شؤون آسيوية – حوار : رغد خضور –
تطورت العلاقات الصينية بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة حيث انتقلت من التركيز على التجارة والنفط إلى شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد تشمل التكنولوجيا، والابتكار، والطاقة المتجددة، والحوكمة العالمية.
في هذا الحوار تناولت الدكتورة نجلاء مرعي، أستاذة العلوم السياسية وخبيرة الشؤون الأفريقية في جامعة القاهرة، أهمية مبادرة الحزام والطريق بالنسبة للدول العربية، والدور المحوري الذي تلعبه مصر في تنفيذها بوصفها حلقة وصل رئيسية في حركة التجارة الدولية.
كما ناقشت سبل استفادة الدول العربية من التجربة الصينية في التنمية والتحديث الصناعي، وتستعرض رؤية الصين المستقبلية من خلال خططها الخمسية ومبادراتها العالمية بقيادة الرئيس شي جين بينغ.
السؤال الأول: كيف ترين تطور العلاقات الصينية – العربية خاصة في السنوات الأخيرة؟
العلاقات الصينية العربية شهدت تحولاً واضحاً في السنوات الأخيرة، فبعد أن كانت تتركز على التجارة والنفط، توسعت لتصبح شراكة استراتيجية شاملة. نحن اليوم نتحدث عن تعاون في التكنولوجيا، والسياسة، والأمن، إلى جانب استمرار التعاون الاقتصادي والدعم السياسي المتبادل.
هناك توسع في مجالات التعاون لتشمل التقنيات المتقدمة، فالصين والدول العربية تعملان معاً على استكشاف إمكانات التعاون في المجالات الناشئة المتطورة مثل التجارة الإلكترونية، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية. هذه المجالات على قدر كبير من الأهمية لأنها ترتبط بريادة الأعمال والشركات الناشئة والابتكار، وهو – من وجهة نظري – محور رئيسي في التعاون الثنائي خلال السنوات الأخيرة.
الشركات الصينية ركزت على بناء شبكات الجيل الخامس في عدد من الدول العربية، ما ساهم في رفع مستوى البنية المعلوماتية في تلك الدول. كما دخلت التجارة الإلكترونية الصينية إلى أسواق مثل المغرب والسعودية ومصر وغيرها، وحققت فوائد ملموسة للسكان.
في أغسطس الماضي عُقدت الدورة السابعة لمعرض الصين والدول العربية في الصين، وكانت هذه الدورة مميزة لأنها أولت اهتماماً كبيراً للتقنيات الجديدة والتطبيقات الحديثة، خصوصاً الجيل الخامس، وركزت على احتياجات الدول العربية في مجالات الذكاء الاصطناعي والصناعة الرقمية والحوسبة السحابية.
التقرير السنوي الصادر في أغسطس 2025 أشار إلى أن التعاون العلمي والتكنولوجي أصبح أولوية لتحقيق التنمية الاقتصادية والتحول الصناعي بين الجانبين. حجم التجارة الثنائية بين الصين والدول العربية بلغ 407 مليارات دولار، بزيادة 2.3% على أساس سنوي.
هذا التعاون جاء وفقاً لمبادرة “الحزام والطريق” التي نفذ الجانبان في إطارها أكثر من 200 مشروع، شملت مشروعات للبنية التحتية والموانئ والمناطق الصناعية. هذه المبادرة شكلت نقطة تحول رئيسية في العلاقات الصينية العربية.
وعند استشراف المستقبل، من المتوقع أن تستمر العلاقات في التطور مع تعزيز الشراكة الاستراتيجية، خاصة في مجال الابتكار إلى جانب الاستثمار والطاقة الجديدة أو المتجددة. ومن المقرر أن تُعقد القمة الصينية – العربية الثانية في الصين عام 2026، ومن المنتظر أيضاً أن يشهد هذا العام توسيعاً في التبادل الثقافي بين الجانبين.
السؤال الثاني: ما أهمية مبادرة الحزام والطريق بالنسبة للدول العربية؟ وما دور مصر فيها؟ وإلى أي مدى تستفيد مصر من الشراكات الصينية؟
الدول العربية أمام فرص وتحديات عديدة في إطار مبادرة الحزام والطريق.
