شؤون آسيوية – الرياض –

مع حلول الغسق على المدينة الصحراوية مساء يوم الأربعاء، أضاءت قبة مركز الملك فهد الثقافي سماء الرياض ودخل الجمهور حاملين ورود حمراء ويسيرون على سجادة مزينة بالورود لقاعة مغطاة باللونين “الأحمر” و”الذهبي”.

ومع رفع قائد الأوركسترا يوان دينغ عصاه، انطلقت مقدمة “كارمن” المألوفة، رافعةً الستار عن إنتاجٍ كاملٍ لدار الأوبرا الوطنية الصينية، أول أوبرا أوركسترالية كاملة تقدمها الدار في المملكة العربية السعودية، وهي أول مرة تقدم فيها أوبرا كلاسيكية عالمية في المملكة.

شهد العرض امتلاء أكثر من 2500 مقعد، وعندما بدأت أوبرا “هابانيرا” الشهيرة، استمتع العديد من الشباب السعوديين الذين حضروا أول أوبرا لهم بالعرض، وخلال عزف “أغنية توريدور” الحماسية، دوى التصفيق والهتاف في القاعة.

وعن العرض قال إياد، وهو شاب سعودي من بين الحضور “إنها أوبراي الأولى، لكن الألحان مألوفة بالفعل، العرض مذهل، وقوة الأوركسترا لافتة”.

وأضاف صديقه عبد العزيز “هذا يرفع سقف التوقعات، ونتطلع إلى رؤية المزيد من الثقافة الصينية التقليدية في السعودية”.

يصادف هذا العام الذكرى السنوية الـ150 للعرض الأول لأوبرا “كارمن” العام 1875، منذ طرح تحفة الموسيقار الفرنسي جورج بيزيه في الصين العام 1982، قدمت دار الأوبرا الصينية نسختين باللغتين الصينية والفرنسية، خلال أكثر من 300 عرض الذي جذب إشادة واسعة.

وصرح وو تشاو، نائب رئيس دار الأوبرا الصينية “بأن العودة إلى عرض أوبرا “كارمن” في الرياض خلال العام الثقافي الصيني السعودي 2025 تعكس عملية الصقل المستمر للأعمال الكلاسيكية العالمية وانفتاحنا على الحوار بين الحضارات”.

وأضاف “نسعى جاهدين لتجسيد التوق الإنساني العالمي للحرية والحب على أكمل وجه”.

وقال اثنان من الجمهور السعودي عمار وإيمان اللذان كانا يرتديان زيًا إسبانيًا مميزًا “الثقافة خير جسر للتواصل، مشاهدة أوبرا فرنسية تدور أحداثها في إسبانيا، تقدمها فرقة صينية، هنا في السعودية تمثل حضارة في حوار، الأزياء رائعة والغناء جميل”.

وبدوره، قال جاسبر هوب، مستشار الأوبرا في الهيئة الملكية لمدينة الرياض، إن توفير جودة حياة عالية لسكان العاصمة والعاملين فيها يعد من أهم أولوياتها. وأضاف “حجز جميع تذاكر ثلاث دور عرض دليل على ذوق الرياض وحيويتها الثقافية، وخلال السنوات الثلاث أو الأربع المقبلة، سيتم افتتاح المزيد من دور الأوبرا وقاعات الحفلات الموسيقية والمسارح، ونتطلع إلى المزيد من فرق الأوركسترا وفرق الرقص وإنتاجات الأوبرا الصينية، فمدينة الرياض بحاجة إلى عروض ثقافية عالمية المستوى”.

وفى السياق ذاته، قال السفير الصيني لدى السعودية تشانغ هوا “إن تقديم الفنانين الصينيين لأعمال كلاسيكية عالمية هو مثال حي على التعلم المتبادل بين الحضارات”.

وبمناسبة الذكرى الخامسة والثلاثين للعلاقات الدبلوماسية والعام الثقافي الصيني السعودي، أوضح تشانغ “الموسيقى والرقص يتجاوزان حدود اللغة، مما يسهّل التواصل، هذا العرض يبرز ‘القوة الناعمة’ للصين في المملكة، ويمثل لحظة تاريخية في تعميق التبادلات الشعبية”.

وصرّح ماثيو بليدسو، نائب الرئيس التنفيذي لشركة IMG Artists، بأنّ فرق العمل في الصين والمملكة العربية السعودية سابقت الزمن لضمان إقامة العرض الأول في الموعد المحدد، حيث في بكين، قامت شركة ((جينغسي الدولية للإعلام الثقافي))، الشريك التشغيلي الصيني، بتجهيز أربع حاويات بحرية مليئة بالديكورات والدعائم والأزياء، وقامت أيضا بترتيب وثائق السفر والتأشيرات والتأمين وتذاكر الطيران وحجوزات الفنادق للمجموعة

أما في الرياض، عمل فريق العمل في موقع العرض وفريق الإنتاج بجهد، حيث نسقوا آليات المسرح والإضاءة والصوت ونظام الترجمة خطوة بخطوة.

وأضاف بليدسو “عادةً ما يتم تنظيم إنتاجات بهذا الحجم قبل سنوات، بينما هذه المرة، تأخرت الموافقة النهائية، فقمنا بالعمل بسرعة فائقة، وبفضل شركائنا المحترفين، تكاملت كل التفاصيل”.

منذ الأول من سبتمبر الجاري، عملت فرق فنية صينية سعودية مختلطة في نوبات عمل لتركيب واختبار الديكورات المتحركة، وإشارات الإضاءة، وشاشات العرض، وميكروفونات البث، كل تفصيل يهدف إلى إعادة إحياء أجواء شوارع إشبيلية.

على خشبة المسرح، نسجت العباءات الملونة الزاهية، والورود، والضفائر، والدانتيل، إلى جانب الإيقاعات، أجواءً إسبانية نابضة بالحياة، شمل العرض ترجمة باللغات العربية والإنجليزية والصينية، تزامنت بسلاسة مع صوت البث وتغيرات المسرح.

عندما أشرقت “وردة إشبيلية” بشعاع ضوء واحد، وارتفعت الموسيقى تحت القبة، شهد الجمهور شرارات فنية أشعلتها لوجستيات دقيقة وتنفيذ متقن.

وفي هذا الإطار، قال بليدسو “إن مشاركة اللحظة الفنية نفسها في المسرح تقرب الثقافات، ومع تحول الرياض السريع إلى مدينة عالمية، نأمل أن تكون هذه مجرد البداية، سيزور المملكة المزيد من الفنانين والأوركسترا وفرق الرقص وعروض الأوبرا الصينية في السنوات القادمة”.

وعندما رفع الستار الختامي وانحنى الممثلون، وقف الجمهور مصفّقا بحرارة، ودوت صيحات التشجيع وبين باقات الزهور والتصفيق، برزت قوة الفن في عبور اللغات والحدود، والتي تمثلت كلحظة ثقافية مشتركة أثمرها العام الثقافي الصيني السعودي 2025.

المصدر: شينخوا

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *