قوات الاحتلال الإسرائيلي تتوغل في منطقة في القنيطرة جنوب سوريت
شؤون آسيوية –
د. زكريا ملاحفجي*
دخلت العلاقات بين سورية وإسرائيل مرحلة جديدة من التعقيد، بعد أن احتلت إسرائيل مساحة وقدرها 800 كيلومتر مربع تقريباً، وقامت بأكبر عملية تدمير للقدرات العسكرية للدولة السورية، وقد جاء دخول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى بعض المناطق السورية بمثابة إعلان صريح عن ولادة واقع أمني مختلف وإسقاط ضمني لاتفاقية فصل القوات لعام 1974 التي لطالما حكمت خطوط التماس في الجولان المحتل والجنوب السوري.
استغلت إسرائيل الفراغ السياسي والأمني الذي أعقب سقوط النظام لتكثيف عملياتها العسكرية داخل العمق السوري. وقد شملت هذه العمليات استهدافًا منظّمًا للبنى التحتية العسكرية، ومنشآت الدفاع الجوي، ومراكز البحوث والتصنيع العسكري. وتشير التقديرات المتداولة ضمن هذا السياق إلى أنّ إسرائيل تمكنت من إضعاف ما يصل إلى 80% من القوة العسكرية السورية، في واحدة من أوسع عمليات التجريف العسكري التي عرفتها المنطقة.
أما السيطرة على جبل الشيخ فهي تحوّل استراتيجي حيث مثّلت السيطرة الإسرائيلية على جبل الشيخ (قمة حرمون) نقطة تحول محورية في ميزان القوى. فالموقع الذي يرتفع 2814 مترًا عن سطح البحر يُعد شريانًا استراتيجيًا يطل على ثلاث دول، ويمنح من يسيطر عليه قدرة مراقبة واسعة النطاق.
وقد أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن قواته لن تنسحب من الجبل «مهما كانت الضغوط»، في مؤشر على رغبة إسرائيل في تثبيت واقع جديد يتجاوز حدود اتفاق 1974.
إضافة إلى ذلك، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي تنفيذ أعمال تحصين واسعة في جبل الشيخ وفي مواقع داخل المنطقة العازلة، رغم كون ذلك مخالفًا لبنود اتفاق فضّ الاشتباك 1974م. ويأتي هذا السلوك في إطار تصعيد واضح، خصوصًا بعد تعثر المفاوضات ومحاولة واشنطن الدفع نحو اتفاق أمني جديد.
أما المفاوضات الأمنية بين دمشق وتل أبيب—التي تجري برعاية أمريكية—فقد وصلت إلى طريق مسدود في أكثر من جولة برغم استمرارها وبرغم التمسك السوري فقط بإطار أمني جديد يرسّخ الجغرافيا المستجدة على الأرض. كما ترفض إسرائيل مشاركة روسيا وتركيا في ترتيبات أمنية جنوب سوريا، ما يزيد من تعقيد المشهد.
في المقابل، تصر سوريا على استعادة الأراضي التي دخلتها إسرائيل بعد انهيار نظام بشار الأسد، وتؤكد التزامها بسيادتها من دون الانخراط في اتفاقات سياسية واسعة. وبين هذا الموقف وذاك، تصبح أي تسوية مستقبلية رهينة توازنات إقليمية ودولية متشابكة.
إن استمرار إسرائيل في تعزيز حضورها العسكري وإجراء تحصينات جديدة داخل الأراضي السورية يضع المفاوضات في دائرة الانسداد. ورغم تبرير تل أبيب خطواتها بالحديث عن «الأمن القومي»، فإن خرق اتفاق 1974 يثير تساؤلات حول حدود الالتزام بالمعايير الدولية، خاصة في ظل غياب أي آلية ملزمة تفرض على إسرائيل الانسحاب أو وقف التقدم.
وبرغم قتامة الصورة، تبقى إمكانية الوصول إلى اتفاق أمني قائمة إذا ما نجحت الجهود الدولية في صياغة ترتيبات مشابهة لتجارب أخرى—مثل سيناء—بما يضمن الأمن من دون المساس بسيادة سوريا. ومع ذلك، تبدو الطريق طويلة وسط مشهد متوتر، تتداخل فيه الحسابات الإسرائيلية مع ضغوط أمريكية ومخاوف سورية وإقليمية.
إذ تشير التطورات إلى أن العلاقة السورية–الإسرائيلية، في هذا السيناريو المفترض، تسير نحو تعقيدات كثيرة تتزايد، لاسيما بعد دخول نتنياهو واحتضان إسرائيل ملف السويداء، فهناك توازنات جديدة تُعيد تشكيل الجغرافيا والمشهد الأمني في المنطقة.
وبين تصعيد عسكري وضغط سياسي، تبقى سوريا أمام تحدٍّ استراتيجي كبير في حماية أراضيها وبناء ترتيبات أمنية تحفظ سيادتها، بينما تسعى إسرائيل إلى تثبيت واقع جديد فرضته بقوة السلاح والتحصينات.
*أستاذ جامعي سوري وأمين عام الحركة الوطنية السورية