من ناحية الفرص، يمتلك العالم العربي أهم الممرات والمضايق العالمية مثل قناة السويس ومضيق هرمز وباب المندب، وهي نقاط ربط أساسية في مشروع الحزام والطريق، ما يمنحه قيمة جيوسياسية كبيرة.
هناك أيضاً فرص لاستقطاب الاستثمارات الضخمة، وهو ما تقوم به السعودية والإمارات ومصر، التي وقعت مع الصين عدداً من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والنقل والبنية التحتية، مما يجعل الصين شريكاً رئيسياً في تطوير البنية التحتية العربية.
من المزايا كذلك تنويع الشركاء الاستراتيجيين وعدم الاعتماد الكامل على الغرب، بحيث تُستخدم “الورقة الصينية” لإعادة التوازن في العلاقات الدولية.
لكن هناك أيضاً مخاطر، مثل الصراع التكنولوجي الرقمي المرتبط بشبكات الجيل الخامس، وتمويل الصين لبعض المشاريع بشروط مالية ثقيلة قد تؤثر على الاستقرار المالي للدول على المدى الطويل، فضلاً عن اعتماد بعض الدول على الصين في مجالات الغذاء أو التكنولوجيا، الأمر الذي قد يكون له تأثير سلبي على القرار الوطني.
العالم العربي اليوم أمام فرصة نادرة للتحول من مجرد ممر تستفيد منه مبادرة الحزام والطريق إلى فاعل رئيسي يحدد الشروط، وهذا يتطلب وجود رؤية عربية استراتيجية موحدة واستقلالاً في القرار الاقتصادي، مع استثمار حقيقي في التكنولوجيا والتعليم.
أما عن دور مصر، فهو محوري في المبادرة بحكم موقعها الجغرافي وقناة السويس التي تربط الصين بالعالم. تشارك مصر في تنفيذ المبادرة عبر مشروعات كبرى مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومحور قناة السويس ومشروعات الطاقة المتجددة، وهي تسهم في تعزيز الشراكة مع الصين ودعم الاقتصاد المصري عبر الاستثمارات وخلق فرص العمل.
كذلك تستفيد مصر من مبادرة “الحزام والطريق” لتأسيس صناعات ثقيلة وتطوير الصناعات المحلية وتدريب العمالة لزيادة كفاءتها الإنتاجية. في المنطقة الصناعية الصينية في العين السخنة (تيدا) تعمل أكثر من 150 شركة باستثمارات تتجاوز 1.6 مليار دولار، وفرت 10 آلاف فرصة عمل مباشرة و50 ألفاً غير مباشرة.
ميزة مبادرة الحزام والطريق أنها طرح مشروعات وكل دولة تختار ما يتماشى مع أجندتها الوطنية أو هدافها الاستراتيجية.
العلاقات المصرية الصينية تتركز على الاستثمارات والتعاون التنموي الرسمي في مجالات مثل الصحة والأقمار الصناعية وبناء القدرات، بما يدعم أجندة مصر 2030.
السؤال الثالث: كيف يمكن أن تستفيد الدول العربية من التجربة الصينية في النهضة والتنمية والتقدم؟
يمكن للدول العربية الاستفادة من التجربة الصينية من خلال تبني استراتيجيات واضحة، مثل بناء البنية التحتية الرقمية، ودعم الشركات الناشئة وريادة الأعمال، وتطوير التعليم والتدريب على المهارات الحديثة، إلى جانب تعزيز الشراكات الاقتصادية الدولية.
من المهم أيضاً التركيز على التنوع الصناعي، وتبني رؤية تنموية وطنية متسقة بين الدول العربية لتعزيز قوتها التفاوضية.
في هذا السياق، أود الإشارة إلى الخطة الخمسية الخامسة عشرة التي ستبدأ في الصين عام 2026، والتي ستدخل التنمية الصينية مرحلة جديدة، وقد تمهد لما يمكن وصفه بـ”العصر الذهبي للتعاون الصيني العربي”.
