شؤون آسيوية – ديما دعبول
مقدمة
شهد المغرب في الأشهر الأخيرة موجة احتجاجات واسعة، قادتها حركة الشباب المعروفة باسم “جيل زد 212″، حيث طالب المشاركون بإصلاحات جذرية في قطاعات التعليم والصحة، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين، والإفراج عن المعتقلين على خلفية الاحتجاجات السابقة.
وقد تحولت هذه التحركات إلى ظاهرة اجتماعية مهمة، تعكس صراع الأجيال بين الشباب الطامح للتغيير والمؤسسات الحكومية التي تسعى للحفاظ على الاستقرار.
تتسم هذه الاحتجاجات بتنوع مطالبها، وتكرارها في عدة مدن مغربية، مع رفع شعارات تتمحور حول الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.
جذور احتجاجات “جيل زد 212”
بدأت احتجاجات حركة “جيل زد 212” نتيجة تراكم مشكلات اقتصادية واجتماعية يعاني منها الشباب المغربي، مثل البطالة المرتفعة، تدني جودة التعليم، ونقص الخدمات الصحية الأساسية.
يشير مراقبون إلى أن الشرارة الأولى كانت مطالب الطلاب الجامعيين بتحسين ظروف التعليم، مع توسع الحركة لتشمل احتجاجات المطالب الاجتماعية والاقتصادية.
الشباب المغربي يرى في هذه التحركات وسيلة للتعبير عن إحباطه من التباطؤ في تنفيذ الإصلاحات الحكومية، وهو ما دفعهم إلى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم المظاهرات ونشر مطالبهم على نطاق واسع.
مدن الاحتجاجات ومشاركة الشباب
شهدت مدن مثل الرباط، الدار البيضاء، وطنجة تجمعات كبيرة شارك فيها مئات الشباب، حاملين شعارات مثل “السراح للمعتقلين” و”حرية، كرامة، عدالة اجتماعية”.
وتؤكد المصادر أن هذه المظاهرات امتدت لتشمل مختلف الفئات العمرية، رغم أن الشباب بقي القلب النابض للحركة.
وفق البيانات المتوفرة، تجاوز عدد المشاركين في بعض المظاهرات المحلية 2000 شخص، في حين كانت السلطات تحرص على متابعة الوضع بدقة لمنع التصعيد.
هذه الانتشار الجغرافي يعكس طبيعة الحركة الشاملة وتطلعاتها لإحداث تأثير وطني ملموس.
مطالب الإصلاح في التعليم والصحة
ركزت الحركة على إصلاح التعليم وتحسين الخدمات الصحية، وهما قطاعان يشهدان انتقادات متزايدة من قبل المواطنين.
في التعليم، يشكو الطلاب من الاكتظاظ في الفصول الدراسية وقلة الموارد، بينما يشير القطاع الصحي إلى نقص التجهيزات والكوادر الطبية في بعض المناطق.
وقد صرح وزير التعليم مؤخراً بأن الحكومة تعمل على إطلاق مشاريع لإعادة هيكلة المدارس وتوسيع فرص التكوين المهني، كما أعلن وزير الصحة عن خطط لتوفير أجهزة ومعدات طبية جديدة، مع الالتزام بتحسين الخدمات في المستشفيات الإقليمية.
الإفراج عن المعتقلين وحقوق الإنسان
طالبت حركة “جيل زد 212” بالإفراج عن الشباب المعتقلين على خلفية الاحتجاجات السابقة، معتبرة أن استمرار الاعتقال يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان.
من جانبها، أكدت الحكومة استعدادها لمراجعة القضايا بشكل قانوني، وفق تصريحات وزارة العدل التي قالت: “نلتزم بضمان حقوق جميع المواطنين، ونفتح الباب للحوار القانوني مع من ثبت تورطه في أعمال مخالفة للقانون”.
هذه النقطة تعد من أبرز المطالب التي تؤثر على ديناميكية الاحتجاجات وتفاعل الرأي العام معها.
دور وسائل التواصل الاجتماعي
كانت وسائل التواصل الاجتماعي المحرك الأساسي لتنظيم المظاهرات ونشر مطالبها، حيث استخدم الشباب المنصات الرقمية لبث أخبار الاحتجاجات، وتنسيق المواقع والتوقيتات، إضافة إلى إيصال رسائلهم للجهات الرسمية والجمهور العام.
وقد أثبتت التجربة المغربية أن هذه الوسائل لم تعد مجرد أداة ترفيه، بل أداة سياسية واجتماعية فعالة، حيث يمكنها تعبئة الجماهير بسرعة، ومراقبة التغطية الإعلامية الرسمية، بل وحتى جذب اهتمام الصحافة الدولية.
ردود فعل الحكومة والإجراءات الموازية
واجهت الحكومة الاحتجاجات بمزيج من الحوار والاستعدادات الأمنية.
فقد أعلنت الحكومة المغربية أنها “مستعدة للحوار مع الشباب وتسريع تنفيذ المشاريع الاجتماعية”، كما صرح مسؤول حكومي بأن الأولوية ستكون لرفع المعاناة عن المواطنين من خلال تحسين التعليم والصحة وتوفير فرص الشغل.
في الوقت نفسه، تم تعزيز التواجد الأمني في بعض المناطق الحساسة لتجنب التصادمات، مع الحرص على عدم قمع الاحتجاجات السلمية.
الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للاحتجاجات
تؤثر هذه الاحتجاجات بشكل مباشر وغير مباشر على الاقتصاد المحلي، خاصة في المدن التي شهدت توقفاً جزئياً لبعض النشاطات التجارية والخدمات.
كما أن الاحتجاجات تحمل أبعاداً اجتماعية واسعة، إذ تعكس رغبة الشباب في المشاركة السياسية والاجتماعية، ومقاومة الهامشية التي يشعرون بها.
ويشير خبراء إلى أن معالجة جذور هذه الاحتجاجات تتطلب استجابة حكومية فعالة تشمل الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب تعزيز الحوار المفتوح مع الشباب.
خاتمة
تمثل احتجاجات “جيل زد 212” انعكاساً حقيقياً لتطلعات الشباب المغربي نحو التغيير والعدالة الاجتماعية، وهي تحركات متواصلة تؤكد على أهمية الإصلاحات البنيوية في التعليم والصحة والعدالة.
على الحكومة المغربية الاستمرار في الحوار الفعّال وتنفيذ المشاريع الملموسة لتلبية مطالب الشباب، مع الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي، فنجاح هذه التجربة قد يشكل نموذجاً لدول أخرى في المنطقة تواجه تحديات مشابهة في تفاعل الشباب مع الدولة والمجتمع.
