نتنياهو وبن غفير قائدا التطرف القومي والديني الصهيونيين
بقلم:
ياشير أسولين – كاتب إسرائيلي –
- إن النتيجة المركزية للحديث داخل أحزاب المعارضة عن إقامة “ائتلاف صهيوني” بعد الانتخابات، والذي يعني استبعاداً مسبقاً للأحزاب العربية، هي حملة الإقصاء الخطِرة التي يقودها بنيامين نتنياهو ضد “الحركة الإسلامية”، وهي في الحقيقة حزب منصور عباس الذي سعى نتنياهو وراءه، وروى بنبرة حزينة في مراسم يوم المحرقة، قبل أعوام، كيف أن عرباً نادوه “أبو يائير”.
- لكن هذا ليس مهماً حقاً؛ في الحقيقة، لا يحتاج نتنياهو إلى رؤساء المعارضة لكي يروّج هذه الحملة، وجوهرها إضعاف القوى التي يمكن أن تُلحق به الهزيمة، وتعزيز قوته بالتحريض ضد العرب في إسرائيل، لكن نتنياهو يفهم السياسة، ويفهم أيضاً الخطاب العام، وما زال حاداً بما يكفي ليدرك النقاط الحساسة لدى شرائح واسعة في المجتمع الإسرائيلي. لذلك، أدرك التوقيت المثالي، من وجهة نظره، لإطلاق حملة ضد عرب اسرائيل، وخصوصاً ضد عباس، وتحديداً بعد أن قام رجال المعارضة، “رجال التغيير” المزعومون، بتهيئة الأرضية له.
- فماذا سيقول هؤلاء الاسرائيليون الذين ربما كانوا سيشعرون بعدم ارتياح لهذه الفكرة المناهضة للديمقراطية، أي استبعاد قوة سياسية شرعية تمثّل جزءاً كبيراً من مواطني اسرائيل؟ سيقولون إنه إذا كان حتى رجال التغيير الليبراليون “الدولاتيون” الذين يرفعون راية الديمقراطية في كل مكان، يستبعدون الممثلين العرب مسبقاً، فلماذا يُلام نتنياهو حين يطلب الذهاب “فقط” خطوة “صغيرة” إضافية إلى الأمام؟ هل يوجد فعلاً اختلاف بينه وبينهم؟
- من المهم فهم آلية عمل هذا النمط؛ فمراراً وتكراراً، يستغل نتنياهو نقاط العمى لدى المعارضة، ولعبتها المزدوجة، ومحاولاتها “الاستراتيجية” المزعومة لمغازلة جماهير مختلفة، لكي يحوّلها إلى أداة تخدم سرديته. والحادثة الحالية ليست سوى عرض لنمط أعمق: معارضة تخشى التطرق إلى الأسئلة الكبرى، وتبحث في أن تكون “على وفاق”، بدلاً من أن تحلم، وتفكر في مفاهيم التموضع، لا في مفاهيم الرؤية، وببساطة، هي تخدم نتنياهو، ليس للمرة الأولى، بل للمرة الألف.
- والآن، مع اقتراب سنة الانتخابات، يجب تكرار ما قيل هنا منذ زمن، وبصوت عالٍ: تبدو المعارضة فارغة، ليس لديها سردية، ولا جدول أعمال، ولا تملك خطاباً لتقدّمه؛ فالمرشحون الحاليون في المواقع الحالية، وفي الخطاب الحالي، ليسوا شجعاناً بما يكفي، وليسوا مُلهمين، أو مجددين، بل يفتقرون إلى سردية جديدة، وأكثر من ذلك، ثمة شعور بأنهم حتى لا يفهمون الحاجة الماسة إلى سردية جديدة.
- والأمر الثاني الذي يجب قوله، مرة أُخرى، لكل مَن يسعون لقيادة تغييرٍ في السياسة الإسرائيلية (المحتضِرة)، هو أن الأصالة هي الشرط الأساسي لأي حملة فعالة في هذا الوقت، ليس مجرد التظاهر بالأصالة، وليست مقاطع الـ”تيك توك”، بل الأصالة الحقيقية، من باب إلى باب، ونقاشات عميقة. على الرغم من كل ما يقوله لكم المستشارون الاستراتيجيون الذين ولّى زمنهم، وعلى الرغم من شبكة الاعتبارات اللامتناهية التي يحملها كل واحد منكم على ظهره، فإن الذين يتجرأون على القفز في البحر، وعلى المخاطرة وتحّدي الوضع القائم فعلاً، وعلى السعي لتواصُلٍ حقيقي ومُلهم ومفكر ومتعاطف ونقدي مع المجتمع الاسرائيلي، هم وحدهم لديهم الفرصة الحقيقية.
- ومن الواضح أن كل سردية كهذه يجب أن تأخذ في الحسبان جميع المواطنين الإسرائيليين، اليهود والعرب، وأن تقترح تحالفات جديدة لم تُعرف هنا من ذي قبل، وأن تطرح أسئلة جريئة وأصيلة عن جذور السردية الإسرائيلية ومنظومات القوة الإسرائيلية، ويجب أن تكون رؤيوية وشعبية ومفعمة بالإلهام والجرأة، وأن تؤمن بالأحلام والخيال والروح الإنسانية، فعلى غرار كلّ مفترق في التاريخ، وكل أدب عظيم، لا توجد، ببساطة، أي طريقة أُخرى لإحداث تغيير حقيقي.
المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

