شؤون آسيوية – جنيف / دمشق –

 

في تطور لافت يعكس تحوّلاً نوعيًا في التعاطي الدولي مع سوريا، رحب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، بخطوات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة المتعلقة برفع العقوبات المفروضة على دمشق، مؤكداً أن هذه الإجراءات تمثل فرصة حقيقية لتحسين الظروف المعيشية ودعم مسار الانتقال السياسي في البلاد.

وقال بيدرسون، في إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، إن “هذه التطورات تحمل إمكانات كبيرة لتحسين الأوضاع في سوريا، خاصة مع انخراط دول إقليمية مؤثرة كالسعودية وتركيا وقطر في جهود تسوية الأوضاع”، مشيراً إلى أن هذه التحركات تتضمن دعم معالجة التزامات سوريا المالية الدولية، والمساهمة في دفع رواتب القطاع العام، وتأمين الموارد الحيوية في مجالات الطاقة.

 

أوضاع معيشية وإنسانية مأزومة

ورغم أجواء التفاؤل الحذر، أشار بيدرسون إلى التحديات الهيكلية الجسيمة التي لا تزال تواجه سوريا، من اقتصاد منهار نتيجة أكثر من عقد من الحرب، إلى تدهور مؤشرات الأمن الغذائي وتزايد معدلات الفقر والتشرد. وأكد أن “إنعاش الاقتصاد يتطلب إصلاحات شاملة في منظومة الحوكمة والمالية، ودعمًا دوليًا واسع النطاق”.

هذا ما أكده أيضاً راميش راجاسينغهام، مدير التنسيق بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، الذي أشار إلى أن 90 في المئة من السكان يعيشون في فقر، فيما يحتاج 16.5 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، ويعاني أكثر من نصف السكان من انعدام الأمن الغذائي. وأضاف أن “الوضع التمويني مقلق للغاية”، إذ لم يُمول سوى 10% من خطة الاستجابة الإنسانية للعام الجاري، مما يهدد بإغلاق مراكز صحية وخدمات حماية أساسية.

 

خطوات وطنية تجاه العدالة والشفافية

في جانب آخر، نوّه بيدرسون إلى إنشاء اللجنة الوطنية للعدالة الانتقالية واللجنة الوطنية للمفقودين، معتبراً ذلك خطوة مهمة نحو استعادة الثقة وضمان الحق في الحقيقة والعدالة. ودعا إلى إشراك أسر الضحايا والناجين في عمل هذه اللجان، كما أثنى على مشاركة النساء من خلال المجلس الاستشاري النسائي، الذي عقد أولى جلساته في دمشق منذ تأسيسه.

 

استحقاقات سياسية مرتقبة

وحول المرحلة المقبلة، شدد المبعوث الأممي على أن “الخطوة التالية وفق الإعلان الدستوري هي تشكيل اللجنة العليا المكلفة باختيار أعضاء مجلس الشعب الجديد”، مؤكداً أهمية الشفافية والانفتاح في هذه العملية. لكنه حذّر في الوقت نفسه من تصاعد التوتر في بعض المناطق مثل السويداء، وما رافقه من أعمال عنف أثارت الذعر بين السكان، داعياً إلى استمرار الحوار الوطني.

وفي السياق ذاته، أعرب بيدرسون عن قلقه من تجدد الغارات الجوية الإسرائيلية، مطالباً بوقفها الفوري، واحترام سيادة سوريا وسلامة أراضيها. وأكد أن “هناك فرص دبلوماسية يجب إعطاؤها الأولوية”، مشيراً إلى أن الشعب السوري بات يشعر ببعض الأمل في ظل المتغيرات الأخيرة.

 

انفتاح إقليمي ودولي

على المستوى السياسي، عبّرت دول غربية وإقليمية عن استعدادها لإعادة الانخراط مع سوريا، وهو ما رحب به نائب السفير السوري لدى الأمم المتحدة رياض خضور، معتبراً أن قرار رفع العقوبات “يمثل لحظة فارقة طال انتظارها”، ويتيح فرصًا فعلية للتعافي الاقتصادي والاجتماعي.

من جهته، أجرى رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع اتصالاً مع رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، حيث رحب الأخير برفع العقوبات، مشيداً بانعقاد مؤتمر المانحين في بروكسل كخطوة لدعم التعافي والاستقرار في سوريا. كما دعا الشرع الشركات الأوروبية للاستثمار، واصفاً بلاده بـ”الممر الاقتصادي المهم بين الشرق والغرب”، وجدد التزامه بالانتقال الديمقراطي وبناء اقتصاد قوي، خاصة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية.

 

تعاون دولي وتطلعات مستقبلية

وفي خطوة موازية، أعلنت وزارة الخارجية السورية عن تنسيق مع الاتحاد الأوروبي بشأن التعافي المبكر، وإعادة الإعمار، وملف العودة الطوعية للاجئين بالتعاون مع تركيا والأردن ولبنان.

وأكدت دمشق عبر مسؤوليها أنها “تمد يدها لكل من يسعى بصدق إلى دعم استقرار سوريا”، وجددت دعوتها لمجلس الأمن لاتخاذ موقف حازم تجاه الاعتداءات الإسرائيلية، خاصة على المناطق المدنية.

 

هذا وتفتح التحركات الدولية الأخيرة، وعلى رأسها قرار رفع العقوبات، نافذة أمل أمام السوريين نحو تجاوز الأزمة الممتدة منذ سنوات، وبناء مسار سياسي واقتصادي جديد، غير أن التحديات لا تزال كبيرة، من الحاجة إلى تمويل إنساني مستدام، إلى الإصلاحات البنيوية، إلى حماية السيادة ووقف العنف، ويبدو أن تعاون المجتمع الدولي والإقليمي، إلى جانب التزام الأطراف السورية بالحوار والانفتاح، سيكون حاسماً في تحويل هذه اللحظة إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل أفضل.

 

المصدر: موقع الأمم المتحدة + الجزيرة نت

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *