الإبادة في غزة
بقلم جدعون ليفي – كاتب إسرائيلي –
- تجتمع الصحافة الإسرائيلية مرةً كل بضعة أشهر، عادةً في السينماتك، أو في مسرح “تسافتا”، وتعقد “مؤتمراً طارئاً” من أجل “إنقاذ الإعلام الحر”. يحضر المؤتمر نجوم التلفزيون ومحرروه ومدراؤه وصحافيون آخرون. والكاهنة الكبرى، إيلانا دايان، تُلقي دائماً خطابات حادة، ويخرج الجميع بشعور أنهم يخوضون معركة لإنقاذ الديمقراطية؛ قبل يومين، التقوا مجدداً: “لا ديمقراطية من دون إعلامٍ حر”، كلام جميل وصادق. قالت دايان إن الجرافة D9 تسير من دون مكابح، ولم يسبق لنا أن شهدنا فيلم رعب كهذا.
- هذا كله صحيح، الـD9 تندفع، والإعلام في خطر. قد يظن الضيف أن إعلاماً شجاعاً ومشاكساً يناضل، دفاعاً عن روحه، وعن وجوده وحريته. ما أسهل الانقضاض على شلومو كرعي وغاليت ديستل أتبريان، وما أصعب النظر في المرآة. جاء الإعلام إلى المؤتمر، وعلى جبهته أكبر وصمة عارٍ مُخزية في تاريخه، ولم يكن لها أيّ صدى في المؤتمر؛ مع هذه الوصمة، لا يحق له أن يناضل ضد الحكومة.
- إن أول مَن يتحمل المسؤولية عن أخطر مسٍّ بحُرية التعبير هو الإعلام نفسه. فمَن أسكت صوته في العامَين الأخيرَين ليس الحكومة، بل هو من أسكت نفسه، ولا معارضة في مواجهته؛ الإعلام راقب نفسه طوعاً، وجنّد نفسه لإخفاء الحقيقة، بدافع الجبن واعتبارات تجارية، كي لا يُغضِب جمهوره.
- والرقابة الذاتية أخطر من أيّ رقابة حكومية، أو عسكرية، إذ لا أحد يحتج عليها، ولن يكون هناك أي احتجاجات ضد تغطية الحرب في العامَين الأخيرَين؛ الجميع راضٍ: الناشرون، المحررون، المراسلون، المشاهدون والقرّاء. حتى الجيش مبسوط، فقداسته حُفظت فوق كل شبهة. إخوة متكاتفون، يخبر الإعلام الجمهور فقط بما يريد أن يعرفه.
- فالإعلام الذي كان حراً في الكتابة وتغطية كل شيء، والذي أدخل رؤساء ووزراء إلى السجن بفضل تحقيقاته، اختار أن يقدم للإسرائيليين العاطفة، بدلاً من المعلومة، والابتذال، بدلاً من الموت، والقومية، بدلاً من الحقيقة. يا لجمال إعلامنا، أكثر من عامَين من الخيانة المخزية لدوره في نقل الحقيقة الكاملة عن الحرب.
- لقد فقد الإعلام حقه في توجيه اللوم إلى الحكومة، قبل أن يفحص نفسه. مؤتمر طارئ؟ ممتاز. لكن يجب أن يكون الموضوع: إلى أي حدّ كذبنا، كم أخفينا، إلى أي حدّ تدنسنا وتقاربنا، وإلى أي حدٍّ خدعنا الإسرائيليين. عامان من تغطية الحرب في قطاع غزة من دون الغزيين، ومن الانغماس المستمر في 7 أكتوبر، كأن شيئاً لم يحدث بعده، ومن تقديس الأبطال وتجاهُلٍ كاملٍ للجرائم، حتى من دون تشريعات كرعي، هذه ليست صحافة. لا معنى للدفاع عن صحافةٍ كهذه، ضررُها يفوق نفعها؛ إن محاربي الحرية في مسرح “تسافتا” هم المسؤولون بالدرجة الأولى عن أن صياداً نرويجياً وفلاحاً نمساوياً شاهدا أهوال الحرب أكثر ممن اجتمعوا في “تسافتا”؛ هم المسؤولون عن كونهم صدى أوتوماتيكياً لأكاذيب الجيش، من دون أن يشكوا فيها. عندما يقول سياسي شيئاً للإعلام، يتعامل الجميع معه بسخرية وشكٍّ مشروعَين، لكن عندما يتحدث الجيش، ينتقل الإعلام إلى وضعية الانتباه ويؤدي التحية.
- مزيد ومزيد من قصص الضحية الإسرائيلية، ولا كلمة عن الضحية الغزية المروعة؛ لا أثرَ للبشر في قطاع غزة سوى الأسرى في الأنفاق؛ لا ذرة شك في شرعية الحرب؛ قصف المستشفيات والملاجئ مبرَّر؛ وفي النقاشات المملة في الاستوديوهات، هناك رأي واحد أوحد يبرّر كل شيء. أكثر من مئة معتقل فلسطيني ماتوا في السجون الإسرائيلية، هل حقق الإعلام في ذلك؟ هل اهتم؟ لا شيء. هواء.
- فلنُكافح ضد إغلاق سلطة البث الثانية ومجلس الكابلات والأقمار الصناعية، التي من دونها، ستُخنق الحقيقة؛ ولنناضل ضد إغلاق إذاعة الجيش و”صوت إسرائيل” الحر. هذا ما قالته دايان التي تخشى على مستقبلها في الدولة من دون هذه المؤسسات.
المصدر: صحيفة هآرتس الإسرائيلية – عن نشرة مؤسسة الدراسات الفلسطينية

