شؤون آسيوية – خاص –
شهد الشرق الأوسط في الأسابيع الأخيرة سلسلة من التطورات المتسارعة والمتشابكة، تتوزع بين جبهات الصراع في سوريا وقطاع غزة، والاحتقان السياسي في تركيا، والتوتر النووي مع إيران، وصولاً إلى الجهود المصرية لإعادة صياغة موقف عربي مشترك في مواجهة التحديات المتزايدة.
هذه التطورات لا تبدو منعزلة، بل تعكس حالة من إعادة رسم التوازنات الإقليمية والدولية، وسط تصاعد التدخلات الخارجية، خاصة من الولايات المتحدة وإسرائيل.
قطر.. قمة عربية إسلامية وخليجية لإدانة
اختتمت العاصمة القطرية الدوحة أعمال القمة العربية الإسلامية الاستثنائية، التي عُقدت بمشاركة قادة الدول العربية والإسلامية ورؤساء الحكومات والوزراء، وذلك لبحث تداعيات الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف العاصمة القطرية الأسبوع الماضي، في محاولة اغتيال وفد حركة “حماس” المفاوض.
وقد خلصت القمة، إلى جانب اجتماع قادة مجلس التعاون الخليجي، إلى بيانات حازمة تدين الاعتداء وتؤكد التضامن مع قطر، وتدعو لتحرك إقليمي ودولي عاجل لردع إسرائيل ووقف انتهاكاتها.
البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية أدان “بأشد العبارات” الهجوم الإسرائيلي على قطر، معتبراً إياه تقويضاً لعمليات صنع السلام الدولية، ومشيداً بما وصفه “الموقف الحضاري والحكيم” لقطر في التعامل مع الاعتداء. كما جدّد الدعم الكامل لجهود الوساطة التي تضطلع بها كل من قطر ومصر والولايات المتحدة لوقف العدوان على غزة، مشيراً إلى أن الاعتداء على الدوحة جاء بهدف عرقلة هذه الجهود.
كما شدد البيان على رفض أي تبرير للعدوان الإسرائيلي أو تهديداته المتكررة بإمكانية استهداف قطر مجدداً، مؤكداً على التضامن المطلق مع الدوحة والوقوف معها في جميع الإجراءات التي قد تتخذها للرد. وأعرب القادة عن إدانتهم المستمرة لسياسات إسرائيل القائمة على الضم والتهجير وانتهاك القانون الدولي، محذرين من تداعيات خطيرة على الأمن والسلم الإقليميين والدوليين إذا استمرت تل أبيب في ممارساتها.
من جانب آخر، أعلن قادة دول مجلس التعاون الخليجي، في ختام اجتماعهم الطارئ بالدوحة، عن عقد اجتماع عاجل لمجلس الدفاع المشترك، يسبقه اجتماع للجنة العسكرية العليا، لتقييم الوضع الدفاعي في ضوء العدوان على قطر، والبدء بإجراءات لتفعيل آليات الدفاع المشترك وقدرات الردع. وأكد البيان الخليجي أن “أمن دول المجلس كل لا يتجزأ، وأن أي اعتداء على إحداها هو اعتداء على جميعها”، معلنين استعدادهم لتسخير كافة الإمكانيات لدعم قطر وحماية أمنها وسيادتها.
وحذر القادة الخليجيون من أن الاعتداء الإسرائيلي يمثل تهديداً مباشراً للأمن الخليجي المشترك وللسلم والاستقرار الإقليمي، مشيرين إلى أن استمرار سياسات تل أبيب العدوانية ينسف مستقبل التفاهمات القائمة معها ويقوّض جهود تحقيق السلام. كما دعوا المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياتهم وفرض إجراءات رادعة بحق إسرائيل، مؤكدين أن غياب المساءلة شجّعها على التمادي في انتهاكاتها.
وتزامناً مع هذه التطورات، واصل القادة العرب والإسلاميون في بيانهم المشترك التأكيد على التمسك بالأسس والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، وعلى التضامن الثابت مع دولة قطر في مواجهة هذا “العدوان السافر”، مجددين التزامهم بالدفاع عن سيادة الدول الأعضاء وأمنها واستقرارها.