هذه الخطة تقوم على تطوير قوى إنتاج جديدة عالية التكنولوجيا والكفاءة، ما يفتح مجالات أوسع للتعاون في الابتكار والذكاء الاصطناعي. كما ستركز الصين بشكل أكبر على الأمن الغذائي والطاقة وسلاسل الإمداد، وهي مجالات تلعب فيها الدول العربية دوراً مهماً.
يمكن الاستفادة من الخبرة الصينية في إدارة سلاسل الإمداد، ودعم الأمن الغذائي، والزراعة الذكية، واللوجستيات، كما يُتوقع أن يتوسع التعاون ليشمل الثقافة والتعليم والسياحة.
الدول العربية بدأت بالفعل الاستفادة من التجربة الصينية وانجازاتها من خلال الخطة الخمسية الرابعة عشرة، ومن المتوقع أن تكون الخطة الخامسة عشرة شريكاً أساسياً في تحقيق التحول العربي القادم.
السؤال الرابع: كيف ترين تجربة الرئيس الصيني شي جين بينغ في الحكم ومبادراته في التنمية العالمية والحوكمة والتقدم التكنولوجي؟
تجربة الرئيس الصيني شي جين بينغ تستحق الدراسة والاقتداء، خاصة فيما يتعلق بمكافحة الفساد وإطلاق المبادرات العالمية وتعزيز الرقابة والحكم الرشيد.
بدأت هذه المبادرات بمبادرة الحزام والطريق عام 2013، ثم مبادرة التنمية العالمية، فمبادرة الأمن العالمي عام 2022، التي طرحت رؤية لحل الأزمات الأمنية العالمية عبر الحوار، تلتها مبادرة الحضارة العالمية عام 2023 التي دعت لاحترام التنوع الثقافي، وأخيراً مبادرة الحوكمة العالمية التي أُطلقت في 2025 خلال اجتماع منظمة شنغهاي.
مبادرة الحوكمة العالمية تهدف إلى الربط بين أبعاد التنمية والأمن والحضارة والإدارة من أجل بناء “مجتمع المستقبل المشترك للبشرية”، وتركز على خمسة محاور:
المساواة في السيادة بين الدول، الالتزام بسيادة القانون الدولي، تفعيل التعددية، وضع الشعب في المقام الأول، وهنا نتحدث عن إصلاح واستكمال منظومة الحوكمة العالمية لمواجهة التحديات المشتركة.
أما في الجانب التكنولوجي، فقد اعتمد الرئيس شي على الابتكار كقوة دافعة للتنمية، وأنشأت الصين بالفعل هيئة دولية لتنظيم الذكاء الاصطناعي، وهي خطوة مهمة تعكس اهتمامه بالحوكمة التقنية.
السؤال الخامس: هل سبق لك زيارة الصين؟ وما أبرز ما يلفت اهتمامك في الثقافة الصينية؟
لم أزر الصين بعد، رغم مشاركتي في مؤتمرات علمية عديدة وحصولي على جوائز دولية في مجالي. لكن اهتمامي بالشأن الصيني عميق، إذ تناولت معظم دراساتي وكتبي موضوع التنافس الدولي في إفريقيا، بما في ذلك الدور الصيني الذي ساعد في نهضة الشعوب الأفريقية وفي دعم التنمية والأمن الغذائي ومكافحة الإرهاب في القارة.
أتمنى أن تتاح لي زيارة الصين قريباً، خاصة وأنني أتابع الثقافة الصينية بإعجاب شديد. الثقافة الصينية من أعرق ثقافات العالم، تمتاز باحترام الأسرة والانسجام الاجتماعي، إلى جانب الأدب والفنون البصرية والموسيقى والمطبخ الصيني الشهير.
كما أتابع الأعياد التقليدية مثل رأس السنة الصينية، وأحرص على النقاش مع الأصدقاء المهتمين بالشأن الصيني. تلك الثقافة العريقة تثير إعجاب كل من يتعامل معها، وآمل أن تتاح لي فرصة زيارتها والمشاركة في مؤتمرات علمية هناك، لتكون لي ذكريات وتجارب مباشرة في هذا البلد الذي يجمع بين الأصالة والحداثة.

