بقلم: يارا رياض عباد***
المُلخَّص:
هدف هذا البحث إلى تحديد أثر القيم التَّنظيميَّة (قيم إدارة المنظَّمة، قيم إدارة العلاقات، قيم إدارة المهمَّة، قيم إدارة البيئة) على الإبداع الإداري، وذلك في عيِّنة من الجامعات الحكوميَّة السُّوريَّة.
قامت الباحثة بتوزيع (500) استبانة على عيِّنة ميَّسَّرة من المديرين والعاملين وأفراد الكوادر الإداريَّة المسؤولة عن اتِّخاذ أشكال وأنواع مختلفة من القرارات الإداريَّة في الجامعات السُّوريَّة الآتية: جامعة دمشق، جامعة تشرين، جامعة حلب، جامعة البعث وجامعة طرطوس. تمَّ استرداد جميع الاستبانات الموزَّعة، ومن ثمَّ قامت الباحثة باستبعاد (13) استبانة منها لعدم استكمال بياناتها، وبذلك يكون عدد الاستبانات التَّي تمَّ تفريغها هو (487) استبانة. قامت الباحثة بتحليل البيانات باستخدام برنامج التَّحليل الإحصائي (SPSS 28).
وفي نهايَّة هذا البحث توصَّلت الباحثة إلى مجموعة من الاستنتاجات وأهمّها: يوجد أثر ذو دلالة إحصائيَّة للقيم التَّنظيميَّة (قيم إدارة المنظَّمة، قيم إدارة العلاقات، قيم إدارة المهمَّة، قيم إدارة البيئة) على الإبداع الإداري في الجامعات محلِّ الدِّراسة. كما تقدَّمت الباحثة في نهايَّة البحث بمجموعة من التَّوصيات والَّتي كان أهمُّها: تطوير استراتيجيات فاعلة للكشف عن المبدعين والموهوبين في الجامعات محلِّ الدِّراسة ومن ثمَّ القيام بتدريبهم وتطويرهم مهنياً لتوفير قيادات إداريَّة مؤَّهلة وقادرة على استثمار الطَّاقات الإبداعيَّة، ربط التَّطور المهني والوظيفي للأفراد العاملين في بمستوى أدائهم الوظيفي وبكميَّة الأعمال الإبداعيَّة التي يقدمونها في إنجاز أعمالهم، التَّركيز على الأساليب الإيجابيَّة كالتَّوعية والتَّحفيز والإقناع في غرس القيم التَّنظيميَّة الإيجابيَّة، بدلاً من التَّركيز على الأساليب السَّلبيَّة كالرَّقابة الشديدة والعقاب.
مُقدِّمة:
إن التَّطورات والتَّغيُّرات التي يشهدها العالم في المجتمعات الحديثة في جميع المجالات المعرفيَّة، التكنولوجيَّة، الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة جعلت المنظَّمات تولي أهميَّة كبيرة لموضوع القيم التَّنظيميَّة التي تتعلق دراستها بالعنصر البشري في علاقاته التَّفاعليَّة داخل التَّنظيم سواء أكانت علاقات إنسانيَّة أم علاقات مهنيَّة أم إداريَّة وبما يتبناه الأفراد من قيم لها تأثير على جودة المنظَّمات وفاعليتها وتناسق أدوار ومخرجات ثروتها البشريَّة.
كما تحتلُّ القيم التَّنظيميَّة داخل أي تركيب تنظيمي مكاناً جوهرياً وبارزاً، نظراً لما تؤديه من دور فعال في ضبط وتوجيه السَّلوك الإنساني ضمن الإطار المقبول والإيجابي في وجود الخيارات المتاحة، فهي تمثِّل منبع تفسيري تعزى له المواقف السَّلوكيَّة في المنظَّمة. فمنظومة القيم في التَّنظيمات ذات تأثير كبير على سلوكيات الفرد العامل سواء أكان قائد أو مرؤوس، والتمعن في تحول القيم التي كانت تحكم سلوكيات الإداريين من قيم سلبيَّة كان جوهرها النَّظرة المتدنيَّة والغير تقديريَّة لمجهودات وإسهامات المورد البشري في العمليَّة الإنتاجيَّة والخدماتيَّة إلى قيم إيجابيَّة ومساهمة في تحقيق أهداف التَّنظيم في ظل المحافظة على هذا النَّسق القيمي العلني والضِّمني، يعطي بصمة وهويَّة للتَّنظيم والعناصر البشريَّة المكوَّنة له، ومن ثمَّ فالقيم التَّنظيميَّة قاعدة يُبنى عليها الكيان الثقافي لأيَّة منظَّمة.
