شؤون آسيوية – الخرطوم –
أعلنت قوات الدعم السريع السيطرة الكاملة على مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور غربي السودان، بعد معارك “طاحنة” مع قوات الجيش وحلفائه وحصار لأكثر من عام.
ورغم إعلان الدعم السريع يسود غموض الوضع الميداني في الفاشر في ظل معلومات متضاربة عن استمرار المعارك، وصمت رسمي من الجيش السوداني بشأن هذه التطورات، وتحذيرات متزايدة من منظمات محلية من كارثة إنسانية في المدينة المحاصرة.
وقالت قوات الدعم السريع في بيان صحفي عبر منصة ((تلغرام)) إنها “تُعلن بكل فخر بسط سيطرتها على مدينة الفاشر، وذلك بعد معارك بطولية” ضد قوات الجيش وحلفائه.
وتابعت أن السيطرة على الفاشر جاءت بعد معارك “طاحنة”، معتبرة “أن انتصار اليوم يُعد محطة مفصلية لما تمثله مدينة الفاشر من رمزية وأهمية استراتيجية وعسكرية في مسار معركة استعادة الدولة”.
وأوضح البيان أن قوات الدعم السريع ستعمل بالتنسيق مع ما يُعرف بـ”حكومة تحالف التأسيس”، وهي حكومة معلنة من قبل الدعم السريع، على “توفير الحماية الكاملة للمدنيين، وتسهيل عودة النازحين إلى منازلهم، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين، بالتعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية”.
ولم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من الجيش السوداني بشأن هذه التطورات.
في حين تشير مصادر محلية وشهود عيان إلى أن الاشتباكات لا تزال متقطعة في بعض الأحياء الشرقية والشمالية من الفاشر.
وقال شهود عيان من الفاشر إن أصوات المدفعية والرصاص لا تزال تُسمع في أطراف المدينة، بينما لجأ المئات من المدنيين إلى الأحياء الغربية الأقل تضررًا أو إلى القرى المجاورة بحثًا عن الأمان.
فيما قالت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر، وهي مجموعات تطوعية، في بيان صحفي اليوم “إن المعارك ما زالت مستمرة داخل المدينة، وما زال المقاتلون صامدين في مواقعهم”.
وأضافت “أن هذه المدينة ستظل صامدة بإرادة أبنائها من القوات المسلحة والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية”.
وأوضحت أن قوات الدعم السريع سيطرت على “الفرقة التي غادرها الجيش منذ سنة ونصف إلى أماكن أكثر تحصينآ”، مشيرة إلى أن مقر الفرقة هو “مجرد مباني خالية ليس لها أهمية عند قيادة الجيش والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية”.
وكانت قوات الدعم السريع قد أعلنت في وقت سابق اليوم السيطرة على المقر الرئيسي للجيش السوداني بمدينة الفاشر.
ونشر مقاتلون تابعون للدعم السريع مقاطع فيديو على منصة ((إكس)) تُظهر احتفالات أمام بوابة مقر الفرقة السادسة مشاة التابعة للجيش السوداني.
لكن المقاومة الشعبية بولاية شمال دارفور، وهي مجموعات مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش السوداني، نفت سقوط الفاشر بيد قوات الدعم السريع.
ووصفت ما يُنشر بأنه “حملة إعلامية مضللة تهدف إلى إثارة الهلع والرعب، بزعم أن دخول رئاسة الفرقة يعني سقوط المدينة”.
وتُعد مدينة الفاشر آخر المراكز الإدارية الكبرى في إقليم دارفور التي كانت لاتزال تحت سيطرة الجيش السوداني، وتكتسب أهمية استراتيجية باعتبارها مقر حكومة شمال دارفور وقيادة الفرقة السادسة مشاة، فضلًا عن موقعها الحيوي الرابط بين ولايات دارفور الخمس.
ومنذ 10 مايو 2024، تدور مواجهات عنيفة في الفاشر بين الجيش السوداني وحلفائه من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى.
ويقاتل إلى جانب الجيش السوداني عدد من الحركات الدارفورية المسلحة التي وقّعت مع الحكومة اتفاق “سلام جوبا” عام 2020، ومن أبرزها حركة تحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة بزعامة جبريل إبراهيم.
وتؤوي مدينة الفاشر مئات الآلاف من النازحين الفارين من مناطق الصراع الأخرى في إقليم دارفور، وتُعد مركزًا إنسانيًا رئيسيًا للمنظمات الدولية العاملة في الإقليم.
وتخضع الفاشر منذ مايو 2024 لحصار شبه كامل فرضته قوات الدعم السريع، التي طوقت المدينة من جميع الاتجاهات ومنعت دخول الإمدادات التجارية والإنسانية، بينما اعتمدت القوات الحكومية على الجسر الجوي لإيصال الإمدادات العسكرية والغذائية.
وحذر مجلس غرف طوارئ شمال دارفور، وهو تحالف لمنظمات المجتمع المدني المحلية، من “كارثة إنسانية مكتملة الأركان” في الفاشر، مع تصاعد عمليات القتل واستهداف الأحياء السكنية وغياب أي تدخل دولي فاعل.
وقال المجلس في بيان اليوم، إن الفاشر تعيش منذ أسابيع على وقع قصف متبادل بين الطرفين، وسط انقطاع كامل لخدمات الكهرباء والمياه والاتصالات، ما يهدد حياة عشرات الآلاف من المدنيين المحاصرين.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 700 ألف مدني نزحوا من الفاشر منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، بينما يعيش من تبقى داخل المدينة في أوضاع إنسانية حرجة، مع تناقص الإمدادات الغذائية والدوائية وتهديد انتشار الأوبئة حياة الأطفال والنساء وكبار السن.
وخلال الأشهر الماضية، دفعت الأمم المتحدة ومجلس الأمن باتجاه التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في الفاشر، غير أن جهود الوساطة الإقليمية والدولية لم تحقق أي اختراق يُذكر، في ظل تعثر المحادثات السياسية واستمرار المعارك في دارفور وكردفان.
ويرى مراقبون أن سيطرة الدعم السريع، إن تأكدت، تمثل تحولًا كبيرًا في ميزان القوى بغرب السودان.
وقال الخبير العسكري السوداني أحمد إسماعيل لوكالة أنباء ((شينخوا)) “إن الفاشر تمثل آخر قاعدة عمليات رئيسية للجيش السوداني في إقليم دارفور”.
وتابع “أن خسارة الجيش للمدينة، إن تأكدت، ستشكل تحوّلًا استراتيجيًا في ميزان القوى لأنها تعني فعليًا خروج الجيش من معظم مناطق دارفور للمرة الأولى منذ بداية الحرب في أبريل 2023”.
بدوره، قال الخبير العسكري السوداني صلاح إسماعيل “إن معركة الفاشر قد تكون نقطة تحوّل في الحرب السودانية، ليس فقط عسكريًا، بل سياسيًا وإنسانيًا أيضًا، لأنها قد تحدد اتجاهات الصراع في الشهور المقبلة، إما نحو تسوية سياسية، أو نحو مزيد من التفكك”.
فيما قال المحلل السياسي السوداني عبد الرحيم السني “إن السيطرة على الفاشر تمنح قوات الدعم السريع مكسبًا تفاوضيًا كبيرًا، لكنها قد تدفع الصراع إلى مرحلة أكثر تعقيدًا، خاصة إذا اتسعت رقعة العمليات باتجاه ولايات كردفان أو مناطق التماس مع وسط البلاد”.
ويخوض الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل 2023 حربًا خلفت عشرات الآلاف من القتلى وملايين النازحين داخل وخارج البلاد.
المصدر: شينخوا
