شؤون آسيوية – الدوحة – خاص –
وسط أجواء إقليمية مشحونة، زار وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الدوحة، والتقى الأمير تميم بن حمد آل ثاني لبحث مستقبل العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
حملت هذه الزيارة رسائل مهمة حول تعزيز التعاون الدفاعي، واستقرار قطر في وجه التحديات الأمنية، ودور الدوحة في جهود الوساطة لإنهاء الحرب في قطاع غزة، في وقت يواصل فيه التوتر الإقليمي فرض نفسه على جدول الأعمال الدولي.
اللقاء كشف عن تباين في الأولويات بين واشنطن والدوحة، لكنه أكد في الوقت نفسه على عمق العلاقة الاستراتيجية بين الطرفين، وقدرة قطر على لعب دور مؤثر في تسوية النزاعات الإقليمية.
خلفية الزيارة..
وصل روبيو إلى الدوحة قادماً من تل أبيب، حيث التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأكد هناك على دعم واشنطن الثابت لتل أبيب. غير أن محطته في الدوحة اكتسبت خصوصية بالغة، خاصة بعد الهجوم الإسرائيلي الذي طال الأراضي القطرية قبل أيام، وما تبعه من انعقاد قمة عربية-إسلامية طارئة في الدوحة أدانت الهجوم وأكدت التضامن مع قطر.
وفي تصريحات سبقت وصوله إلى الدوحة، قال روبيو إن بلاده ترى أن هناك “نافذة زمنية قصيرة جداً” للتوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة، مشدداً على أن قطر تبقى “الدولة الوحيدة القادرة على القيام بالوساطة” بين إسرائيل وحركة المقاومة الإسلامية (حماس).
الدفاع أولاً
أفاد الديوان الأميري بأن الشيخ تميم بن حمد آل ثاني استقبل الوزير الأميركي والوفد المرافق له في مكتبه بالديوان الأميري. ووفق البيان الرسمي، تناول اللقاء العلاقات الاستراتيجية بين قطر والولايات المتحدة وسبل تطويرها، خصوصاً في المجال الدفاعي.
كما جرى بحث تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية، مع التطرق إلى الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف إطلاق النار في غزة، وإطلاق سراح الأسرى والرهائن، وخفض التصعيد في المنطقة.
وأكد الجانبان خلال الاجتماع على الأهمية البالغة لتعزيز التعاون الدفاعي الثنائي، حيث كشف روبيو أن واشنطن والدوحة تقتربان من وضع اللمسات النهائية على اتفاقية تعاون دفاعي معززة.
وأوضح أن المباحثات في هذا الشأن ليست جديدة، لكنها اكتسبت زخماً متزايداً في الأسابيع الأخيرة، مع تزايد الحاجة لضمان استقرار المنطقة وحماية أمن قطر.
التصريحات القطرية..
في إفادته الأسبوعية، أوضح المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أن التعاون الدفاعي مع واشنطن كان حاضراً بقوة في محادثات الأمير مع روبيو، مبيناً أن هذا المسار مستمر منذ وقت طويل، وأن الهجوم الأخير عجّل فقط من وتيرة النقاشات دون أن يغير جوهرها.
وأضاف الأنصاري أن “العلاقة الدفاعية بين قطر والولايات المتحدة كانت دائماً قوية، وهي في تزايد مستمر في السنوات الأخيرة”، مشدداً على أن بلاده ماضية في استكمال هذا المسار بما يضمن حماية سيادتها. كما أكد أن الدوحة “ستتخذ الإجراءات اللازمة لعدم تكرار أي اعتداء”، في رسالة واضحة إلى إسرائيل.وحول جهود الوساطة، بدا الأنصاري متشائماً قائلاً إن “المفاوضات لا تبدو واقعية الآن في ظل رغبة إسرائيل باغتيال كل من يتفاوض معها، بل وحتى قصفها لدولة الوساطة نفسها”. لكنه أشار في المقابل إلى أن قطر مستمرة في التنسيق مع الولايات المتحدة ومصر ضمن الجهود الدولية القائمة، رغم صعوبة المرحلة.
إشادة أميركية بالوساطة القطرية..
من جانبها، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية بياناً أكدت فيه أن الوزير روبيو جدد دعم بلاده القوي لأمن وسيادة قطر، وشكرها على ما تبذله من جهود دبلوماسية لوقف الحرب في غزة وإعادة الرهائن.
وأشار البيان إلى أن روبيو ناقش مع القيادة القطرية “التزامنا المشترك بمنطقة أكثر أمناً”، مؤكداً أن واشنطن تنظر إلى الدوحة بوصفها شريكاً لا غنى عنه في إدارة ملفات المنطقة.
كما لفت إلى أن الولايات المتحدة تدرك الدور المحوري الذي تقوم به قطر منذ سنوات، سواء عبر استضافتها المكتب السياسي لحركة حماس، أو عبر تحركاتها المستمرة لتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتصارعة.
مستقبل الوساطة..
بينما أصر روبيو في تصريحاته العلنية على ضرورة أن تواصل قطر دورها الوسيط، عكست التصريحات القطرية قدراً من التحفظ في هذا السياق. فقد شدد الأنصاري على أن الأولوية حالياً هي للتعامل مع تداعيات الهجوم الإسرائيلي، مشيراً إلى أن “الاعتبارات السياسية الأخرى، بما فيها وساطة قطر بشأن حرب غزة، تأتي ثانياً”.
وفي الوقت ذاته، لم تغلق الدوحة الباب أمام أي دور مستقبلي، لكنها ربطت الأمر بتهيئة ظروف أكثر واقعية للمفاوضات، بعيداً عن مناخ التصعيد المستمر.
الدور الدفاعي: من التعاون إلى التحالف..
تشير المعطيات إلى أن ملف الدفاع شكّل المحور الأكثر تقدماً في مباحثات روبيو بالدوحة، فبالإضافة إلى العمل على اتفاقية تعاون دفاعي معززة، ذكرت مصادر دبلوماسية أن المحادثات تشمل أيضاً احتمالات شراء قطر معدات عسكرية أميركية متطورة، في إطار تحديث قدراتها الدفاعية.
وتستضيف قطر بالفعل أكبر قاعدة عسكرية أميركية في الشرق الأوسط (قاعدة العديد الجوية)، والتي تصفها واشنطن بأنها “لا غنى عنها” لعملياتها في المنطقة.
ومع ذلك، يبدو أن التوجه الحالي يسعى إلى توسيع نطاق التعاون ليشمل ضمانات أمنية أعمق، بما يعكس تطور العلاقة من مستوى التعاون إلى مستوى أقرب إلى التحالف الدفاعي.السياق الإقليمي والدوليتأتي زيارة روبيو في توقيت حساس على أكثر من صعيد.
فإلى جانب الحرب المستمرة في غزة منذ نحو عامين، شهدت المنطقة توتراً غير مسبوق بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير الذي استهدف الدوحة. وقد وصفته قطر بأنه “غادر وجبان”، فيما أكد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن واشنطن “لن تسمح بتكراره”، معبّراً عن استيائه من الخطوة الإسرائيلية.
كما انعقدت في الدوحة قمة عربية-إسلامية طارئة أعربت عن تضامن مطلق مع قطر، ودعت إلى مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وهو ما أضاف بعداً سياسياً ودبلوماسياً مهماً لزيارة الوزير الأميركي.
الرسائل المتبادلة..
عكست المباحثات القطرية الأميركية رسائل واضحة من الجانبين، فمن جانب الدوحة، برز حرص القيادة على تأكيد أولوية حماية السيادة الوطنية واتخاذ ما يلزم من إجراءات لضمان عدم تكرار أي اعتداء، مع التشديد على أن المباحثات الدفاعية مع واشنطن باتت أكثر إلحاحاً في ضوء التطورات الأخيرة.
وفي هذا السياق، حرص المسؤولون القطريون على وضع ملف الوساطة في غزة في مرتبة تالية، معتبرين أن الأولوية الآن تكمن في معالجة تداعيات الهجوم الإسرائيلي والرسائل التي يوجهها إلى القانون الدولي.
أما من جانب الولايات المتحدة، فقد حرص الوزير ماركو روبيو على طمأنة قطر بتجديد الالتزام الأميركي بأمنها واستقرارها، والتأكيد أن توقيع اتفاقية دفاعية معززة أصبح هدفاً مشتركاً. كما شدد على أن واشنطن تنظر إلى الدوحة باعتبارها الطرف الأكثر قدرة على الاستمرار في لعب دور الوسيط بين إسرائيل وحركة حماس، في ظل غياب أي بديل واقعي لهذا الدور.
بهذه الطريقة، حملت الزيارة رسائل مزدوجة: دعم أميركي مباشر لأمن قطر، مقابل إصرار أميركي على أن يبقى للدوحة موقع محوري في مسار الجهود الدبلوماسية المتعلقة بغزة.
انعكاسات اللقاء..
أبرزت زيارة وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إلى الدوحة عمق الشراكة الاستراتيجية بين قطر والولايات المتحدة، وخصوصاً في المجال الدفاعي.
كما كشفت عن تباين نسبي في النظرة إلى مستقبل جهود الوساطة في غزة، بين إصرار واشنطن على استمرار الدور القطري، وتريث الدوحة التي فضّلت التركيز على حماية أمنها وسيادتها في هذه المرحلة.
ومع أن الهجوم الإسرائيلي الأخير شكّل الخلفية التي ألقت بظلالها على الزيارة، إلا أن المحادثات القطرية-الأميركية بدت معنية أكثر بتأطير العلاقة الثنائية ضمن إطار دفاعي أكثر صلابة، مع التأكيد على استمرار التنسيق الدبلوماسي في القضايا الإقليمية الكبرى.
وبذلك، يمكن القول إن اللقاء بين الأمير تميم وروبيو مثّل خطوة متقدمة في مسار العلاقات الثنائية، ورسالة واضحة بأن التحالف القطري-الأميركي ماضٍ في التعمق، رغم كل التحديات الإقليمية.