كما أنَّ الإبداع هو الطَّريقة التي تلجأ إليها منظَّمات الأعمال للاستجابة والتكيف مع المتغيِّرات البيئيَّة لتحقيق مزايا تنافسيَّة على غيرها، فالإبداع ليس إلا رؤيَّة الفرد لظاهرة ما بطريقة جديدة، لذلك يمكن القول إن الإبداع يتطلب القدرة على الإحساس بوجود مشكلة تتطلب المعالجة، ومن ثم القدرة على التفكير بشكل مختلف ومبدع، ومن ثم إيجاد الحل المناسب، ويأتي الإبداع الإداري مطلباً مهماً وأساسياً لأيَّة منظَّمة لكونه يدعم قوة أيَّة منظَّمة في تميزها عن المنظَّمات الأخرى، وهذا لا يأتي إلا إذا توفرت بيئة عمل مناسبة وسليمة تدفع الأفراد إلى إبراز قدراتهم الإبداعيَّة وتوظيفها بالشَّكل المناسب للوصول إلى أفكار وحلول فريدة وملائمة وفي الوقت نفسه يمكن أن تعود بفائدة كبيرة على الأفراد أيضاً.
وبناءً على ما سبق جاءت هذه الدِّراسة للإحاطة بأثر القيم التَّنظيميَّة السَّائدة في المنظَّمة على الإبداع الإداري فيها.
مشكلة البحث:
بناءً على الدِّراسات السَّابقة التَّي اطَّلعت عليها الباحثة وعلى الدِّراسة الميدانيَّة التَّي قامت بها في الجامعات السُّوريَّة الآتية: جامعة دمشق، جامعة تشرين، جامعة حلب، جامعة البعث وجامعة طرطوس، أمكن تلخيص مشكلة البحث من خلال طرح التَّساؤل الرَّئيس الآتي:
ما أثر القيم التَّنظيميَّة على الإبداع الإداري في الجامعات الحكوميَّة السُّوريَّة؟
ومن هذا التَّساؤل انبثقت التَّساؤلات الفرعيَّة الأربع الآتية:
ما أثر قيم إدارة المنظَّمة على الإبداع الإداري في الجامعات محلِّ الدِّراسة؟
ما أثر قيم إدارة العلاقات على الإبداع الإداري في الجامعات محلِّ الدِّراسة؟
ما أثر قيم إدارة المهمَّة على الإبداع الإداري في الجامعات محلِّ الدِّراسة؟
ما أثر قيم إدارة البيئة على الإبداع الإداري في الجامعات محلِّ الدِّراسة؟
أهميَّة البحث:
الأهميَّة النَّظريَّة: قد تسهم الدِّراسة الحاليَّة في تقديم إطار نظري مبسَّط وتوضيحي لمتغيُّرات البحث (القيم التَّنظيميَّة، الإبداع الإداري)، الأمر الذي يؤَّهلها لتكون مرجعاً نظريَّاً يمكن الاستفادة منه في إثراء المكتبة العربيَّة والمحلِّيَّة ومراكز البحث العلمي من جهة، وتشجيع الباحثين لإجراء العديد من الدِّراسات والأبحاث في هذا المجال من جهةٍ ثانيَّة.
الأهميَّة العمليَّة: تبرز أهميَّة هذا البحث كونه محاولة أكاديميَّة للكشف عن أثر القيم التَّنظيميَّة على الإبداع الإداري لدى الجامعات الحكوميَّة السُّوريَّة في ظل بيئة سريعة التَّغيُّر والنُّمو والتَّطور. كما يلفت انتباه المنظَّمات السُّوريَّة بشكل عام، والجامعات محلِّ الدِّراسة على وجه الخصوص، على جميع الوسائل والأدوات التي تساعد في تحسين مستوى الإبداع الإداري في هذه المنظَّمات. فضلاً عن المساهمة في تقديم المقترحات والحلول للإدارة العليا في المنظَّمات الحكوميَّة لتحسين الإبداع الإداري من خلال تطبيق القيم التَّنظيميَّة وإبرازها داخل المنظَّمة، والتَّركيز على إيجاد سبل لحل المشكلات التي تواجها المنظَّمات والتي توثِّر على مستوى الإبداع الإداري، وتساعدها على مواجهة الأزمات والتحديات في المستقبل.
أهداف البحث:
تتمثَّل الأهداف المُراد الوصول إليها من هذا البحث في:
التَّعرُّف على واقع تطبيق القيم التَّنظيميَّة (قيم إدارة المنظَّمة، قيم إدارة العلاقات، قيم إدارة المهمَّة، قيم إدارة البيئة) في الجامعات محلِّ الدِّراسة.
معرفة مستوى الإبداع الإداري المحقق في الجامعات محلِّ الدِّراسة.
الكشف عن وجود علاقة بين القيم التَّنظيميَّة والإبداع الإداري في الجامعات محلِّ الدِّراسة.
تحديد أثر القيم التَّنظيميَّة (قيم إدارة المنظَّمة، قيم إدارة العلاقات، قيم إدارة المهمَّة، وقيم إدارة البيئة) على الإبداع الإداري في الجامعات محلِّ الدِّراسة.
تقديم مجموعة من المقترحات والتَّوصيات والتي من شانها في حال تطبيقها في الجامعات محلِّ الدِّراسة أن تساهم في تعزيز دور القيم التَّنظيميَّة السَّائدة في تحسين الإبداع الإداري في هذه الجامعات.