تهديداً داخلياً على حد وصفه.
لكن تقريراً من المصادر العسكرية يشير إلى أن الخيارات المقدّمة للرئيس تشمل غارات جوية وحتى ضربات برية داخل فنزويلا، ما يُظهر أن النوايا قد تتجاوز مجرد مكافحة التهريب.
هيغسيث صرح بأن هذه العملية “تهدف إلى إزالة الإرهابيين المرتبطين بالمخدرات من نصف الكرة الغربي” وأكد أن الأمر صدر بتوجيهات من الرئيس الأميركي.
من جهة قانونية، هناك رأي قانوني سري من وزارة العدل الأميركية يفيد بأن الجنود المشاركين في الضربات البحرية لا يخضعون للملاحقة القانونية فيما بعد، باعتبار أن الولايات المتحدة في نزاع مسلح غير دولي، وهو ما يمنح إدارة ترامب سلطة أوسع.
هذا التصعيد يترافق مع تواجد كبير لسفن حربية أميركية، حيث حُشدت نحو 12 سفينة، من بينها حاملة طائرات، إلى جانب نحو 15 ألف جندي في منطقة الكاريبي، وهو أكبر انتشار عسكري أميركي في المنطقة منذ غزو بنما عام 1989 من وجهة نظر بعض المصادر.
رد فنزويلا: تعبئة شاملة وتحذيرات قوية
في مواجهة التصعيد الأميركي، أعلنت فنزويلا عن استنفار واسع لقواتها. الرئيس نيكولاس مادورو أمر بتشكيل قيادات دفاع وطني، وأكد أن البلاد مستعدة لمواجهة “التهديد الإمبريالي” من واشنطن.
بالإضافة إلى ذلك، تستعد كراكاس لحرب محتملة على عدة أصعدة: برية، بحرية، نهرية، وجوية، مع نشر صواريخ ووحدات ميليشيا مشارِكة مع الجيش، بحسب ما نقلته تقارير.
أحد أكبر التهديدات التي طرحها مادورو هو خيار مقاومة بأسلوب حرب العصابات (“مقاومة مطوَّلة”)، إن تعرضت بلاده لهجوم برّي أو جوي من الولايات المتحدة.
كما أن هناك استراتيجية بديلة من كراكاس، تسمى “الفوضى”: تعتمد على المخابرات وأنصار الحزب الحاكم المسلحين لخلق حالة من الفوضى داخل المدن، خصوصاً كراكاس، لجعل البلاد “غير قابلة للحكم” من قبل قوات أجنبية، وفق ما نقلته وسائل إعلام عن تخطيط دفاعي رسمي.
من الناحية السياسية، رفض مادورو الاتهامات الأميركية بأن فنزويلا تقود تهريب مخدرات بطريقة منظمة، ودعا الشعب الأميركي إلى “التحالف من أجل السلام” بدلاً من احتدام الصراع.
بموازاة ذلك، وقع مادورو مرسوماً يمنحه صلاحيات أمنية موسّعة، منها القدرة على تعبئة القوات المسلحة ومنح الجيش دوراً أكبر في قطاعات مثل النفط والخدمات العامة، تحسباً لأي تدخل عسكري.
التحذيرات الدولية وردود الفعل
التوتر الأميركي–الفنزويلي لم يمر دون لفت انتباه دول أخرى: إيران عبرت عن قلقها الشديد من التصعيد، ووصفت التهديدات العسكرية الأميركية ضد فنزويلا بأنها “انتهاك صارخ” لسيادتها، مطالبة الولايات المتحدة باحترام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.
هذه التحركات الأميركية أثارت أيضاً تساؤلات بين دول أميركا اللاتينية وبعض المراقبين، الذين يرون أن حملة “الرمح الجنوبي” قد تكون ذريعة سياسية لتغيير النظام وليس مجرد استراتيجية لمكافحة المخدرات.
من جهة أخرى، تشير بعض التقارير إلى أن الخيارات العسكرية التي عُرضت على ترامب شملت غارات داخل الأراضي الفنزويلية، مما يضاعف المخاطر.
السيناريوهات المحتملة والمخاطر
سيناريو ضربات محدودة: قد تقتصر العملية على ضرب القوارب المزعومة بأنها تنقل مخدرات، أو عمليات بحرية استعراضية، مما يسمح لأميركا بالقول إنها تفي بالتزاماتها دون تدخل بري كبير.
سيناريو تدخل أوسع: إذا اختارت واشنطن خيار الضربات الجوية أو البرية، فقد تتطور الأوضاع إلى مواجهة استراتيجية، مع مقاومة من فنزويلا تشمل حرب عصابات أو فوضى مدنية.
تأثيرات إقليمية: أي تصعيد كبير يمكن أن يزعزع استقرار في منطقة الكاريبي وأميركا اللاتينية، وقد يدفع دولاً أخرى إلى اتخاذ مواقف؛ كذلك قد تستفيد كراكاس من تحالفات مع دول مثل روسيا أو إيران لمواجهة الضغوط.
مخاطر قانونية ودولية: استخدام القوة من قبل الولايات المتحدة قد يثير تساؤلات شرعية دولية، خاصة إذا استمرت الضربات داخل المياه الدولية أو الأراضي الفنزويلية، وقد يواجه انتقادات من الأمم المتحدة ودول أخرى.
خاتمة
التحرك الأميركي الحالي ضد فنزويلا، المتمثل في إطلاق “الرمح الجنوبي” وتحشيد عسكري كبير في الكاريبي، يمثل نقطة فاصلة في العلاقات بين واشنطن وكراكاس.
ما بدأ كحجة لمكافحة تهريب المخدرات قد يتحول إلى لعبة ضغط جيوسياسي وربما إلى صراع عسكري أوسع إذا لم يقتصر الأمر على البحار.
فمن جانبها، ترفض فنزويلا اتهامات واشنطن، وتستعد بكل عزيمة للدفاع عن سيادتها، مع تحذير من مقاومة طويلة الأمد إذا شنت الولايات المتحدة هجوماً برياً أو جوياً.
بينما على المستوى الدولي، تترقب دول عدة هذا التصعيد بحذر، مع تساؤلات حول جدوى القوة كوسيلة لحل الخلافات السياسية، وما إذا كانت أميركا تفضل التغيير بالقوة أو الضغط عبر أدوات سياسية.