سوريا.. توغلات إسرائيلية ومفاوضات سياسية هشة
شهد ريف درعا الغربي صباح الأحد توغلاً جديداً للقوات الإسرائيلية، حيث اقتحمت قوات الاحتلال بلدتي صيصون وسرية جملة مستخدمة نحو 18 آلية عسكرية، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا)، التوغلات رافقها تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية، ما أثار حالة من القلق بين الأهالي، الذين تحدث بعضهم عن عمليات استجواب ميداني من قبل جنود الاحتلال.
هذا التوغل يأتي استكمالاً لسياسة إسرائيلية قائمة منذ سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، حيث استغلت إسرائيل الفراغ الأمني للتقدم نحو مناطق في الجولان والمنطقة العازلة المنصوص عليها في اتفاق فض الاشتباك لعام 1974.
في هذا السياق، أعلن الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع أن مفاوضات تجري حالياً بين دمشق وإسرائيل بهدف العودة إلى اتفاق فض الاشتباك، مشدداً على أن الحكومة الجديدة متمسكة بالاتفاقيات السابقة رغم حالة التوتر. وأوضح أن إسرائيل اعتبرت، مع سقوط النظام السابق، أن سوريا خرجت من الاتفاق، غير أن بلاده أكدت منذ اللحظة الأولى التزامها به.
وفي مقابلة مع قناة “الإخبارية السورية”، أشار الشرع إلى أن عملية التحرير التي جرت في الثامن من ديسمبر منحت المنطقة فرصة تاريخية، مؤكداً أن سوريا لا تريد أن تعتمد على المساعدات أو القروض ذات الطابع السياسي، بل ترى أن البديل يكمن في فتح أبواب الاستثمار. كما كشف أن إسرائيل كانت تمتلك خطة لتقسيم سوريا، لكنها فوجئت بانهيار النظام السابق.
وعلى صعيد العلاقات الخارجية، أوضح الشرع أن العلاقات مع إيران دخلت مرحلة من البرود، واصفاً الجرح بين الجانبين بالعميق، أما بالنسبة لروسيا، فقد شدد على أهمية الحفاظ على الروابط معها بما يضمن السيادة السورية، لافتاً إلى أن القوات السورية امتنعت خلال المعارك عن مهاجمة قاعدة حميميم، وفي ما يتعلق بمصر، أكد أن العلاقات بين البلدين تسير نحو التحسن.
كما تناول الشرع أحداث السويداء التي شهدت مواجهات دموية بين البدو والدروز، مؤكداً أن الدولة “عملت على وقف سيل الدماء”، وأن لجان تقصي الحقائق ستحدد المسؤوليات.
تركيا.. معركة المعارضة والقضاء
تعيش تركيا واحدة من أعقد لحظاتها السياسية منذ سنوات، حيث تصاعدت الاحتجاجات ضد الرئيس رجب طيب أردوغان بالتزامن مع دعوى قضائية تهدد وجود المعارضة.
في أنقرة، احتشد أكثر من 100 ألف متظاهر في ميدان تاندوغان تحت شعار “أردوغان استقِل”. الحشد الضخم جاء عشية جلسة قضائية قد تعزل زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل.
أوزيل وصف القضية بأنها “انقلاب قضائي”، مؤكداً أن الحكومة “تسعى للتستر على جرائمها ومنع المعارضة من الفوز بالانتخابات”.
القضية المطروحة أمام المحكمة تتعلق بادعاءات حول تزوير ورشاوى في مؤتمر الحزب لعام 2023. وفي حال الحكم ببطلانه، قد يتم تعيين وصي على الحزب، ما يعني عملياً إنهاء استقلالية المعارضة التركية.
خلال المظاهرات، ألقى أوزيل خطاباً نارياً وصف فيه القضية بأنها “انقلاب على الرئيس المقبل”، داعياً إلى انتخابات مبكرة، فيما هتف المتظاهرون “الرئيس إمام أوغلو” في إشارة إلى رئيس بلدية إسطنبول المسجون.
تزامناً، شنت الحكومة حملة اعتقالات واسعة طالت أكثر من 500 عضو من حزب الشعب الجمهوري، بينهم 17 رئيس بلدية. اعتقال أكرم إمام أوغلو في مارس الماضي فجّر أكبر موجة احتجاجات منذ عقد، وأدى إلى هبوط حاد في قيمة الليرة.
فلسطين.. تصعيد مستمر
كشف المفوض العام للأونروا فيليبي لازاريني أن إسرائيل قصفت خلال أربعة أيام فقط 10 مبانٍ تابعة للوكالة في غزة، بينها سبع مدارس وعيادتان تستخدمان كملاجئ. واعتبر لازاريني أنه “لا مكان آمناً في مدينة غزة”، محذراً من كارثة إنسانية متفاقمة.
منذ أغسطس الماضي، دُمّر أكثر من 1600 برج سكني كلياً، ونحو ألفي برج بشكل بليغ، إضافة إلى 13 ألف خيمة، ما أدى لتشريد أكثر من 100 ألف فلسطيني. ومع استمرار الحرب، ارتفعت حصيلة الضحايا إلى أكثر من 64 ألف شهيد و164 ألف جريح، معظمهم أطفال ونساء، وفق المكتب الإعلامي في غزة.
على الصعيد السياسي، أثارت زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو للقدس المحتلة، ومشاركته مع نتنياهو في طقوس عند حائط البراق، موجة غضب واسعة على شبكات التواصل. اعتبر ناشطون أن الزيارة تمثل “استفزازاً صارخاً لمشاعر المسلمين”، فيما وصفها آخرون بأنها دليل على أن “أميركا وإسرائيل وجهان لعملة واحدة”.
نتنياهو وصف الزيارة بأنها “تجسيد لقوة التحالف الأميركي الإسرائيلي”، معتبراً أن العلاقات الثنائية “لم تكن يوماً أقوى”.
إيران.. تهديدات نووية ورد على مجموعة السبع
أعلن مجلس الأمن القومي الإيراني أنه قد يعلّق الترتيبات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا تعرضت منشآتها النووية لأي “إجراء عدائي”. وأكد المجلس أن أي تقارير سترفع للوكالة فقط بعد موافقته، مشدداً على أن إعادة تفعيل قرارات مجلس الأمن الملغاة سيؤدي إلى وقف التعاون.
وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي شدد على أن التفاوض مع الوكالة جاء ضمن “قرارات المجلس الأعلى للأمن القومي”، مضيفاً أن “إيران لم تعد قادرة على التعاون كما في السابق”. وأكد أن المفاوضات مع المدير العام للوكالة رافائيل غروسي أسفرت عن تفاهم “يراعي الهواجس الأمنية الإيرانية”.
رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان إبراهيم عزيزي لوّح بخيار الخروج من معاهدة حظر الانتشار النووي في حال تفعيل “آلية الزناد” الأوروبية.
الخارجية الإيرانية هاجمت بيان مجموعة السبع الذي اتهم طهران بممارسة “القمع العابر للحدود”، مؤكدة أن سياسات الغرب هي التي “عرضت استقرار المنطقة للخطر”.
مصر.. بين التوتر مع إسرائيل والدعوة لقوة عربية مشتركة
نقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤول مصري أن القاهرة حذرت عبر واشنطن من “عواقب وخيمة” إذا حاولت إسرائيل تنفيذ عمليات على الأراضي المصرية. التحذير جاء بعد الغارة الإسرائيلية على الدوحة التي استهدفت وفداً لحماس.
القاهرة، التي دخلت في وساطة مع قطر لوقف الحرب على غزة، شددت على أنها “لن تسمح بتهجير الفلسطينيين”، ولوّحت برد عسكري إذا مسّ العدوان الإسرائيلي السيادة المصرية.
في الوقت ذاته، يسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى إعادة إحياء مشروع تشكيل قوة عربية مشتركة، على غرار الناتو. المشروع الذي طُرح قبل تسع سنوات يعود للواجهة قبيل القمة العربية الإسلامية في الدوحة.
المقترح المصري يقوم على تشكيل قوة قوامها عشرات الآلاف من الجنود، على أن تحتفظ القاهرة بالقيادة الأولى، فيما تمنح القيادة الثانية للسعودية أو إحدى دول الخليج. وتحرص القاهرة على أن لا يتحول المشروع إلى مواجهة مباشرة مع إسرائيل، بل أداة لحماية الدول العربية من أي اعتداء خارجي.
تُظهر هذه المشاهد المتوازية أن الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة من إعادة الاصطفاف، حيث تتقاطع مسارات المقاومة والوساطة، وتتصاعد المخاطر الأمنية، بينما تبدو القوى الدولية مستمرة في توظيف الأزمات بما يخدم مصالحها الاستراتيجية.

